دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ليس من السهل ضبط السوق والأسعار..لعلّها العبارة الألطف لتوصيف المهمة الصعبة للوزير الجديد الذي تولّى حقيبة التجارة الداخليّة وحماية المستهلك.
فالرجل لديه كفايته من الإمكانات والقدرة على المتابعة و قراءة التفاصيل..وسلسلة خصال لا تدع أمامنا سوى التفاؤل بأنه سيُحدث شيئاً ما إيجابياً في سوق لم يعد من عاقل قادراً على وضع توصيف لها وملامح معروفة لجهة انتمائها إلى أيٍّ من ” الأجناس الاقتصادية” بين أقصى اليسار الاشتراكي وأقصى اليمين الرأسمالي..لذا يغدو إصلاح الحال خليطاً لازماً من الإجراءات..بين التشريعي والرقابي ” الزجري”، والثاني مرتبط بالأول ارتباطاً وثيقاً، وليس المهم الانشغال بتحديد الهوية التي سنمنحها لسوقنا، بل الأهم هو الاستجابة الإنقاذية لمستهلك، وقع فريسة لتطبيقات فكرة إطلاق قوى السوق للمنافسة، فكان الحلقة الأضعف ونال ما ناله من ” رفسات” منظومة متكافلة ضده لا متنافسة لأجله.
والواقع أن أي حديث في اتجاه التصويب، سيكون محفوفاً بنفحة عاطفيّة ” ستظهر بالتأكيد لو طرح الموضوع لاستطلاع شعبي” أي ستتركز المطالبات على العودة الكاملة للطريقة القديمة في ضبط السوق و إحكام قبضة الرقابة والتسعير المركزي للسلع، والاحتكام إلى القضاء العسكري في القضايا التموينية، أي باختصار العودة إلى حاشية ” إغلاق حتى إشعار آخر” التي ألغيناها في سياق إلغاء أي شكل من أشكال الأحكام العرفية.
فمثل هذه العودة الكاملة إلى الوصفات القديمة لم تعد ممكنة، بسبب متغيرات عميقة طرأت على بنية السوق والاقتصاد، والعودة الكاملة إلى الوراء، تبدو “انتكاسة” غير حميدة النتائج..لذا سيكون علينا التعاطي مع الوقائع بشكل استثنائي، ولو عبر إجراءات مؤقتة تتماشى مع خصوصية الظرف الراهن، لكن المهم أن تكون إجراءات ذات نتائج مباشرة على الأرض..أي يلمسها المواطن.
في هذا السياق قد نكون بحاجة إلى تعديل سريع للقانون الناظم لعمل الوزارة، بحيث يمكّنها من استعادة صلاحيات التسعير والرقابة معاً، لأنها مع التشريع الراهن هي مقلّمة الأظافر مكفوفة اليد.
ماذا نسعّر ..ماذا نراقب ؟؟
بالفعل هو السؤال الأصعب حالياً في ظل تذبذب أسعار الصرف، والحصار والحرب ومحاولات التجويع وووو سلسلة الوقائع المرتبطة بخصوصيّة الظرف الراهن.
لكن المواد والسلع المستوردة ليست جوهر طرحنا ..بل الأخرى ذات المنشأ المحلّي، وبالأخص المنتجات الغذائيّة ومعظمها ذات طابع زراعي ” طازج أو مصنّع”..فهي الأهم اليوم في ظل التهديد الذي يتعرض له المواطن السوري في أنه الغذائي.
يجب أن يكون لدى وزارة التجارة الداخلية، تصورات كاملة لتكاليف المنتج المحلّي..ولتكن البداية بالمنتجات ذات المدخل الدولاري الأقل، للوصول إلى تغطية كامل سلسلة المنتجات المحليّة..فالتسعير يغدو حينها ممكناً ولو بهوامش اختلاف وتباين، لكن ستكون هناك عتبة سعريّة يطمئن لها المستهلك ” هذا ما رفضت وزارة التجارة الداخلية فعله على مرّ سنوات الحرب رغم الدواعي الملحّة”..لكن لن تُحل المشكلة بدون تسعير مركزي، وتكثيف أعداد مراقبي التموين و نقل فائض الموظفين في مؤسسات القطاع العام ” البطالة المقنعة” إلى ملاك وزارة التجارة الداخلية، لتكليفهم بالعمل الرقابي…ولا ننسى ترتيب آلية لمراقبة المراقب فهذا أمر بالغ الأهمية ويحتاج إلى إفراد بحث خاص به.
الجانب الآخر المهم أيضاً يبدو في تعزيز تجربة ” من المنتج إلى المستهلك”..وتطويرها بحيث تأخذ المساحات التي جرى اختيارها طابع الاستدامة لجهة التجهيز والتنظيم ” وليس ساحات ترابية رفعاً للعتب”..فالشكل الراهن لمخرجات الإجراء يشي بأن ثمة من يساير على أمل أن تفشل التجربة أو يتم إفشالها.
وهنا يجدر أن تسعى الوزارة مع وزارة الإدارة المحلية ومجالس المدن نحو إحداث أكثر من سوق هال واحد في كل مركز محافظة أو مدينة، لأن ذلك يترك خيارات للمنافسة ويوسع الدائرة لإبطال حالات الاحتكار التي يمارسها حفنة سماسرة وتجار في كل مدينة.
في جانب ” السورية للتجارة” ..لا بد من الانتباه إلى أن هذه المؤسسة هي حالة كئيبة لدور الدولة المفترض، فالدولة لا تعمل كـ ” تاجر مفرق” أبداً ولا يجوز أن تعمل، بل الفكرة هي ذراع تدخليّة، لإدارة النقص وتأمين احتياجات المواطن، ومنع احتمالات حدوث الاحتكار والتلاعب بالسوق.
لدى المؤسسة أسطول سيارات ,سلسلة مستودعات وبرادات وإمكانات هائلة تمكنها من لعب دور على مستوى تسوق المحاصيل القابلة للتخزين من الفلاح، والتحكم بأسعاره في السوق من خلال صالاتها ” البيع للمستهلك وليس للتاجر”..أي الانتصار للمنتج والمستهلك في آن معاً، أما أن تغرق المؤسسة في حكايا الفساد وتجارة المفرق والغش التجاري..فهذا أمر مسيء لهيبة الدولة لأنها باختصار ..ليست تاجر مفرّق..
بالتأكيد لدى الوزير البرازي خطته التي يتأبطها في حقيبته ..وعلى الأرجح ستظهر نتائجها على الأرض ولن تتأخر..
المصدر :
ناظم عيد – الخبير السوري
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة