لم يكن تفويض المرأة بطلاق نفسها، وجعل العصمة بيدها متفقاً عليه يوماً في المجتمع السوري الذي يجمع في أغلبه “رجالاً ونساءً حتى” على الالتزام بالتقاليد والنظر إلى الطلاق كحق من حقوق الرجل فقط. ورغم أن قانون الأحوال الشخصية أتاح منذ إصداره عام 1953 في المادة 87 أن يفوض الرجل المرأة بتطليق نفسها، إلا أن المجتمع قوض هذا الحق بحالات قليلة؛ ما جعل نسبة النساء المفوضات بالطلاق قليلة جداً وفقاً لمصادر قضائية،

 

يضاف إلى ذلك أن القانون رغم إتاحته طلاق المرأة لنفسها إلا أنه جعل الطلاق رجعياً في معظم الحالات، أي يملك الزوج حق الرجوع بلا عقد أو مهر وحتى بدون رضا الزوجة مادامت في العدة، وبذلك كان يعطي القانون “قبل التعديل الأخير” الحق للمرأة بيد، ويأخذه باليد الأخرى، فضلاً عن أن موافقة الزوج تبقى شرطاً لازماً لتكون العصمة بيد المرأة.

 

ومع الاختلاف الكبير الذي طرأ على المجتمع وتركيبته خلال الحرب تجدد الحديث عن تفويض المرأة بطلاق نفسها في ظل تصنيف المئات والآلاف في عداد المفقودين. فطلب التفريق باعتبار الزوج مفقوداً لا يجوز بالقانون، ويجب الانتظار أربع سنوات على فقده ليعتبر متوفياً، وبالتالي ينتهي عقد الزواج؛ مما يجعل سفر المرأة مع أبنائها “شبه مستحيل” في هذه الحالة، فضلاً عن وجود حالات عدة سافر فيها الزوج بعد اتفاقه مع الزوجة على لم الشمل بعد سفره ولم يفِ بالتزامه بعدها لتبقى المرأة بعدها “لامعلقة ولا مطلقة” كما يقال.

 

القاضي الشرعي يحيى الخجا لفت إلى أن التعديل في قانون الأحوال الشخصية لحظ هذه المشكلات، فجعل القانون 4/2019 تطليق المرأة لنفسها بناءً على تفويض الزوج طلاقاً بائناً وليس رجعياً كما كان في النص السابق، وبالتالي فإن التعديل الجديد جعل تفويض الرجل للمرأة بطلاق نفسها يحقق الغاية المرجوة منه، وهي وصول المرأة إلى الفراق دون أن يكون للزوج حق في إرجاعها ضمن العدة،

 

مؤكداً أن العصمة هي شرط نافذ معمول به، وتطبق جميع أحكامه عملياً، ولكنه ليس مطروقاً بكثرة، بسبب أن النظام القانوني السوري يتيح للمرأة طلب التفريق لمختلف الأسباب وللسبب العام، وهو التفريق للشقاق وتحصل في النهاية على الطلاق في جميع الأحوال، وبالتالي تفويضها بالطلاق ليس ذا أهمية كبيرة برأيه؛ الأمر الذي استنكره عدد من المحامين الذين استعرضوا الضغوط التي تتعرض لها الزوجة عند رفع دعوى الطلاق، ومحاولة الزوج المماطلة في المحاكم وتجريد الزوجة من حقوقها وحضانتها للأطفال للحصول على الطلاق.

 

وبيّن الخجا أنه لا حالات إلزامية لجعل العصمة بيد المرأة إلا أن تفويض المرأة بطلاق نفسها يصدر عن الرجل لأن الطلاق هو حق له، والحالات كلها اتفاقية عائدة لموافقة الطرفين، من جهة أخرى يوجد بعض الحالات التي كان القاضي الشرعي الأول محمود المعراوي أوصى فيها بتفويض المرأة بالطلاق، كالزواج العرفي وحالة لم الشمل أو اشتراط المرأة أن تكون العصمة بيدها عند زواج الرجل بأخرى، رغم ذلك أوضح الخجا أن الحالات التي يتم تفويض الرجل للمرأة بطلاق نفسها قليلة جداً لا تتجاوز 1%، وبالتالي الحالات التي تقوم المرأة فيها بطلاق نفسها استناداً لهذا التفويض متواضعة بالنظر إلى مجمل حالات الطلاق.

 

وعن حقوق المرأة في حال اختيارها طلاق نفسها أكد الخجا أنه يترتب للزوجة كامل الحقوق الزوجية الأساسية، على أن طلاق المرأة لنفسها لا يمكن لها معه أن تطلب تعويض الطلاق التعسفي؛ لأن الطلاق وقع من قبلها، كما أنه لا علاقة للحضانة بالطلاق، فتبقى للأم في حال كانت أهلاً لذلك، وأحكام الحضانة موضوعة لمصلحة المحضون دائماً.

 

يذكر أن حالات تفويض المرأة بالطلاق إما أثناء العقد، أي إذا اشترطت المرأة أن تكون العصمة بيدها ووافق الزوج على ذلك يكون تفويض تمليك فلا يحق للزوج أن يرجع عنه، والحالة الثانية إذا كان التفويض في حالة الزوجية فيعتبر ذلك توكيلاً، ويجوز للرجل أن يرجع عن توكيله بالطلاق متى شاء وفي أي وقت.

  • فريق ماسة
  • 2019-10-02
  • 11959
  • من الأرشيف

تعديلات في القانون السوري تبيح للمرأة ” طلاق نفسها”..

لم يكن تفويض المرأة بطلاق نفسها، وجعل العصمة بيدها متفقاً عليه يوماً في المجتمع السوري الذي يجمع في أغلبه “رجالاً ونساءً حتى” على الالتزام بالتقاليد والنظر إلى الطلاق كحق من حقوق الرجل فقط. ورغم أن قانون الأحوال الشخصية أتاح منذ إصداره عام 1953 في المادة 87 أن يفوض الرجل المرأة بتطليق نفسها، إلا أن المجتمع قوض هذا الحق بحالات قليلة؛ ما جعل نسبة النساء المفوضات بالطلاق قليلة جداً وفقاً لمصادر قضائية،   يضاف إلى ذلك أن القانون رغم إتاحته طلاق المرأة لنفسها إلا أنه جعل الطلاق رجعياً في معظم الحالات، أي يملك الزوج حق الرجوع بلا عقد أو مهر وحتى بدون رضا الزوجة مادامت في العدة، وبذلك كان يعطي القانون “قبل التعديل الأخير” الحق للمرأة بيد، ويأخذه باليد الأخرى، فضلاً عن أن موافقة الزوج تبقى شرطاً لازماً لتكون العصمة بيد المرأة.   ومع الاختلاف الكبير الذي طرأ على المجتمع وتركيبته خلال الحرب تجدد الحديث عن تفويض المرأة بطلاق نفسها في ظل تصنيف المئات والآلاف في عداد المفقودين. فطلب التفريق باعتبار الزوج مفقوداً لا يجوز بالقانون، ويجب الانتظار أربع سنوات على فقده ليعتبر متوفياً، وبالتالي ينتهي عقد الزواج؛ مما يجعل سفر المرأة مع أبنائها “شبه مستحيل” في هذه الحالة، فضلاً عن وجود حالات عدة سافر فيها الزوج بعد اتفاقه مع الزوجة على لم الشمل بعد سفره ولم يفِ بالتزامه بعدها لتبقى المرأة بعدها “لامعلقة ولا مطلقة” كما يقال.   القاضي الشرعي يحيى الخجا لفت إلى أن التعديل في قانون الأحوال الشخصية لحظ هذه المشكلات، فجعل القانون 4/2019 تطليق المرأة لنفسها بناءً على تفويض الزوج طلاقاً بائناً وليس رجعياً كما كان في النص السابق، وبالتالي فإن التعديل الجديد جعل تفويض الرجل للمرأة بطلاق نفسها يحقق الغاية المرجوة منه، وهي وصول المرأة إلى الفراق دون أن يكون للزوج حق في إرجاعها ضمن العدة،   مؤكداً أن العصمة هي شرط نافذ معمول به، وتطبق جميع أحكامه عملياً، ولكنه ليس مطروقاً بكثرة، بسبب أن النظام القانوني السوري يتيح للمرأة طلب التفريق لمختلف الأسباب وللسبب العام، وهو التفريق للشقاق وتحصل في النهاية على الطلاق في جميع الأحوال، وبالتالي تفويضها بالطلاق ليس ذا أهمية كبيرة برأيه؛ الأمر الذي استنكره عدد من المحامين الذين استعرضوا الضغوط التي تتعرض لها الزوجة عند رفع دعوى الطلاق، ومحاولة الزوج المماطلة في المحاكم وتجريد الزوجة من حقوقها وحضانتها للأطفال للحصول على الطلاق.   وبيّن الخجا أنه لا حالات إلزامية لجعل العصمة بيد المرأة إلا أن تفويض المرأة بطلاق نفسها يصدر عن الرجل لأن الطلاق هو حق له، والحالات كلها اتفاقية عائدة لموافقة الطرفين، من جهة أخرى يوجد بعض الحالات التي كان القاضي الشرعي الأول محمود المعراوي أوصى فيها بتفويض المرأة بالطلاق، كالزواج العرفي وحالة لم الشمل أو اشتراط المرأة أن تكون العصمة بيدها عند زواج الرجل بأخرى، رغم ذلك أوضح الخجا أن الحالات التي يتم تفويض الرجل للمرأة بطلاق نفسها قليلة جداً لا تتجاوز 1%، وبالتالي الحالات التي تقوم المرأة فيها بطلاق نفسها استناداً لهذا التفويض متواضعة بالنظر إلى مجمل حالات الطلاق.   وعن حقوق المرأة في حال اختيارها طلاق نفسها أكد الخجا أنه يترتب للزوجة كامل الحقوق الزوجية الأساسية، على أن طلاق المرأة لنفسها لا يمكن لها معه أن تطلب تعويض الطلاق التعسفي؛ لأن الطلاق وقع من قبلها، كما أنه لا علاقة للحضانة بالطلاق، فتبقى للأم في حال كانت أهلاً لذلك، وأحكام الحضانة موضوعة لمصلحة المحضون دائماً.   يذكر أن حالات تفويض المرأة بالطلاق إما أثناء العقد، أي إذا اشترطت المرأة أن تكون العصمة بيدها ووافق الزوج على ذلك يكون تفويض تمليك فلا يحق للزوج أن يرجع عنه، والحالة الثانية إذا كان التفويض في حالة الزوجية فيعتبر ذلك توكيلاً، ويجوز للرجل أن يرجع عن توكيله بالطلاق متى شاء وفي أي وقت.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة