دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كنت اظن أن طعم السم في حلوق الطغاة هو مايشفيني .. وأن طعم حد السيف في قلوبهم وبطونهم هو مايبرد ناري .. ولم أكن أعرف ان كلمة واحدة بعينها هي التي تجرّ معها قلب الطاغية من فمه بعد ان تجتثه من صدره .. وهي تشبه اقتلاع قلبه من صدره بأيدي من يمضغون لحمه .. ولاشيء في الوجود يجرح حلق الطاغية ويدميه بحوافه الحادة ويملأ حلقومه دما سوى كلمة متشبثة بحنجرته بمخالبها وكان يأبى ان يعترف بوجودها بين أمم الكلام واللغات لأنه دفنها في ضميره ..
وعندما سمعت اردوغان ينطق أنه يريد اتفاق اضنة ولايريد من هذه الدنيا سوى اتفاق أضنة أحسست ان فم الطاغية امتلأ دما وان مرور حواف عبارة اتفاق أضنة من حنجرته قد مزقها وتركها تنزف الى الابد .. وهل من بعد هذا الاستجداء من اذلال وموت؟؟ فالسلطان لم يعد يريد امبراطورية ولم يعد يريد الموصل وحلب .. ولم يعد يريد فلسفة وهندسة لحواف تركيا .. فقط يريد ورقة اسمها اتفاق اضنة كما كان صوته يصلني هامسا من خلف الابواب المغلقة منذ زمن لكنه اضطر وقالها علنا بأعلى صوته الان ..
لو بقي في تركيا نخب قادرة على ان تقول كلمتها دون خوف ورعب لحاسبت اردوغان وأحالته الى محكمة ميدانية وانشأت لجنة تحقيق كما فعل الاسرائيليون عبر لجنة فينوغراد برئيس وزرائهم ايهودا اولمرت بعد هزيمة عام 2006 التي كانت نهاية اسطورة الجيش الذي لايقهر والتي اغلقت خرافة (اسرائيل التي تصل الى اي مكان في العالم) وهي لم تصل الى بنت جبيل حيث ولد كابوس “بيت العنكبوت” .. بل ولم تتجاوز مارون الراس .. اسرائيل وبسبب الازمة الوجودية التي لاتقبل من اليهودي ان يتعامل معها بخفة لم تغفر لأولمرت انه خاض حربا وضغ فيها كل غضب ويلاح اسرائيل وعاد بخفي حنين بعد ان وعدها بعمامة حسن نصرالله .. بل صار اولمرت هو حنين نفسه .. وصار الافضل ان يقال المثل (عادت اسرائيل من لبنان بخفي اولمرت) ..
أردوغان أسوأ حظا من أولمرت لأن اولمرت فهم الفاجعة بعد 33 يوما وعاد بخفي اتفاق 1701 .. الذي يسمى (خفي اولمرت) الذي لايغني ولايسمن من جوع لأنه بعد هذا الاتفاق سمن حزب الله وكبر وأتخم بطنه بالصواريخ الدقيقة والبعيدة التي تصل الى ايلات والى مابعد بعد ايلات .. اما أردوغان فانه بعد 8 سنوات من العناد والعجرفة والتصريحات العنترية تذكر ان هناك (أضنة) .. والتي كانت حبل النجاة الذي تعلق به .. ولكن لن يحاسب تركي واحد اردوغان لأن من يمكن ان يحاسبه صار في السجون والمعتقلات او المنافي او انه تم استئصال فمه .. فهناك سؤال في عقل كل تركي عاقل يوجهه لاردوغان ان كانت له شجاعة الانتحار هو التالي: أخذتنا الى هذه الحرب الطاحنة ووزعت علينا المن والسلوى من حلب والموصل وصليت فينا في الجامع الاموي واخذتنا الى الازهر فاتحين ووزعت علينا اقطاعيات عثمانية على الورق والخريطة من العراق الى ليبيا .. وبعد كل هذا الحلم استيقظنا بعد 8 سنوات ووجدنا انفسنا مثل أهل الكهف ليس أمامنا الا ورقة اسمها اتفاقية اضنة التي كانت معنا !! وهل كنا بحاجة الى كل هذه المغامرة من أجل اتفاقية كانت معنا بالاصل ونحن من رميناها في القمامة على اساس ان الشرق كله صار في سلة تركيا؟؟ يعني ان اردوغان الذي استخف بانجاز العلمانيين الامني في اضنة .. عاد ولم يجد غيره ولكن بعد أخذ الامة التركية الى أخطر نقطة وجودية تسببت في خلل ديموغرافي في الجنوب التركي الذي امتلأ بالناطقين بالعربية .. وشرخ المجتمع التركي بعمق الى سنة وعلويين وأكراد ..
يشبه خيار اضنة تلك النكتة الثقيلة عن رجل تركي كسر بطيخة وأكل منها قطعة صغيرة ولكنه قال متبرما ان طعمها ليس بالحلاوة التي كان يظن .. فتبول عليها غاضبا .. ولما لم يجد في بيته مايأكله .. عاد الى البطيخة التي تبول عليها وجعل يقنع نفسه ان بوله لم يصل الى هذه القطعة ولا الى تلك .. وهكذا حتى التهم كل البطيخة .. والبطيخة التركية اليوم هي اتفاق اضنة الذي تبول عليه اردوغان منذ 8 سنوات ثم وضعه اليوم أمامه ليجففه من بوله .. ويأكل منه ماطاب له ويطعمه للأتراك كونه صار (ابا الاتراك) .. كما التهم نتنياهو بطيخة اتفاقية فض الاشتباك التي تبول عليها عندما دفع بجبهة النصرة الى ماحول الجولان والمنطقة الجنوبية .. وعندما وصلت طلائع الجيش السوري والحلفاء الى مشارف درعا ذهب نتنياهو الى القمامة والتقط بطيخة عام 1974 وأكلها بعد أن كان سقاها بولا ..
ماهي خيارات المتصارعين في الشمال السوري؟؟
يسود جو من الضباب فيما يخص استقراء الاحداث السورية .. وقدر كبير من سبب هذا الضباب واللاأدرية هو برود الحرب والمعارك وهمود الرصاص .. ولكن قدرا كبيرا منه تتسبب به التصريحات التركية التي تمارس نوعا من الحرب النفسية والتشويش عبر تصريحات كثيرة متلاحقة عن الشيء ونقيضه .. يتمدد الاتراك في دورهم اليوم ليحصلوا على دور لم يلعبوه في ذروة الحرب .. فهم في ادلب .. وهم يتدحرجون الى المنطقة الشرقية بذريعة الوجود الكردي .. والوعي السوري لايستطيع ان يطمئن لهذا الذئب الذي يريد ان يدخل من كل النوافذ المكسورة والابواب التي لم تقفل بعد لأن الوعي التركي قائم على ايمان ان تركيا الحالية ناقصة وأن اكتمالها لايكون الا باستعادة الاقليم الجنوبي المتمثل بسورية والعراق وعلى الاقل ولاية حلب والموصل كمقبلات للوليمة العثمانية الكبيرة التي ستبتلع بلاد الشام والعراق وتتدفق من بعدها الى عالمها القديم الذي كان ..
وتوحي تحركات تركيا وتصريحات عثمانييها انها تقطف ثمار نشاطها من الامريكيين ومن الروس وهم الاكثر تأثيرا في مسارات الشرق الأوسط .. ومن يستمع الى تصريحات الأتراك بشأن ادلب او المنطقة الشرقية يظن ان الروس قد منحوا شمال سورية لتركيا من أجل مصالحهم معها .. ويظن المستمع ان اميريكا ايضا تعطي تركيا ماتريده من المكاسب السورية فترامب قال لهم (كل سورية لكم) .. ويقدم الاتراك انفسهم على انهم رابحون وانهم يلعبون السياسة بمهارة عالية وحنكة منقطعة النظير .. ومن يصدق هذه التخاريف سيرى ان كل الحرب في سورية انتهت لصالح تركيا التي ستبقى في ادلب وستبني منطقة عازلة عملاقة .. وان تركيا هي الدولة الوحيدة التي كسبت في الحرب ..
ولكن الى اي مدى ينطبق هذا التصور مع الواقع؟؟
اولا يجب ان ننظر الى التصريحات التركية انها موجهة الى طرفين اساسا هما الأتراك والمعارضة السورية .. فالاول هو الداخل التركي الذي يريد ان يطمئن على مستقبل تركيا بعد مغامرتها السورية .. اضافة الى ان الرأي العام التركي يبحث عن هذا التوع من التصريحات التي ترضيه وترضي غروره .. فأردوغان يقدم له نفسه على انه الرجل الذي اعاد تركيا الى خارطة العالم بعد ان كانت مهملة ومنسية في ثياب كمال اتاتروك .. والتركي القومي لاشك انه كان مأزوما على الصعيد النفسي وهو يرى ان تركيا فاقدة لمكانتها القديمة .. فالاتراك يعلمون ابناءهم التاريخ العثماني وحكايات الامبراطورية العظيمة والخلقاء وفتوحاتهم .. كما نحن نعلم ابناءنا عن العروبة والفتوحات والانتصارات والاندلس والأمجاد القديمة التي يجب ان نستردها .. وهذا حقهم طبعا .. ولذلك فان في تأييد الاتراك لأردوغان جانبا قادما من الحنين للدور الامبراطوري او على الاقل للدور الذي يليق بتركيا ولو لم يكن امبراطوريا .. وهنا يخاطب اردوغان شعبه كما يحب ان يخاطب .. وهو أدرى بشعبه منا .. ويدغدغ له مشاعره القومية ويقدم له ولائم عثمانية حرم منها منذ قرن كامل .. فأقبل يأكل منها بنهم ..
ولذلك فان تصريحات اردوغان منذ بداية الحرب على سورية كانت كلها ولائم عثمانية من الهواء تحقن النزعة العثمانية والرغبة التركية في العودة الى الاقاليم التي فقدتها من امبراطوريتها وخاصة في الجنوب .. ولكن جميع التصريحات التركية ودون اي استثناء كانت جعجعة ولم تجرؤ تركيا على تجاوز الخطوط الحمر الموضوعة امامها .. فهي لم تقدر ان تزج بجيشها مباشرة بالقتال رغم توعد اردوغان السوريين وغيرهم بنفاذ صبره .. الى ان حصلت على اذن محدود ومشروط في ادلب .. اما في المنطقة الشرقية فالوعيد التركي مثير للضحك لأنه يعد بمنطقة عازلة وبدخول لارجعة فيه الى منبج وان الاتفاق تم مع الامريكان ولقي آذانا صاغية في موسكو .. ولكن التصريح الذي يليه ينسحب انسحابا تكتيكيا ويصحح المعلومة ويقول بأن المنطقة العازلة قد تحتاج أشهرا لتقام ..
أما في المعارضة السورية فهناك قدر كبير من القلق والخيبة واليأس من مصير مايسمى الثورة السورية التي تموت تدريحيا والتي يبدو ان صاحبها اردوغان يأكل من لحمها ايضا ويدعو الروس والامريكيين والايرانيين الى وليمة عثمانية بنكهة المعارضة السورية التي تتآكل شمالا ..
وزيارة اردوغان الاخيرة الى موسكو جرى استثمارها اعلاميا في تركيا حتى يظن المستمع ان اردوغان ذهب الى بوتين واقنعه او ضغط عليه او اشتراه او أغراه .. وحصل على مايريد منه فيما يتعلق بالشمال السوري الذي يتم الاعتراف لتركيا بمصالح حيوية فيه وكأن الدولة السورية غير موجودة ..
ولكن التمعن في الموقف الروسي الهادئ يوصل الى نتيجة ان الروس وديبلوماسيتهم الهادئة ينسجمون مع الرؤية السورية من ان تحرير ادلب قد تم تأجيله لمدة بسيطة كفرصة اخيرة للاتراك وكذلك بسبب التطورات في المنطقة الشرقية لأن المعلومات منذ اشهر كانت تقول ان ترامب سينسحب من الشرق ولكن اذا اندلعت المعركة في ادلب فان المعسكر المناوئ لترامب في البنتاغون سيجدها فرصة ثمينة كي يخلط الورق في الشرق السوري ويترك فراغا ليملأ بالمشاريع الفوضوية .. فالاكراد الانفصاليون قد يتم استدراجهم امريكيا اثناء انشغال الدولة بمعركة ادلب لاعلان تحرك انفصالي .. وهذا ماسيبرر لتركيا التدخل .. واذا ماحدث اشتباك اقليمي حول الشرق السوري بين مختلف القوى فسيكون التدخل الدولي وتدويل الازمة منصة قوية تعود منها اميريكا الى الحل السوري واستغلال المعارك في ادلب لاطلاق حملة انسانية تقجعية تبكي خلالها مذيعات السي ان ان وال بي بي سي على صور تنشرها الخوذ البيضاء وتصبح حركة الديبلوماسية السورية مشتتة بين الازمة الكردية التركية شرقا وبين الحرب في ادلب وبكائيات وتراجيديات مسرح مجلس الأمن ..
ولذلك يبدو ان تبريد الجبهة مع ادلب ليس معناه التراجع او ان هناك صفقات روسية تركية بل مناورة روسية بارعة .. فالروس يظهرون -انهم بعد الامريكان – سيسلمون او يقرون لتركيا بمصالحها في الشمال السوري وهذا ماسيدفع الاكراد الانفصاليين للبحث عن (حضن الوطن السوري) .. وبذلك يكون اردوغان وبوتين هما اللذان يدفعان الكرد للارتماء في السلة السورية كحل وحيد رغم ان اردوغان يبدو وكأنه امام الميكروفوات وعلى خشبة المسرح سيلتهم الشمال السوري وفيه الأكراد ويمضغ لحمهم بأضراسه ويبتلعهم دون ملح مع الفودكا ودون ان يرف له جفن ..
اما ان يكون هناك ثمن تقدمه روسيا لتركيا من اجل مصالحها فانه من المستحيل ان تقدم روسيا عليه لأنها تعلم ان السوريين حاربوا ودفعوا مئات الآلاف من ابنائهم شهداء من أجل سورية واحدة مستقلة وليست مقسمة ..والا فان هذا يعني ان كل مادفعناه كان ضائعا وبلا معنى لأن مااردنا منع اميريكا منه قدمته روسيا لأعدائنا .. والروس ليسوا اغبياء الى هذا الحد الذين سيحرجون فيه انفسهم ويحرجون القيادة السورية التي تحالفت معهم بل ويخاطرون بكل وجودهم في الشرق الاوسط وأهم تحالفاتهم وسيظهرون في الديبلوماسية وكأنهم مخادعون .. لأن الشعب السوري سيقول ان كل هذه الحرب كان يمكن تجنبها باعطاء تركيا ماتريده من الجغرافيا والمكاسب وادخال الاخوان المسلمين في السلطة .. وعندها فان السوريين جميعا سيضغطون على القيادة السورية لفك الشراكة مع الروس وابعادهم عن الساحل السوري واخراجهم من حميميم واغلاق البحر المتوسط في وجوههم .. بل والبحث عن تسوية مع الاميريكيين .. لأن فقدان جزء من سورية هو فقدان لكل سورية .. سواء عبر مشروع امريكي او روسي ..
ولذلك فان اعماق التنسيق السوري الروسي لاتبدو ظاهرة للعيان .. ولكنها ظهرت في طلب اردوغان اليائس بالعودة الى اتفاق اضنة .. وهو يشبه طلب نتنياهو العودة الى اتفاقية فض الاشتباك في الجولان عام 1974 التي ابرمها كيسنجر .. والتي بناء عليها انتهت الحرب في الجنوب السوري وعودة الجيش السوري الى آخر نقطة كانت له عام 2011 .. واتفاق فض الاشتباك لم تتعهد الحكومة السورية باعادة تفعيله ولكن الروس قدموا ضمانتهم انهم مسؤولون على الحفاظ عليه .. وهذا أعفى الحكومة السورية من تقديم تعهد خاص به .. التي تركت الايرانيين وحزب الله معها على حدود الجولان .. وفي اي لحظة يسحب الروس تعهدهم تصبح اسرائيل من غير غطاء .. وهذا مايدفعها للتحرش جويا فربما حدث نقاش او وساطة او ضغط تنضم فيه ايران وحزب الله الى اتفاق فض الاشتباك ايضا ..
نحن في محور المقاومة نؤمن بالكلمة وبشرف الكلمة وبأن كل الصراع بين الخير والشر كان من أجل كلمة .. وحافظنا بشرف على كل كلمة قلناها وتعهدنا بها .. عاهدنا شهداءنا على كلمة .. وعاهدنا آباءنا على كلمة .. وعاهدنا ديننا على كلمة .. وعاهدنا سورية على كلمة .. وكان كل مايراد منا ان نتخلى عن هذه الكلمة .. وأن نقول لاسرائيل اننا بعنا .. ولتركيا اننا بايعنا .. أما الطغاة في تركيا واسرائيل والعالم العربي ففي كل يوم لهم كلمة .. وهم يبيعون الكلمة في السوق مع الخضار والمواشي .. ويغيرون لونها وجنسها حسب الطلب .. فقبل سنوات اشترى اردوغان أضنة واليوم يبيعنا أضنة .. وقبله نتن ياهو باع اتفاق كيسنجر واليوم يبيعنا اياه .. فالطغاة لاكلمة لهم .. لأنه لاشرف لهم ولاكرامة .. وتحضرني هنا كلمة الامام الحسين للوليد حاكم المدينة المنورة الذي اقترح عليه ان يبايع يزيد وحاول بديبلوماسية ان يقول له (ياابن سول الله .. نحن لانريد الا كلمة .. فلتقل “بايعت” واذهب بسلام لجموع الفقراء .. فلتقلها .. ماأيسرها .. ان هي الا كلمة .. وانصرف بعدها حقنا للدماء ياابن رسول الله) .. فيقول الحسين في رده:
مادين المرء الا كلمة؟؟ .. ماشرف الرجل سوى كلمة؟؟ ماشرف الله سوى كلمة؟؟ أتعرف مامعنى الكلمة؟؟ مفتاح الجنة في كلمة .. ودخول النار على كلمة ..وقضاء الله هو الكلمة .. الكلمة نور .. وبعض الكلمات قبور .. وبعض الكلمات قلاع .. الكلمة فرقان مابين نبي وبغي .. الكلمة نور .. ودليل تتبعه الامة .. عيسى ماكان سوى كلمة .
المصدر :
نارام سرجون
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة