بعيدا عن الانقسام اللبناني المعهود بين مادح وقادح وشامت حيال العقوبات الأميركية ضد الوزيرين علي حسن الخليل ويوسف فينيانوس، فإن فهم هذه الخطوة يتطلب توسيع دائرة التحليل الى الصراع الإقليمي والدولي المتصاعد ومركزية لبنان فيه، ذلك أن واشنطن تجد في محاربة الفساد والنقمة الشعبية اللبنانية على الطبقة السياسية التقليدية، وسيلة فضلى لاستكمال سياسة تطويق الهلال الشيعي التي بدأت فعليا بعد قرار ايران تصدير الثورة خارج حدودها والانخراط في حروب وازمات المنطقة من بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت حتى فلسطين وأفغانستان، كما أنها تسرّع خطى التطبيع العربية مع إسرائيل، وتريد لانسحابها العسكري من المنطقة أن يكون آمنا بحيث لا تحل طهران مكانه.

 

ولفهم هذه العقوبات واسبابها الحقيقية يُمكن ملاحظة الأمور التالية:

 

· تطورت مسيرة العقوبات تصاعديا، فكانت في البداية تستهدف حزب الله من أميركا اللاتينية الى الخليج مرورا بالمغرب وافريقيا، ثم رجال اعمال متهمين بتمويل الحزب، فإقفال مصارف.

 

· تطورت أيضا عبر إحجام دولي وعربي عن مساعدة لبنان، بسبب ما وصفته هذه الدول ب “هيمنة الحزب على الدولة اللبنانية

 

· ساهم بها، انهيار الاقتصادين اللبناني والسوري بعد تدهور كبير في اقتصادي سورية وروسيا، والذي رافقه تسليط الضوء على الفساد بشكل كبير، وانهيار العملة الوطنية، الأمر الذي دفع الناس للنزول الى الشوارع وذهب بعضهم الى رفع شعار:” كلن يعني كلن”، كما طُرح بقوة شعار ” الحياد” في لبنان.

 

· اضيف اليها قانون قيصر الأميركي الذي لحظ في بنوده معاقبة كل من يساعد الدولة السورية الحالية سياسيا او امنيا او اقتصاديا، وكان أبرز المقصودين به طبعا لبنان والعراق، كما هدف الى لجم الانفتاح العربي الذي بدأ مع البحرين والامارات على دمشق.

 

· ترافقت عمليات الخنق الاقتصادي بتكثيف سياسة ” المعركة” بين الحروب، بحيث تم اغتيال عدد من القيادات الكبيرة الإيرانية والعراقية واللبنانية المندرجة في إطار المحور بقيادة إيران، وكان أبرز الاغتيالات ذاك الذي أودى بحياة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني. ناهيك عن توسيع دائرة الاستهدافات الإسرائيلية في سوريا.

 

· ترافقت كذلك مع الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، ومع سعي واشنطن لإعادة فرض كل العقوبات على الجمهورية الإسلامية في مجلس الأمن، لكن السعي فشل بسبب معارضة الصين وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي.

 

تبيّن لإدارة دونالد ترامب وحلفائها، ان العقوبات التي أثرت جذريا على إيران وسوريا، بقيت محدودة الأثر على حزب الله، ذلك ان تدفق الدولارت استمر رغم حسم نصف المبلغ تقريبا، وبقيت البيئة الشيعية المؤيدة للحزب اقل تأثرا بما حصل. كما ان جائحة كورونا، والعنف الذي مورس ضد انتفاضة ١٧ تشرين في لبنان إضافة الى تفكك التظاهرات وخفوتها، أمور اعادت تعويم الطبقة السياسية وفي مقدّمها حزب الله.

 

هنا بالضبط حصل تطوران بارزان: تفجير مرفأ بيروت بظروف تزداد غموضا مع الوقت لأسباب مريبة، ومبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون التي سعت للتعاطي مع حزب الله كواقع لا بد منه لوقف الانهيار اللبناني، ولاستعادة دور فرنسي في المنطقة، ولتمرير ما بقي من وقت للانتخابات الرئاسية الأميركية بأقل مخاطر ممكنة من قبل إيران والحزب، ولتوجيه انذار أوروبي من قلب الشرق الأوسط لتركيا.

 

أميركا لا تعارض مبادرة ماكرون، الا اذا ساهمت في تشريع دور حزب الله داخليا وتلميع صورته دوليا. وقد عبّرت هذه الإدارة مؤخرا عن سعيها لتنفيذ “سياسة مختلفة” في لبنان، والتي ظهر سريعا أحد بنودها، وهو توسيع نطاق العقوبات الى حلفاء الحزب داخل طائفته ومن الطوائف الأخرى، وهي لا شك ستُستكمل بوتيرة مدروسة، بحيث تتسارع ضد من يقترب من الحزب وتخفت حيال من يبتعد عنه بغض النظر عن مستوى ودرجة فساد هذا الحليف أو ذاك. فلو كانت المسألة فقط مسألة فساد، فان ثمة رموزا سياسية متجذرة في الفساد ونهب وقتل الناس منذ زمن طويل استُبعدت.

 

لا حرب ولكن :

 

تستعد أميركا حاليا لعدد من الخطوات المهمّة التي تتطلب بقاء الدول المناهضة لها او لإسرائيل في حالة انشغال:

 

· الاحتفال السياسي والإعلامي والدعائي الكبير بتوقيع اتفاق التطبيع بين الامارات وإسرائيل في البيت الأبيض.

 

· تسريع خطوات الانسحاب الأميركية من أفغانستان والعراق، وربما من سوريا لاحقا.

 

· تعزيز وسائل دعم حكومة مصطفى الكاظمي لرفع الصوت أكثر ضد التدخلات الخارجية.

 

· الإعلان عن ترسيم الحدود البحرية والبرية الإسرائيلية مع لبنان.

 

لا أحد يعرف اليوم من سيفوز في الانتخابات الأميركية. ذلك ان الفارق عاد يضيق بين ترامب ومنافسه جو بايدن. الإدارة الأميركية الحالية ترغب بالتفاوض مع طهران لكن بشروط تساعد ترامب انتخابيا ولا تؤثر على إسرائيل. حمل وزير الخارجية السويسري ( بعد اتصال تلقاه من ترامب نفسه) وساطة جديدة الى طهران لكنها اصطدمت برد إيراني يقول ان التفاوض يكون فقط حول الاتفاق النووي ورفع القيود عن التجارة الخارجية لإيران. أي انه لا يشمل الصواريخ الاستراتيجية ولا الدور الإيراني في المنطقة.

 

الطرفان يلعبان على أعصاب بعضيهما البعض. فطهران تعتقد انها قادرة على عقد صفقة جيدة اما مع ترامب إذا ضعف او ما بايدن إذا فاز. وهي ترى انه لم يبق سوى ٣ أشهر من الخنق الاقتصادي تستطيع تحملها. وهي ردت الجميل للأوروبيين في موقفهم من اميركا في مجلس الامن، عبر السماح لمفتش الوكالة الدولية للطاقة بتفتيش منشآن نووية كانت الوكالة تعتبرها مشبوهة.

 

وإذا كانت إسرائيل تكثف الضغوط لمنع أي تقارب أميركي ايراني، فانها لا ترغب بالحرب، طالما انها تحقق نتائج بدونها عبر الانفتاح العربي، ولان وضع الشارع الإسرائيلي المتصاعد بالتظاهرات ضد نتنياهو، وجائحة كورونا لا يسمح بشن حروب خارجية، إضافة الى رفض أميركا دعم أي مغامرة صوب حرب إسرائيل واسعة.

 

روسيا ترد ولكن

 

هنا لا بد من مراقبة الحركة الروسية:

 

· ففيما تجاهد المانيا للحصول على إدانة دولية ضد روسيا بتهمة تسميم المعارض اليكسي نافالي، فجأ ترامب المجتمع الدولي بقوله ان بلاده لا تملك دليلا فعليا على ذلك

 

· بينما تشدد أميركا العقوبات على سوريا، ذهب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على رأس وفد كبير سياسي واقتصادي ومالي، حيث برزت ٣ أمور: أولها السعي لاتفاقات اقتصادية تساهم في تخفيف الضغط عن سوريا، وثانيها القول ان الانتخابات الرئاسية السورية ستجري في موعدها في منتصف العام المقبل وانها شان داخلي، وثالثها عدم ربط الانتخابات بدستور جديد.

 

السؤال هنا هل هذه الأمور تجري ضد اميركا او بالتنسيق معها؟ فواشنطن راغبة بضمان انسحاب آمن من سوريا بشرطين أولهما خروج إيران، وثانيهما ضمان امن إسرائيل. موسكو تستطيع ان تلعب دورا مهما في هذا وأيضا في تأمين موقع جيد للكرد في المستقبل السياسي والاقتصادي السوري. كما انها كررت دعمها لاستمرار وقف اطلاق النار، وهو مطلب أميركي.

 

· فيما كان الجميع يشكر المبادرة الفرنسية، برز موقف روسيا رافضا أولا المشاركة في اجتماعات دعم لبنان التي ترأسها ماكرون عبر الإنترنيت، وثانيا من خلال رفض التدخلات الدولية في لبنان. ولم يخف الرئيس الفرنسي انزعاجه، بل سمّى بالاسم روسيا كدولة راغبة بالهيمنة على المنطقة وعلى معابر الغاز والنفط.

 

· لم تعترض روسيا على التطبيع بين الامارات وإسرائيل وانما اكتفت بالتذكير “بضرورة الالتزام بالقرارات الدولية بغض النظر عن المبادرات الأحادية”، وذلك فيما تواصل الامارات ارسال المساعدات الى سورية التي جاء تعليقها على التطبيع باردا على لسان مستشارة الرئيس السوري الدكتورة بثينة شعبان التي تساءلت عما ستربحه الأمارات من ذلك. الموقف السوري يهدف تشجيع العرب على العودة الى سوريا، ولكنه قد يهدف أيضا الى مساعدة روسيا في دفع اميركا لتعديل موقفها السوري.

 

كل ما تقدّم يقودنا الى نتيجة واحدة: تريد إرادة ترامب إبقاء سيف العقوبات مُسلطا لتمرير هذه المرحلة والدفع باتجاه التفاوض وتأمين انسحاب آمن لها من المنطقة، وتعتبر ان التطبيع العربي الإسرائيلي أحد اهم إنجازاتها، وترغب في اخراج لبنان والعراق من التأثير الإيراني… يُمكننا بالمقابل التفكير بثلاثة أمور من قبل المحور الآخر: الاتفاقية العسكرية بين ايران وسورية، التوجه نحو عمليات عسكرية باسم العشائر السورية ضد القوات الأميركية والتركية. تلويح طهران بالانتقام لقاسم سليماني باي وقت، وإعلان حزب الله انه مستمر بفكرة الانتقام لاحد كوادره بأي زمن. ثم زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الى بيروت واجتماعه بالفصائل الفلسطينية وبأمين عام الحزب السيد حسن نصرالله.

 

في معركة كسر العظم هذه، سيستمر كل طرف في جمع أوراقه، فحزب الله وحلفاؤه سيستمرون في ابراز مكامن التحدي داخليا وخارجيا، وأميركا تستمر في توسيع دائرة العقوبات التي من المرجّح ان تطال أطرافا أخرى في لبنان ( حتى ولو ان لوبيات لبنانية تسعى لابعاد السيف عن رقاب بعض الاطراف المتحالفة مع الحزب وغيرها) ، وذلك حتى يظهر الدخان الأبيض من الانتخابات الأميركية لمعرفة مآلات العلاقة الإيرانية الأميركية من جهة، والأميركية الروسية من جهة ثانية. ولبنان وسوريا بهذا المعنى ورقة جيدة الاستخدام في هذه الوقت الحساس من قبل جميع الأطراف.

  • فريق ماسة
  • 2020-09-12
  • 14174
  • من الأرشيف

ماذا تريد اميركا فعلا من سورية ولبنان؟

بعيدا عن الانقسام اللبناني المعهود بين مادح وقادح وشامت حيال العقوبات الأميركية ضد الوزيرين علي حسن الخليل ويوسف فينيانوس، فإن فهم هذه الخطوة يتطلب توسيع دائرة التحليل الى الصراع الإقليمي والدولي المتصاعد ومركزية لبنان فيه، ذلك أن واشنطن تجد في محاربة الفساد والنقمة الشعبية اللبنانية على الطبقة السياسية التقليدية، وسيلة فضلى لاستكمال سياسة تطويق الهلال الشيعي التي بدأت فعليا بعد قرار ايران تصدير الثورة خارج حدودها والانخراط في حروب وازمات المنطقة من بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت حتى فلسطين وأفغانستان، كما أنها تسرّع خطى التطبيع العربية مع إسرائيل، وتريد لانسحابها العسكري من المنطقة أن يكون آمنا بحيث لا تحل طهران مكانه.   ولفهم هذه العقوبات واسبابها الحقيقية يُمكن ملاحظة الأمور التالية:   · تطورت مسيرة العقوبات تصاعديا، فكانت في البداية تستهدف حزب الله من أميركا اللاتينية الى الخليج مرورا بالمغرب وافريقيا، ثم رجال اعمال متهمين بتمويل الحزب، فإقفال مصارف.   · تطورت أيضا عبر إحجام دولي وعربي عن مساعدة لبنان، بسبب ما وصفته هذه الدول ب “هيمنة الحزب على الدولة اللبنانية”   · ساهم بها، انهيار الاقتصادين اللبناني والسوري بعد تدهور كبير في اقتصادي سورية وروسيا، والذي رافقه تسليط الضوء على الفساد بشكل كبير، وانهيار العملة الوطنية، الأمر الذي دفع الناس للنزول الى الشوارع وذهب بعضهم الى رفع شعار:” كلن يعني كلن”، كما طُرح بقوة شعار ” الحياد” في لبنان.   · اضيف اليها قانون قيصر الأميركي الذي لحظ في بنوده معاقبة كل من يساعد الدولة السورية الحالية سياسيا او امنيا او اقتصاديا، وكان أبرز المقصودين به طبعا لبنان والعراق، كما هدف الى لجم الانفتاح العربي الذي بدأ مع البحرين والامارات على دمشق.   · ترافقت عمليات الخنق الاقتصادي بتكثيف سياسة ” المعركة” بين الحروب، بحيث تم اغتيال عدد من القيادات الكبيرة الإيرانية والعراقية واللبنانية المندرجة في إطار المحور بقيادة إيران، وكان أبرز الاغتيالات ذاك الذي أودى بحياة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني. ناهيك عن توسيع دائرة الاستهدافات الإسرائيلية في سوريا.   · ترافقت كذلك مع الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، ومع سعي واشنطن لإعادة فرض كل العقوبات على الجمهورية الإسلامية في مجلس الأمن، لكن السعي فشل بسبب معارضة الصين وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي.   تبيّن لإدارة دونالد ترامب وحلفائها، ان العقوبات التي أثرت جذريا على إيران وسوريا، بقيت محدودة الأثر على حزب الله، ذلك ان تدفق الدولارت استمر رغم حسم نصف المبلغ تقريبا، وبقيت البيئة الشيعية المؤيدة للحزب اقل تأثرا بما حصل. كما ان جائحة كورونا، والعنف الذي مورس ضد انتفاضة ١٧ تشرين في لبنان إضافة الى تفكك التظاهرات وخفوتها، أمور اعادت تعويم الطبقة السياسية وفي مقدّمها حزب الله.   هنا بالضبط حصل تطوران بارزان: تفجير مرفأ بيروت بظروف تزداد غموضا مع الوقت لأسباب مريبة، ومبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون التي سعت للتعاطي مع حزب الله كواقع لا بد منه لوقف الانهيار اللبناني، ولاستعادة دور فرنسي في المنطقة، ولتمرير ما بقي من وقت للانتخابات الرئاسية الأميركية بأقل مخاطر ممكنة من قبل إيران والحزب، ولتوجيه انذار أوروبي من قلب الشرق الأوسط لتركيا.   أميركا لا تعارض مبادرة ماكرون، الا اذا ساهمت في تشريع دور حزب الله داخليا وتلميع صورته دوليا. وقد عبّرت هذه الإدارة مؤخرا عن سعيها لتنفيذ “سياسة مختلفة” في لبنان، والتي ظهر سريعا أحد بنودها، وهو توسيع نطاق العقوبات الى حلفاء الحزب داخل طائفته ومن الطوائف الأخرى، وهي لا شك ستُستكمل بوتيرة مدروسة، بحيث تتسارع ضد من يقترب من الحزب وتخفت حيال من يبتعد عنه بغض النظر عن مستوى ودرجة فساد هذا الحليف أو ذاك. فلو كانت المسألة فقط مسألة فساد، فان ثمة رموزا سياسية متجذرة في الفساد ونهب وقتل الناس منذ زمن طويل استُبعدت.   لا حرب ولكن :   تستعد أميركا حاليا لعدد من الخطوات المهمّة التي تتطلب بقاء الدول المناهضة لها او لإسرائيل في حالة انشغال:   · الاحتفال السياسي والإعلامي والدعائي الكبير بتوقيع اتفاق التطبيع بين الامارات وإسرائيل في البيت الأبيض.   · تسريع خطوات الانسحاب الأميركية من أفغانستان والعراق، وربما من سوريا لاحقا.   · تعزيز وسائل دعم حكومة مصطفى الكاظمي لرفع الصوت أكثر ضد التدخلات الخارجية.   · الإعلان عن ترسيم الحدود البحرية والبرية الإسرائيلية مع لبنان.   لا أحد يعرف اليوم من سيفوز في الانتخابات الأميركية. ذلك ان الفارق عاد يضيق بين ترامب ومنافسه جو بايدن. الإدارة الأميركية الحالية ترغب بالتفاوض مع طهران لكن بشروط تساعد ترامب انتخابيا ولا تؤثر على إسرائيل. حمل وزير الخارجية السويسري ( بعد اتصال تلقاه من ترامب نفسه) وساطة جديدة الى طهران لكنها اصطدمت برد إيراني يقول ان التفاوض يكون فقط حول الاتفاق النووي ورفع القيود عن التجارة الخارجية لإيران. أي انه لا يشمل الصواريخ الاستراتيجية ولا الدور الإيراني في المنطقة.   الطرفان يلعبان على أعصاب بعضيهما البعض. فطهران تعتقد انها قادرة على عقد صفقة جيدة اما مع ترامب إذا ضعف او ما بايدن إذا فاز. وهي ترى انه لم يبق سوى ٣ أشهر من الخنق الاقتصادي تستطيع تحملها. وهي ردت الجميل للأوروبيين في موقفهم من اميركا في مجلس الامن، عبر السماح لمفتش الوكالة الدولية للطاقة بتفتيش منشآن نووية كانت الوكالة تعتبرها مشبوهة.   وإذا كانت إسرائيل تكثف الضغوط لمنع أي تقارب أميركي ايراني، فانها لا ترغب بالحرب، طالما انها تحقق نتائج بدونها عبر الانفتاح العربي، ولان وضع الشارع الإسرائيلي المتصاعد بالتظاهرات ضد نتنياهو، وجائحة كورونا لا يسمح بشن حروب خارجية، إضافة الى رفض أميركا دعم أي مغامرة صوب حرب إسرائيل واسعة.   روسيا ترد ولكن   هنا لا بد من مراقبة الحركة الروسية:   · ففيما تجاهد المانيا للحصول على إدانة دولية ضد روسيا بتهمة تسميم المعارض اليكسي نافالي، فجأ ترامب المجتمع الدولي بقوله ان بلاده لا تملك دليلا فعليا على ذلك   · بينما تشدد أميركا العقوبات على سوريا، ذهب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على رأس وفد كبير سياسي واقتصادي ومالي، حيث برزت ٣ أمور: أولها السعي لاتفاقات اقتصادية تساهم في تخفيف الضغط عن سوريا، وثانيها القول ان الانتخابات الرئاسية السورية ستجري في موعدها في منتصف العام المقبل وانها شان داخلي، وثالثها عدم ربط الانتخابات بدستور جديد.   السؤال هنا هل هذه الأمور تجري ضد اميركا او بالتنسيق معها؟ فواشنطن راغبة بضمان انسحاب آمن من سوريا بشرطين أولهما خروج إيران، وثانيهما ضمان امن إسرائيل. موسكو تستطيع ان تلعب دورا مهما في هذا وأيضا في تأمين موقع جيد للكرد في المستقبل السياسي والاقتصادي السوري. كما انها كررت دعمها لاستمرار وقف اطلاق النار، وهو مطلب أميركي.   · فيما كان الجميع يشكر المبادرة الفرنسية، برز موقف روسيا رافضا أولا المشاركة في اجتماعات دعم لبنان التي ترأسها ماكرون عبر الإنترنيت، وثانيا من خلال رفض التدخلات الدولية في لبنان. ولم يخف الرئيس الفرنسي انزعاجه، بل سمّى بالاسم روسيا كدولة راغبة بالهيمنة على المنطقة وعلى معابر الغاز والنفط.   · لم تعترض روسيا على التطبيع بين الامارات وإسرائيل وانما اكتفت بالتذكير “بضرورة الالتزام بالقرارات الدولية بغض النظر عن المبادرات الأحادية”، وذلك فيما تواصل الامارات ارسال المساعدات الى سورية التي جاء تعليقها على التطبيع باردا على لسان مستشارة الرئيس السوري الدكتورة بثينة شعبان التي تساءلت عما ستربحه الأمارات من ذلك. الموقف السوري يهدف تشجيع العرب على العودة الى سوريا، ولكنه قد يهدف أيضا الى مساعدة روسيا في دفع اميركا لتعديل موقفها السوري.   كل ما تقدّم يقودنا الى نتيجة واحدة: تريد إرادة ترامب إبقاء سيف العقوبات مُسلطا لتمرير هذه المرحلة والدفع باتجاه التفاوض وتأمين انسحاب آمن لها من المنطقة، وتعتبر ان التطبيع العربي الإسرائيلي أحد اهم إنجازاتها، وترغب في اخراج لبنان والعراق من التأثير الإيراني… يُمكننا بالمقابل التفكير بثلاثة أمور من قبل المحور الآخر: الاتفاقية العسكرية بين ايران وسورية، التوجه نحو عمليات عسكرية باسم العشائر السورية ضد القوات الأميركية والتركية. تلويح طهران بالانتقام لقاسم سليماني باي وقت، وإعلان حزب الله انه مستمر بفكرة الانتقام لاحد كوادره بأي زمن. ثم زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الى بيروت واجتماعه بالفصائل الفلسطينية وبأمين عام الحزب السيد حسن نصرالله.   في معركة كسر العظم هذه، سيستمر كل طرف في جمع أوراقه، فحزب الله وحلفاؤه سيستمرون في ابراز مكامن التحدي داخليا وخارجيا، وأميركا تستمر في توسيع دائرة العقوبات التي من المرجّح ان تطال أطرافا أخرى في لبنان ( حتى ولو ان لوبيات لبنانية تسعى لابعاد السيف عن رقاب بعض الاطراف المتحالفة مع الحزب وغيرها) ، وذلك حتى يظهر الدخان الأبيض من الانتخابات الأميركية لمعرفة مآلات العلاقة الإيرانية الأميركية من جهة، والأميركية الروسية من جهة ثانية. ولبنان وسوريا بهذا المعنى ورقة جيدة الاستخدام في هذه الوقت الحساس من قبل جميع الأطراف.

المصدر : سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة