بينَما تنْشَغِل المملكة العربيّة السعوديّة بمُحاكَمة المُتَّهمين في جريمَة اغتِيال الصحافي جمال خاشقجي، وتَعثُّر تطبيق اتّفاق الحديدة في اليمن، استَقبل “غريمها” الأبْرَز رجب طيّب أردوغان، زعيمَيّ دولتين إسلاميّتين، على دَرجةٍ كَبيرةٍ مِن الأهميّة، الأوّل هو السيد عمران خان، رئيس وزراء باكستان، الدولة النوويّة الوَحيدة في العالم الإسلاميّ، والثّاني السيد برهم صالح، رئيس العِراق، الذي يتعافَى بسُرعةٍ ويُحاوِل استعادَة دوره العَربيّ والإقليميّ.

الرئيس أردوغان الذي باتَ يُدرِك جَيّدًا أنّ الأزَمَة السوريّة تَقترِب مِن نهايتها، وأنّ التحالف السعوديّ الإماراتيّ المِصري يُريد أنْ يستعيد علاقاتِه مَع الرئيس بشار الأسد عبر بوّابة الإعمار، لمُحاصَرة بلاده، استَبق الأمر وباتَ يُخَطِّط لمُحاصَرة هذا الحِلف الثلاثيّ بالتّسلل إلى فنائه الشرقيّ، وترسيخ وجوده في أفغانستان وباكستان، وهذا ما يُفَسِّر استقباله الحار لضَيفيه في أنقرة، والسيد خان على وجْه الخُصوص، وتَوثيق العُلاقات التجاريّة بين البَلدين (تركيا وباكستان)، في مَجال الصادرات العَسكريّة خاصَّةً، والإعلان عَن قمّةٍ ثلاثيّةٍ تُركيّة باكستانيّة أفغانيّة في الرّبيع المُقبِل في إسطنبول.

أمّا على صَعيد العُلاقات مَع العِراق، فكانَ لافِتًا أيْضًا، ومِن خِلال البَيان المُشتَرك، أنّ الرّئيسين، أردوغان وصالح، اتّفقا على وَضع استراتيجيّة مُشتَركة بين البَلدين لمُكافَحة الإرهاب، الأمْر الذي يعنِي أنّ العِراق يُوافِق بشَكلٍ مُباشرٍ على تَجديد الاتّفاق الذي جرى توقيعه بين أنقرة وبغداد في زمن الرئيس العِراقيّ الراحل صدام حسين، ويَقضِي بالسَّماح للطائرات التركيّة بمُطارَدة خلايا حِزب العُمّال الكردستاني والمُنظّمات الكُرديّة المُوالِية له داخِل الأراضي العِراقيّة، أيّ إقليم كُردستان العِراق.

محمود قريشي، وزير خارجيّة باكستان، الذي رافَق عمران خان أثناء زيارته لتركيا، أكَّد أنّ بلاده وتركيا تَقِفان في خَندقٍ واحِدٍ فيمَا يتَعلَّق بجَميع القضايا الاستراتيجيّة، وسيَحرِصان على زيادة التَّنسيق والتَّعاون بينهما في المَجالات كافَّة، وخاصَّةً التَّبادُل التجاريّ حيثُ تتطلَّع باكستان إلى الاستِثْمارات والخُبرات التركيّة في مَجالات البُنَى التحتيّة والصِّناعات العَسكريّة (وقَّعت باكستان صفقة طائِرات مِروحيّة مع تركيا بمِقدار مِليار دولار).

ما يُعَزِّز كلام السيد قريشي، إصدار المَحكمة الباكستانيّة العُليا قَرارًا باعتِبار حركة “الخِدمة” التي يتزعّمها الداعية التركيّ فتح الله غولن “حَركة إرهابيّة”، وحَظْر جميع أنْشِطَتها في باكستان وتَسليم مَدارِسها إلى الحُكومةِ التركيّة.

***

حَرب التَّنافُس على باكستان بين تركيا والسعوديّة تَبْلُغ ذَروتها هذه الأيّام، ومِن الواضِح أنّ الرئيس أردوغان الذي يَحظى بدَعمٍ قطريّ وإيرانيّ وعِراقيّ باتَ مُتَقَدِّمًا بمَراحِلٍ فيها، ويُريد تطويق المِحور السعوديّ المِصريّ الإماراتيّ بحِزامٍ إسلاميٍّ سنّيّ مُضاد، ويَبدو أنّه يُحَقِّق نَجاحًا مُضَّطَرِدًا في هذا المِضمار، وهذا ما يُفَسِّر الانفِتاح المُتسارِع مِن قِبَل السعوديّة والإمارات نَحو سورية، وطَلب الأُولى مِن المُعارَضة السوريّة التي تتواجَد في مَقرّات رسميّة على أرضِها رَفْع العَلم السوريّ الرسميّ على هَذهِ المَقرّات، وإلا الرَّحيل فَوْرًا.

السيد عمران خان، زعيم باكستان طَموح، ويتَمتَّع بدَرجةٍ عاليةٍ مِن الذَّكاء، وهو الذَّكاء المَدعوم بدَرجةٍ جامعيّةٍ عاليةٍ مِن جامعة أكسفورد، ونَقله مِن لاعب كريكيت إلى أعلى منصب سياسيّ في بلادِه، ولذلك ينطَلِق مِن مصالح بلاده وطُموحاتِها في احتِلال مكانتها كدولةٍ عُظمَى نَوويّة وحيدة في العالم الإسلاميّ، وهذا ما يُفَسِّر مُشاركته في قِمّة دافوس الصَّحراء للاستِثمار في السعوديّة قبل شهر مُسْتَغِلًّا حاجَة السعوديّة إلى وجود شخصيّات عالية فيه بعد مُقاطَعة الغَرب بسبب اعتِرافها بإرسال “فريق المَوت” لاغتِيال خاشقجي، وعودته إلى بلاده بستّة مِليارات دولار كمُساعدات ماليّة، ودُونَ أنْ يُقَدِّم أيّ تَنازُل سياسيّ، مُضافًا إلى ذلِك أنّ علاقته مع أمريكا تعيش حالةً مِن التدهور بعد أنْ أوقَفَت الأخيرة جميع مُساعَداتِها تَقْريبًا، وباتَ يبْحَث عَن البَديل.

هُناك سُؤال مِن شقّين يطْرح نفسه في ظِل مُتابَعة هذه الخُطوات والتَّحالفات التي يُقيمها الرئيس أردوغان، وما يُمكِن أنْ يتَرتَّب عليها مِن تَبِعات ورُدود فِعل مُتَوقَّعة:

الأوّل: إلى متَى سيستمر أردوغان في اللَّف والدَّوران حول دِمشق، وتجاوزها في كُل هَذهِ التَّحَرُّكات، وهو الذي يُقيم عُلاقات استراتيجيّة مَع حُلفائِها الإيرانيين والرُّوس، والآن العِراقيّين.

الثّاني: هل ستَطْمَئِن السُّلطات السوريّة لهَذا التَّقارُب السعوديّ الإماراتيّ الوَشيك، وتَقِفْ في خَندق خَصْمَيها السَّابِقَين في مُواجَهة تركيا عَدوّها اللَّدود وحَليفِه القَطريّ؟

تَطوُّرات شِمال سورية، وبالتَّحديد مِن مِنطَقة إدلب وريفِها، وما يَجرِي فيها مِن معارك بين هيئة تحرير الشام (النصرة)، وحركة نور الدين زنكي، ومَوقِف تركيا منها، إلى جانِب تَطوُّرات شَرق الفُرات، ربّما تُعطِي بعض الإجابات في هذا المِضمار، فمِن الواضِح أنّ هُناك مُخَطَّط لجَر تركيا إلى صِدامٍ عَسكريٍّ مَع وحَدات الجيش العربيّ السوري المُتأهِّبَة في المِنطَقة، وهذا ما لا نَتَمنّاه ونأمَل تَجاوُزه.

***

لا نَستبعِد أنْ يَكون الرئيس أردوغان يَحتَفِظْ بوَرقةِ الانْفِتاح على دِمشق حتّى اللَّحظة الأخيرة، خاصَّةً أنّه يُدرِك جيّدًا أنّ إيران، وبَعد الانسِحاب الأمريكيّ، باتَت في مَوقِع المُنْتَصِر على الأرضِ السوريّة، وأنّ حليفَه الروسيّ باتَ يَمْلُك اليَد العُليا، ليسَ في سورية فقط، وإنّما في المِنطَقة الشَّرق أوسَطيّة برُمَّتِها.

لا نَعتقِد أنّ السوريّين سيَطْمَئِنون للغَزل السعوديّ الجَديد بَعد مُعاناتِهم طِوال السَّنوات الثَّمانِي الماضِيَة مِن تَدَخُّلات أصحابِه عَسكَريًّا في شُؤونهم الداخليّة، ولا نَستبعِد أنْ يُدرِك الرئيس أردوغان أنْ الجَبهة السوريّة يُمكِن أن تَكون أحَد أهَم مَراكِز التَّهديد لأمْن بلاده واستِقرارها إذا لم يتَحَرَّك سَريعًا نحو دِمشق مُلَوِّحًا بأموال حَليفِه القَطريّ، ودَورِها في إعادَة الإعمار، وعَلَّمتنا تَجارِب الأعوام الماضِيَة أنّ كُل الاحتِمالات وارِدَة في مِنطَقة الشرق الأوسط الأكثَر تَغَيُّرًا في خَرائِط تَحالُفاتِها في العالِم بأسْرِه.

الدَّهاء السوريّ يَقِفْ حاليًّا في بُرج الانْتِظار مُراقِبًا ومُتابِعًا، ويَفْرُك يَديه فَرَحًا في ظِل هَروَلَة الكَثيرين نَحوه طالِبين ودّه، مُبْقِيًا جَميع أوراقِه قَريبةً إلى صَدرِه، وسيَخْتار فِي نِهايَة المَطاف ما يَخْدُم مَصالحه وإعادَة إعمار بلاده، ولكن هذا لا يَعنِي النِّسْيان.

إنّها مَرحَلةُ كَظْمْ الغَيْظ لا أكثَر ولا أقَل.. واللهُ أعْلَم.

  • فريق ماسة
  • 2019-01-05
  • 10065
  • من الأرشيف

ما الذي فعله أردوغان للرد على الانفتاح السعودي-الإماراتي على سورية؟

بينَما تنْشَغِل المملكة العربيّة السعوديّة بمُحاكَمة المُتَّهمين في جريمَة اغتِيال الصحافي جمال خاشقجي، وتَعثُّر تطبيق اتّفاق الحديدة في اليمن، استَقبل “غريمها” الأبْرَز رجب طيّب أردوغان، زعيمَيّ دولتين إسلاميّتين، على دَرجةٍ كَبيرةٍ مِن الأهميّة، الأوّل هو السيد عمران خان، رئيس وزراء باكستان، الدولة النوويّة الوَحيدة في العالم الإسلاميّ، والثّاني السيد برهم صالح، رئيس العِراق، الذي يتعافَى بسُرعةٍ ويُحاوِل استعادَة دوره العَربيّ والإقليميّ. الرئيس أردوغان الذي باتَ يُدرِك جَيّدًا أنّ الأزَمَة السوريّة تَقترِب مِن نهايتها، وأنّ التحالف السعوديّ الإماراتيّ المِصري يُريد أنْ يستعيد علاقاتِه مَع الرئيس بشار الأسد عبر بوّابة الإعمار، لمُحاصَرة بلاده، استَبق الأمر وباتَ يُخَطِّط لمُحاصَرة هذا الحِلف الثلاثيّ بالتّسلل إلى فنائه الشرقيّ، وترسيخ وجوده في أفغانستان وباكستان، وهذا ما يُفَسِّر استقباله الحار لضَيفيه في أنقرة، والسيد خان على وجْه الخُصوص، وتَوثيق العُلاقات التجاريّة بين البَلدين (تركيا وباكستان)، في مَجال الصادرات العَسكريّة خاصَّةً، والإعلان عَن قمّةٍ ثلاثيّةٍ تُركيّة باكستانيّة أفغانيّة في الرّبيع المُقبِل في إسطنبول. أمّا على صَعيد العُلاقات مَع العِراق، فكانَ لافِتًا أيْضًا، ومِن خِلال البَيان المُشتَرك، أنّ الرّئيسين، أردوغان وصالح، اتّفقا على وَضع استراتيجيّة مُشتَركة بين البَلدين لمُكافَحة الإرهاب، الأمْر الذي يعنِي أنّ العِراق يُوافِق بشَكلٍ مُباشرٍ على تَجديد الاتّفاق الذي جرى توقيعه بين أنقرة وبغداد في زمن الرئيس العِراقيّ الراحل صدام حسين، ويَقضِي بالسَّماح للطائرات التركيّة بمُطارَدة خلايا حِزب العُمّال الكردستاني والمُنظّمات الكُرديّة المُوالِية له داخِل الأراضي العِراقيّة، أيّ إقليم كُردستان العِراق. محمود قريشي، وزير خارجيّة باكستان، الذي رافَق عمران خان أثناء زيارته لتركيا، أكَّد أنّ بلاده وتركيا تَقِفان في خَندقٍ واحِدٍ فيمَا يتَعلَّق بجَميع القضايا الاستراتيجيّة، وسيَحرِصان على زيادة التَّنسيق والتَّعاون بينهما في المَجالات كافَّة، وخاصَّةً التَّبادُل التجاريّ حيثُ تتطلَّع باكستان إلى الاستِثْمارات والخُبرات التركيّة في مَجالات البُنَى التحتيّة والصِّناعات العَسكريّة (وقَّعت باكستان صفقة طائِرات مِروحيّة مع تركيا بمِقدار مِليار دولار). ما يُعَزِّز كلام السيد قريشي، إصدار المَحكمة الباكستانيّة العُليا قَرارًا باعتِبار حركة “الخِدمة” التي يتزعّمها الداعية التركيّ فتح الله غولن “حَركة إرهابيّة”، وحَظْر جميع أنْشِطَتها في باكستان وتَسليم مَدارِسها إلى الحُكومةِ التركيّة. *** حَرب التَّنافُس على باكستان بين تركيا والسعوديّة تَبْلُغ ذَروتها هذه الأيّام، ومِن الواضِح أنّ الرئيس أردوغان الذي يَحظى بدَعمٍ قطريّ وإيرانيّ وعِراقيّ باتَ مُتَقَدِّمًا بمَراحِلٍ فيها، ويُريد تطويق المِحور السعوديّ المِصريّ الإماراتيّ بحِزامٍ إسلاميٍّ سنّيّ مُضاد، ويَبدو أنّه يُحَقِّق نَجاحًا مُضَّطَرِدًا في هذا المِضمار، وهذا ما يُفَسِّر الانفِتاح المُتسارِع مِن قِبَل السعوديّة والإمارات نَحو سورية، وطَلب الأُولى مِن المُعارَضة السوريّة التي تتواجَد في مَقرّات رسميّة على أرضِها رَفْع العَلم السوريّ الرسميّ على هَذهِ المَقرّات، وإلا الرَّحيل فَوْرًا. السيد عمران خان، زعيم باكستان طَموح، ويتَمتَّع بدَرجةٍ عاليةٍ مِن الذَّكاء، وهو الذَّكاء المَدعوم بدَرجةٍ جامعيّةٍ عاليةٍ مِن جامعة أكسفورد، ونَقله مِن لاعب كريكيت إلى أعلى منصب سياسيّ في بلادِه، ولذلك ينطَلِق مِن مصالح بلاده وطُموحاتِها في احتِلال مكانتها كدولةٍ عُظمَى نَوويّة وحيدة في العالم الإسلاميّ، وهذا ما يُفَسِّر مُشاركته في قِمّة دافوس الصَّحراء للاستِثمار في السعوديّة قبل شهر مُسْتَغِلًّا حاجَة السعوديّة إلى وجود شخصيّات عالية فيه بعد مُقاطَعة الغَرب بسبب اعتِرافها بإرسال “فريق المَوت” لاغتِيال خاشقجي، وعودته إلى بلاده بستّة مِليارات دولار كمُساعدات ماليّة، ودُونَ أنْ يُقَدِّم أيّ تَنازُل سياسيّ، مُضافًا إلى ذلِك أنّ علاقته مع أمريكا تعيش حالةً مِن التدهور بعد أنْ أوقَفَت الأخيرة جميع مُساعَداتِها تَقْريبًا، وباتَ يبْحَث عَن البَديل. هُناك سُؤال مِن شقّين يطْرح نفسه في ظِل مُتابَعة هذه الخُطوات والتَّحالفات التي يُقيمها الرئيس أردوغان، وما يُمكِن أنْ يتَرتَّب عليها مِن تَبِعات ورُدود فِعل مُتَوقَّعة: الأوّل: إلى متَى سيستمر أردوغان في اللَّف والدَّوران حول دِمشق، وتجاوزها في كُل هَذهِ التَّحَرُّكات، وهو الذي يُقيم عُلاقات استراتيجيّة مَع حُلفائِها الإيرانيين والرُّوس، والآن العِراقيّين. الثّاني: هل ستَطْمَئِن السُّلطات السوريّة لهَذا التَّقارُب السعوديّ الإماراتيّ الوَشيك، وتَقِفْ في خَندق خَصْمَيها السَّابِقَين في مُواجَهة تركيا عَدوّها اللَّدود وحَليفِه القَطريّ؟ تَطوُّرات شِمال سورية، وبالتَّحديد مِن مِنطَقة إدلب وريفِها، وما يَجرِي فيها مِن معارك بين هيئة تحرير الشام (النصرة)، وحركة نور الدين زنكي، ومَوقِف تركيا منها، إلى جانِب تَطوُّرات شَرق الفُرات، ربّما تُعطِي بعض الإجابات في هذا المِضمار، فمِن الواضِح أنّ هُناك مُخَطَّط لجَر تركيا إلى صِدامٍ عَسكريٍّ مَع وحَدات الجيش العربيّ السوري المُتأهِّبَة في المِنطَقة، وهذا ما لا نَتَمنّاه ونأمَل تَجاوُزه. *** لا نَستبعِد أنْ يَكون الرئيس أردوغان يَحتَفِظْ بوَرقةِ الانْفِتاح على دِمشق حتّى اللَّحظة الأخيرة، خاصَّةً أنّه يُدرِك جيّدًا أنّ إيران، وبَعد الانسِحاب الأمريكيّ، باتَت في مَوقِع المُنْتَصِر على الأرضِ السوريّة، وأنّ حليفَه الروسيّ باتَ يَمْلُك اليَد العُليا، ليسَ في سورية فقط، وإنّما في المِنطَقة الشَّرق أوسَطيّة برُمَّتِها. لا نَعتقِد أنّ السوريّين سيَطْمَئِنون للغَزل السعوديّ الجَديد بَعد مُعاناتِهم طِوال السَّنوات الثَّمانِي الماضِيَة مِن تَدَخُّلات أصحابِه عَسكَريًّا في شُؤونهم الداخليّة، ولا نَستبعِد أنْ يُدرِك الرئيس أردوغان أنْ الجَبهة السوريّة يُمكِن أن تَكون أحَد أهَم مَراكِز التَّهديد لأمْن بلاده واستِقرارها إذا لم يتَحَرَّك سَريعًا نحو دِمشق مُلَوِّحًا بأموال حَليفِه القَطريّ، ودَورِها في إعادَة الإعمار، وعَلَّمتنا تَجارِب الأعوام الماضِيَة أنّ كُل الاحتِمالات وارِدَة في مِنطَقة الشرق الأوسط الأكثَر تَغَيُّرًا في خَرائِط تَحالُفاتِها في العالِم بأسْرِه. الدَّهاء السوريّ يَقِفْ حاليًّا في بُرج الانْتِظار مُراقِبًا ومُتابِعًا، ويَفْرُك يَديه فَرَحًا في ظِل هَروَلَة الكَثيرين نَحوه طالِبين ودّه، مُبْقِيًا جَميع أوراقِه قَريبةً إلى صَدرِه، وسيَخْتار فِي نِهايَة المَطاف ما يَخْدُم مَصالحه وإعادَة إعمار بلاده، ولكن هذا لا يَعنِي النِّسْيان. إنّها مَرحَلةُ كَظْمْ الغَيْظ لا أكثَر ولا أقَل.. واللهُ أعْلَم.

المصدر : رأي اليوم /عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة