دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كان لافتاً ما ظهر من معطيات تستدعي التوقف عندها، لناحية ما قاله قبطان السفينة "روسوس" التي نقلت الأمونيوم إلى لبنان وما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركيّة.
فور وصوله إلى بيروت، وعلى الرغم من أنَّ أهداف زيارته كانت محدّدة في الأساس بمتابعة النقاش بملفّ ترسيم الحدود اللبنانية البحرية مع فلسطين المحتلَّة، إضافةً إلى موضوع تشكيل الحكومة اللبنانيّة بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، فقد أعلن ديفيد هيل، موفد الإدارة الأميركية، أنَّ هناك فريقاً من مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي سيشارك في التحقيقات التي تجريها السلطات اللبنانية في انفجار مرفأ بيروت، وذلك، بحسب ادّعائه، تلبية لدعوة من الدولة اللبنانية.
يتلاقى الدخول الأميركي حالياً على خطّ التحقيق في انفجار بيروت، مع دعوات داخلية لبنانية مشبوهة، كانت قد طالبت بتحقيق دولي، على خلفية عدم ثقتها بالقضاء اللبناني، وذلك مباشرة بعد الانفجار، وقبل أن يتبيَّن أي من الخيوط أو المعطيات أو الظروف المتعلّقة بالانفجار.
وكان لافتاً ما ظهر من معطيات تستدعي التوقف عندها، لناحية ما قاله قبطان السفينة "روسوس" التي نقلت الأمونيوم إلى لبنان، بوريس بروكوشوف، لـ"الميادين"، وما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركيّة عن برقيّة دبلوماسيّة أميركيّة صدرت يوم الجمعة الماضي، بعد 3 أيام من انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس الجاري، توضح أنّ متعاقداً أميركيّاً يعمل مع الجيش الأميركي، حذّر قبل 4 أعوام تقريباً من أنَّ المرفأ يحتوي على مخبأ كبير للمواد القابلة للانفجار والمخزّنة بطريقة غير آمنة.
أمام كلّ هذه المعطيات التي تطرح العديد من التساؤلات، هل يمكن إيجاد أيّ دور للأميركيين في هذه القضيّة؟ وهل يمكن الوقوف على أسباب هذا الغموض وعدم الوضوح في مسار الباخرة التي حملت النيترات إلى بيروت؟ وكيف يرتبط هذا الغموض مع التخبّط الإداري والأمني والسياسي اللبناني في معالجة كمية النيترات، لناحية إفراغها ومصادرتها وتخزينها، وصولاً إلى الانفجار القاتل؟
في الواقع، ومن خلال إجراء مقاربة سريعة لشروط وإجراءات الشّحن واستقبال البضائع في لبنان أو أي دولة أخرى، تبقى هناك تعليمات أساسية في موضوع استيراد البضائع لا يتم تجاوزها، مهما كانت الظروف، وتتعلَّق بعدم إدخال أي بضاعة إلى لبنان أو أيّ دولة بشكل عام، إذا لم يكن هناك مالك أو طالب لهذه البضاعة متواجد في الأراضي اللبنانية، سواء كان فرداً أو شركة أو مؤسسة خاصة أو عامة، ومن المفترض أن يملك ترخيصاً باستيراد تلك المواد والتعامل معها، إضافةً طبعاً إلى وجوب أن تكون هذه البضاعة مستوفية للشروط العامة والخاصة للاستيراد، والتي تتعلَّق بالسلامة العامة، وبأن لا تكون من الممنوعات أو المحظورات وما شابه.
هذه الشروط المذكورة أعلاه لم تتوفر بتاتاً في كمية نيترات الأمونيوم التي تم إفراغها في لبنان في بداية العام 2014، ووضعها في عنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، الخاصّ بالمصادرات بشكل عام، لناحية عدم وجود مالك أو طالب لها في لبنان، أو لناحية كونها مادة قابلة للانفجار، تتركَّز فيها نسبة الأمونيات الخطرة بحوالى 36 في المئة، الأمر الذي يجعلها مادة متفجرة بامتياز وغير صالحة للاستعمال كأسمدة زراعيّة، إذ لا يجب أن تتجاوز النسبة المركزة في الأخيرة أكثر من 15 في المئة، وبالتالي كان يجب أن تخضع قبل استيرادها إلى لبنان لآلية أمنية وإدارية معقَّدة تتطلب على الأقل موافقة اختصاصيين وخبراء متفجّرات وأسلحة وذخائر من الجيش اللبناني، استناداً إلى قانون الأسلحة والذخائر اللبناني.
انطلاقاً من ذلك، تُطرح أول علامة استفهام حول الجهة التي تم إفراغ الحمولة القاتلة لمصلحتها، والتي بقيت مجهولة طيلة فترة وجود النيترات في العنبر رقم 12، والتي، ببقائها مجهولة، خلقت إشكالية قضائية وإدارية وأمنية لدى مديرية الجمارك اللبنانية من جهة، ولدى الأجهزة الأمنية والعسكرية الموجودة على المرفأ من جهة أخرى.
من جهة أخرى، واستناداً إلى ما قاله قبطان السفينة الناقلة للنيترات لـ"الميادين"، تبقى علامات الاستفهام والشبهات كثيرة لناحية النقاط التالية:
- لماذا لم تستجوب السلطات اللبنانية طاقم السفينة المكلّف بنقل وحماية مواد شديدة الخطورة، غير معروف مصدرها ووجهتها بالتحديد، قبل اتخاذ قرار بإفراغ حمولتها الخطيرة والحساسة؟
- لماذا لم يتقدَّم مالك السفينة أو أحد وكلائه لدفع رسم الرسو (المؤقت) في مرفأ بيروت، والذي يشكّل نسبة ضئيلة جداً مقارنة ببدل ثمن النيترات التي تمت مصادرتها، وبالتالي التسبّب بخسارتها من دون مقابل؟ ومن هي الجهة التي غطّت هذه المبالغ (ثمن النيترات وإيجار سفينة النقل وبدل إبحار الطاقم من جورجيا إلى بيروت على الأقل)، لكي يصل بها الأمر إلى المصادرة، وبالتالي خسارتها؟
في الواقع، إضافةً إلى هذه التساؤلات، يجب التوقف أيضاً عند ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" عن معرفة السلطات الأميركية (الأمنية على الأقل) بحيثيات النيترات، لناحية درجة تركيزها المرتفعة (36 في المئة)، والتي تجعلها بمصاف المتفجرات "الحساسة والخطرة والفعالة" جداً بالمعنى الكامل، أو لناحية وجودها في مرفأ بيروت، في مكان حساس ومؤثر بشكل كبير، في منطقة واسعة فيها تواجد ومرور لعدد كبير من أعضاء البعثات، ومن العسكريين والدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين، إضافة طبعاً إلى العدد الكبير من اللبنانيين والمقيمين في المنطقة المجاورة لمرفأ بيروت.
من جهة أخرى، ترافقت العملية (إفراغ الباخرة وحجز النيترات) حينها في العامين 2013 و2014، مع حركة نشطة جداً لنقل وإدخال أسلحة وذخائر ومتفجرات إلى سوريا، لمصلحة مسلحي المعارضة السورية والمسلحين الإرهابيين الذين كانوا، وما زالوا، يقاتلون الدولة السورية وحلفاءها، ومن ضمنها أكثر من باخرة تم اكتشاف إحداها وضبطها ومصادرتها في شمال لبنان (لطف الله 2).
من هنا، ومع إصرار السّلطات اللبنانية على عدم اعتماد تحقيق دولي كامل في الانفجار (ربما تستعين بخبرات دولية فنية فقط)، ومع وجود بعض المؤشرات إلى أنَّ التحقيقات بدأت تقترب من التوصل إلى إمكانية اكتشاف ارتباطات قضية الشحن والنقل والإفراغ المشبوه للنيترات، بقضية مركَّبة تهدف إلى تأمين متفجرات للمعارضة والإرهابيين في سوريا. انطلاقاً من كلّ ذلك، يمكن استنتاج أسباب دخول الأميركيين على خطّ التحقيق، عبر عرضهم على السلطات اللبنانية تقديم ما يملكون من خبرات متطورة، فنياً وتقنياً، تساعد في كشف ملابسات كيفية حدوث الانفجار وسببه، لعلّهم في ذلك، وعبر نفوذهم الواسع، يوجّهون التحقيقات أو على الأقل يضبطونها بشكل لا تتمدَّد إلى مكان يكشف تورّط بعض الأطراف أو المسؤولين السابقين اللبنانيين في تغذية نار الحرب على سوريا.
المصدر :
الميادين /شارل أبي نادر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة