بتغريدة واحدة تضم أقل من ٣٠ كلمة، أعلن دونالد ترامب أن الوقت قد حان للاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان. خالف بذلك القرارين ٢٤٢ و٣٣٨ وكذلك القرار الأخير لمجلس الأمن القاضي بعدم الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي للهضبة. لكن كما بشأن نقل السفارة الأميركية الى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وكذلك بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، والانسحاب من اتفاقية المناخ مع الاوروبيين وغيرها من القرارات، فان سيد البيت الأبيض لا يعير أي أهمية لكل الضجيج العالمي ويمضي صوب ما يريد. أما بعض الضجيج العربي فهو بالأصل لا يسمعه.

 

تغريدة ترامب ليست معزولة عن سياق أميركي عام، فقد قدّم فريق من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي يمثلون تكساس وكارولاينا الجنوبية وفلوريدا وتكساس قرارا للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان. كذلك فان وزارة الخارجية الأميركية ألغت في ١٣ آذار مارس الماضي كلمة ” احتلال” ووضعت مكانها كلمة ” سيطرة” إسرائيل على الهضبة. لا بل ان وزير الخارجية جورج بومبيو نفسه الذي سيتلذذ اليوم بأطايب المأكولات اللبنانية على الموائد العامرة فهو قال في إسرائيل أمس:” ان على شعب إسرائيل أن يعرف أن المعارك التي خاضها والأرواح التي قدمها لم تذهب سدى في هضبة الجولان”.

 

نحن اذا أمام هجمة أميركية تصاعدية، بدأت بضم القدس، ثم طرد منظمة التحرير من واشنطن، ثم الانسحاب من الاونروا لإفقارها وإلغاء حق العودة، ثم تشريع سرطان المستوطنات، ثم دفع بريطانيا لاعتبار حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري منظمة إرهابية، وصولا الى تشريع ضم الجولان، وذلك في الخطوات ما قبل النهائية لإعلان صفقة القرن، وسط تصفيق عربي، قد لا يخلو من بعض دموع الفرح التي ستنهمر على الخدود المنتفخة وفوق البطون المتخمة للقادة العرب في خلال الاجتماعات العربية الأميركية المقبلة للإعلان عن وفاة فلسطين.

 

لقد انتهى العصر الأميركي الذي كان فيه الرئيس رونالد ريغان يقطع المفاوضات الاستراتيجية مع إسرائيل بسبب قرارها بسط السيادة على الجولان، فما كان مُضمرا من الإدارات المتلاحقة الأخرى صار علانية الآن، ومفاده أن أميركا حليفة استراتيجية لإسرائيل ولن تكون حليفة الا للذي ينبطح أمام الحكومة الإسرائيلية في المنطقة. انتهت فترة ” وهم” الحياد الذي كان بعض القادة العرب وبينهم السلطة الفلسطينية نفسها يختبئون خلفه لتبرير مفاوضات لم تأت الا بالكوارث على الشعب الفلسطيني والمنطقة.

 

لا شك أن خطوة ترامب هذه والتي تأتي قبل أقل من أسبوعين من الانتخابات الإسرائيلية، وفي خضم الهجمة القضائية على نتنياهو وترامب، لها أسباب سياسية وانتخابية واضحة وتعبّر عن حاجة الرئيس الاميركي للوبي المؤيد لإسرائيل في أميركا، لكن الأكيد أن الرجلين مرتاحان جدا لأحبائهما العرب الذين يضمنون لهما الآن أفضل ظهير عربي ولن يقف في وجههم في داخل فلسطين الا أولئك الشبان الذين يقولان لا حتى بذل الروح.

 

السؤال الآن، ماذا سيفعل محور المقاومة؟

 

نتيناهو كان واضحا بالإشارة الى إيران وحزب الله وليس فقط الى الجيش السوري حيال هضبة الجولان المحتلة. فهو اعتبر ان إيران حاولت استخدام سوريا كقاعدة لمهاجمة إسرائيل. لذلك فطائراته وصواريخه لم تتوان في ضرب مواقع ومصانع إيرانية في سورية، وفي اغتيال قيادات عسكرية من حزب الله على الأراضي السورية، ناهيك عن المساعي الاميركية الحالية لخنق إيران والحزب اقتصاديا والتأثير اقتصاديا واجتماعيا وامنيا على سوريا كي تبقى رهينة الابتزاز.

ولو تدخلت روسيا للتعبير عن رأيها ضد الضم بالقوة، فيبدو ان الجانبين الأميركي والاسرائيلي قد أعدا جوابها واضحا لها يقول:” أنتم أيضا ضممتم جزيرة القرم، وحين تتنازلون عنها نفكر بالأمر”. ما يعني أن الصراع الدولي لا يزال في أوجه… ودائما بالدم العربي.

 

إذا ربح حلف المقاومة ومعه روسيا (التي هي بطبيعة الحال تختلف تماما عن الحلف حيال إسرائيل) كل الحرب السورية، وخسر الجولان، فهذا يعني أن كل ما حصل في خلال ٨ سنوات انتهى بتغريدة واحدة من ترامب.

 

ماذا سيفعل حلف المقاومة؟

 

التصريحات طبعا لا تكفي. النظام الرسمي العربي سيعبّر عن الرفض علنا ويتواطأ تحت الطاولات. القرارات الدولية لا تنفع ذلك أنها موجودة منذ نحو نصف قرن بلا فائدة. تقديم شكاوى سورية الى مجلس الأمن سيثير الضحك أكثر من أي شيء آخر.

سيتحرك أبناء الجولان كعادتهم ويتحدّون المحتل بهاماتهم المرفوعة وكراماتهم التي لم ولن تتأثر مهما عنف الجور الإسرائيلي والأميركي ضدهم، لكن هل هذا يكفي؟

يبدو أن المنطقة تتقدم خطوة إضافية نحو الحرب رغم أن لا أحد يرغب بها في المنطقة. يبدو كذلك أن اللوبي المؤيد لإسرائيل في أميركا نجح تماما في تطويق ترامب ودفعه نحو مغامرات لا يعرف غير الله كيف ستنتهي. لكن الأكيد أن المحور الممتد من طهران عبر العراق وسوريا الى الضاحية الجنوبية لبيروت، لا يستطيع الرد بتغريدات وتصريحات.

 

صحيح أن ما فعله ترامب قد ينفع القيادة السورية لجهة تحويل المعركة الآن من الداخل الى أصلها الحقيقي أي الصراع مع إسرائيل وتأمين التفاف من الرأي العالم العربي حولها كادت تفتقره في السنوات القليلة الماضية وسوف يسرّع خطوات عودة دمشق إلى مقعدها في جامعة الدول العربية ، لكن الصحيح أيضا ان المحور لا يستطيع هضم القرار الاميركي وتبعاته الإسرائيلية. فماذا سيفعل؟ لا شك أنه في وضع حرج، فلا الحرب سهلة ولا الاكتفاء بالتصريحات يشفي. فالجوقة التي تستعد لأن تقول له: ” لقد ربحتم الحرب وخسرتم الجولان” جاهزة تماما، وستعطيها زيارة بومبيو إشارة البدء بالاحتفال.

 

يبقى أن نقول أن أهل الجولان الذين يضعون الشمس على الجبين والفولاذ في العصب، ليسوا من النوع الذس يقبل الذل. وسوف نرى ذلك قريبا.

  • فريق ماسة
  • 2019-03-22
  • 9515
  • من الأرشيف

هل يملكُ محورُ المقاومة رداً حقيقيا بشأن الجولان؟

 بتغريدة واحدة تضم أقل من ٣٠ كلمة، أعلن دونالد ترامب أن الوقت قد حان للاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان. خالف بذلك القرارين ٢٤٢ و٣٣٨ وكذلك القرار الأخير لمجلس الأمن القاضي بعدم الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي للهضبة. لكن كما بشأن نقل السفارة الأميركية الى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وكذلك بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، والانسحاب من اتفاقية المناخ مع الاوروبيين وغيرها من القرارات، فان سيد البيت الأبيض لا يعير أي أهمية لكل الضجيج العالمي ويمضي صوب ما يريد. أما بعض الضجيج العربي فهو بالأصل لا يسمعه.   تغريدة ترامب ليست معزولة عن سياق أميركي عام، فقد قدّم فريق من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي يمثلون تكساس وكارولاينا الجنوبية وفلوريدا وتكساس قرارا للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان. كذلك فان وزارة الخارجية الأميركية ألغت في ١٣ آذار مارس الماضي كلمة ” احتلال” ووضعت مكانها كلمة ” سيطرة” إسرائيل على الهضبة. لا بل ان وزير الخارجية جورج بومبيو نفسه الذي سيتلذذ اليوم بأطايب المأكولات اللبنانية على الموائد العامرة فهو قال في إسرائيل أمس:” ان على شعب إسرائيل أن يعرف أن المعارك التي خاضها والأرواح التي قدمها لم تذهب سدى في هضبة الجولان”.   نحن اذا أمام هجمة أميركية تصاعدية، بدأت بضم القدس، ثم طرد منظمة التحرير من واشنطن، ثم الانسحاب من الاونروا لإفقارها وإلغاء حق العودة، ثم تشريع سرطان المستوطنات، ثم دفع بريطانيا لاعتبار حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري منظمة إرهابية، وصولا الى تشريع ضم الجولان، وذلك في الخطوات ما قبل النهائية لإعلان صفقة القرن، وسط تصفيق عربي، قد لا يخلو من بعض دموع الفرح التي ستنهمر على الخدود المنتفخة وفوق البطون المتخمة للقادة العرب في خلال الاجتماعات العربية الأميركية المقبلة للإعلان عن وفاة فلسطين.   لقد انتهى العصر الأميركي الذي كان فيه الرئيس رونالد ريغان يقطع المفاوضات الاستراتيجية مع إسرائيل بسبب قرارها بسط السيادة على الجولان، فما كان مُضمرا من الإدارات المتلاحقة الأخرى صار علانية الآن، ومفاده أن أميركا حليفة استراتيجية لإسرائيل ولن تكون حليفة الا للذي ينبطح أمام الحكومة الإسرائيلية في المنطقة. انتهت فترة ” وهم” الحياد الذي كان بعض القادة العرب وبينهم السلطة الفلسطينية نفسها يختبئون خلفه لتبرير مفاوضات لم تأت الا بالكوارث على الشعب الفلسطيني والمنطقة.   لا شك أن خطوة ترامب هذه والتي تأتي قبل أقل من أسبوعين من الانتخابات الإسرائيلية، وفي خضم الهجمة القضائية على نتنياهو وترامب، لها أسباب سياسية وانتخابية واضحة وتعبّر عن حاجة الرئيس الاميركي للوبي المؤيد لإسرائيل في أميركا، لكن الأكيد أن الرجلين مرتاحان جدا لأحبائهما العرب الذين يضمنون لهما الآن أفضل ظهير عربي ولن يقف في وجههم في داخل فلسطين الا أولئك الشبان الذين يقولان لا حتى بذل الروح.   السؤال الآن، ماذا سيفعل محور المقاومة؟   نتيناهو كان واضحا بالإشارة الى إيران وحزب الله وليس فقط الى الجيش السوري حيال هضبة الجولان المحتلة. فهو اعتبر ان إيران حاولت استخدام سوريا كقاعدة لمهاجمة إسرائيل. لذلك فطائراته وصواريخه لم تتوان في ضرب مواقع ومصانع إيرانية في سورية، وفي اغتيال قيادات عسكرية من حزب الله على الأراضي السورية، ناهيك عن المساعي الاميركية الحالية لخنق إيران والحزب اقتصاديا والتأثير اقتصاديا واجتماعيا وامنيا على سوريا كي تبقى رهينة الابتزاز. ولو تدخلت روسيا للتعبير عن رأيها ضد الضم بالقوة، فيبدو ان الجانبين الأميركي والاسرائيلي قد أعدا جوابها واضحا لها يقول:” أنتم أيضا ضممتم جزيرة القرم، وحين تتنازلون عنها نفكر بالأمر”. ما يعني أن الصراع الدولي لا يزال في أوجه… ودائما بالدم العربي.   إذا ربح حلف المقاومة ومعه روسيا (التي هي بطبيعة الحال تختلف تماما عن الحلف حيال إسرائيل) كل الحرب السورية، وخسر الجولان، فهذا يعني أن كل ما حصل في خلال ٨ سنوات انتهى بتغريدة واحدة من ترامب.   ماذا سيفعل حلف المقاومة؟   التصريحات طبعا لا تكفي. النظام الرسمي العربي سيعبّر عن الرفض علنا ويتواطأ تحت الطاولات. القرارات الدولية لا تنفع ذلك أنها موجودة منذ نحو نصف قرن بلا فائدة. تقديم شكاوى سورية الى مجلس الأمن سيثير الضحك أكثر من أي شيء آخر. سيتحرك أبناء الجولان كعادتهم ويتحدّون المحتل بهاماتهم المرفوعة وكراماتهم التي لم ولن تتأثر مهما عنف الجور الإسرائيلي والأميركي ضدهم، لكن هل هذا يكفي؟ يبدو أن المنطقة تتقدم خطوة إضافية نحو الحرب رغم أن لا أحد يرغب بها في المنطقة. يبدو كذلك أن اللوبي المؤيد لإسرائيل في أميركا نجح تماما في تطويق ترامب ودفعه نحو مغامرات لا يعرف غير الله كيف ستنتهي. لكن الأكيد أن المحور الممتد من طهران عبر العراق وسوريا الى الضاحية الجنوبية لبيروت، لا يستطيع الرد بتغريدات وتصريحات.   صحيح أن ما فعله ترامب قد ينفع القيادة السورية لجهة تحويل المعركة الآن من الداخل الى أصلها الحقيقي أي الصراع مع إسرائيل وتأمين التفاف من الرأي العالم العربي حولها كادت تفتقره في السنوات القليلة الماضية وسوف يسرّع خطوات عودة دمشق إلى مقعدها في جامعة الدول العربية ، لكن الصحيح أيضا ان المحور لا يستطيع هضم القرار الاميركي وتبعاته الإسرائيلية. فماذا سيفعل؟ لا شك أنه في وضع حرج، فلا الحرب سهلة ولا الاكتفاء بالتصريحات يشفي. فالجوقة التي تستعد لأن تقول له: ” لقد ربحتم الحرب وخسرتم الجولان” جاهزة تماما، وستعطيها زيارة بومبيو إشارة البدء بالاحتفال.   يبقى أن نقول أن أهل الجولان الذين يضعون الشمس على الجبين والفولاذ في العصب، ليسوا من النوع الذس يقبل الذل. وسوف نرى ذلك قريبا.

المصدر : سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة