دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ان القلوب لم تخلق لتكون مقابر بل مزارع للورد الذي ينبت على شفاهنا حين نقول كلمات الحب والحزن.. والقلوب لم تخلق لتقام فها الجنازات بل مهرجانات الحب والحرب .. أما القلوب التي تموت فانها تصبح ارضا مهجورة لاحب فيها ولاماء .. بل مهرجانات الصمت والظلام .. وقلوبنا عاشت في الحرب وأنبتت أنبل الكلمات وأجملها .. ورقصت الحرب على ايقاعات ضرباتها ..ولازلنا قادرين على ان نبارز العدو بها .. وأن نقتله بسيفه ..
فأفضل المقاتلين هو الذي يبارز عدوه بسيف كان في يد عدوه ويقتله به .. وللأسف فان الاميريكيين والاسرائيليين فتكوا بشعوبنا بشعوبنا .. فلم تخسر اسرائيل جنديا واحدا في الربيع العربي .. وقتلت بالمقابل مئات آلاف العرب والمسلمين .. ودمرت آلاف المدن التي كانت تحتاج الى مخزون اميريكا من القنابل الذرية لتحرقها .. وشردت ملايين السكان .. اي انها طبقت تلك المقولة بعبقرية في انها بارزتنا بشعبنا وديننا .. وقتلت شعبنا بشعبنا وشقت ديننا بديننا .. ولم تحتج الا الى كلمة سحرية كانت في فم القرضاوي وعصابته وفي فم الجزيرة وثعابينها .. وبعد ذلك تركوا الناس تقتل الناس ..
ولكن لاشك ان هذا التخطيط استغرق وقتا وصبرا وفنا في الاقناع .. فالعدو صبر على ان يتم طهو العقل العربي على مهل وسلقه في قدور الجزيرة ومراجل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين .. وجمع الحطب في تركيا منذ عام 2001 عندما سهل مرور حزب العمالة والتعمية بزعامة اردوغان .. وعندما غلت القدور بالنار العثمانية ونضجت العقول حتى انها اهترأت بالحرارة .. دعي الغوغاء الى الوليمة العظيمة فكانت كارثة الربيع العربي ..
لن تنسى هذه الامة ماحصل لان ماحصل ببساطة هو الحدث الثاني بعد معركة صفين والجمل من حيث الشقوق العميقة التي رسمت في العقول والنفوس .. فالعربي لن يثق بعربي بعد اليوم .. والمؤمن لن يثق بدين ولاداعية ولاواعظ.. والمسلم لم يعد مسلما كما اعتاد ان يكون .. وغير المسلمين صاروا متوجسين من المسلمين .. والاعراق انفصلت عن الاعراق ..
من آثار تلك الحرب العنيفة هي حدوث انزياحات سكانية كبيرة وتغيرات ديموغرافية وأحيانا تبدو كأنها تبادل سكاني .. فالاتراك طردوا الاكراد الاتراك الى شمال سورية في العقود الماضية .. واليوم استدرجوا بدلا منهم مواطنين سوريين الى الجنوب التركي .. فقد فقدت سورية توازنا سكانيا كان مستقرا حبث فتح المتآمرون قنوات الهجرة والتهجير بالترغيب والترهيب كمن يرغم الماء على مغادرة السدود والبحيرات التي استقرت فيها منذ الأزل .. وهذا الفيضان في السكان أخل بالبنية السكانية السورية ولكنه سيؤثر قريبا في المدى المنظور على الدول التي استقبلت الفيضان السكاني .. ولكن يجب علينا كسوريين الاستفادة من وجود المهاجرين في بلاد الجوار بشكل يعاكس استفادة الغرب من المهاجرين .. فالغرب يجد في المهاجرين واللاجئين بيئة خصبة لتنمية المعارضات الموالية للغرب .. فكل المعارضين العرب تقريبا ينشطون في الغرب وتتم صناعتهم وتلميعهم وتعليبهم في علب سياسية في الغرب ..
فكرة استعادة المهاجرين او اللاجئين لايجب ان تبقى اسيرة شكل واحد من الاستعادة أي استحضارهم بالحافلات والمصالحات والعراضات .. لأن هذه الطريقة لن تستعيد كثيرين ممن هم يحسون انهم ارتكبوا مخالفات كثيرة ويخشون العودة لأنهم يظنون انهم سيتعرضون للمساءلة الشعبية والقانونية لأن ارتكابهم للمخالفات لاليس فيه كمسلحين او عناصر ميليشات مارست العنف .. او لان بعض اللاجئين استقروا في بلاد المهاجر ولاتلاحقم اي ارتكابات بحق بلدهم وشعبهم .. ولكن صار من الصعب علي بعضهم العودة وترك مصالحهم الجديدة .. فالحرب استمرت 8 سنوات وهذا ليس بالعمر القصير ..
وجميع الشرائح المهاجرة سواء المعارضة والمتمردة او حتى المؤيدة ستكون عرضة للتلاعب بالرأي والتأثير عليها وهذا أحد اسباب اصرار الغرب على الاحتفاظ باللاجئين كرهائن لأنهم سيكونون كتلة انتخابية قادرة على ان تزرع ممثلين لها في اي تشكيلة ديمقراطية سورية .. لأن الدعاية الخارجية والقنوات التي تعرض عليهم آراءها عموما ستشوه آراءهم آكثر او تجعل ولاءهم للبلاد التي يعيشون فيها ويصوتون لما تمليه عليهم الدعاية.. وبعضهم سيتحول الى قنابل موقوته سيعاد ارسالها الى الداخل لتسبب مشكلات في المستقبل ..
وهنا يجب على الدولة السورية ان تتوجه الى هذه الشرائح المهاجرة التي لاترجح عودتها في تركيا ولبنان والاردن تحديدا عبر اذاعات موجهة خاصة وصفحات وسائل الاتصال الاجتماعي او صفحات الكترونية تعني بمشاكلهم وتتواصل مع قضاياهم للتأثير على آرائهم ومحاولة استعادتهم لهويتهم الضائعة التي تركوها ..فلا بد ان كثيرين منهم يحسون بشكل ما بالغبن من سوء المعاملة والعنصرية التي تلاحقهم في لبنان وتركيا والاردن .. و ستجد الدعاية المدروسة الموجهة اليهم من داخل سورية استجابة ما بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية والمالية والعنصرية التي يتعرضون لها وتجعلهم يحسون بالاهانة.. وسيكونون بعد فترة طابورا خامسا في دول الجوار .. بمكن ان يكون مزاجهم العام بعد سنوات قليلة سوريا أكثر مما هو الآن تابع مؤقت لهويات مؤقتة بسبب التحريض المتواصل لابعادهم عن وطنهم .. فتقطف سورية ذلك مباشرة ..
السوريون في تركيا مثلا يقول الاتراك ان عددهم يربو على 3 ملايين .. وهؤلاء يتركزون غالبا في المنطقة الحدودية .. اي انهم عمليا في كيليكية السورية التي نطالب تاريخيا بها .. ووجودهم كعنصر سوري اليوم يمكن ان يكون معادبا للدولة السورية ولكن بمجرد رحبل اردوغان سيتغير ولاؤهم ومزاجهم .. فهؤلاء لايوالون الدولة التركية العلمانية بل تركبا العثمانية .. فاذا عادت تركيا العلمانية فسيكونون كالخنجر في ظهرها .. وفي جزء من كيليكيا السورية.. واذا استمر وجودهم لسنوات فان عددهم سيتضاعف الى بضعة ملايين .. ويكونون بيد اي حكومة سورية مثل بعض التركمان او الاسلاميين الذين استمال اردوغان ميلهم وعاطفتهم النائمة .. وهذا الأمر ينطبق على الوجود السوري في لبنان .. فهؤلاء سيزيد عددهم في لبنان وسيشكلون مشاكل عديدة للزعماء الطائفيين اللبنانيين .. فاذا كانت هناك دعاية سورية متواصلة قادرة على التأثير عليهم وتحريكهم فسيعيدون لبنان الى سورية لأنهم سيكونون كتلة سكانبة كبيرة وميلها سوري ..
أردوغان استغل المهاجرين والحرب على سورية ودفع بعشرات آلاف المهجرين نحو اوروبة .. وكان ذلك بالتفاهم مع الأميريكيين .. فهم أرادوا تسليط الضوء على الكارثة في سورية لتبرير مواقفهم تجاه الدولة السورية التي بتسبب استمرارها في هذا الطوفان البشري كما ان المهاجرين سيقوضون اوروبا وخاصة ألمانية التي تتزعم الاتحاد الاوروبي ويدفعون اليمين المتطرف الى الظهور.. وهذا انسجم مع أهداف اردوغان الذي قبض ثمنهم تعويضات كبيرة كما انه قام بزرع مجتمعات جديده موالية له في اوروربة ستشكل خلايا نائمة لتركيا العثمانية كما يظن ..
ولكن دورنا الآن لايجب ان يقتصر على عملية استعادة مهاجرين فقط بل على عملية السيطرة على عقول المهاجرين السوريين وعواطفهم واستمالة أهوائهم وآلامهم وأحلامهم .. وبدل ان يعيد اردوغان قذفهم الينا في موجة جديدة تغزونا من الشمال .. فان علينا ان نقبل بوجودهم هناك لأنهم مهما تترّكوا فانهم سيبقون عناصر غريبة عن المجتمع التركي .. ولكنهم يمكن ان يكونوا حصان طروادة السوري لقادمات الايام عندما يدور الزمن دورته حتما .. وبدل ان يدفع الاتراك الحلم العثماني من الشمال فاننا يمكن ان ندفع الحلم السوري الحقيقي نحو الشمال وتكون كيليكية المنسية امام اي هزة سياسية او اجتماعية في تركية ثمرة تسقط في السلة السورية كما حدث معنا في الجزيرة السورية .. حبث اننا استقبلنا اللاجئين الاكراد من جنوب تركيا )كما فعل اردوغان( اثر الصراع العسكري الدموي وحملات القمع التركية ضدهم .. وأعطيناهم أراض ليعيشوا منها فاذا بهم يتحولون اثر الهزة التي هزت سورية الى خنجر في الظهر وصاروا يطاليون بتلك الأراض كوطن ودولة مستقلة ..
.. ودرس لواء اسكندرون يجب ان يبقى ماثلا امام اعيننا .. فغيابنا عن القيام باي نشاط دعائي واعلامي او اي تواصل مع السكان السوريين جعلهم يحسون – رغم شدة انتمائهم لسوريتهم – اننا تخلينا عنهم مع ان ذلك كان بسبب انشغالنا بالجزء الجنوبي من سورية حيث فلسطبن والجولان .. حيث نجحنا في اظهار التزامنا بقضبة الجولان واهلها .. وحصدنا ذلك بوطنية عالية رفيعة في الجولان السوري رغم 50 سنة من الاحتلال الاسرائيلي .. فقد نجحنا في ان نبقي أهل الجولان وكأنهم في قلب دمشق .. يحسون بنا ونحس بهم .. يشتاقون لنا ونشتاق لهم .. ننتظرهم وينتظروننا .. مهما تجول نتنياهو وسارة في الجولان .. فان الالتصاق بين الجولانيين واهلهم في الشمال لاحدود له ..
الشعب السوري نجا من فاجعة الحرب ودفع ثمنا باهظا .. ولملم عروقه ودينه وانتماءه ودخل مرحلة الشفاء والتعافي على مهل .. ولكن العدو لايزال يريد المزيد من الفجائع المرتدة فهو يرسم للداخل المزيد من الازمات والشائعات .. فهو الآن يعمل على خطة بعيدة المدى عمادها ووقودها المهاجرون .. وبما ان الداخل السوري استعاد وعيه فان الرهان الآن على اولئك الذين خرجوا وتركوا البلاد امام ناقمين ان هاربين او لاجئين او يائسين ولايزالون في غيبوبة وطنية وسبات .. فالمهاجرون الآن يتم الامساك بهم كالرهائن وترفض دول العالم اعادتهم .. وتشرف على برامج دعائية تبقيهم مغيبين ومختطفين عقليا وذهنيا ولاتسمح لهم بالتوصل مع مايحدث في سورية وكأنهم في كل بيئة شتات يعيشون مثل روبنسون كروزو لأنهم يمكن ان يفيدوا في المقايضة السياسية مستقبلا .. ويمكن ان يزدادوا جهلا وكرها وحقدا وهؤلاء سيتم جمعهم كوقود للمستقبل .. فهؤلاء معارضون بالفطرة وبلا سبب أحيانا لأنه موقف متوارث او صار من تقاليد اللجوء الروتينية ويشكلون بيئة منتجة للكراهية والحقد ..او هم محايدون او ليسوا معارضين ولكن سيضعف انتماؤهم لبلدهم وقد يتأثرون ببرامج الدعاية الغربية التي تحرضهم ..
يجب ان تكون هناك خطة لمن يريد العودة .. ولمن لايريد العودة .. فمن لايريد العودة يجب ان نعود اليه في المكان الذي استقر فيه .. وان لانترك قلبه بيد حفاري القبور ليحولوه الى مقبرة لاتقام فيها الا الجنازات .. وقداديس الظلمات …. بل لنزرع فيها كلاما يحيلها الى قلوب ترقص على ايقاعات كلامنا .. ونترك فيها كلمة سرية تحيلها الى مفاتيح .. تفتح الاقفال المغلقة .. والجغرافيا المغلقة .. وتفتق خطوط الحدود .. ورب قائل سيقول ان هذا عمل طويل ومعقد .. فسنقول له ان الربيع العربي عمل انجز بصبر وأناة وهدوء وعلى مدى سنوات .. فهل نحن قاصرون عن اطلاق ربيعنا خارج حدودنا الحالية في قادمات الايام .. او على الاقل ألا يجب ان نزرع منذ الآن .. فهل تبزغ مواسم الربيع من دون أن نزرعها في الخريف؟
المصدر :
نارام سرجون
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة