تبدو المنطقة الواقعة خلف شرق المتوسط والممتدة من السّاحل وحتى إيران، وكأنها تغلي على صفيح ساخن، وهي تشهد انهيار الاتفاقيات التي عقدت من أجل قلب النظام في سوريا،

 

وترقب نهاية أحلام رجب طيب أردوغان التوسعية من خلال منطقة عازلة في سوريا، وإن كانت تصريحاته الأخيرة في 18/9 تبدو كمحاولات للنجاة من الغرق، يحاول أن يثبت من خلالها للأميركيين والرّوس على حدّ سواء أن تركيا ما زالت دولة محورية لم تتغير مكانتها في العالم بعد انهيار الاتحاد السّوفياتي، وهي ما تزال تمثل الحليف الإستراتيجي المنشود للسّيطرة على منطقة شرق المتوسط، فاته أن اللعبة السّياسية التي ابتدأت في العام 2011 على سوريا ويشهد العام 2019  نهايتها، وليس خواتيمها، وأن بداية النّهاية ستكون في شرق الفرات.

 

عندما قلنا سابقًاً إن شرق الفرات أولًا، تلاحقت الأحداث، ودخل الجيش العربي السوري محافظة إدلب من أجل تحريرها، فقرأ البعض أن دخول شرق الفرات سيكون الخطوة التالية بعد تحرير إدلب من الجماعات الإرهابية. وأظهر تحرير بعض المدن والقرى الحجم الحقيقي للجماعات الإرهابية من "جبهة النّصرة" و"جيش العزة" و"أحرار الشّام" وغيرها. وعلى الرّغم من اتفاق وقف النّار الذي أبرم في 31 آب/ أغسطس بعد زيارة أردوغان لموسكو في 27 آب/ أغسطس، تواصلت الضّربات الرّوسية الجوية في منطقة إدلب واستمرت عمليات الجيش السّوري. هذا مع العلم، أن جلّ ما يخشاه أردوغان هو هرب الإرهابيين المسلحين والفارين وعائلاتهم من المواجهة مع الجيش السّوري بأعداد كبيرة نحو تركيا. وهي المجموعات ذاتها، التّي هددّ أوروبا بفتح الطريق لها نحوها، والتّي كان يأمل في توطينها في المنطقة العازلة المزعم إنشاؤها في شمال ادلب بعمق 30-40 كم.

 

المعلومات تقول إن التركي سيرحل، وإن الأميركي اليوم يبحث عن المخرج المناسب

 

تكررت خلال السّنوات الثّماني الماضية تهديدات أردوغان بعدم السّماح للأكراد بالبقاء وراء سلاحهم والتّحالف مع أكراد تركيا وتشكيل جبهة مسلحة تهاجمها من خلال الأراضي السّورية، وبناء عليه عقد اتفاقاً مع الأميركيين لتشكيل منطقة عازلة في شرق الفرات بعمق 15 كم. وقد هدد في 18/9 "بتفعيل خطة تركيا حول المنطقة الآمنة (العازلة) في الشّمال السّوري خلال أسبوعين، في حال عدم التوصل لنتيجة مع واشنطن"، أي في نهاية الشّهر الحالي. وهذا ما يتناقض مع إعلان القمة الثّلاثية الأخيرة في أنقرة  في 16 أيلول/ سبتمبر للدول الضّامنة: روسيا وإيران وتركيا، والذي أعلن فيه أردوغان أن من المهم الحفاظ على سلامة ووحدة الأراضي السّورية. وبالرّغم من الاتفاقيات التي توصلت لها الأطراف المجتمعة في تركيا، والتي أعلنت أنّها قد توصلت إلى تسوية حول اللجنة الدّستورية، والتي تشكل أولوية، لأنها تعبر عن الانتصار السّياسي الذّي يأتي تتويجاً للانتصار العسكري بالنسبة لروسيا.

 

هذا في السّياسة وفي الاتفاقيات المعلنة، ولكن في التّطبيق وبحسب الشّهود والمطلعين على الأرض، فإن تحرير شرق الفرات سيأتي قبل الانتهاء من عملية تحرير ادلب ودون اشتباك، وما جرى الاتفاق عليه فعلياً هو ما يلي: سيكون هناك انسحاب أميركي قريباً، وبعد الانسحاب ستتراجع القوات الكردية لصالح قيام منطقة عازلة بعمق 15 كم في شرق الفرات. ولكن بحسب الاتفاق مع الروسي، فإن هذه المنطقة ستسكنها العشائر العربية حصراً، وستقام فيها نقاط مراقبة روسية ـ تركية مشتركة. ولكن المعابر من وإلى تركيا ستكون تحت إمرة الجيش السّوري حصراً. أي باختصار ستعود حراسة الحدود إلى تركيا تماماً كما كان الوضع بموجب اتفاق أضنه في العام 1997.

 

والمعلومات تقول إن التركي سيرحل، وإن الأميركي اليوم يبحث عن المخرج المناسب. وما كشفه شهود عيان، منذ أسبوع تقريباً، عن انفجار عبوة في دورية أميركية- كردية مشتركة، أسفرت عن مقتل ضابط كردي وآخر أميركي، لم تعرف رتبته، توضح حجم المأزق الأميركي الذي بات يستعجل الخروج. وقد كشف المصدر: "أنّ الأميركي ما زالت ماثلة أمام عينيه عملية المارينز في العام 1982 في بيروت، وكفى!". وأما الحرب ضد الإرهاب فسيكملها رجال الجيش العربي السّوري مترافقة مع وقف الدعم الخارجي للإرهابيين. وفعلياً فقد توقف الدعم الأميركي لجيش العزّة، تماماً كما سيحدث مع الجماعات التي تدعمها تركيا، وهذا يبرر المظاهرات التي قام بها الإرهابيون ضد تركيا واتهموها بالتآمر عليهم في الشّهر الماضي.

 

ولكن ما كشف عن نتائج محادثات 27 آب/ أغسطس، أن ما سينهي الدور التركي "المكابر" في الحرب هو ما ابتدأها فعلياً، ألا وهو أنابيب الغاز التّي كانت ستمر عبر أراضيه والتي رفضت سوريا تمديدها. غير أن أنابيب النفط الرّوسي ستمر بدلاً عن القطري باتجاه أوروبا عبر الأراضي التّركية، ويبدو أن الصّفقة كانت مرضية تماماً بالنسبة للأخيرة. وأما نفط الخليج وغازه، فلن يجري بعد اليوم في الأرض السّورية، ولن يرى النّور نحو أوروبا.

 

واليوم يرابط الجيش السّوري على تخوم شرق الفرات ليدخلها مباشرة ما أن تخرج القوات الأميركية منها، دون أيّة مواجهات. وسيتحصل أكراد سوريا على حقوق مواطنة كاملة، وعلى الأغلب سيسمح لهم بدراسة لغتهم في المدارس، كلغة إضافية. وسيقوم الأكراد بتسليم السّلاح الثّقيل للدولة السّورية، وهي التّي أعطتهم إيّاه منذ البداية من أجل الدفاع عن أنفسهم ضد هجمات "داعش"، ولكن انقلابهم على الدّولة لن ينسى. ولن يكون هناك أية دولة منفصلة ذات حكم ذاتي، وهذا ما يتناسب مع تصريحات كل من الرّئيس الإيراني رفسنجاني والرّئيس الرّوسي بوتين حول عدم القبول بتقسيم سوريا. ولكن في حقيقة الأمر علينا أن لا ننسى أن من منع تقسيم سوريا، هو بسالة جيشها، وصبر شعبها، ووقوفهم خلف الدولة والجيش حتى الرّمق الأخير.

  • فريق ماسة
  • 2019-09-21
  • 12966
  • من الأرشيف

نهاية الحرب على سورية.. وشرق الفرات أولاً

تبدو المنطقة الواقعة خلف شرق المتوسط والممتدة من السّاحل وحتى إيران، وكأنها تغلي على صفيح ساخن، وهي تشهد انهيار الاتفاقيات التي عقدت من أجل قلب النظام في سوريا،   وترقب نهاية أحلام رجب طيب أردوغان التوسعية من خلال منطقة عازلة في سوريا، وإن كانت تصريحاته الأخيرة في 18/9 تبدو كمحاولات للنجاة من الغرق، يحاول أن يثبت من خلالها للأميركيين والرّوس على حدّ سواء أن تركيا ما زالت دولة محورية لم تتغير مكانتها في العالم بعد انهيار الاتحاد السّوفياتي، وهي ما تزال تمثل الحليف الإستراتيجي المنشود للسّيطرة على منطقة شرق المتوسط، فاته أن اللعبة السّياسية التي ابتدأت في العام 2011 على سوريا ويشهد العام 2019  نهايتها، وليس خواتيمها، وأن بداية النّهاية ستكون في شرق الفرات.   عندما قلنا سابقًاً إن شرق الفرات أولًا، تلاحقت الأحداث، ودخل الجيش العربي السوري محافظة إدلب من أجل تحريرها، فقرأ البعض أن دخول شرق الفرات سيكون الخطوة التالية بعد تحرير إدلب من الجماعات الإرهابية. وأظهر تحرير بعض المدن والقرى الحجم الحقيقي للجماعات الإرهابية من "جبهة النّصرة" و"جيش العزة" و"أحرار الشّام" وغيرها. وعلى الرّغم من اتفاق وقف النّار الذي أبرم في 31 آب/ أغسطس بعد زيارة أردوغان لموسكو في 27 آب/ أغسطس، تواصلت الضّربات الرّوسية الجوية في منطقة إدلب واستمرت عمليات الجيش السّوري. هذا مع العلم، أن جلّ ما يخشاه أردوغان هو هرب الإرهابيين المسلحين والفارين وعائلاتهم من المواجهة مع الجيش السّوري بأعداد كبيرة نحو تركيا. وهي المجموعات ذاتها، التّي هددّ أوروبا بفتح الطريق لها نحوها، والتّي كان يأمل في توطينها في المنطقة العازلة المزعم إنشاؤها في شمال ادلب بعمق 30-40 كم.   المعلومات تقول إن التركي سيرحل، وإن الأميركي اليوم يبحث عن المخرج المناسب   تكررت خلال السّنوات الثّماني الماضية تهديدات أردوغان بعدم السّماح للأكراد بالبقاء وراء سلاحهم والتّحالف مع أكراد تركيا وتشكيل جبهة مسلحة تهاجمها من خلال الأراضي السّورية، وبناء عليه عقد اتفاقاً مع الأميركيين لتشكيل منطقة عازلة في شرق الفرات بعمق 15 كم. وقد هدد في 18/9 "بتفعيل خطة تركيا حول المنطقة الآمنة (العازلة) في الشّمال السّوري خلال أسبوعين، في حال عدم التوصل لنتيجة مع واشنطن"، أي في نهاية الشّهر الحالي. وهذا ما يتناقض مع إعلان القمة الثّلاثية الأخيرة في أنقرة  في 16 أيلول/ سبتمبر للدول الضّامنة: روسيا وإيران وتركيا، والذي أعلن فيه أردوغان أن من المهم الحفاظ على سلامة ووحدة الأراضي السّورية. وبالرّغم من الاتفاقيات التي توصلت لها الأطراف المجتمعة في تركيا، والتي أعلنت أنّها قد توصلت إلى تسوية حول اللجنة الدّستورية، والتي تشكل أولوية، لأنها تعبر عن الانتصار السّياسي الذّي يأتي تتويجاً للانتصار العسكري بالنسبة لروسيا.   هذا في السّياسة وفي الاتفاقيات المعلنة، ولكن في التّطبيق وبحسب الشّهود والمطلعين على الأرض، فإن تحرير شرق الفرات سيأتي قبل الانتهاء من عملية تحرير ادلب ودون اشتباك، وما جرى الاتفاق عليه فعلياً هو ما يلي: سيكون هناك انسحاب أميركي قريباً، وبعد الانسحاب ستتراجع القوات الكردية لصالح قيام منطقة عازلة بعمق 15 كم في شرق الفرات. ولكن بحسب الاتفاق مع الروسي، فإن هذه المنطقة ستسكنها العشائر العربية حصراً، وستقام فيها نقاط مراقبة روسية ـ تركية مشتركة. ولكن المعابر من وإلى تركيا ستكون تحت إمرة الجيش السّوري حصراً. أي باختصار ستعود حراسة الحدود إلى تركيا تماماً كما كان الوضع بموجب اتفاق أضنه في العام 1997.   والمعلومات تقول إن التركي سيرحل، وإن الأميركي اليوم يبحث عن المخرج المناسب. وما كشفه شهود عيان، منذ أسبوع تقريباً، عن انفجار عبوة في دورية أميركية- كردية مشتركة، أسفرت عن مقتل ضابط كردي وآخر أميركي، لم تعرف رتبته، توضح حجم المأزق الأميركي الذي بات يستعجل الخروج. وقد كشف المصدر: "أنّ الأميركي ما زالت ماثلة أمام عينيه عملية المارينز في العام 1982 في بيروت، وكفى!". وأما الحرب ضد الإرهاب فسيكملها رجال الجيش العربي السّوري مترافقة مع وقف الدعم الخارجي للإرهابيين. وفعلياً فقد توقف الدعم الأميركي لجيش العزّة، تماماً كما سيحدث مع الجماعات التي تدعمها تركيا، وهذا يبرر المظاهرات التي قام بها الإرهابيون ضد تركيا واتهموها بالتآمر عليهم في الشّهر الماضي.   ولكن ما كشف عن نتائج محادثات 27 آب/ أغسطس، أن ما سينهي الدور التركي "المكابر" في الحرب هو ما ابتدأها فعلياً، ألا وهو أنابيب الغاز التّي كانت ستمر عبر أراضيه والتي رفضت سوريا تمديدها. غير أن أنابيب النفط الرّوسي ستمر بدلاً عن القطري باتجاه أوروبا عبر الأراضي التّركية، ويبدو أن الصّفقة كانت مرضية تماماً بالنسبة للأخيرة. وأما نفط الخليج وغازه، فلن يجري بعد اليوم في الأرض السّورية، ولن يرى النّور نحو أوروبا.   واليوم يرابط الجيش السّوري على تخوم شرق الفرات ليدخلها مباشرة ما أن تخرج القوات الأميركية منها، دون أيّة مواجهات. وسيتحصل أكراد سوريا على حقوق مواطنة كاملة، وعلى الأغلب سيسمح لهم بدراسة لغتهم في المدارس، كلغة إضافية. وسيقوم الأكراد بتسليم السّلاح الثّقيل للدولة السّورية، وهي التّي أعطتهم إيّاه منذ البداية من أجل الدفاع عن أنفسهم ضد هجمات "داعش"، ولكن انقلابهم على الدّولة لن ينسى. ولن يكون هناك أية دولة منفصلة ذات حكم ذاتي، وهذا ما يتناسب مع تصريحات كل من الرّئيس الإيراني رفسنجاني والرّئيس الرّوسي بوتين حول عدم القبول بتقسيم سوريا. ولكن في حقيقة الأمر علينا أن لا ننسى أن من منع تقسيم سوريا، هو بسالة جيشها، وصبر شعبها، ووقوفهم خلف الدولة والجيش حتى الرّمق الأخير.

المصدر : عبير بسام/ العهد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة