دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في خضم المفاوضات والمناورات حول مصير الشمال السوري في إدلب، وفي منبج، وفي شرق الفرات، بين مختلف الأطراف المعنية بالصراع على النفوذ في تلك المناطق ظهر نبأ تركي عن «حق» أكثر من خمسين ألف لاجئ سوري في تركيا الاقتراع في الانتخابات البلدية التركية التي ستجرى في نهاية مارس/ آذار المقبل.
وجاء أن هذا العدد هم من السوريين الذين تم تجنيسهم. وهو عدد لا يعني كل الذين تم تجنيسهم، وربما هناك عشرات الآلاف غيرهم ممن منحوا الجنسية التركية من بين اللاجئين الثلاثة ملايين الموجودين في تركيا.
يطرح هذا الخبر الكثير من علامات الاستفهام الموجودة منذ سنوات حول هدف تركيا في سوريا وفي كل المنطقة العربية.
على الرغم من تراجع المشروع التركي في المنطقة العربية، فإن أنقرة لا تزال تحاول التغلغل عبر أكثر من أداة في المنطقة، مثل العلاقات مع قطر، والعلاقات مع السودان، وبعض المجموعات المسلحة في ليبيا، والعلاقات مع حركة «حماس» في غزة.
لكن التركيز التركي منذ صيف 2016 ، بدء عملية درع الفرات، كان لتحقيق مكاسب في شمال سوريا، وفي المنطقة الحدودية تحديداً، التي يكرر التركي اعتبارها كانت جزءاً من حدود الميثاق الملي عام 1920، وبالتالي التذكير بذلك كما لو أنه مدخل وتبرير لاستعادة حق طوته الاتفاقيات اللاحقة التي رسمت الحدود السورية- التركية، علماً بأنها اتفاقيات لم تكن سوريا طرفاً فيها، بل الدولة المستعمرة فرنسا التي قررت نيابة، ورغماً عن السوريين، الحدود بين تركيا وسوريا، ومنها عام 1939 تسليم فرنسا لواء الإسكندرون إلى تركيا.
وقد استغل التركي الحرب في سوريا ليساوم روسيا على ما يمكن أن تناله تركيا في سوريا. فكانت حتى الآن ثلاث عمليات عسكرية كبيرة: «درع الفرات» عام 2016 واحتلت بها مثلث جرابلس- إعزاز - الباب، و»غصن الزيتون» بداية عام 2018 واحتلت بها منطقة عفرين، والانتشار في إدلب في خريف 2018 وأكدت بها سيطرتها على كامل منطقة إدلب مباشرة، أو عبر مجموعات مسلحة تابعة لها.
وما يمكن أن يجمع بين هذه العمليات أنها كلها في مناطق محاذية للحدود مع تركيا، بحيث تبدو الحركة التركية العسكرية بمثابة مدّ للحدود التركية مع سوريا، ونقلها إلى خط جديد يرسم بالاحتلال.
والتحركات الميدانية لتركيا ومجموعاتها التابعة لها على الأرض تؤكد الأطماع التركية في تلك المناطق، والعمل على إلحاقها بالأراضي التركية. فالتغييرات الديموغرافية في منطقة درع الفرات كانت بادية للعيان، وعلى كل الصعد. وفي منطقة إدلب لا يتغير الوضع لجهة نزع الهوية الوطنية السورية عن المنطقة، وجعلها غابة من الهيمنة الأجنبية لمرتزقة من الشيشان والأويغور، ومجمل تركستان الصينية.
لكن التغيير الديموغرافي والاجتماعي في عفرين كان الأبرز، باعتبار أنه يستهدف اقتلاع السكان من أصول كردية، وكل من لا يعلن ولاءه لأنقرة من عرب، وآخرين.
وتتقدم اليوم مسألة منبج، والحديث عن مفاوضات تركية في اتجاهين: واحد مع واشنطن والثاني مع موسكو. وفي كلتا الحالتين فإن الرغبة التركية في أن تكون هي المسيطرة على منبج هي الطاغية. وفيما لو تحقق ذلك، وهذا ليس مستبعداً، فإن أنقرة ستعمل على محاولة تعميم هذا النموذج على مناطق شرق الفرات، والسيطرة على شريط حدودي بطول 500 كلم وعمق أكثر من 30 كيلومتراً. ومن ثم تعميم ما تسميه أنقرة «نموذج جرابلس» على كل هذه المناطق التي تعني، باختصار، تغيير البنية الديموغرافية والاجتماعية بما ينسجم مع «الطرح القومي - الديني» الذي تبناه قادة تركيا منذ بداية القرن العشرين مع السلطنة العثمانية، وحتى اليوم، وتعميمه داخل تركيا، وخارجها. ومن أبرز تطبيقات هذا الطرح ما ارتكبه الأتراك عام 1915 من إبادة ومجازر ضد الأرمن، ومن ثم ما تلاها من عمليات التهجير المنظمة ضد المسيحيين، ومن ثم عمليات محاولة اقتلاع الأكراد من معظم قراهم في جنوب شرق الأناضول.
واليوم، يواصل الأتراك تطبيق هذا النموذج الاقتلاعي، وليس الإعلان عن تجنيس خمسين ألف لاجئ سوري سوى مجرد جانب آخر من استراتيجية تركية مستعجلة لتغيير الهوية في المناطق التي تحتلها في سوريا. ويبقى السؤال الأساسي والأهم: ما العمل لوقف المد العثماني الجديد، ودحره؟
المصدر :
محمد نور الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة