دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا أحد يعرف على وجه التحديد متى وكيف وأين بدأت فكرة الناتو العربي، فالبعض يعيدها إلى العام 1988، إذ دعا حينها وزير الدفاع المصري محمد حسين طنطاوي إلى تشكيل منظمة عسكرية عربية لمواجهة تحديات العالم العربي في قمة عسكرية في القاهرة بمشاركة ممثلين من السعودية والأردن والإمارات والبحرين وباكستان، والبعض يردها لحقبة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي جمع للمرة الأولى قادة الدول الخليجية في كامب ديفيد، واتفق معهم على دورية عقد هذه الاجتماعات، والعمل على خلق جبهة واحدة متحدة لمواجهة التحديات المشتركة.
وهناك العديد من الفرضيات الأخرى حول بدء طرح فكرة “الناتو” العربي، وأياً كان موعد الحديث عنها إلا أن عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شهد تضخيماً لهذه الفكرة التي تبناها ترامب وعمل عليها وحاول إنضاجها واستغلالها لمصلحته لتخفيف الأعباء العسكرية التي تتكبدها واشنطن في الشرق الأوسط وتحميل هذا العبء للدول الصديقة لأمريكا لكي تحارب عنها بالوكالة، فإلى أين وصل ترامب في هذا الملف؟.
أعلنت السعودية، يوم الثلاثاء الماضي، استضافتها اجتماعاً عربياً أمريكياً، الإثنين، بمشاركة قطرية في إطار التحضير لإطلاق “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”، المعروف إعلامياً باسم “الناتو العربي”.
وأفادت وكالة الأنباء الرسمية أن الاجتماع عقد في الرياض بمشاركة “رفيعة المستوى” (دون تحديدها)، من السعودية وأمريكا والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والأردن.
حاولت وكالة الأنباء السعودية التغطية على غياب مصر عن هذه القمة، إلا أن هذا الحدث لا يمكن تجاهله إطلاقاً وغيابها يؤكد الأفكار القديمة عن هذا الحلف الجديد بأنه يعاني قبل تشكيله من اختلاف وجهات النظر حوله بين الدول العربية المشاركة به، حيث يختلف العدو المشترك بالنسبة لهذه الدول، فبينما تجد هذه الدول أو تلك أن دولة ما تشكل تهديداً لها لا ترى فيها دولة ثالثة نفس الأمر، وهذا ما جعل “الناتو” العربي يموت حتى قبل أن يولد.
غياب مصر أسقط القناع عن “الناتو العربي” وكشف عن مدى هشاشة تشكيله في ظل الظروف الحالية، ويمكن القول بصريح العبارة أن “الناتو العربي” لا معنى له في غياب مصر، لكون بقية الدول لا تملك مجتمعة ما تبحث عن واشنطن من هذا الحلف، لاسيما على المستوى العسكري، وليس لديها جيوش قوية للقيام بالمهمة المطلوبة منها، كما أن عدم وجود مصر يلغي فكرة “الناتو العربي”، بحيث يصبح المشهد إعادة صياغة لدول مجلس التعاون بقيادة أمريكية.
المضحك المبكي أن أمريكا هي من يخطط ويرسم لهذا الحلف ما هو مطلوب منه، وهي من تحدد العدو المشترك ومن يجب التوحد ضده حتى ولو تعارض هذا مع رؤية الدول وسياستها وعلاقاتها مع الدول الأخرى.
الأمر الآخر لماذا أطلق عليه “الناتو العربي” وواشنطن شريكة به وتقوده ولا يضم بقية الدول العربية حتى، مثلاً أين سوريا والعراق من هذا الحلف وهل هم عدو مشترك لبقية الدول الشريكة في هذا الحلف أم أصدقاء ولماذا لم يتم إشراكهم؟.
الواضح أن ترامب يريد خلط الأوراق من جديد في المنطقة وتضخيم مشكلات الشرق الأوسط قدر المستطاع وادخال المنطقة في فوضى جديدة، بحيث لا تتكلف الإدارة الأمريكية بأي مصاريف إضافية، وتأخذ فقط دور المراقب الذي يدير هذه الفوضى.
أحد الأسئلة التي يمكن توجيهها لهذا الحلف الجديد، لماذا لم يذكر أعضاؤه أن “اسرائيل” هي أكبر عدو مشترك للدول الشريكة في هذا الحلف في حال أطلقوا عليه تسمية “ناتو عربي” أم إن سوريا التي قصفتها “إسرائيل” على مدى سبع سنوات من أزمتها ليست دولة عربية، أو فلسطين التي يتم قتل أبنائها في كل يوم ليست عربية.
إن تجاهل الحلف المزمع تأسيسه للخطر الصهيوني هو أحد أهم العوامل التي ستؤدي إلى فشله، فحلف كهذا لن يكون له دعم شعبي خصوصاً في الأردن ومصر، ومن هنا يمكن تفسير غياب مصر.
لا نستبعد أن يكون الناتو العربي وتشكيله هو أحد الأبواب التي تريد واشنطن الدخول من خلالها لتمرير ملف التطبيع الخليجي مع “إسرائيل”، إذ تعتقد إدارة ترامب أن من شأن آلية الناتو العربي أن تقرّب بين “إسرائيل” والدول الخليجية لما يجمعها من هدف رئيسي يتمثل في مواجهة إيران.
في ظل وجود عدم ثقة بين الدول الشريكة في هذا الحلف، كيف يمكن أن يكتب له النجاح، وكيف يمكن أن تكون هناك دولة شريكة لدولة أخرى في هذا الحلف لمواجهة التحديات المشتركة وهي تحاصرها منذ أكثر من سنتين.
في الختام.. كان هناك الكثير من الشغف والحماس في بداية الحديث عن “الناتو العربي”، إلا أننا نشاهد مع مرور الوقت تحطّم صورة هذا الناتو حتى قبل أن تتشكل، ولم يعد الشغف نفسه موجوداً خاصة بعد غياب مصر عن اجتماعاته، على اعتبار أن ثقل هذا الحلف كان مربوطاً بوجود مصر وبعد رحيلها لا نعتقد أن هناك معنى له.
المصدر :
الماسة السورية/ الوقت
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة