دخل قانون «قيصر» الأميركي حيّز التنفيذ، قبل أسبوعين، بحزمة عقوبات أوّلية طالت الرئيس السوري بشار الأسد، وزوجته وأخاه، ومجموعة كبيرة من رجال الأعمال المقرّبين من الحكومة السورية، بالإضافة إلى ضباط بارزين في الجيش. ورغم أن التأثيرات الحقيقية للقانون لم تتبلور بعد بشكل كامل، فإنه يمكن بوضوح تلمّس تأثيراته الأولية، إن على قيمة العملة السورية التي شهدت تدهوراً حاداً، أو عبر الحراك الذي انطلق لإدخال الدولة السورية في عزلة كاملة، بالإضافة إلى ضرب مركزيتها الاقتصادية، بعد السياسية والأمنية. لكن، برغم أن «الأسواق» السورية، الموزّعة بين إدلب وشمال حلب، وشرقي الفرات، ومناطق سيطرة الحكومة، تبدو مفصولة بعضها عن بعض نظرياً بحكم وقوعها تحت سيطرة أطراف مختلفة، فإنها مترابطة عملياً في شبكة مصالح معقّدة، لم تتمكن الحرب بكل ضراوتها من تفكيكها. في الأثناء، تستمر عملية بحث وتخطيط وطنية لمواجهة تداعيات العقوبات، عبر تنشيط القطاعات الزراعية والصناعية، بالإضافة إلى البحث عن مكامن الخلل في اقتصاد لم يعد يحتمل أيّ ثغرات.

 

يهدف «قيصر» إلى تجفيف موارد الدولة السورية، ومنعها من الشروع في أي عمليات إعادة إعمار في المناطق التي استعادت السيطرة عليها، فضلاً عن حرمانها من القدرة على شن عمليات عسكرية واسعة لاستعادة المناطق التي لا تزال خارج سيطرتها. وتدريجياً، بحسب ما تراه معظم مراكز الدراسات الغربية، سيؤدي الوصول إلى هذه الأهداف إلى نشوء بؤر كثيرة، رئيسية وثانوية، تتمتّع بنوع من «الحكم الذاتي»، قابل للتحوّل نحو انفصال تام. وفي هذا السيناريو، فإن البلاد ستكون أمام منطقتين رئيسيتين مرشحتين لتوسيع هامش الحكم الذاتي، وربما الانفصال: الأولى، تضم المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية المركزية، والثانية هي منطقة شمال سوريا. وتتفرّع من المنطقة الشمالية، منطقتان فرعيتان: الأولى في الشمال الشرقي الخاضع لسيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» الكردية، المدعومة من الولايات المتحدة، والثانية في الشمال الغربي الخاضع لسيطرة الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا. وهذا السياق محكوم بـ«الاستثناءات» التي تمنحها واشنطن للخارجين عن سيطرة الحكومة السورية، وتتمتع كلٌ من المناطق التي تسيطر عليها «قسد»، والمناطق التي تسيطر عليها الفصائل الموالية لأنقرة، بهذه الاستثناءات، مبدئياً. لكن إلى اليوم، يبدو الحديث عن انفصال أي من هاتين المنطقتين، عن المركزية الاقتصادية السورية، بشكل كامل، بعيداً من الواقع، لعوامل عدة تصعّب من عملية فصل الأسواق بعضها عن بعض، وقطع التبادل التجاري.

 

شرقي الفرات

قبل اندلاع الحرب السورية، لطالما كانت منطقة شرقي الفرات تهتم بشكل خاص بإنتاج مواد أوّلية وأساسية كالقمح والقطن، بالإضافة إلى النفط، ثم استعمالها بعد ذلك في عملية إنتاج المواد، ولا سيما الغذائية، في معامل في غرب سوريا. ولهذا، فقد ارتبط اقتصاد المنطقة منذ عشرات السنوات، ارتباطاً وثيقاً بعمليات الإنتاج والتسويق والتصريف التي تجري بشكل أساسي في محافظة دمشق. وبهذه السياسة، أبقت الحكومة السورية المركزية مصير المنطقة اقتصادياً بيدها، ومنعت تعزيز النزعة الانفصالية لدى أهلها الأكراد، أو حتى العشائر العربية الممتدة إلى العراق. ورغم سنوات الحرب، والسيطرة الكاملة للقوى الكردية على المنطقة، فهي لم تطوّر وسائل إنتاج ذاتية جديدة، ولا أسواق تصريف، ما أبقاها «مرهونة» للاقتصاد المركزي. وتعتمد منطقة شرقي الفرات اليوم، على موارد أساسية محددة:

عائدات القمح والقطن (كان بجانبها عائدات النفط، قبل أن تسيطر واشنطن على الحقول وسرقة إنتاجها وإخراجه نحو العراق)

التحويلات الخارجية من أبناء المنطقة المغتربين

دعم حكومة كردستان العراق

دعم غربي وأميركي عبر العراق

وبالنظر إلى الموارد الأساسية التي تعتمد عليها منطقة شرقي الفرات، تظهر واضحة هشاشة الاقتصاد المحلي في المنطقة الشمالية الشرقية، واعتماده بشكل خاص على المساعدت الخارجية، وافتقاره إلى وسائل الإنتاج، باستثناء الزراعة. وحتى عند الحديث عن القمح والقطن، فإن معظم هذا الإنتاج كان يُسوّق في مناطق سيطرة الدولة السورية. وحتى العام الماضي، كانت الحكومة السورية تشتري معظم محاصيل المنطقة، قبل أن تمنع الإدارة الذاتية هذا العام المزارعين من تسليم إنتاجهم إلى المراكز الحكومية. بالإضافة إلى أن المحاصيل تتناقص بصورة هائلة منذ عام 2011، ما أدى إلى انخفاض كبير في دخل المزارعين، كما أدت الحرائق في العام الماضي، إلى ثني العديد من السكان عن زراعة حقولهم، ما خفّض الإنتاج أكثر. لكن رغم القرار العلني للإدارة الذاتية، بمنع بيع المحاصيل الى الحكومة، فإن مصادر محلية مطّلعة أكدت لـ«الأخبار» أن «الإدارة تسمح لتجّار مقربين منها بنقل القمح من محافظة الحسكة باتجاه المحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرة الحكومة، وبيعه هناك بأسعار أعلى». ويؤكد المصدر أن «الإدارة الذاتية لا تستطيع قطع ارتباطها بالسوق السوري العام»، إذ «تحتاج إلى الأدوية والمواد الغذائية وغيرها لسكان المنطقة، وهي تجري عمليات تبادل للسلع مع دمشق، تسلّم قمحاً وتتسلّم دواءً وأغذية، وهكذا…». هنا، تجدر الإشارة إلى أنه، على سبيل المثال، لا تزال «منظمة الصحة العالمية» تعمل بشكل أساسي مع الحكومة السورية الرسمية، وفي أزمة انتشار وباء «كورونا» أخيراً، فإن المختبرات الرئيسية كافة القادرة على إجراء فحوصات الوباء تقع في دمشق واللاذقية وحلب، ولم تتمكن «قسد» من تأمين حاجتها من المختبرات والفحوصات والمعدات الطبية، رغم دعم حكومة كردستان العراق، ومنظمات إنسانية دولية.

 

إدلب وشمال حلب

ينعكس تأثير قانون «قيصر» أيضاً بشكل مباشر على منطقتي إدلب وشمال حلب، الخاضعتين لسيطرة الفصائل الموالية لأنقرة. وفي هاتين المنطقتين، برزت خطوات استباقية قامت بها الحكومة التركية، بالتعاون مع «حكومة الإنقاذ» التابعة لـ«هيئة تحرير الشام»، و«الحكومة السورية المؤقتة» في شمال حلب، لدفع تبعات قانون «قيصر»، وعزل المناطق المذكورة عن الاقتصاد السوري المركزي، قدر الإمكان. وأبرز الخطوات، هي محاولة استبدال التعاملات التجارية واليومية من الليرة السورية إلى الليرة التركية، عبر ضخّ كميات كبيرة من الليرة التركية لدى الصرافين في المناطق الممتدة من إدلب إلى ريف حلب الشمالي.

 

«الإدارة الذاتية» تسمح لتجّار مقرّبين منها بنقل القمح إلى المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة

 

لكن، في المقابل، لا تزال الفصائل المسلحة حتى اليوم، مثلاً، تحمي وتدير معابر «نظامية» مع مناطق سيطرة الجيش السوري في ريف حلب الغربي، وأبرزها معبر دارة عزة للحركة التجارية. وتنتقل الشاحنات المحمّلة بالبضائع المختلفة من تركيا إلى إدلب، عبر معبر أطمة، ثم تدخل مناطق سيطرة الجيش السوري في ريف حلب الشمالي الغربي، عبر معبر دارة عزة، وفي المقابل حركة عكسية. وكانت المعابر تشهد، في الفترات السابقة، معارك بين الفصائل للسيطرة عليها، لما تدرّه من أرباح هائلة، نظراً إلى كثافة الحركة التجارية عليها.

 

كباش على «المعابر الإنسانية»

بعد نحو أسبوع، يحين موعد تجديد الترخيص الممنوح من قبل الأمم المتحدة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، من غير إذن الحكومة السورية. قبل أيام قليلة، أبلغت روسيا شركاءها في مجلس الأمن الدولي أبنّها لم تعد تريد سوى نقطة دخول حدودية واحدة فقط للمساعدات الإنسانية التي تقدّمها الأمم المتحدة للسكان في شمال غرب سوريا، وهي معبر باب الهوى الحدودي في غرب إدلب. في المقابل، تطلب واشنطن استخدام معبر اليعربية الواقع في أقصى الشمال الشرقي، لإدخال المساعدات. وترى موسكو أن حصر المساعدات في معبر تتحكم به حليفتها تركيا، أفضل من معبر تتحكم به القوات الأميركية في منطقة شرق الفرات، حيث تعمل القيادة الكردية مدعومة من واشنطن على الحصول على «استقلالية» في استقبال المساعدات والمعونات، بعيداً من دمشق، ما يصبّ في طريق ضرب ما تبقى من مركزية الدولة السورية.

حتى اليوم، ورغم تمتع مناطق واسعة بحكم ذاتي، وإدارة منفصلة تماماً عن دمشق، بل مناوئة لها، لا يزال الاقتصاد السوري موحداً، وكذلك السوق والإنتاج والتصريف. ورغم الهوامش الواسعة التي تتمتع بها هذه المناطق المدعومة خارجياً، فإنها لا يمكن أن تستغني تماماً عن السوق السورية الداخلية المركزية، التي لا تزال تحكم دمشق قبضتها عليها.

  • فريق ماسة
  • 2020-07-05
  • 11330
  • من الأرشيف

«قيصر» لضرب السلطة المركزية في دمشق: التقسيم الاقتصادي أوّلاً!

دخل قانون «قيصر» الأميركي حيّز التنفيذ، قبل أسبوعين، بحزمة عقوبات أوّلية طالت الرئيس السوري بشار الأسد، وزوجته وأخاه، ومجموعة كبيرة من رجال الأعمال المقرّبين من الحكومة السورية، بالإضافة إلى ضباط بارزين في الجيش. ورغم أن التأثيرات الحقيقية للقانون لم تتبلور بعد بشكل كامل، فإنه يمكن بوضوح تلمّس تأثيراته الأولية، إن على قيمة العملة السورية التي شهدت تدهوراً حاداً، أو عبر الحراك الذي انطلق لإدخال الدولة السورية في عزلة كاملة، بالإضافة إلى ضرب مركزيتها الاقتصادية، بعد السياسية والأمنية. لكن، برغم أن «الأسواق» السورية، الموزّعة بين إدلب وشمال حلب، وشرقي الفرات، ومناطق سيطرة الحكومة، تبدو مفصولة بعضها عن بعض نظرياً بحكم وقوعها تحت سيطرة أطراف مختلفة، فإنها مترابطة عملياً في شبكة مصالح معقّدة، لم تتمكن الحرب بكل ضراوتها من تفكيكها. في الأثناء، تستمر عملية بحث وتخطيط وطنية لمواجهة تداعيات العقوبات، عبر تنشيط القطاعات الزراعية والصناعية، بالإضافة إلى البحث عن مكامن الخلل في اقتصاد لم يعد يحتمل أيّ ثغرات.   يهدف «قيصر» إلى تجفيف موارد الدولة السورية، ومنعها من الشروع في أي عمليات إعادة إعمار في المناطق التي استعادت السيطرة عليها، فضلاً عن حرمانها من القدرة على شن عمليات عسكرية واسعة لاستعادة المناطق التي لا تزال خارج سيطرتها. وتدريجياً، بحسب ما تراه معظم مراكز الدراسات الغربية، سيؤدي الوصول إلى هذه الأهداف إلى نشوء بؤر كثيرة، رئيسية وثانوية، تتمتّع بنوع من «الحكم الذاتي»، قابل للتحوّل نحو انفصال تام. وفي هذا السيناريو، فإن البلاد ستكون أمام منطقتين رئيسيتين مرشحتين لتوسيع هامش الحكم الذاتي، وربما الانفصال: الأولى، تضم المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية المركزية، والثانية هي منطقة شمال سوريا. وتتفرّع من المنطقة الشمالية، منطقتان فرعيتان: الأولى في الشمال الشرقي الخاضع لسيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» الكردية، المدعومة من الولايات المتحدة، والثانية في الشمال الغربي الخاضع لسيطرة الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا. وهذا السياق محكوم بـ«الاستثناءات» التي تمنحها واشنطن للخارجين عن سيطرة الحكومة السورية، وتتمتع كلٌ من المناطق التي تسيطر عليها «قسد»، والمناطق التي تسيطر عليها الفصائل الموالية لأنقرة، بهذه الاستثناءات، مبدئياً. لكن إلى اليوم، يبدو الحديث عن انفصال أي من هاتين المنطقتين، عن المركزية الاقتصادية السورية، بشكل كامل، بعيداً من الواقع، لعوامل عدة تصعّب من عملية فصل الأسواق بعضها عن بعض، وقطع التبادل التجاري.   شرقي الفرات قبل اندلاع الحرب السورية، لطالما كانت منطقة شرقي الفرات تهتم بشكل خاص بإنتاج مواد أوّلية وأساسية كالقمح والقطن، بالإضافة إلى النفط، ثم استعمالها بعد ذلك في عملية إنتاج المواد، ولا سيما الغذائية، في معامل في غرب سوريا. ولهذا، فقد ارتبط اقتصاد المنطقة منذ عشرات السنوات، ارتباطاً وثيقاً بعمليات الإنتاج والتسويق والتصريف التي تجري بشكل أساسي في محافظة دمشق. وبهذه السياسة، أبقت الحكومة السورية المركزية مصير المنطقة اقتصادياً بيدها، ومنعت تعزيز النزعة الانفصالية لدى أهلها الأكراد، أو حتى العشائر العربية الممتدة إلى العراق. ورغم سنوات الحرب، والسيطرة الكاملة للقوى الكردية على المنطقة، فهي لم تطوّر وسائل إنتاج ذاتية جديدة، ولا أسواق تصريف، ما أبقاها «مرهونة» للاقتصاد المركزي. وتعتمد منطقة شرقي الفرات اليوم، على موارد أساسية محددة: – عائدات القمح والقطن (كان بجانبها عائدات النفط، قبل أن تسيطر واشنطن على الحقول وسرقة إنتاجها وإخراجه نحو العراق) – التحويلات الخارجية من أبناء المنطقة المغتربين – دعم حكومة كردستان العراق – دعم غربي وأميركي عبر العراق وبالنظر إلى الموارد الأساسية التي تعتمد عليها منطقة شرقي الفرات، تظهر واضحة هشاشة الاقتصاد المحلي في المنطقة الشمالية الشرقية، واعتماده بشكل خاص على المساعدت الخارجية، وافتقاره إلى وسائل الإنتاج، باستثناء الزراعة. وحتى عند الحديث عن القمح والقطن، فإن معظم هذا الإنتاج كان يُسوّق في مناطق سيطرة الدولة السورية. وحتى العام الماضي، كانت الحكومة السورية تشتري معظم محاصيل المنطقة، قبل أن تمنع الإدارة الذاتية هذا العام المزارعين من تسليم إنتاجهم إلى المراكز الحكومية. بالإضافة إلى أن المحاصيل تتناقص بصورة هائلة منذ عام 2011، ما أدى إلى انخفاض كبير في دخل المزارعين، كما أدت الحرائق في العام الماضي، إلى ثني العديد من السكان عن زراعة حقولهم، ما خفّض الإنتاج أكثر. لكن رغم القرار العلني للإدارة الذاتية، بمنع بيع المحاصيل الى الحكومة، فإن مصادر محلية مطّلعة أكدت لـ«الأخبار» أن «الإدارة تسمح لتجّار مقربين منها بنقل القمح من محافظة الحسكة باتجاه المحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرة الحكومة، وبيعه هناك بأسعار أعلى». ويؤكد المصدر أن «الإدارة الذاتية لا تستطيع قطع ارتباطها بالسوق السوري العام»، إذ «تحتاج إلى الأدوية والمواد الغذائية وغيرها لسكان المنطقة، وهي تجري عمليات تبادل للسلع مع دمشق، تسلّم قمحاً وتتسلّم دواءً وأغذية، وهكذا…». هنا، تجدر الإشارة إلى أنه، على سبيل المثال، لا تزال «منظمة الصحة العالمية» تعمل بشكل أساسي مع الحكومة السورية الرسمية، وفي أزمة انتشار وباء «كورونا» أخيراً، فإن المختبرات الرئيسية كافة القادرة على إجراء فحوصات الوباء تقع في دمشق واللاذقية وحلب، ولم تتمكن «قسد» من تأمين حاجتها من المختبرات والفحوصات والمعدات الطبية، رغم دعم حكومة كردستان العراق، ومنظمات إنسانية دولية.   إدلب وشمال حلب ينعكس تأثير قانون «قيصر» أيضاً بشكل مباشر على منطقتي إدلب وشمال حلب، الخاضعتين لسيطرة الفصائل الموالية لأنقرة. وفي هاتين المنطقتين، برزت خطوات استباقية قامت بها الحكومة التركية، بالتعاون مع «حكومة الإنقاذ» التابعة لـ«هيئة تحرير الشام»، و«الحكومة السورية المؤقتة» في شمال حلب، لدفع تبعات قانون «قيصر»، وعزل المناطق المذكورة عن الاقتصاد السوري المركزي، قدر الإمكان. وأبرز الخطوات، هي محاولة استبدال التعاملات التجارية واليومية من الليرة السورية إلى الليرة التركية، عبر ضخّ كميات كبيرة من الليرة التركية لدى الصرافين في المناطق الممتدة من إدلب إلى ريف حلب الشمالي.   «الإدارة الذاتية» تسمح لتجّار مقرّبين منها بنقل القمح إلى المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة   لكن، في المقابل، لا تزال الفصائل المسلحة حتى اليوم، مثلاً، تحمي وتدير معابر «نظامية» مع مناطق سيطرة الجيش السوري في ريف حلب الغربي، وأبرزها معبر دارة عزة للحركة التجارية. وتنتقل الشاحنات المحمّلة بالبضائع المختلفة من تركيا إلى إدلب، عبر معبر أطمة، ثم تدخل مناطق سيطرة الجيش السوري في ريف حلب الشمالي الغربي، عبر معبر دارة عزة، وفي المقابل حركة عكسية. وكانت المعابر تشهد، في الفترات السابقة، معارك بين الفصائل للسيطرة عليها، لما تدرّه من أرباح هائلة، نظراً إلى كثافة الحركة التجارية عليها.   كباش على «المعابر الإنسانية» بعد نحو أسبوع، يحين موعد تجديد الترخيص الممنوح من قبل الأمم المتحدة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، من غير إذن الحكومة السورية. قبل أيام قليلة، أبلغت روسيا شركاءها في مجلس الأمن الدولي أبنّها لم تعد تريد سوى نقطة دخول حدودية واحدة فقط للمساعدات الإنسانية التي تقدّمها الأمم المتحدة للسكان في شمال غرب سوريا، وهي معبر باب الهوى الحدودي في غرب إدلب. في المقابل، تطلب واشنطن استخدام معبر اليعربية الواقع في أقصى الشمال الشرقي، لإدخال المساعدات. وترى موسكو أن حصر المساعدات في معبر تتحكم به حليفتها تركيا، أفضل من معبر تتحكم به القوات الأميركية في منطقة شرق الفرات، حيث تعمل القيادة الكردية مدعومة من واشنطن على الحصول على «استقلالية» في استقبال المساعدات والمعونات، بعيداً من دمشق، ما يصبّ في طريق ضرب ما تبقى من مركزية الدولة السورية. حتى اليوم، ورغم تمتع مناطق واسعة بحكم ذاتي، وإدارة منفصلة تماماً عن دمشق، بل مناوئة لها، لا يزال الاقتصاد السوري موحداً، وكذلك السوق والإنتاج والتصريف. ورغم الهوامش الواسعة التي تتمتع بها هذه المناطق المدعومة خارجياً، فإنها لا يمكن أن تستغني تماماً عن السوق السورية الداخلية المركزية، التي لا تزال تحكم دمشق قبضتها عليها.

المصدر : الماسة السورية/ الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة