لم يكن ليخطر في بال الممثلين التوأمين محمد وأحمد ملص أن يقدما عرضا مسرحيا في معتقل، لكن الأمر حدث فعلا.. فالممثلان الشابان اعتقلا إثر تظاهرة المثقفين في حي الميدان الدمشقي، وفي غرف التحقيق ارتجلا عرض مسرحيتهما "الثورة غدا تؤجل إلى البارحة".

وكان العرض قد سبق أن قدم في إطار "مسرح الغرفة" حيث دأب الشابان على تقديم عروضهما في غرفة في منزل العائلة، كمكان بديل وقد ضاقت مسارح المدينة بتطلعات الشباب.

تقاسم الأخوان ملص في المسرحية دوري متظاهر اعتقل للتو ورجل الأمن الذي يحقق معه. لكن التحقيق سرعان ما يتحول إلى حوار مألوف، بات من يوميات الشارع السوري.

 

تستعاد في الحوار، حسب ما قدم العرض في الأصل أو حسب النسخة التي قدمت خارج السجن، لغة رجل الأمن وسلوكه المرعب تجاه المعتقلين، وكذلك الامتهان الذي يواجهه الناس إثر اعتقالهم.

فيتطرق الحوار، ربما للمرة الأولى على المسرح السوري، لنقاش الانتماء الطائفي. وذلك بهدف الوصول إلى نتيجة مفادها أن كلا الرجلين تختلط أصولهما بمجموعة من الطوائف المتآخية في العمق. فرجل الأمن الذي يتحدث بلغة الساحل السوري سيكتشف أنه ينتمي إلى الطائفة السنية، بينما المتظاهر الذي يتحدث لغة أهل دمشق يتحدر أصلا من الساحل ومن والدة مسيحية.

تقدم شخصية رجل الأمن على نحو كوميدي، أولا عبر تقليده الفاقع للهجة الساحلية، ومن ثم عبر جهله الفاضح الذي يتكشف في طريقة لفظه لكلمة فيسبوك أثناء التحقيق. لكن تلعثم المتظاهر وخوفه وارتباكه كوميدية أيضا، وهذا ما يجعل العرض كذلك.

ينتقد العرض بشدة أداء الإعلام السوري، كما ينتقد مجلس الشعب في صورته المعروفة إزاء خطاب الرئيس. ويؤكد العرض أن السوريين يتأرجحون بين خيارين إما الخوف وإما تلك المدائح على طريقة قصائد نواب المجلس. ويتبدى ذلك حين يتاح للمتظاهر فرصة للقاء الرئيس والتعبير له عما يجري لكن خوفه يمنعه، في حين أن رجل الأمن لا يستطيع أمام الرئيس إلا أن يلقي القصائد والأشعار.

في النهاية يختتم العرض بقراءة الرجلين سورة الفاتحة على أرواح شهداء سوريا جميعا، ليتحول هؤلاء الشهداء إلى قاسم يجمع السلطة والمحتجين.

والجديد في عرض الأخوين ملص بحسب ما أوضحا أنهما اضطرا إلى تقديمه من دون موسيقى، ما قلص مدة العرض إلى سبع عشرة دقيقة. كذلك اقتصرت الأدوات على بطانية وضعها أحمد ملص على بطنه مقلدا رجل الامن ذا الكرش الضخم. أما الضمادات التي وضعت فوق جرح أحمد والتي غطت رأسه إثر تعرضه لضربة هراوة حقيقية، فقد اضطر إلى إزالتها إذ لم تعد تتوافق وهيبة رجل الأمن. أزالها ليضعها على رأس شريكه الذي يلعب دور المتظاهر.

يقول الأخوان ملص أن "الجمهور تشكل من الزملاء المتظاهرين، وقد شكر بعضهم الفرصة التي أتاحت له حضور هذا العرض، كما ضم أيضا معتقلين مؤيدين للنظام كانوا هاجموا السفارتين الأميركية والفرنسية، بالإضافة إلى بعض رجال الأمن في فرع الأمن الجنائي، وهو الأمر الأهم".

يخبر محمد ملص أنه "مع بداية العرض تخوف رجال الأمن وحاولوا إيقافه. لكننا أقنعناهم بالاستمرار". يضيف "والنتيجة، ما لم نتمكن من قوله للمحقق مباشرة، قلناه أثناء العرض".

ويؤكد أحمد ملص أن "ما أمتعنا في هذه التجربة هو التطابق النادر بين المكان المفترض في المسرحية إذ تجري الأحداث في معتقل، ومكان تقديمها".يضيف "هذا العرض جعلنا أكثر إيمانا بمسرح الغرفة، وكذلك أكثر إيمانا بمقولة أعطني مترين مربعين أعطيك مسرحا".

 

ويلفت الأخوان ملص إلى مفارقات الجمهور، "حيث اضطررنا أن نحدد استجابات الجمهور ونضبطها... الضحك ووضع اليد على الفم والتصفيق بالايماء من دون صوت".

 

  • فريق ماسة
  • 2011-07-18
  • 12647
  • من الأرشيف

"الثورة غدا تؤجل إلى البارحة."عنوان مسرحية الاخوين ملص في المعتقل

لم يكن ليخطر في بال الممثلين التوأمين محمد وأحمد ملص أن يقدما عرضا مسرحيا في معتقل، لكن الأمر حدث فعلا.. فالممثلان الشابان اعتقلا إثر تظاهرة المثقفين في حي الميدان الدمشقي، وفي غرف التحقيق ارتجلا عرض مسرحيتهما "الثورة غدا تؤجل إلى البارحة". وكان العرض قد سبق أن قدم في إطار "مسرح الغرفة" حيث دأب الشابان على تقديم عروضهما في غرفة في منزل العائلة، كمكان بديل وقد ضاقت مسارح المدينة بتطلعات الشباب. تقاسم الأخوان ملص في المسرحية دوري متظاهر اعتقل للتو ورجل الأمن الذي يحقق معه. لكن التحقيق سرعان ما يتحول إلى حوار مألوف، بات من يوميات الشارع السوري.   تستعاد في الحوار، حسب ما قدم العرض في الأصل أو حسب النسخة التي قدمت خارج السجن، لغة رجل الأمن وسلوكه المرعب تجاه المعتقلين، وكذلك الامتهان الذي يواجهه الناس إثر اعتقالهم. فيتطرق الحوار، ربما للمرة الأولى على المسرح السوري، لنقاش الانتماء الطائفي. وذلك بهدف الوصول إلى نتيجة مفادها أن كلا الرجلين تختلط أصولهما بمجموعة من الطوائف المتآخية في العمق. فرجل الأمن الذي يتحدث بلغة الساحل السوري سيكتشف أنه ينتمي إلى الطائفة السنية، بينما المتظاهر الذي يتحدث لغة أهل دمشق يتحدر أصلا من الساحل ومن والدة مسيحية. تقدم شخصية رجل الأمن على نحو كوميدي، أولا عبر تقليده الفاقع للهجة الساحلية، ومن ثم عبر جهله الفاضح الذي يتكشف في طريقة لفظه لكلمة فيسبوك أثناء التحقيق. لكن تلعثم المتظاهر وخوفه وارتباكه كوميدية أيضا، وهذا ما يجعل العرض كذلك. ينتقد العرض بشدة أداء الإعلام السوري، كما ينتقد مجلس الشعب في صورته المعروفة إزاء خطاب الرئيس. ويؤكد العرض أن السوريين يتأرجحون بين خيارين إما الخوف وإما تلك المدائح على طريقة قصائد نواب المجلس. ويتبدى ذلك حين يتاح للمتظاهر فرصة للقاء الرئيس والتعبير له عما يجري لكن خوفه يمنعه، في حين أن رجل الأمن لا يستطيع أمام الرئيس إلا أن يلقي القصائد والأشعار. في النهاية يختتم العرض بقراءة الرجلين سورة الفاتحة على أرواح شهداء سوريا جميعا، ليتحول هؤلاء الشهداء إلى قاسم يجمع السلطة والمحتجين. والجديد في عرض الأخوين ملص بحسب ما أوضحا أنهما اضطرا إلى تقديمه من دون موسيقى، ما قلص مدة العرض إلى سبع عشرة دقيقة. كذلك اقتصرت الأدوات على بطانية وضعها أحمد ملص على بطنه مقلدا رجل الامن ذا الكرش الضخم. أما الضمادات التي وضعت فوق جرح أحمد والتي غطت رأسه إثر تعرضه لضربة هراوة حقيقية، فقد اضطر إلى إزالتها إذ لم تعد تتوافق وهيبة رجل الأمن. أزالها ليضعها على رأس شريكه الذي يلعب دور المتظاهر. يقول الأخوان ملص أن "الجمهور تشكل من الزملاء المتظاهرين، وقد شكر بعضهم الفرصة التي أتاحت له حضور هذا العرض، كما ضم أيضا معتقلين مؤيدين للنظام كانوا هاجموا السفارتين الأميركية والفرنسية، بالإضافة إلى بعض رجال الأمن في فرع الأمن الجنائي، وهو الأمر الأهم". يخبر محمد ملص أنه "مع بداية العرض تخوف رجال الأمن وحاولوا إيقافه. لكننا أقنعناهم بالاستمرار". يضيف "والنتيجة، ما لم نتمكن من قوله للمحقق مباشرة، قلناه أثناء العرض". ويؤكد أحمد ملص أن "ما أمتعنا في هذه التجربة هو التطابق النادر بين المكان المفترض في المسرحية إذ تجري الأحداث في معتقل، ومكان تقديمها".يضيف "هذا العرض جعلنا أكثر إيمانا بمسرح الغرفة، وكذلك أكثر إيمانا بمقولة أعطني مترين مربعين أعطيك مسرحا".   ويلفت الأخوان ملص إلى مفارقات الجمهور، "حيث اضطررنا أن نحدد استجابات الجمهور ونضبطها... الضحك ووضع اليد على الفم والتصفيق بالايماء من دون صوت".  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة