الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل، حان موعد الانطلاق … هذا ما أمر به ” العكيد” لقب الرجل الذي يترأس مجموعة من الشباب والرجال تتراوح أعمارهم ما بين 25 – 40 يعملون على خط “حمص- القصيرمع قرى الهرمل اللبنانية.

ثمّة حركة نقل نشطة لشاحنات تجول في الأراضي السورية دون “حسيب أو رقيب” تحمل أطنان السكر والبندورة والليمون والجزر والبيض والدجاج والخبز واللحم والخضار والقمح واللوز، معظم هذه المواد مدعومة من البنك المركزي السوري بسعر صرف للدولار “436” ليرة سورية، وبعضها مدعوم بالسعر التفضيلي الذي أقرته الحكومة السورية مؤخراً ” 1250″ ليرة سورية كدعم للمستوردين، ولكن هذه المواد المدعومة باتت اليوم عماد المواد المهربة إلى لبنان.

صفقات ومضاربات عند المعابر

من المتعارف عليه أنه خلال الحرب السورية كان يوجد 124 معبر غير شرعي بين البلدين، ولكن “أبو جهاد” وهو أحد العاملين في مجال التهريب في منطقة القصير الحدودية، يقول ل”وكالة أنباء آسيا”: “إنه وبعد الحصار الاقتصادي والأوضاع السيئة في لبنان، زاد عدد معابر التهريب عن 136 معبرٍ غير شرعي” .

يؤكد أبو جهاد “تعقد بعض الاتفاقيات عند المعبر قبل إدخال المواد المهربة، حيث تحدث مضاربات بالسعر، ضارباً المثال بما حدث معه خلال الأسبوع الماضي عند أحد المعابر، حيث تم بيع سعر كيس السكر بـ 20 ألف ليرة سورية أي حوالي 10 دولار في حين تم بيع كيس السكر عند معبر آخر بـ ضعف المبلغ 40ألف ليرة سورية أي ما يعادل 20دولار إمريكي” .

يكمل الشاب ذو 38 عاماً: “تشهد الحدود السورية اللبنانية عند معبر العريضة الغربية (طرطوس)، ومعها المعابر في ريف حمص الغربي( الدبوسية والمشيرفة) التهريب على الطرقات النظامية ومن المعابر غير الشرعية على حد سواء، رغم وجود الكثير من الدوريات وعشرات سيارات الجمارك المنتشرة على أطراف الطريق والتي باتت مهمتها تسهيل مرور هذا الكم الهائل من البضائع المهربة من سوريا إلى لبنان وجباية الأموال وتعبئة جيوب حيتان الاقتصاد والمحسوبين عليهم” .

رئيس ضابطة المكافحة في الجمارك السورية المقدم “إياد عدرا” نفى حدوث حركة تهريب نشطة للخضار باتجاه الأراضي اللبنانية، مبيّناً أن ما يتم الحديث عنه يقتصر على بعض المحاصيل البسيطة في المناطق الحدودية.

وكانت قد نشرت العديد من وسائل الإعلام اللبنانية خلال الفترة الماضية مصادرة المديرية العامة للجمارك اللبنانية -ضابطة صيدا- شاحنات محملة بأطنان من الخضار والبيض السوري المهرب إلى لبنان، وبعد إجراء اللازم قام عناصر الجمارك بتوزيع مصادرات التهريب هذه على المحتاجين في لبنان.

التاجر له حصة أيضاً

يفضل موزعو الجملة السوريون توزيع بضائعهم ضمن القرى والبلدات الحدودية السورية التي تنشط فيها عمليات التهريب، نتيجة الركود الاقتصادي الذي تشهده سوريا، وارتفاع أسعار السلع الرئيسية بشكل يومي، إذ يشتري المهربون البضائع في المناطق الحدودية من الموزعين مباشرة.

وغالباً ما تعود عمليات التهريب بشكل سلبي على السوق المحلية في تلك المدن والبلدات السورية الحدودية، إذ ارتفعت أسعار بعض السلع وباتت بضعف سعرها السابق، بسبب الطلب المتزايد من قبل المُهربين، المتحكمين حالياً بسعر السوق.

يؤكد “أبو جهاد” أن معظم الشباب يعملون في مجال التهريب حالياً، نتيجة الأرباح التي يمكن جنيها بسبب تفاوت الأسعار بين سوريا ولبنان، بنسبة 60% في بعض الاحيان، وهي نسبة ربح مقبولة جداً في ظل الركود الذي تشهده سوريا.

الوضع المعيشي السيء

في الوقت الذي يربح العاملين في هذا المجال الدولارات ينعكس الوضع بشكل سلبي على المواطن السوري بحسب ما أشار الخبير الاقتصادي د. سنان ديب في تصريحه ل”وكالة أنباء آسيا”، مبيناً أن الأوضاع المعيشية السيئة التي يمر بها البنانيون حالياً بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار يشكل جنوني، أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية وكل الاحتياجات بشكل كبير لأول مرة في تاريخ لبنان، الواقع الذي دفع معظم اللبنانيين إلى شراء المواد المهربة والتي تكون أسعارها أقل من أسعار المواد والسلع المستوردة بشكل نظامي.

ويلفت ديب ، بالمقابل، إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية والحيوانية في الأسواق السورية 5 أضعاف، بسبب أعمال التهريب وفساد الجهات المعنية، وفي مقدمتها الجمارك السورية، مما خلق نوعاً من الحصار الكامل على المواطنين السوريين، والذي لا تتجاوز رواتب معظمهم 50ألف ليرة، أي حوالي 25 دولار إمريكي .

ويؤكد ديب أن الحل يكمن في توقيع اتفاقية ما بين البلدين (سوريا ولبنان) لتبادل السلع والمنتجات الغذائية، على أن تكون معفية من الجمرك بشكل تام كنوع من مساعدة البلدين على النهوض من جديد، خاصة أن لبنان البلد الأقرب إلى سوريا مع الحدود المفتوحة بينهما.

يذكر أن الحدود اللبنانية – السورية مغلقة منذ شهرين كجزء من تدابير الإغلاق لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، لكن عمليات تهريب المواد خاصة المحروقات والطحين عبر المعابر غير الشرعية لم تتوقف حتى خلال أزمة الوباء، وهو ما يشكل استنزافا خطيرا لاحتياطات البلدين اللذان يعيشا أزمة اقتصادية تهدد بأسوأ السيناريوهات.

  • فريق ماسة
  • 2020-07-15
  • 10824
  • من الأرشيف

معابر التهريب... مليارات سورية الضائعة .. والشاكي لبنان!

الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل، حان موعد الانطلاق … هذا ما أمر به ” العكيد” لقب الرجل الذي يترأس مجموعة من الشباب والرجال تتراوح أعمارهم ما بين 25 – 40 يعملون على خط “حمص- القصيرمع قرى الهرمل اللبنانية. ثمّة حركة نقل نشطة لشاحنات تجول في الأراضي السورية دون “حسيب أو رقيب” تحمل أطنان السكر والبندورة والليمون والجزر والبيض والدجاج والخبز واللحم والخضار والقمح واللوز، معظم هذه المواد مدعومة من البنك المركزي السوري بسعر صرف للدولار “436” ليرة سورية، وبعضها مدعوم بالسعر التفضيلي الذي أقرته الحكومة السورية مؤخراً ” 1250″ ليرة سورية كدعم للمستوردين، ولكن هذه المواد المدعومة باتت اليوم عماد المواد المهربة إلى لبنان. صفقات ومضاربات عند المعابر من المتعارف عليه أنه خلال الحرب السورية كان يوجد 124 معبر غير شرعي بين البلدين، ولكن “أبو جهاد” وهو أحد العاملين في مجال التهريب في منطقة القصير الحدودية، يقول ل”وكالة أنباء آسيا”: “إنه وبعد الحصار الاقتصادي والأوضاع السيئة في لبنان، زاد عدد معابر التهريب عن 136 معبرٍ غير شرعي” . يؤكد أبو جهاد “تعقد بعض الاتفاقيات عند المعبر قبل إدخال المواد المهربة، حيث تحدث مضاربات بالسعر، ضارباً المثال بما حدث معه خلال الأسبوع الماضي عند أحد المعابر، حيث تم بيع سعر كيس السكر بـ 20 ألف ليرة سورية أي حوالي 10 دولار في حين تم بيع كيس السكر عند معبر آخر بـ ضعف المبلغ 40ألف ليرة سورية أي ما يعادل 20دولار إمريكي” . يكمل الشاب ذو 38 عاماً: “تشهد الحدود السورية اللبنانية عند معبر العريضة الغربية (طرطوس)، ومعها المعابر في ريف حمص الغربي( الدبوسية والمشيرفة) التهريب على الطرقات النظامية ومن المعابر غير الشرعية على حد سواء، رغم وجود الكثير من الدوريات وعشرات سيارات الجمارك المنتشرة على أطراف الطريق والتي باتت مهمتها تسهيل مرور هذا الكم الهائل من البضائع المهربة من سوريا إلى لبنان وجباية الأموال وتعبئة جيوب حيتان الاقتصاد والمحسوبين عليهم” . رئيس ضابطة المكافحة في الجمارك السورية المقدم “إياد عدرا” نفى حدوث حركة تهريب نشطة للخضار باتجاه الأراضي اللبنانية، مبيّناً أن ما يتم الحديث عنه يقتصر على بعض المحاصيل البسيطة في المناطق الحدودية. وكانت قد نشرت العديد من وسائل الإعلام اللبنانية خلال الفترة الماضية مصادرة المديرية العامة للجمارك اللبنانية -ضابطة صيدا- شاحنات محملة بأطنان من الخضار والبيض السوري المهرب إلى لبنان، وبعد إجراء اللازم قام عناصر الجمارك بتوزيع مصادرات التهريب هذه على المحتاجين في لبنان. التاجر له حصة أيضاً يفضل موزعو الجملة السوريون توزيع بضائعهم ضمن القرى والبلدات الحدودية السورية التي تنشط فيها عمليات التهريب، نتيجة الركود الاقتصادي الذي تشهده سوريا، وارتفاع أسعار السلع الرئيسية بشكل يومي، إذ يشتري المهربون البضائع في المناطق الحدودية من الموزعين مباشرة. وغالباً ما تعود عمليات التهريب بشكل سلبي على السوق المحلية في تلك المدن والبلدات السورية الحدودية، إذ ارتفعت أسعار بعض السلع وباتت بضعف سعرها السابق، بسبب الطلب المتزايد من قبل المُهربين، المتحكمين حالياً بسعر السوق. يؤكد “أبو جهاد” أن معظم الشباب يعملون في مجال التهريب حالياً، نتيجة الأرباح التي يمكن جنيها بسبب تفاوت الأسعار بين سوريا ولبنان، بنسبة 60% في بعض الاحيان، وهي نسبة ربح مقبولة جداً في ظل الركود الذي تشهده سوريا. الوضع المعيشي السيء في الوقت الذي يربح العاملين في هذا المجال الدولارات ينعكس الوضع بشكل سلبي على المواطن السوري بحسب ما أشار الخبير الاقتصادي د. سنان ديب في تصريحه ل”وكالة أنباء آسيا”، مبيناً أن الأوضاع المعيشية السيئة التي يمر بها البنانيون حالياً بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار يشكل جنوني، أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية وكل الاحتياجات بشكل كبير لأول مرة في تاريخ لبنان، الواقع الذي دفع معظم اللبنانيين إلى شراء المواد المهربة والتي تكون أسعارها أقل من أسعار المواد والسلع المستوردة بشكل نظامي. ويلفت ديب ، بالمقابل، إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية والحيوانية في الأسواق السورية 5 أضعاف، بسبب أعمال التهريب وفساد الجهات المعنية، وفي مقدمتها الجمارك السورية، مما خلق نوعاً من الحصار الكامل على المواطنين السوريين، والذي لا تتجاوز رواتب معظمهم 50ألف ليرة، أي حوالي 25 دولار إمريكي . ويؤكد ديب أن الحل يكمن في توقيع اتفاقية ما بين البلدين (سوريا ولبنان) لتبادل السلع والمنتجات الغذائية، على أن تكون معفية من الجمرك بشكل تام كنوع من مساعدة البلدين على النهوض من جديد، خاصة أن لبنان البلد الأقرب إلى سوريا مع الحدود المفتوحة بينهما. يذكر أن الحدود اللبنانية – السورية مغلقة منذ شهرين كجزء من تدابير الإغلاق لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، لكن عمليات تهريب المواد خاصة المحروقات والطحين عبر المعابر غير الشرعية لم تتوقف حتى خلال أزمة الوباء، وهو ما يشكل استنزافا خطيرا لاحتياطات البلدين اللذان يعيشا أزمة اقتصادية تهدد بأسوأ السيناريوهات.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة