دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بدت زيارة الوفد الروسي الثقيل الوزن إلى دمشق هادئه إذ كان عنوانها العريض والذي تمحور حول دعم الاقتصاد السوري عبر ما يقارب أربعين اتفاقية تتيح للجانب السوري مواجهة قانون قيصر والحصار الاقتصادي الامريكي على دمشق، واعطت التغطيات الاعلامية مساحات واسعة للزيارة الروسية في شقيها الاقتصادي والسياسي على وجه الخصوص، حيث وصف وزير الخارجية السوري وليد المعلم المحادثات بين وزير الخارجية الروسي والرئيس بشار الأسد بالبناءة والمثمرة للغاية وفي هذا إشارة هامة لمضامين النتائج المرتقبة لهذه الزيارة، في حين عبر لافروف خلال المؤتمر الصحفي بأن الميزة الأهم في هذه المرحلة أن سوريا انتصرت بدعم روسيا على الارهاب الخارجي والذي سعى إلى تدميرها وأن عمليات دحر الارهاب متواصلة بدعم من روسيا، ومثل هذا الحديث يحمل مدخلاً مهماً للحديث عن الزيارة الروسية في شقها العسكري .
روسيا الغائبة عن الساحة الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، عادت وبقوة من البوابة السورية، لتجد في دعمها وتأييدها للدولة السورية المدخل الأقوى لحضورها الدولي، وهذا بالفعل ما جعلها لاعباً محورياً في إدارة العديد من الأزمات الدولية، ومكنّها من تصدير المواقف وتسجيل النقاط على قوى دولية كبرى، ليصل الروس إلى قناعة بأن الحفاظ على الدولة السورية بكل كياناتها هو حفاظ على هذه المكانة الروسية في العالم وحماية لمصالحها وتعزيز لحضورها الدولي الكبير، وفي كل هذا جانب مهم من الخلفيات الحقيقية لهذه الزيارة الروسية ذات العيال الثقيل في شخوصها وفي عناوينها وخاصة في عنوانها العسكري .
ما يجب الاشارة اليه ابتداءاً هو وصول الوفد العسكري الروسي إلى قاعدة حميميم العسكرية قبل يوم من وصول الوفد الروسي السياسي والاقتصادي، مما يعني الحرص الروسي على استكمال ما كان قد بدأه في سوريا من محاربة الارهاب، وحضوره هذه المرة بكل هذه المسارات السياسية والاقتصادية والعسكرية وهو ما عبر عنه تنوع الوفود التي زارت سوريا بعناوينها السياسية والاقتصادية والعسكرية.
طغى الحديث الاعلامي لزيارة الوفود الروسية على الاضاءة للجوانب السياسية والاقتصادية من الزيارة، فيما لم يعطي التفافة واضحة للزيارة بعنوانها وشقها العسكري، مع ما للحديث عن الجانب العسكري من أهمية تتيح لبقية المسارات وضعاً أفضل لتحقيق انجازات على صعيدها سواءاً المسار السياسي أو المسار الاقتصادي، ولقراءة الزيارة الروسية ببعدها العسكري يلزمنا أولاً أن تضع جملة من المعطيات ذات الطابع الميداني والعسكري والتي نستطيع من خلالها فهم أبعاد زيارة الوفد العسكري الروسي لدمشق وما الذي يمكن توقعه من نتائج على المستوى العسكري لهذه الزيارة المهمة في توقيتها وفي مدلولاتها والتي سنأتي على الأهم منها .
انتهاء المهلة الروسية المعطاة للتركي والمترتب عليها إعادة فتح الطريق الدولي M4 وهو ما لم يتم الالتزام به من قبل الجانب التركي، والذي عمد مؤخراً إلى الإيهام بأنه طرف مستهدف من قبل الجماعات الارهابية ذات الارتباط المباشر به، هذا بجانب استمرار دخول ارتال عسكرية تركية إلى مناطق خفض التصعيد، واستحضر قوات النخبة التركية (اصحاب القبعات المارونية) والتي توازي في قدراتها قوات الكوماندوز الامريكية، كل هذا في تصعيد تركي واضح يهدف لتكريس احتلاله للمناطق السورية .
وصول المزيد من القوات الامريكية المحتلة الى الشمال السوري برفقة قوات عسكرية سعودية واماراتية مما يحمل مدلولات هامة منها وجود مخطط يُعد له أمريكياً من أهم مضامينه هو استهداف المقاومة الشعبية السورية ومحاولات إخمادها بعد أن تلقى الامريكيون ضربات موجعة من قبل هذه المقاومة، وكان الاستهداف عبر انعاش داعش من جديد في البادية السورية، وكذا تحريك اطراف داخلية ذات ارتباطات سعودية اماراتية، وكان من نتائج هذه التواجد ظهور الارتباط في مناطق البادية السورية والتي كان قد حررها الجيش وهي مناطق نقطية وغازية وفيها تواجد عسكري روسي، مما يعني استهداف المصالح الروسية في تلك المناطق عبر هذه التحرك الامريكي وهو ما فهمه الروس ولعله أحد أهم خلفيات وجود الوفد العسكري الروسي ضمن الوفد الزائر لدمشق .
لأول مرة في تاريخ الحرب على سوريا تشهد الساحة السورية حالة صدام مباشر بين القوات الروسية والقوات الامريكية، بما يعكسه هذا الصدام من حالة توتر متصاعدة بين الطرفين، هذا الأمر فرض على الروس المزيد من الحضور والتعاون العسكري مع الدولة السورية في سبيل مواجهة التحديات على المستوى العسكري في الصدارة الاحتلال الامريكي .
استهداف المحتل الامريكي لحاجز الجيش السوري مما أدى الى استشهاد عناصر منه يمثل تطوراً خطيراً من ناحية السلوك الامريكي العدائي، وهو مشهد يعلن عن تحول الامريكي من لص للنفط السوري إلى انخراطه بشكل مباشر لقتال الجيش السوري الذي يواصل مسيرته في محاربة الارهاب العالمي على الارض السورية، هذا المشهد العدائي الامريكي استكمال عناصره التحرك العدائي الكردي والذي عمد إلى استهداف مؤسسات الدولة السورية وسرقتها يؤكد النزعة الانفصالية والتي يغذيها الامريكي والاسرائيلي، وهذا في خطوة متوازية لممارسات أمريكية تستهدف مقومات الدولة السورية .
ولنا أن نجمل معطيات المرحلة السابقة بدأً من تنشيط داعش وتصاعد استمرار الاعمال العدائية الكردية بالاضافة لوصول التعزيزات الامريكية التركية وكذا عودة تحريك الخلايا الارهابية في مناطق خفض التصعيد واستهدافها للمدنيين والنقاط العسكرية السورية بجانب الاعمال الارهابية الاخيرة والتي استهدفت بنى الدولة السورية الاقتصادية كل هذه التحركات دفعت بالروسي لإرسال وفده العسكري القادم من المحيط إلى البحر المتوسط ليصل قاعدة حميميم العسكرية قبل وصول الوفد السياسي والاقتصادي لينضم إليه في اليوم التالي من وصوله، وهذا يحمل إشارة واضحة بأهمية الملف العسكري وفي مقدمة ذلك القضاء على الارهاب، على اعتباره أنه لا يمكن تحقيق تقدم في المسار السياسي والاقتصادي في ظل وجود الارهاب والاحتلال .
الايام القليلة المقبلة تحمل مفاجآت على الصعيد العسكري والميداني، ولنا أن نضع كل توقعاتنا في هذا المقام وأولها هو إنهاء وحسم ملف إدلب عسكرياً، وتعزيز وتطوير المقاومة الشعبية بأقوى مما هي عليه، ولا نغفل هنا من طرح مؤشر مهم لكل هذه التوقعات وهو وصول قوات عسكرية سورية لتعزيز النقاط في مدينة سراقب الاسترايتجية ومحيطها، وبإضافة هذا التحضير السوري الى الزيارة العسكرية الروسية يعني أن هناك تحضير مشترك على مستوى عالٍ لعمليات عسكرية حاسمة تؤكد إرادة الدولة السورية والحليف الروسي في استكمال ما قد بدأوه في حربهم ضد العصابات الارهابية ومشغليها الإقليميين والدوليين .
المصدر :
الماسة السورية / رأي اليوم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة