دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بعد أكثر من عام ونصف العام تم الاتفاق على تشكيل «اللجنة الدستورية» وآليات وإجراءات عملها، الأمر الذي يشكل في حسابات الحروب انتصاراً سياسياً يسجل للدولة السورية في واحدة من الساحات التي تشن من خلالها عليها الحرب الإرهابية.
لقد خاضت الدولة مفاوضات شاقة حتى تمكنت من فرض رؤيتها والمتمثلة بأن تكون اللجنة مملوكة لسورية وبقيادة سورية ورفض التدخل الخارجي والإملاءات والجداول الزمنية لعملها»، ولكن هذا لا يعني انتهاء معركة «الدستورية» بقدر ما هو مجرد بداية لهذه المعركة التي يرجح أن تكون جولاتها المقبلة طويلة أكثر مما يتصوره البعض.
اجتماعات اللجنة التي تضم ثلاث قوائم واحدة مدعومة من الحكومة السورية، والثانية من «المعارضات»، والثالثة من المجتمع المدني، ستكون حامية الوطيس لأن كل طرف سيحاول خلال مناقشة مواد الدستور الذي أقر عام 2012 فرض وجهة نظره.
وإذا كان التفاوض على تشكيل اللجنة وآليات وإجراءات عملها استغرق عاماً ونصف العام، فإن مناقشة كل مادة من مواد الدستور الـ157 ستكون معركة قاسية.
قد يصف البعض الرؤية السابقة، بالسوداوية أو المتشائمة، لكن تتبع تفاصيل ومجريات الأحداث على مسار الحرب السياسية ومعاركها سواء في مباحثات جنيف، أم عملية أستانا يؤكد ذلك، فالدولة لم تكن تجري مباحثات مع من يطلقون على أنفسهم «معارضات»، وإنما مع دول غربية وإقليمية معادية أرادت بمخططاتها تدمير سورية، واستخدمت هؤلاء كأدوات وواجهة لها لتنفيذ مؤامرتها، وعليه فإن مناقشة مواد الدستور لن تكون بين القائمة المدعومة من الحكومة السورية، وقائمة «المعارضات»، وإنما بين الدولة السورية وتلك الدول.
مجريات الأحداث حتى الآن، تؤكد أن الدولة تمكنت من إفشال المؤامرة، فهي ما زالت قائمة كدولة بمؤسساتها وقيادتها وشعبها وجغرافيتها وتواصل المعركة الميدانية لتحرير ما تبقى من الأرض من الإرهابيين وإخراج القوات الأجنبية الموجودة بشكل غير شرعي، الأمر الذي سيدفع تلك الدول وعبر أدواتها للاستماتة في محاولات تحصيل مكاسب سياسية في خلال مناقشة مواد الدستور.
لا مؤشرات على أن «المعارضات» ستلزم بالقواعد والإجراءات الخاصة باللجنة، فقبل أيام قليلة من إعلان اتفاق تشكيل اللجنة، راحت تلك «المعارضات» وبدفع من داعميها تضع اشتراطات ما أنزل الله بها من سلطان للمشاركة في اجتماعات اللجنة من بينها وقف العملية العسكرية التي يشنها الجيش السوري وحلفاؤه على التنظيمات الإرهابية في إدلب، عدا عن محاولاتها اختراع مهام جديدة للجنة برفضها حصر عملها بتعديل دستور عام 2012، علماً أن المهمة المنوطة بهذه اللجنة التي أوصى بتشكيلها مؤتمر الحوار السوري السوري في سوتشي عام 2018 محصورة في مناقشة مواد الدستور الحالي، وهو أمر أوضحه بجلاء نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم عندما قال في حوار مع «الفضائية السورية»: إن «مناقشة الدستور لا يمنع النظر في وضع دستور جديد لأنه بتعديل مادة واحدة يصبح لدينا دستور جديد».
أيضا الدول المعادية لسورية التي طالما طالبت بتشكيل هذه اللجنة، وعلى الرغم من مواقفها العلنية المرحبة بالاتفاق، إلا أن ممارستها على الأرض لا تدل أبداً على أنها ستغير من مواقفها وسياساتها، فواشنطن تواصل تكثيف إرسال المعدات العسكرية إلى قواعدها في المناطق التي تحتلها شمالي وشمالي شرقي سورية، إضافة إلى مواصلتها دعم الميليشيات الكردية الإرهابية الانفصالية في محاولة لتقسيم البلاد، كما أن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان وعلى الرغم من ظهور علامات الإذعان عليه لرؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني فيما يتعلق والوضع في سورية خلال القمة الثلاثية التي عقدوها مؤخراً في أنقرة، لا يبدو من ممارسته أنه سيتوقف عن دعم التنظيمات الإرهابية في سورية وينسحب من الأراضي التي يحتلها، لا بل يشير تطور الأحداث إلى مواصلة مساعيه لتشكيل كيان «إخواني» في شمالي غربي سورية يعمل تحت إمرته، ويواصل الاجتماعات مع الأميركيين من أجل إقامة «المنطقة الآمنة»، في وقت يكرر الاتحاد الأوروبي شروطه لتغيير سياسته تجاه سورية.
ما سبق ينبئ بأن معركة لا بل معارك مناقشة الدستور من اللجنة قد تأخذ وقتاً طويلاً للغاية، وستشهد عمليات كسر عظم وجماجم كما سبق أن معركة الاتفاق على تشكيل اللجنة وآليات وإجراءات عملها.
المصدر :
الماسة السورية/ الوطن
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة