تفاعلت مواقف البطريرك الماروني في باريس. لم يعتدها الذين اعتادوا سماع بكركي صدى مواقفهم السياسية. لكن رأس الكنيسة ذهب إلى فرنسا حاملاً مخاوف على الوجود المسيحي في لبنان والمنطقة، ودعا محدّثيه الفرنسيين إلى تفاديها

 

من باب تأكيد المؤكد، وهو ثوابت بكركي، أجرى البطريرك الماروني مار بطرس بشارة الراعي تقويماً لنتائج زيارته باريس الأسبوع الماضي وحصيلة محادثاته مع المسؤولين الفرنسيين، وعلى رأسهم الرئيس نيكولا ساركوزي، نائياً بنفسه عن الخوض في بعض ردود الفعل عليها. منذ اليوم الأول لانتخابه على رأس الكنيسة المارونية، قرّر أن يمشي الآخرون وراءه، ولا يمشي هو وراء أحد. الكنيسة تتقدّم مجتمعها، والسياسيون يتبعونها.

عندما ذهب إلى فرنسا تلبية لدعوة من ساركوزي، الذي أبرق إليه غداة انتخابه مهنئاً، وموجّهاً إليه الدعوة، كان من أجل أن تصغي باريس إلى ما تتوقعه من بطريرك الموارنة عن أوضاع لبنان ومسيحييه وأحداث العالم العربي. سألوه كيف يقرأها. واستخلص منهم تفهّمهم وجهة نظره والمخاوف التي أبرَزَها، خلافاً لما أشيع عن جانب من محادثاته هناك وبعض ردود الفعل على ما قاله لمحدّثيه: «هم عرضوا ما عندهم، ونحن عرضنا ما عندنا. تكلمت عن مخاوف لا عن حقائق. ليبرهنوا العكس. ليمنعوا حروباً أهلية خبرتها تجربتنا اللبنانية. مخاوفي مبنية على خبرتنا، فعبّرت عنها من أجل استدراك مبكّر. هل يستطيعون طمأنتي إلى العكس؟».

لم يلمس البطريرك أن الفرنسيين تحفظوا.

في أكثر من محور، تناول حزب الله وسلاحه والوجود الفلسطيني في لبنان، قال لمحاوريه: «هناك التزامات مطلوبة منكم، وعليكم القيام بها، واتركوا الباقين علينا».

قال لهم: «اعملوا شغلكم مع الإسرائيليين، ونحن نعمل شغلنا مع حزب الله».

هكذا، في لقاءاته الرسمية كلها، وجد إصغاءً تاماً لما قاله لمحدّثيه، ساركوزي ومستشاريه والمسؤولين الفرنسيين الآخرين في الحكومة ومجلسي النواب والشيوخ الذين توزّعوا طرح الأسئلة، وراحوا يدوّنون أجوبة البطريرك في أوراقهم. لم يذهب إلى باريس لأنها تريد الاحتفاء به شخصياً، بل لطلبها الوقوف على رأي كنيسة تجمعها بفرنسا أجيال مديدة من الصداقة عمرها ألف سنة. تختلف علاقة بكركي بفرنسا عن علاقتها بأميركا. سيذهب إلى هناك في أول تشرين الأول لتفقّد الأبرشيات المارونية. لكنّ لزيارة فرنسا هدفاً مختلفاً مستمداً من تاريخ مختلف. عندما يزور رئيس فرنسي لبنان يزور بكركي.

لم يتشاور الراعي مع الفاتيكان مسبقاً في ما سيقوله في باريس، لأن تطابق مواقفه مع الكرسي الرسولي يجعله في غنى عن ذلك. كلاهما مع رفض العنف والحرب، ومع الإصلاحات وحقوق الشعوب، «لكن البابا الراحل يوحنا بولس الثاني كان أكثر الرافضين احتلال العراق عام 2003 باسم الديموقراطية». وسأل: «هل يُصدّق أحد أن البابا ضد الديموقراطية. كان يرفض تغييراً بالعنف والقوة واستخدام الديموقراطية من أجل الحروب. فإذا بالعراق يقع في حرب مذهبية تصل آثارها إلينا».

قال في مستهل تقويمه زيارة فرنسا: «كانوا يريدون معرفة رأي موضوعي بلا تلاوين ولا ارتهان ولا كذب ولا مصلحة. وهو ما يتوقعونه من بكركي دائماً. ورغم أن الرئيس الفرنسي علماني، سأل باستمرار عن مسيحيي الشرق».

لهؤلاء جميعاً، أكد البطريرك الآتي:

«1 ــ بكركي مع الإصلاحات في دول العالم العربي، بما فيها سوريا، الإصلاحات السياسية والدستورية، ومع الحريات والحقوق التي ينادي بها المواطنون في أي بلد عربي، بما في ذلك سوريا. لكن بكركي أيضاً ضد الحرب والعنف، سواء كان مصدرَهما المسؤولون أو المواطنون. بكركي ضد العنف لأن لبنان ذاق طعم العنف والحرب بقسوة، ولا يريد لسواه اختبار التجربة.

2 ــ تدعم بكركي الديموقراطية في أي بلد، لكنها لا تريد أن ترى ديموقراطية وفق الطريقة التي اتبعت مع العراق، عندما شُنّت عليه الحرب. وعوض أن يبلغ إلى الديموقراطية، غرق في نزاع سني ـــــ شيعي، وأدى ذلك إلى ضرب الوجود المسيحي فيه. خلافاً للغرب العلماني، فإن المجتمعات العربية مذهبية. لا تستوي الديموقراطية مع المذهبية. لذلك ينبغي أن لا يأخذ الغرب بمقاربته ووجهة نظره عندما ينادي بالديموقراطية في بلداننا العربية، بل أن يتفهّم طبيعة مجتمعاتها ويساعدها على النهوض من واقعها المذهبي أولاً.

3 ــ تكمن خشية بكركي في إجراء تحوّل من نظام عربي إلى آخر، بما في ذلك سوريا، من أن يترافق هذا الانتقال مع مجيء أنظمة أكثر تشدّداً، وخصوصاً أن هناك مجموعات مذهبية مموّلة ومسلّحة ومنظّمة تتطلع للوصول إلى السلطة. لذلك، عندما نتحدّث عن هذين الخيارين ـــــ وبكركي لا تؤيد نظاماً عربياً أو تناوئ آخر ـــــ فإن المفاضلة هي بين السيئ والأسوأ. لا نريد أن نصل إلى حرب أهلية في دول مجتمعاتها مذهبية كحال سوريا، حيث هناك سنّة وعلويون. ما يجري الآن هناك أقرب إلى حرب تحت الرماد، أخشى أن تتحوّل حرباً أهلية، يدفع ثمنها المسيحيون في سوريا. البرهان على ذلك ما حصل في العراق ويحصل في مصر.

4 ــ لم ينسَ لبنان حتى الآن محاولات التقسيم التي استهدفته في حربه، وهي تنتقل الآن إلى العالم العربي. فهل هذا هو المقصود؟

5 ــ لفرنسا والأسرة الدولية مسؤولية حيال مشكلات تشكو منها، وأخصّها سلاح حزب الله. ليس مقبولاً ولا منطقياً أن يكون لحزب سلاح، وأن يكون لحزب ممثل في الحكومة ومجلس النواب سلاح. وليس في إمكان أحد تجريده من سلاحه. لكن من غير المنطقي التصدي أيضاً لحزب يقول إنه يريد تحرير بلاده من الاحتلال أو الدفاع عنها. مسؤولية فرنسا والأسرة الدولية هنا أنهما لا تساعدان على تنفيذ القرارات الدولية بحمل إسرائيل على الجلاء عن الأجزاء التي تحتلها في الجنوب، لنزع الذريعة التي يتسلّح بها حزب الله. لا يسع فرنسا والأسرة الدولية أن تلقي بنا في النار وتقولا لنا إننا نحترق.

6 ــ تجاهل القرارات الدولية في ما يتعلق بتحرير لبنان من الاحتلال ينطبق أيضاً على المشكلة الأخرى التي يواجهها، وهي وجود الفلسطينيين على أرضه. نحن نقول بعودة هؤلاء إلى أرضهم بمعزل عن إنشاء الدولة الفلسطينية، لأن ثمة قراراً دولياً بذلك صدر عام 1948 هو القرار 194 يضمن لهم حق العودة. للفلسطينيين في لبنان سلاحهم في المخيمات وخارجها، ونحن نقاوم التوطين ونرفضه. على فرنسا والأسرة الدولية العمل على معالجة هذا الوجود كي لا يتحوّل إلى توطين. التوطين يكاد يكون أمراً واقعاً، ولا يسع لبنان احتمال تداعياته. لا تطلبوا منا حقوقاً اجتماعية للفلسطينيين في لبنان. هذه مسؤوليتكم أنتم والأسرة الدولية عبر تنفيذ القرار 194.

7 ــ القيمة التي يمثّلها لبنان أن المسيحي والمسلم فيه يريدان دولة مدنية. لا يريد المسلم دولة دينية، ولا المسيحي دولة علمانية. اتفقا أيضاً على احترام الأديان. ونحن والمسلمون في خير في لبنان، في الزيجات والحياة الاجتماعية وفي الحكومة ومجلس النواب. مع ذلك، فإن لبنان في محيط نسيجه ديني ومذهبي. ليست لدينا أنظمة قمعية في لبنان، بل دولة تقوم على تداول السلطة خلافاً لمحيطنا، ويقوم فيها اتفاق على تمثّل الجميع فيها. ومن أجل ذلك، يتميّز لبنان عن جواره العربي بأنه دولة ديموقراطية وحرة وتعدّدية. ولأن فرنسا صديقة للبنان، وكذلك الأسرة الدولية، فإنهما مدعوتان إلى المحافظة على لبنان على نحو ما هو عليه، بإعادة الفلسطينيين إلى بلادهم من دون انتظار إنشاء دولتهم وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجزء من بلادنا».

 سورية

 كان الحوار مسهباً في اضطرابات سوريا التي تتخذ منها باريس موقفاً متشدّداً، وتتصرّف على أنها تقود معركة إسقاط الرئيس بشّار الأسد، بالقول تارة إنه فقد شرعيته، والقول أحياناً إن عليه الرحيل، وبالتأكيد دائماً إنه لم يعد مؤهلاً لإجراء إصلاحات لسوريا ولا لقيادتها في المرحلة المقبلة. إلا أن للبطريرك الماروني مقاربة مختلفة، ولم يشأ، كباريس، التوغّل في التفاصيل.

قال لمحدّثيه في معرض إدانة العنف: «لم نكن مرة مع نظام، ولا مع النظام السوري. ولم تقل بكركي بذلك أبداً. الكنيسة غير معنية بدعم أي نظام في أي بلد، بل نحن مع الأنظمة التي تؤمن الخير للمواطنين وتحقق الإصلاحات ومطالب الشعب. لكننا لم نكن مرة مع إحداث تغيير بالعنف».

  • فريق ماسة
  • 2011-09-11
  • 11118
  • من الأرشيف

البطريرك لفرنسا: تلقون بنا فـي النار وتقولون إننا نحترق

تفاعلت مواقف البطريرك الماروني في باريس. لم يعتدها الذين اعتادوا سماع بكركي صدى مواقفهم السياسية. لكن رأس الكنيسة ذهب إلى فرنسا حاملاً مخاوف على الوجود المسيحي في لبنان والمنطقة، ودعا محدّثيه الفرنسيين إلى تفاديها   من باب تأكيد المؤكد، وهو ثوابت بكركي، أجرى البطريرك الماروني مار بطرس بشارة الراعي تقويماً لنتائج زيارته باريس الأسبوع الماضي وحصيلة محادثاته مع المسؤولين الفرنسيين، وعلى رأسهم الرئيس نيكولا ساركوزي، نائياً بنفسه عن الخوض في بعض ردود الفعل عليها. منذ اليوم الأول لانتخابه على رأس الكنيسة المارونية، قرّر أن يمشي الآخرون وراءه، ولا يمشي هو وراء أحد. الكنيسة تتقدّم مجتمعها، والسياسيون يتبعونها. عندما ذهب إلى فرنسا تلبية لدعوة من ساركوزي، الذي أبرق إليه غداة انتخابه مهنئاً، وموجّهاً إليه الدعوة، كان من أجل أن تصغي باريس إلى ما تتوقعه من بطريرك الموارنة عن أوضاع لبنان ومسيحييه وأحداث العالم العربي. سألوه كيف يقرأها. واستخلص منهم تفهّمهم وجهة نظره والمخاوف التي أبرَزَها، خلافاً لما أشيع عن جانب من محادثاته هناك وبعض ردود الفعل على ما قاله لمحدّثيه: «هم عرضوا ما عندهم، ونحن عرضنا ما عندنا. تكلمت عن مخاوف لا عن حقائق. ليبرهنوا العكس. ليمنعوا حروباً أهلية خبرتها تجربتنا اللبنانية. مخاوفي مبنية على خبرتنا، فعبّرت عنها من أجل استدراك مبكّر. هل يستطيعون طمأنتي إلى العكس؟». لم يلمس البطريرك أن الفرنسيين تحفظوا. في أكثر من محور، تناول حزب الله وسلاحه والوجود الفلسطيني في لبنان، قال لمحاوريه: «هناك التزامات مطلوبة منكم، وعليكم القيام بها، واتركوا الباقين علينا». قال لهم: «اعملوا شغلكم مع الإسرائيليين، ونحن نعمل شغلنا مع حزب الله». هكذا، في لقاءاته الرسمية كلها، وجد إصغاءً تاماً لما قاله لمحدّثيه، ساركوزي ومستشاريه والمسؤولين الفرنسيين الآخرين في الحكومة ومجلسي النواب والشيوخ الذين توزّعوا طرح الأسئلة، وراحوا يدوّنون أجوبة البطريرك في أوراقهم. لم يذهب إلى باريس لأنها تريد الاحتفاء به شخصياً، بل لطلبها الوقوف على رأي كنيسة تجمعها بفرنسا أجيال مديدة من الصداقة عمرها ألف سنة. تختلف علاقة بكركي بفرنسا عن علاقتها بأميركا. سيذهب إلى هناك في أول تشرين الأول لتفقّد الأبرشيات المارونية. لكنّ لزيارة فرنسا هدفاً مختلفاً مستمداً من تاريخ مختلف. عندما يزور رئيس فرنسي لبنان يزور بكركي. لم يتشاور الراعي مع الفاتيكان مسبقاً في ما سيقوله في باريس، لأن تطابق مواقفه مع الكرسي الرسولي يجعله في غنى عن ذلك. كلاهما مع رفض العنف والحرب، ومع الإصلاحات وحقوق الشعوب، «لكن البابا الراحل يوحنا بولس الثاني كان أكثر الرافضين احتلال العراق عام 2003 باسم الديموقراطية». وسأل: «هل يُصدّق أحد أن البابا ضد الديموقراطية. كان يرفض تغييراً بالعنف والقوة واستخدام الديموقراطية من أجل الحروب. فإذا بالعراق يقع في حرب مذهبية تصل آثارها إلينا». قال في مستهل تقويمه زيارة فرنسا: «كانوا يريدون معرفة رأي موضوعي بلا تلاوين ولا ارتهان ولا كذب ولا مصلحة. وهو ما يتوقعونه من بكركي دائماً. ورغم أن الرئيس الفرنسي علماني، سأل باستمرار عن مسيحيي الشرق». لهؤلاء جميعاً، أكد البطريرك الآتي: «1 ــ بكركي مع الإصلاحات في دول العالم العربي، بما فيها سوريا، الإصلاحات السياسية والدستورية، ومع الحريات والحقوق التي ينادي بها المواطنون في أي بلد عربي، بما في ذلك سوريا. لكن بكركي أيضاً ضد الحرب والعنف، سواء كان مصدرَهما المسؤولون أو المواطنون. بكركي ضد العنف لأن لبنان ذاق طعم العنف والحرب بقسوة، ولا يريد لسواه اختبار التجربة. 2 ــ تدعم بكركي الديموقراطية في أي بلد، لكنها لا تريد أن ترى ديموقراطية وفق الطريقة التي اتبعت مع العراق، عندما شُنّت عليه الحرب. وعوض أن يبلغ إلى الديموقراطية، غرق في نزاع سني ـــــ شيعي، وأدى ذلك إلى ضرب الوجود المسيحي فيه. خلافاً للغرب العلماني، فإن المجتمعات العربية مذهبية. لا تستوي الديموقراطية مع المذهبية. لذلك ينبغي أن لا يأخذ الغرب بمقاربته ووجهة نظره عندما ينادي بالديموقراطية في بلداننا العربية، بل أن يتفهّم طبيعة مجتمعاتها ويساعدها على النهوض من واقعها المذهبي أولاً. 3 ــ تكمن خشية بكركي في إجراء تحوّل من نظام عربي إلى آخر، بما في ذلك سوريا، من أن يترافق هذا الانتقال مع مجيء أنظمة أكثر تشدّداً، وخصوصاً أن هناك مجموعات مذهبية مموّلة ومسلّحة ومنظّمة تتطلع للوصول إلى السلطة. لذلك، عندما نتحدّث عن هذين الخيارين ـــــ وبكركي لا تؤيد نظاماً عربياً أو تناوئ آخر ـــــ فإن المفاضلة هي بين السيئ والأسوأ. لا نريد أن نصل إلى حرب أهلية في دول مجتمعاتها مذهبية كحال سوريا، حيث هناك سنّة وعلويون. ما يجري الآن هناك أقرب إلى حرب تحت الرماد، أخشى أن تتحوّل حرباً أهلية، يدفع ثمنها المسيحيون في سوريا. البرهان على ذلك ما حصل في العراق ويحصل في مصر. 4 ــ لم ينسَ لبنان حتى الآن محاولات التقسيم التي استهدفته في حربه، وهي تنتقل الآن إلى العالم العربي. فهل هذا هو المقصود؟ 5 ــ لفرنسا والأسرة الدولية مسؤولية حيال مشكلات تشكو منها، وأخصّها سلاح حزب الله. ليس مقبولاً ولا منطقياً أن يكون لحزب سلاح، وأن يكون لحزب ممثل في الحكومة ومجلس النواب سلاح. وليس في إمكان أحد تجريده من سلاحه. لكن من غير المنطقي التصدي أيضاً لحزب يقول إنه يريد تحرير بلاده من الاحتلال أو الدفاع عنها. مسؤولية فرنسا والأسرة الدولية هنا أنهما لا تساعدان على تنفيذ القرارات الدولية بحمل إسرائيل على الجلاء عن الأجزاء التي تحتلها في الجنوب، لنزع الذريعة التي يتسلّح بها حزب الله. لا يسع فرنسا والأسرة الدولية أن تلقي بنا في النار وتقولا لنا إننا نحترق. 6 ــ تجاهل القرارات الدولية في ما يتعلق بتحرير لبنان من الاحتلال ينطبق أيضاً على المشكلة الأخرى التي يواجهها، وهي وجود الفلسطينيين على أرضه. نحن نقول بعودة هؤلاء إلى أرضهم بمعزل عن إنشاء الدولة الفلسطينية، لأن ثمة قراراً دولياً بذلك صدر عام 1948 هو القرار 194 يضمن لهم حق العودة. للفلسطينيين في لبنان سلاحهم في المخيمات وخارجها، ونحن نقاوم التوطين ونرفضه. على فرنسا والأسرة الدولية العمل على معالجة هذا الوجود كي لا يتحوّل إلى توطين. التوطين يكاد يكون أمراً واقعاً، ولا يسع لبنان احتمال تداعياته. لا تطلبوا منا حقوقاً اجتماعية للفلسطينيين في لبنان. هذه مسؤوليتكم أنتم والأسرة الدولية عبر تنفيذ القرار 194. 7 ــ القيمة التي يمثّلها لبنان أن المسيحي والمسلم فيه يريدان دولة مدنية. لا يريد المسلم دولة دينية، ولا المسيحي دولة علمانية. اتفقا أيضاً على احترام الأديان. ونحن والمسلمون في خير في لبنان، في الزيجات والحياة الاجتماعية وفي الحكومة ومجلس النواب. مع ذلك، فإن لبنان في محيط نسيجه ديني ومذهبي. ليست لدينا أنظمة قمعية في لبنان، بل دولة تقوم على تداول السلطة خلافاً لمحيطنا، ويقوم فيها اتفاق على تمثّل الجميع فيها. ومن أجل ذلك، يتميّز لبنان عن جواره العربي بأنه دولة ديموقراطية وحرة وتعدّدية. ولأن فرنسا صديقة للبنان، وكذلك الأسرة الدولية، فإنهما مدعوتان إلى المحافظة على لبنان على نحو ما هو عليه، بإعادة الفلسطينيين إلى بلادهم من دون انتظار إنشاء دولتهم وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجزء من بلادنا».  سورية  كان الحوار مسهباً في اضطرابات سوريا التي تتخذ منها باريس موقفاً متشدّداً، وتتصرّف على أنها تقود معركة إسقاط الرئيس بشّار الأسد، بالقول تارة إنه فقد شرعيته، والقول أحياناً إن عليه الرحيل، وبالتأكيد دائماً إنه لم يعد مؤهلاً لإجراء إصلاحات لسوريا ولا لقيادتها في المرحلة المقبلة. إلا أن للبطريرك الماروني مقاربة مختلفة، ولم يشأ، كباريس، التوغّل في التفاصيل. قال لمحدّثيه في معرض إدانة العنف: «لم نكن مرة مع نظام، ولا مع النظام السوري. ولم تقل بكركي بذلك أبداً. الكنيسة غير معنية بدعم أي نظام في أي بلد، بل نحن مع الأنظمة التي تؤمن الخير للمواطنين وتحقق الإصلاحات ومطالب الشعب. لكننا لم نكن مرة مع إحداث تغيير بالعنف».

المصدر : الاخبار /نقولا ناصيف


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة