اللقاء العسكري الذي استضافته دمشق والذي ضمّ رؤساء أركان جيوش سورية وإيران والعراق، حدثٌ تاريخيّ لا نظير لها في تاريخ الدول الثلاث التي تتواصل جغرافياً، وباتت أقرب أن تكون جزءاً من تحالفٍ سياسي عسكري يظهر ويبرز للمرة الأولى في تاريخ الدول الثلاث.

 

معروف أنّ العلاقات بين الدول الثلاث لم تكن على ما يرام، بين العراق وإيران كانت هناك حرب مدمّرة استمرت ثماني سنوات، وبين سورية والعراق كانت قطيعة امتدّت لأكثر من ثلاثة عقود.

اليوم ينقلب حال العلاقات بين الدول الثلاث من الحروب والقطيعة إلى التنسيق والتعاون الذي يظهر للمرة الأولى.

لا شك أنّ عوامل موضوعية هي التي أحدثت نقلةً نوعية في العلاقة بين الدول الثلاث. قد تكون العلاقات السورية الإيرانية علاقات تعاون وتنسيق منذ انتصار الثورة الإيرانية، ولكن العلاقات بين العراق وكلٍّ من سورية وإيران هي ثمرة للانقلاب الذي أحدثه الاحتلال الأميركي للعراق، وما تركه هذا الاحتلال من نتائج، ولا سيما في سياقَين محدّدين، السياق الأول، وصول قوى سياسية وحزبية حليفة لإيران لسدّة السلطة في العراق. والسياق الثاني، نهوض مقاومة سياسية وعسكرية عراقية للاحتلال الأميركي كان لإيران فيها دور بارز من خلال مقاربة معقدة للغاية.

هذا التحوّل في وضع العراق الذي بات أقرب إلى سورية وإيران أنهى انقطاعاً جغرافياً كان قائماً بين إيران وسورية، وبالتالي وفر امتداداً لعمق جديد للدول الثلاث يمتدّ من اللاذقية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط إلى تلال آسيا الوسطى عبر إيران، ولا شك أنّ هذا تحوّل استراتيجي وتاريخي غير مسبوق، يرسم معالم مرحلة جديدة في منطقة الشرق، ستترتب عليها نتائج وتداعيات كثيرة تتعدّى أهداف التنسيق العسكري المباشر الذي من أجله اجتمع قادة الجيوش الثلاث.

قد يكون سبب الاجتماع المباشر والأهداف التي ينظر بها لها علاقة بمكافحة الإرهاب وتوفير بدائل لمرحلة ما بعد القضاء على الإرهاب، إنْ لجهة تعزيز الاستقرار، أو لجهة الإصرار على انسحاب الجيوش التي دخلت سورية والعراق بذريعة مكافحة الإرهاب، لكن اللقاء بحدّ ذاته وانعقاده للمرة الأولى في تاريخ الدول الثلاث ينطوي على معانٍ ودلالات، وتقود دينامية الأسباب التي سهّلت انعقاده إلى تحقيق غايات استراتيجية قد لا يتمّ بحثها في الاجتماع ذاته، لكن مجرد انعقاد هذا الاجتماع للمرة الأولى، يشكل نقطة انطلاق لمسار جديد، تاريخي وغير مسبوق، قد يقود إلى ولادة تكتل إقليمي ونواة لقوة مشرقية كبرى سيكون لها دور كبير في التأثير على الصراعات والمعادلات الإقليمية والدولية سيما وأنه يشكل جزءاً من لقاء آخر يضمّ روسيا إلى جانب الدول الثلاث، وقد بدأ العمل به منذ أكثر من ثلاث سنوات.

  • فريق ماسة
  • 2019-03-19
  • 13017
  • من الأرشيف

لقاء رؤساء الأركان: التوقيت والأهداف

  اللقاء العسكري الذي استضافته دمشق والذي ضمّ رؤساء أركان جيوش سورية وإيران والعراق، حدثٌ تاريخيّ لا نظير لها في تاريخ الدول الثلاث التي تتواصل جغرافياً، وباتت أقرب أن تكون جزءاً من تحالفٍ سياسي عسكري يظهر ويبرز للمرة الأولى في تاريخ الدول الثلاث.   معروف أنّ العلاقات بين الدول الثلاث لم تكن على ما يرام، بين العراق وإيران كانت هناك حرب مدمّرة استمرت ثماني سنوات، وبين سورية والعراق كانت قطيعة امتدّت لأكثر من ثلاثة عقود. اليوم ينقلب حال العلاقات بين الدول الثلاث من الحروب والقطيعة إلى التنسيق والتعاون الذي يظهر للمرة الأولى. لا شك أنّ عوامل موضوعية هي التي أحدثت نقلةً نوعية في العلاقة بين الدول الثلاث. قد تكون العلاقات السورية الإيرانية علاقات تعاون وتنسيق منذ انتصار الثورة الإيرانية، ولكن العلاقات بين العراق وكلٍّ من سورية وإيران هي ثمرة للانقلاب الذي أحدثه الاحتلال الأميركي للعراق، وما تركه هذا الاحتلال من نتائج، ولا سيما في سياقَين محدّدين، السياق الأول، وصول قوى سياسية وحزبية حليفة لإيران لسدّة السلطة في العراق. والسياق الثاني، نهوض مقاومة سياسية وعسكرية عراقية للاحتلال الأميركي كان لإيران فيها دور بارز من خلال مقاربة معقدة للغاية. هذا التحوّل في وضع العراق الذي بات أقرب إلى سورية وإيران أنهى انقطاعاً جغرافياً كان قائماً بين إيران وسورية، وبالتالي وفر امتداداً لعمق جديد للدول الثلاث يمتدّ من اللاذقية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط إلى تلال آسيا الوسطى عبر إيران، ولا شك أنّ هذا تحوّل استراتيجي وتاريخي غير مسبوق، يرسم معالم مرحلة جديدة في منطقة الشرق، ستترتب عليها نتائج وتداعيات كثيرة تتعدّى أهداف التنسيق العسكري المباشر الذي من أجله اجتمع قادة الجيوش الثلاث. قد يكون سبب الاجتماع المباشر والأهداف التي ينظر بها لها علاقة بمكافحة الإرهاب وتوفير بدائل لمرحلة ما بعد القضاء على الإرهاب، إنْ لجهة تعزيز الاستقرار، أو لجهة الإصرار على انسحاب الجيوش التي دخلت سورية والعراق بذريعة مكافحة الإرهاب، لكن اللقاء بحدّ ذاته وانعقاده للمرة الأولى في تاريخ الدول الثلاث ينطوي على معانٍ ودلالات، وتقود دينامية الأسباب التي سهّلت انعقاده إلى تحقيق غايات استراتيجية قد لا يتمّ بحثها في الاجتماع ذاته، لكن مجرد انعقاد هذا الاجتماع للمرة الأولى، يشكل نقطة انطلاق لمسار جديد، تاريخي وغير مسبوق، قد يقود إلى ولادة تكتل إقليمي ونواة لقوة مشرقية كبرى سيكون لها دور كبير في التأثير على الصراعات والمعادلات الإقليمية والدولية سيما وأنه يشكل جزءاً من لقاء آخر يضمّ روسيا إلى جانب الدول الثلاث، وقد بدأ العمل به منذ أكثر من ثلاث سنوات.

المصدر : البناء / حميدي العبدالله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة