دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في إطار تكاثر التشكيلات الجهادية الجديدة في الشمال السوري كانعكاس لما آلت إليه التطورات هناك من تعقيد وانسداد جراء تضارب المصالح والأجندات، أعلنت جماعة جديدة، الثلثاء، عن تشكيل نفسها تحت اسم “حركة المجاهدين في بلاد الشام” واضعةً نصب عينيها ثلاثة أهداف، هي: إزالة الجولاني وحكومته وجماعته؛ إقامة حكومة عادلة موافقة لشرع الله؛ واسترداد أموال وأراضي أهلنا في الشام التي باعتها “هيئة تحرير الشام”.
وجاء تشكيل الجماعة الجديدة – حسب بيان الإعلان عنها- استجابةً لثبوت “انحراف هيئة تحرير الشام عن الصراط المستقيم وانتشار فسادها في المحرّر ووقوع ظلمها على شعبنا الحبيب” لذلك كان الخيار الوحيد هو “أن نستهدف جميع قيادات الهيئة وقواتها التنفيذية التي تحمي وتحفظ سلطانهم وتشارك في ظلم شعبنا”. وطالب البيان مقاتلي الهيئة ممن لا يتوافقون مع سياستها المتبعة بالانشقاق عنها، في حين توعد البقية بالعذاب داعياً المشاركين بالظلم لترك مناصبهم قبل أن “ينزل عليهم سيفنا القوي الشديد”.
واعتبر البيان أن حكم الفصائل المتحالفة مع الهيئة مثل “الجيش الوطني السوري” و “الحزب الاسلامي التركستاني” سيكون كحكم الهيئة إذا تعاونوا معها ضد التشكيل الجديد.
ولم يوفر البيان في رسائله فصيل “حراس الدين” المبايع لتنظيم “القاعدة” والذي دخل مؤخراً في صراع مفتوح ضد “هيئة تحرير الشام”، حيث وجه البيان دعوة إلى عناصر الفصيل للالتحاق بالتشكيل الجديد والمشاركة في قتال الهيئة مخصصاً دعوته للعناصر التي “خذلتها قيادتها الفاشلة”.
في الوقت نفسه، دعا البيان “المقاتلين الأجانب” (المهاجرين) المستقلين، أن يضعوا خلافاتهم جانباً وينضموا للقتال ضد الهيئة، معتبراً أن “قتال الهيئة قضية عامة لا تختص بفصيل دون غيره” مطالباً المواطنين بالانتفاض ضد الهيئة كما انتفضوا ضد نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد. وقد وقّع البيان من قبل جهتين هما “شورى الشرعية” و”شورى العسكرية” في حركة المجاهدين في بلاد الشام.
ويلاحظ في البيان أنه ركّز على شخص أبي محمد الجولاني زعيم “هيئة تحرير الشام” وعلى الممارسات الخاطئة التي تقوم بها جماعته، من دون أن يتطرق من قريب ولا من بعيد إلى التطورات السياسية والعسكرية التي تحيط بملف إدلب، كما لم تصدر عنه أية إشارة إلى روسيا وتركيا اللتين تلعبان أدواراً رئيسية في رسم المشهد هناك تفكيكاً وتركيباً.
وقد يشي ذلك بأن التشكيل الجديد ينطلق من مبدأ الانتقام والثأر واضعاً نصب عينيه تقويض نفوذ الجولاني وجماعته أكثر مما يعنيه التركيز على الجوانب العسكرية والسياسية ذات الأبعاد الاقليمية والدولية.
هذا التضييق في بيكار الأهداف قد يكون مقصوداً في ذاته لمنع انعكاس الخلافات حول الأجندات السياسية والعسكرية بين الفصائل على إمكانية العمل ضد “هيئة تحرير الشام” من أجل تقويض نفوذها ومنعها من تسويق نفسها لاعباً منفرداً مع الأطراف الاقليميين والدوليين من دون أن يكون لها أي منافس.
وتتمثل الملاحظة الثانية في نأي التشكيل الجديد بنفسه عن الجماعات المحسوبة على تنظيم “القاعدة”. ويأتي هذا النأي بعدما ساد اعتقاد مفاده أن التشكيلات الجديدة التي توالدت مؤخراً في إدلب وعملت على استهداف الدوريات الروسية والتركية مثل “كتائب خطاب الشيشاني” و “سرية ابي بكر الصديق” إنما هي جماعات تابعة للقاعدة لكنها آثرت العمل بسرية ومن دون الإعلان عن حقيقة انتمائها.
وبكافة الأحوال، فإن توالد الجماعات “الجهاديّة” بهذه الوتيرة المتسارعة يكشف عن مدى هشاشة الوضع في إدلب وإمكان انقلابه رأساً على عقب في أية لحظة إمّا بمبادرات فردية أو بتدخل استخباراتي من هذه الدولة أو تلك.
وفي هذا السياق، يبدو من غير الواضح، في ظل غموض انتماء التشكيل الجديد، ما هي أسباب وخلفيات الإعلان عنه في هذا التوقيت. هل يقتصر الدافع على التحرك ضد مظالم الجولاني واستبداده في إدارة إدلب، أم أن ثمة أجهزة استخبارات تريد تشجيع ظاهرة الفوضى في إدلب تمهيداً لخلط أوراق المشهد بمجمله.
جميع الاحتمالات واردة، لكن مما لا شك فيه أن استهداف الجولاني بشكل شخصي سيعتبر تصعيداً كبيراً غير مقبول لدى قيادة الهيئة، وقد يدفعها ذلك نحو مزيد من التشدد ضد خصومها من جهة، ونحو مزيد من إظهار الاعتدال أمام الدول الغربية باعتبارها أصبحت مستهدفة من قبل المتشددين، من جهة ثانية.
المصدر :
عبدالله سليمان علي/
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة