مع اضافة موجة استقالة وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتي الى المصائب التي تضرب لبنان هذهالايام والتي قد تليها استقالات اخرى، بات في شبه المؤكد ان البلد يعيش أسوأ واخطر مراحله، ما يجعله أقرب الى نموذج غزة أكثر من اي نموذج آخر .لماذا؟

 

 إسرائيل تطوق غزّة بينما جزء مهم من النظام الرسمي العربي  يلوم حركة حماس ذات الأيديولوجية الاخوانية على سياستها الأمنية والسياسية في السنوات العشر الماضية ، وأميركا تدعم إسرائيل بينما الأوروبيون يكتفون بالإدلاء ببعض التصريحات لرفع العتب. كانت النتيجة أن غزة تختنق بسبب الفقر والبطالة وعدم دفع الرواتب وانعدام مصادر العيش الكريم.

 

               لو طبّقنا مثال غزّة على لبنان، لوجدنا انه يُشبهها حاليا بالأمور التالية:

 

 

 

·    المطلوب من غزة إسرائيليا وأميركيا هو نزع أسلحة المقاتلين فيها وسقوط حركة حماس . المطلوب من لبنان إسرائيليا وأميركيا هو تسليم سلاح حزب الله واسقاطه من المعادلة السياسية.

 

·    الطوق العربي المضروب على غزة، سببه اتهام الحركة الإسلامية بالتورط في النزاعات العربية عسكريا وسياسيا خصوصا منذ وصول القيادي الإخواني محمد مرسي الى رئاسة مصر، والتحوّل شيئا فشيئا الى أداة تركية-قطرية.  الطوق العربي المضروب على لبنان سببه ان ثمة دولا عربية تعتبر ان حزب الله يُسيطر على  الحكومة اللبنانية وانه تورّط في نزاعات عربية وانه أداة إيرانية.

 

·    المطلوب من غزة دوليا وعربيا هو تسليم سلاحها الى السلطة الفلسطينية والقبول بنشر قوات الشرطة والامن الرسمية لفلسطينية على كامل أراضيها ( خصوصا ان هذه القوات كانت تنسق مع السلطات الإسرائيلية وربما ما تزال حتى اليوم تفعل ذلك ). والمطلوب من لبنان دوليا وعربيا هو تسليم سلاح الحزب الى الدولة ونشر الجيش اللبناني حتى الحدود.

 

·    كان المطلوب في السنوات الماضية من غزة ان تبقى مشغولة بداخلها كي تتحرك إسرائيل بحرية في بحرها لسرقة النفط الذي من المفترض ان يكون في المجال البحري الحيوي لفلسطين، والمطلوب من لبنان حاليا ترسيم الحدود البحرية للسماح لإسرائيل باستغلال اكبر قدر من النفط القابل للاكتشاف حتى لو كان جزء منه في الأراضي اللبنانية.

 

·    المطلوب من غزة ان تبقى مخنوقة اقتصاديا ومطوقة عسكريا وسياسيا، حتى تمرير الجزء المقبل من صفقة القرن أي ضم أجزاء واسعة من الضفة وغور الأردن. المطلوب من لبنان أيضا الاختناق الاقتصادي والاجتماعي كي لا يكون حزب الله او المحور الذي ينتمي اليه قادرين على مد يد العون بشكل مباشر او غير مباشر الى الداخل الفلسطيني.

 

·    المطلوب إسرائيليا واميركيا وعربيا ( ما عدا قطر) من حركة حماس، قطع علاقاتها نهائيا مع ايران وحزب الله. وهو الشيء المطلوب من لبنان أيضا .

 

·    يتم تشكيل حكومات في غزة بقيادة حماس، تضبط بعض الأمور الأمنية والاجتماعية لكنها لا تستطيع ان تُشكل وزنا تحاوريا عربيا ودوليا. هكذا هو حال الحكومة الحالية في لبنان وكل حكومة أخرى  ستتُهم بانها خاضعة لحزب الله وحلفائه. ستبقى كما حكومة غزة مشلولة وعاجزة عن اجتراح حلول.

 

·    في فلسطين طرف فلسطيني يتمنى تدمير حركات المقاومة في غزة وعلى رأسهم حماس، وفي لبنان ثمة لبنانيون يتمنون القضاء على حزب الله حتى لو انتصرت إسرائيل.

 

·    إسرائيل دمرت مرات عديدة غزة في السنوات الماضية في حروب استخدمت خلالها اسوا أنواع الأسلحة، وهي ستواصل ذلك في المستقبل ما لم تخضع حماس والجهاد وغيرهما. هذا أيضا ما حصل وقد يحصل للبنان بعد ان حمّلت إسرائيل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن أي عمل يقوم به الحزب. شبح الحروب يبقى مخيما على غزة ولبنان.

 

·    في غزة ١ بالمئة فقط من المياه صالحة للشرب. في لبنان ربما حتى هذا الواحد بالمئة ما عاد موجودا.

 

·    الركود الاقتصادي في غزة ولبنان يتشابه ويتفاقم. خصوصا ان رواتب موظفي السلطة في غزة والتي تصل الى نحو ٣٠ مليون دولار شهريا فقدت الثلثين تقريبا بسبب الازمة المالية، فما عادت تتحرك او تحرك السوق، وهي النسبة تقريبا نفسها التي فقدتها رواتب الموظفين في لبنان

 

 

غزة محاصرة منذ ١٤ عاما، وقد بلغ مؤشر الفقر فيها هذا العام ٥٢ بالمئة ووصلت مؤشرات البطالة الى أكثر من ٥٠ بالمئة . ومع جائحة كورونا والحصار المفروض ايضا على السلطة لم يتم تسليم حكومة حماس أي مبالغ ، رغم اعتمادها الحيوي عليها حيث تمثل تقريبا ٦٣ بالمئة من إيرادات غزة ( حوالي ١٩٠ مليون دولار شهريا)

 

مؤشرات الفقر والبطالة ووقف الإيرادات، هي نفسها تقريبا في لبنان حيث الفقر صار يطال أكثر من نصف اللبنانيين.

 

لعلّ أكثر ما يجمع بين اهل غزة ولبنان، هو انعدام الأمل بحلول قريبة امام عقم السياسات المحلية وجور الحصار الخارجي. 

 

هذا بالضبط  المطلوب من غزة ولبنان،  فتضييق الخناق ورفع مستوى الحصار والعقوبات له وظيفة واحدة هي حث الشعبين اللبناني والغزاوي على الانتفاض ضد الحركات المقاومة على اراضيهما وتحميلهما مسؤولية الفقر والحروب والدمار. أي تطبيق خطة :" الطعام مقابل الاستسلام".

 

يندرج ذلك طبعا في سياق كسر هيبة محور المقاومة وتطويق ايران خصوصا بعدما استعادت حركة حماس كما الجهاد ومعظم التنظيمات الفلسطينية اليسارية والمتدينة علاقاتها العميقة مع طهران.

 

هل سيقبل اهل المحور بخنقهم حتى الموت في لبنان وغزة مرورا بدمشق وصولا الى طهران؟ 

 

على الأرجح لا، وسيعملون على  كسر الطوق بوسائل كثيرة في الشهور المقبلة، لكن في هذه الحالة فقط يبقى لبنان وسوريا أكثر حرية من السلطة في غزة ذلك ان الحدود هنا تتمتع بهامش أوسع بكثير من تلك التي تربط غزة بمصر والأردن.

 

 ليس بالضرورة ان تنجح خطط " الطعام مقابل الاستسلام"، ليس فقط لان ثمة شعوبا عندها منسوب الكرامة عالٍ ولكن أيضا لأن الاستسلام لإسرائيل لم يجر غير الذل عبر التاريخ. وهذا ما لا يريد داعموها ان يفهموه.

  • فريق ماسة
  • 2020-08-02
  • 10373
  • من الأرشيف

هل يتحول لبنان الى غزة، في خطة "الطعام مقابل الاستسلام"؟

مع اضافة موجة استقالة وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتي الى المصائب التي تضرب لبنان هذهالايام والتي قد تليها استقالات اخرى، بات في شبه المؤكد ان البلد يعيش أسوأ واخطر مراحله، ما يجعله أقرب الى نموذج غزة أكثر من اي نموذج آخر .لماذا؟    إسرائيل تطوق غزّة بينما جزء مهم من النظام الرسمي العربي  يلوم حركة حماس ذات الأيديولوجية الاخوانية على سياستها الأمنية والسياسية في السنوات العشر الماضية ، وأميركا تدعم إسرائيل بينما الأوروبيون يكتفون بالإدلاء ببعض التصريحات لرفع العتب. كانت النتيجة أن غزة تختنق بسبب الفقر والبطالة وعدم دفع الرواتب وانعدام مصادر العيش الكريم.                  لو طبّقنا مثال غزّة على لبنان، لوجدنا انه يُشبهها حاليا بالأمور التالية:       ·    المطلوب من غزة إسرائيليا وأميركيا هو نزع أسلحة المقاتلين فيها وسقوط حركة حماس . المطلوب من لبنان إسرائيليا وأميركيا هو تسليم سلاح حزب الله واسقاطه من المعادلة السياسية.   ·    الطوق العربي المضروب على غزة، سببه اتهام الحركة الإسلامية بالتورط في النزاعات العربية عسكريا وسياسيا خصوصا منذ وصول القيادي الإخواني محمد مرسي الى رئاسة مصر، والتحوّل شيئا فشيئا الى أداة تركية-قطرية.  الطوق العربي المضروب على لبنان سببه ان ثمة دولا عربية تعتبر ان حزب الله يُسيطر على  الحكومة اللبنانية وانه تورّط في نزاعات عربية وانه أداة إيرانية.   ·    المطلوب من غزة دوليا وعربيا هو تسليم سلاحها الى السلطة الفلسطينية والقبول بنشر قوات الشرطة والامن الرسمية لفلسطينية على كامل أراضيها ( خصوصا ان هذه القوات كانت تنسق مع السلطات الإسرائيلية وربما ما تزال حتى اليوم تفعل ذلك ). والمطلوب من لبنان دوليا وعربيا هو تسليم سلاح الحزب الى الدولة ونشر الجيش اللبناني حتى الحدود.   ·    كان المطلوب في السنوات الماضية من غزة ان تبقى مشغولة بداخلها كي تتحرك إسرائيل بحرية في بحرها لسرقة النفط الذي من المفترض ان يكون في المجال البحري الحيوي لفلسطين، والمطلوب من لبنان حاليا ترسيم الحدود البحرية للسماح لإسرائيل باستغلال اكبر قدر من النفط القابل للاكتشاف حتى لو كان جزء منه في الأراضي اللبنانية.   ·    المطلوب من غزة ان تبقى مخنوقة اقتصاديا ومطوقة عسكريا وسياسيا، حتى تمرير الجزء المقبل من صفقة القرن أي ضم أجزاء واسعة من الضفة وغور الأردن. المطلوب من لبنان أيضا الاختناق الاقتصادي والاجتماعي كي لا يكون حزب الله او المحور الذي ينتمي اليه قادرين على مد يد العون بشكل مباشر او غير مباشر الى الداخل الفلسطيني.   ·    المطلوب إسرائيليا واميركيا وعربيا ( ما عدا قطر) من حركة حماس، قطع علاقاتها نهائيا مع ايران وحزب الله. وهو الشيء المطلوب من لبنان أيضا .   ·    يتم تشكيل حكومات في غزة بقيادة حماس، تضبط بعض الأمور الأمنية والاجتماعية لكنها لا تستطيع ان تُشكل وزنا تحاوريا عربيا ودوليا. هكذا هو حال الحكومة الحالية في لبنان وكل حكومة أخرى  ستتُهم بانها خاضعة لحزب الله وحلفائه. ستبقى كما حكومة غزة مشلولة وعاجزة عن اجتراح حلول.   ·    في فلسطين طرف فلسطيني يتمنى تدمير حركات المقاومة في غزة وعلى رأسهم حماس، وفي لبنان ثمة لبنانيون يتمنون القضاء على حزب الله حتى لو انتصرت إسرائيل.   ·    إسرائيل دمرت مرات عديدة غزة في السنوات الماضية في حروب استخدمت خلالها اسوا أنواع الأسلحة، وهي ستواصل ذلك في المستقبل ما لم تخضع حماس والجهاد وغيرهما. هذا أيضا ما حصل وقد يحصل للبنان بعد ان حمّلت إسرائيل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن أي عمل يقوم به الحزب. شبح الحروب يبقى مخيما على غزة ولبنان.   ·    في غزة ١ بالمئة فقط من المياه صالحة للشرب. في لبنان ربما حتى هذا الواحد بالمئة ما عاد موجودا.   ·    الركود الاقتصادي في غزة ولبنان يتشابه ويتفاقم. خصوصا ان رواتب موظفي السلطة في غزة والتي تصل الى نحو ٣٠ مليون دولار شهريا فقدت الثلثين تقريبا بسبب الازمة المالية، فما عادت تتحرك او تحرك السوق، وهي النسبة تقريبا نفسها التي فقدتها رواتب الموظفين في لبنان     غزة محاصرة منذ ١٤ عاما، وقد بلغ مؤشر الفقر فيها هذا العام ٥٢ بالمئة ووصلت مؤشرات البطالة الى أكثر من ٥٠ بالمئة . ومع جائحة كورونا والحصار المفروض ايضا على السلطة لم يتم تسليم حكومة حماس أي مبالغ ، رغم اعتمادها الحيوي عليها حيث تمثل تقريبا ٦٣ بالمئة من إيرادات غزة ( حوالي ١٩٠ مليون دولار شهريا)   مؤشرات الفقر والبطالة ووقف الإيرادات، هي نفسها تقريبا في لبنان حيث الفقر صار يطال أكثر من نصف اللبنانيين.   لعلّ أكثر ما يجمع بين اهل غزة ولبنان، هو انعدام الأمل بحلول قريبة امام عقم السياسات المحلية وجور الحصار الخارجي.    هذا بالضبط  المطلوب من غزة ولبنان،  فتضييق الخناق ورفع مستوى الحصار والعقوبات له وظيفة واحدة هي حث الشعبين اللبناني والغزاوي على الانتفاض ضد الحركات المقاومة على اراضيهما وتحميلهما مسؤولية الفقر والحروب والدمار. أي تطبيق خطة :" الطعام مقابل الاستسلام".   يندرج ذلك طبعا في سياق كسر هيبة محور المقاومة وتطويق ايران خصوصا بعدما استعادت حركة حماس كما الجهاد ومعظم التنظيمات الفلسطينية اليسارية والمتدينة علاقاتها العميقة مع طهران.   هل سيقبل اهل المحور بخنقهم حتى الموت في لبنان وغزة مرورا بدمشق وصولا الى طهران؟    على الأرجح لا، وسيعملون على  كسر الطوق بوسائل كثيرة في الشهور المقبلة، لكن في هذه الحالة فقط يبقى لبنان وسوريا أكثر حرية من السلطة في غزة ذلك ان الحدود هنا تتمتع بهامش أوسع بكثير من تلك التي تربط غزة بمصر والأردن.    ليس بالضرورة ان تنجح خطط " الطعام مقابل الاستسلام"، ليس فقط لان ثمة شعوبا عندها منسوب الكرامة عالٍ ولكن أيضا لأن الاستسلام لإسرائيل لم يجر غير الذل عبر التاريخ. وهذا ما لا يريد داعموها ان يفهموه.

المصدر : سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة