يتصدر موضوع سحب القوات الأمريكية من سورية أغلب العناوين الصادرة عن مراكز الأبحاث الأمريكية اليوم، إذ تتناوله بالتحليل والدراسة، وتعرض لما أثاره من ردود الفعل، معظمها معارض له، وتحاول استشراف ما سيحمله من نتائج وما سيصنعه من تأثيرات على مصالح الولايات المتحدة، وعلى أدوارها وعلاقاتها مع الحليف والخصم.

مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية كان سباقاً، ونشر مقالين في هذا الخصوص بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر 2018.

كتب أولهما بولنت علي رضا، بعنوان: «ترامب، أردوغان، وسحب القوات الأمريكية المفاجئ من سورية».

يقول الكاتب: في وقت مبكر من التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر، أعلن الرئيس الأمريكي عبر التويتر: «لقد هزمنا داعش في سورية، السبب الوحيد للوجود هناك خلال رئاسة ترامب»، وشرع بالتالي بعملية سحب القوات الأمريكية التي قدّر عددها بـ 2000 جندي من سورية. ذكر ترامب في آذار/مارس الماضي أنه يعتزم اتخاذ هذه الخطوة المهمة، لكن يبدو وزير الدفاع جيمس ماتيس وآخرين في الإدارة أقنعوه بالامتناع عن التنفيذ.

تشير التقارير الإخبارية التي أعقبت مباشرة تصريح ترامب، والتي استندت إلى مصادر إدارية لم يكشف عن اسمها، إلى أن الانسحاب بدأ، ما يشير إلى أن انقلاباً رئيساً في السياسة الأمريكية كان يتحضّر.

أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز هذا الأمر بشكل رسمي، حيث قالت: «لقد بدأنا بإعادة القوات الأمريكية إلى بلادنا بينما ننتقل إلى المرحلة التالية من هذه الحملة». بعد ذلك، أبلغ مسؤول أمريكي رويترز بأن جميع موظفي الخارجية الأمريكية في سورية سيتم إعادتهم في غضون 24 ساعة، ومن المتوقع «سحب القوات خلال 60 إلى 100 يوم».

جاءت هذه الخطوة بمثابة مفاجأة لكل الإدارة تقريباً، وكان على ترامب، ليأخذ قراراً كهذا، أن يتغلب على بعض المقاومة الداخلية. إشارات قوية صدرت عن مسؤولين أمريكيين في الأشهر الأخيرة بأن المهمة العسكرية الأمريكية في سورية باقية، لكن تم تعديلها نتيجة انتهاء الصراع مع "داعش" من أجل مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في سورية. ومن بين المدافعين عن هذا النهج، مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب جون بولتون؛ المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية جيمس جيفري؛ وشون روبرتسون أحد المتحدثين باسم البنتاغون.

من المؤشرات التي تساعد على فهم هذه الخطوة المفاجئة، يقول الكاتب، ما نقلته رويترز عن مسؤول أمريكي صرّح بأن القرار جاء بعد اتصال هاتفي بين ترامب وأردوغان في 14 كانون الأول/ديسمبر، وكل ما تلا ذلك هو تنفيذ لما تم الاتفاق عليه في الاتصال، أمر أكده مسؤول تركي في تصريح لوكالة ABC الإخبارية. في الواقع، جاء تحرك ترامب في وقت تهدد فيه الخلافات الأمريكية التركية حول شمال سورية مرة أخرى بالتحول إلى نزاع كبير بين الدولتين.

في 12 كانون الأول/ديسمبر، أدان أردوغان مرة أخرى الارتباط العسكري الأمريكي مع وحدات حماية الشعب الكردية السورية (YPG)، في سياق الحرب ضد "داعش"، وتحت مظلة "قوات سوريا الديمقراطية". كذلك، هدد أردوغان بإرسال قوات تركية إلى المنطقة الواقعة بين الفرات والحدود السورية العراقية حيث تتمركز القوات الأمريكية "في غضون أيام قليلة" من أجل "تطهيرها من الإرهابيين". وقال إنه لن يتم الاعتداء على الجنود الأمريكيين، فتركيا، على الرغم من كل شيء، مازالت ترى الولايات المتحدة كحليف استراتيجي.

وتماشياً مع تحذيرات أردوغان، سعت محطات التلفزيون التركية إلى إبراز خطورة الأزمة النامية من خلال التغطية الحية المستمرة للحشد العسكري على طول الحدود.

كان المسؤولون الأمريكيون قلقين بشكل واضح من التهديد المحتمل. وأراد العديد من أعضاء الإدارة الأمريكية الحفاظ على العلاقات مع الكرد والأتراك في آن معاً.

اليوم، وعلى الرغم من عدم صدور أي تصريح من قبل أردوغان على تحرك ترامب المهم، والذي جاء في نفس اليوم الذي وافقت فيه وزارة الخارجية الأمريكية –بعد تأخير طويل– على صفقة نظام صواريخ باتريوت المحتملة مع تركيا، فلا شك في أنه يرحب به ويرى فيه مكسباً دبلوماسياً كبيراً، يمهد الطريق أمام تدخل عسكري تركي ثالث شمال سورية.

بعد عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، اكتسبت تركيا سيطرة فعالة على أراضي واسعة غرب الفرات والواقعة مباشرة تحت الحدود التركية السورية، مع استثناء بارز هو منبج. ويبدو أن أردوغان عازم على القيام بعملية مماثلة، مرة أخرى باستخدام أعضاء ما يسمى "الجيش السوري الحر" الموالي لأنقرة مع الجيش التركي.

لن يُكشف عن نطاق وعمق هذه العملية إلا بعد إطلاقها، لكنها ستؤدي بلا شك إلى توسيع نطاق التأثير التركي المباشر، بينما تُدفع وحدات حماية الشعب بعيداً عن الحدود وتضعف قدراتها.

إذا استخدم أردوغان ما سيسيطر عليه من جغرافيا لتوطين المزيد من اللاجئين السوريين وإعادتهم من تركيا، يُتوقع بالمقابل موجة ترحيب كبيرة ودعم شعبي، حيث تواجه حكومته تراجعاً اقتصادياً في الوقت الذي تستعد فيه للانتخابات البلدية التي قد تكون صعبة في آذار/مارس 2019.

وإلى جانب تأثير قرار ترامب على العلاقات الأمريكية-التركية، التي ستدخل مرحلة جديدة يتوقع فيها أردوغان أن يتم حل قضايا قديمة أخرى على الأجندة الثنائية بطريقة مماثلة، سيكون لها تأثير عميق على العلاقة الأمريكية مع الأكراد السوريين، وكذلك على العامل الأمريكي في المعادلة الجيوسياسية السورية المعقدة. ومع ذلك، في المستقبل القريب، ستكون كل العيون على تفاصيل تنفيذ القرار وكذلك على الحدود التركية السورية.

أما المقال الثاني فقد كتبه كلّ من جون الترمان وويل تودمان تحت عنوان: «آثار انسحاب الولايات المتحدة من سورية»، حاولا فيه الإجابة عن مجموعة أسئلة، جاءت كما يأتي:

1.لماذا تم الآن اتخاذ هذا القرار؟

لقد دعا الرئيس الأمريكي عدة مرات إلى سحب القوات الأمريكية من سورية، لكن فريقه للأمن القومي كان يقنعه بأن انسحاباً متهوراً سيكون خطأ كبيراً، بل وتعهد كبار مسؤولي الإدارة بأن القوات باقية في سورية طالما بقي الوجود العسكري الإيراني هناك. لقد أُخذ هؤلاء على حين غرة، أُعلم الجيش الأمريكي قبل أقل من 24 ساعة. رفض الوزير ماتيس الإجابة عن أسئلة الإعلام المتعلقة بالانسحاب، أصدر البنتاغون بياناً نفى فيه ادّعاء الرئيس بأن "داعش" قد هُزم، وأخيراً ألغت وزارة الخارجية فجأة مؤتمرها الصحفي المقرر.

يتناسب القرار مع نمط من التحركات التي اتخذتها إدارة ترامب لاسترضاء تركيا.

هدد أردوغان بتوغل تركي وشيك في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سورية، الأمر الذي كان سيعرّض القوات الأمريكية للخطر. كما كانت تركيا، حليفة الناتو، تغازل روسيا بفكرة شراء نظام S-400 بدلاً من نظام باتريوت الأمريكي الصنع.

في أعقاب اتصال الرئيس ترامب بالهاتف مع تركيا يوم الجمعة، وافقت تركيا على شراء النظام الأمريكي مقابل 3.5 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، أكد البيت الأبيض أن الرئيس ترامب يفكر في تسليم الزعيم التركي المعارض فتح الله غولن.

2.من يفوز؟ من يخسر؟

الرابحون الأكثر وضوحاً هم روسيا وإيران وتركيا، فضلاً عن حكومة دمشق.

الانسحاب السريع للقوات الأمريكية يعني أن الروس سيقررون مستقبلهم العسكري في سورية مع الحكومة السورية وحدها، وبدون مساهمة أمريكية ذات مغزى.

يساعد انسحاب الولايات المتحدة على توطيد روابط إيران مع حلفائها في لبنان، ويمنحها إمكانية الإبقاء على وجود عسكري واستخباراتي كبير في سورية. أما تركيا فيبدو أنها حصلت على كل ما تريده، أنظمة أسلحة متطورة، صوت حاسم في مستقبل سورية، مسار واضح لمهاجمة القوات الكردية، دون أن تتنازل إلا عن القليل.

وبطبيعة الحال، ستكون الحكومة السورية قادرة على توسيع سيطرتها على البلد بأكمله، بما في ذلك المناطق الغنية بالنفط التي كانت القوات الأمريكية تسيطر عليها.

"إسرائيل" أحد أكثر الخاسرين، إذ تشعر بقلق عميق إزاء وجود القوات الإيرانية جنوب سورية؛ الأكراد الذين تحالفوا مع الولايات المتحدة هم أكبر الخاسرين كذلك، وأخيراً بالنسبة إلى حلفاء الولايات المتحدة مثل الأردن ولبنان، فإن الانسحاب يلغي نفوذ الولايات المتحدة في المفاوضات حول مستقبل سورية، أمر قد يحمل عواقب كبيرة على هؤلاء الحلفاء.

3.ماذا يعني هذا بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة في سورية؟

يبدو أن مسؤولي إدارة ترامب قد تخلوا عن الأهداف الثلاثة المفصلية للوجود الأمريكي في سورية: هزيمة دائمة لتنظيم "داعش"، وإخراج القوات الإيرانية ووكلائها من سورية، وانتقال سياسي لا رجعة فيه.

انسحاب الولايات المتحدة السريع من سورية، يُضعف أي دور لها في أي مفاوضات حول مستقبل سورية. والأكثر غرابة، أن خصوم أمريكا لم يضحّوا بأي شيء للحصول على تلك النتيجة.

4.ماذا سيحدث في شرق سورية؟

هناك سيناريوهان محتملان لشرق سورية:

الأول: غزو تركي، إذ يعتبر أردوغان أن الانسحاب الأمريكي هو ضوء أخضر لشن الهجوم الذي هدد به. من المرجح أن يؤدي الهجوم التركي إلى ارتفاع عدد القتلى في صفوف المقاتلين الأكراد وعائلاتهم. كما سيؤدي إلى إطلاق موجات جديدة من الهجرة، ما يهدد بشكل أكبر جهود تحقيق الاستقرار في الأراضي السورية والعراقية التي مازالت هشة أمام التهديد الإرهابي.

السيناريو الثاني: قيام وحدات حماية الشعب وجناحها السياسي، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، بالتفاوض على عودة سيطرة الدولة السورية على المنطقة. لكن مع الانسحاب الأمريكي، الذي يُعد تخلياً واضحاً عنهم، فَقَدَ الأكراد مصدر نفوذهم الرئيسِ، وتقلصت احتمالات حصولهم على أي مستوى من الحكم الذاتي إلى حد كبير. إنّ عودة الدولة إلى تلك المنطقة تعني استعادتها موارد سورية النفطية ومواصلة تعزيز سيطرتها على البلاد.

  • فريق ماسة
  • 2018-12-21
  • 13503
  • من الأرشيف

سحب القوات الأمريكية المفاجئ من سورية، التأثيرات وردود الفعل

يتصدر موضوع سحب القوات الأمريكية من سورية أغلب العناوين الصادرة عن مراكز الأبحاث الأمريكية اليوم، إذ تتناوله بالتحليل والدراسة، وتعرض لما أثاره من ردود الفعل، معظمها معارض له، وتحاول استشراف ما سيحمله من نتائج وما سيصنعه من تأثيرات على مصالح الولايات المتحدة، وعلى أدوارها وعلاقاتها مع الحليف والخصم. مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية كان سباقاً، ونشر مقالين في هذا الخصوص بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر 2018. كتب أولهما بولنت علي رضا، بعنوان: «ترامب، أردوغان، وسحب القوات الأمريكية المفاجئ من سورية». يقول الكاتب: في وقت مبكر من التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر، أعلن الرئيس الأمريكي عبر التويتر: «لقد هزمنا داعش في سورية، السبب الوحيد للوجود هناك خلال رئاسة ترامب»، وشرع بالتالي بعملية سحب القوات الأمريكية التي قدّر عددها بـ 2000 جندي من سورية. ذكر ترامب في آذار/مارس الماضي أنه يعتزم اتخاذ هذه الخطوة المهمة، لكن يبدو وزير الدفاع جيمس ماتيس وآخرين في الإدارة أقنعوه بالامتناع عن التنفيذ. تشير التقارير الإخبارية التي أعقبت مباشرة تصريح ترامب، والتي استندت إلى مصادر إدارية لم يكشف عن اسمها، إلى أن الانسحاب بدأ، ما يشير إلى أن انقلاباً رئيساً في السياسة الأمريكية كان يتحضّر. أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز هذا الأمر بشكل رسمي، حيث قالت: «لقد بدأنا بإعادة القوات الأمريكية إلى بلادنا بينما ننتقل إلى المرحلة التالية من هذه الحملة». بعد ذلك، أبلغ مسؤول أمريكي رويترز بأن جميع موظفي الخارجية الأمريكية في سورية سيتم إعادتهم في غضون 24 ساعة، ومن المتوقع «سحب القوات خلال 60 إلى 100 يوم». جاءت هذه الخطوة بمثابة مفاجأة لكل الإدارة تقريباً، وكان على ترامب، ليأخذ قراراً كهذا، أن يتغلب على بعض المقاومة الداخلية. إشارات قوية صدرت عن مسؤولين أمريكيين في الأشهر الأخيرة بأن المهمة العسكرية الأمريكية في سورية باقية، لكن تم تعديلها نتيجة انتهاء الصراع مع "داعش" من أجل مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في سورية. ومن بين المدافعين عن هذا النهج، مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب جون بولتون؛ المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية جيمس جيفري؛ وشون روبرتسون أحد المتحدثين باسم البنتاغون. من المؤشرات التي تساعد على فهم هذه الخطوة المفاجئة، يقول الكاتب، ما نقلته رويترز عن مسؤول أمريكي صرّح بأن القرار جاء بعد اتصال هاتفي بين ترامب وأردوغان في 14 كانون الأول/ديسمبر، وكل ما تلا ذلك هو تنفيذ لما تم الاتفاق عليه في الاتصال، أمر أكده مسؤول تركي في تصريح لوكالة ABC الإخبارية. في الواقع، جاء تحرك ترامب في وقت تهدد فيه الخلافات الأمريكية التركية حول شمال سورية مرة أخرى بالتحول إلى نزاع كبير بين الدولتين. في 12 كانون الأول/ديسمبر، أدان أردوغان مرة أخرى الارتباط العسكري الأمريكي مع وحدات حماية الشعب الكردية السورية (YPG)، في سياق الحرب ضد "داعش"، وتحت مظلة "قوات سوريا الديمقراطية". كذلك، هدد أردوغان بإرسال قوات تركية إلى المنطقة الواقعة بين الفرات والحدود السورية العراقية حيث تتمركز القوات الأمريكية "في غضون أيام قليلة" من أجل "تطهيرها من الإرهابيين". وقال إنه لن يتم الاعتداء على الجنود الأمريكيين، فتركيا، على الرغم من كل شيء، مازالت ترى الولايات المتحدة كحليف استراتيجي. وتماشياً مع تحذيرات أردوغان، سعت محطات التلفزيون التركية إلى إبراز خطورة الأزمة النامية من خلال التغطية الحية المستمرة للحشد العسكري على طول الحدود. كان المسؤولون الأمريكيون قلقين بشكل واضح من التهديد المحتمل. وأراد العديد من أعضاء الإدارة الأمريكية الحفاظ على العلاقات مع الكرد والأتراك في آن معاً. اليوم، وعلى الرغم من عدم صدور أي تصريح من قبل أردوغان على تحرك ترامب المهم، والذي جاء في نفس اليوم الذي وافقت فيه وزارة الخارجية الأمريكية –بعد تأخير طويل– على صفقة نظام صواريخ باتريوت المحتملة مع تركيا، فلا شك في أنه يرحب به ويرى فيه مكسباً دبلوماسياً كبيراً، يمهد الطريق أمام تدخل عسكري تركي ثالث شمال سورية. بعد عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، اكتسبت تركيا سيطرة فعالة على أراضي واسعة غرب الفرات والواقعة مباشرة تحت الحدود التركية السورية، مع استثناء بارز هو منبج. ويبدو أن أردوغان عازم على القيام بعملية مماثلة، مرة أخرى باستخدام أعضاء ما يسمى "الجيش السوري الحر" الموالي لأنقرة مع الجيش التركي. لن يُكشف عن نطاق وعمق هذه العملية إلا بعد إطلاقها، لكنها ستؤدي بلا شك إلى توسيع نطاق التأثير التركي المباشر، بينما تُدفع وحدات حماية الشعب بعيداً عن الحدود وتضعف قدراتها. إذا استخدم أردوغان ما سيسيطر عليه من جغرافيا لتوطين المزيد من اللاجئين السوريين وإعادتهم من تركيا، يُتوقع بالمقابل موجة ترحيب كبيرة ودعم شعبي، حيث تواجه حكومته تراجعاً اقتصادياً في الوقت الذي تستعد فيه للانتخابات البلدية التي قد تكون صعبة في آذار/مارس 2019. وإلى جانب تأثير قرار ترامب على العلاقات الأمريكية-التركية، التي ستدخل مرحلة جديدة يتوقع فيها أردوغان أن يتم حل قضايا قديمة أخرى على الأجندة الثنائية بطريقة مماثلة، سيكون لها تأثير عميق على العلاقة الأمريكية مع الأكراد السوريين، وكذلك على العامل الأمريكي في المعادلة الجيوسياسية السورية المعقدة. ومع ذلك، في المستقبل القريب، ستكون كل العيون على تفاصيل تنفيذ القرار وكذلك على الحدود التركية السورية. أما المقال الثاني فقد كتبه كلّ من جون الترمان وويل تودمان تحت عنوان: «آثار انسحاب الولايات المتحدة من سورية»، حاولا فيه الإجابة عن مجموعة أسئلة، جاءت كما يأتي: 1.لماذا تم الآن اتخاذ هذا القرار؟ لقد دعا الرئيس الأمريكي عدة مرات إلى سحب القوات الأمريكية من سورية، لكن فريقه للأمن القومي كان يقنعه بأن انسحاباً متهوراً سيكون خطأ كبيراً، بل وتعهد كبار مسؤولي الإدارة بأن القوات باقية في سورية طالما بقي الوجود العسكري الإيراني هناك. لقد أُخذ هؤلاء على حين غرة، أُعلم الجيش الأمريكي قبل أقل من 24 ساعة. رفض الوزير ماتيس الإجابة عن أسئلة الإعلام المتعلقة بالانسحاب، أصدر البنتاغون بياناً نفى فيه ادّعاء الرئيس بأن "داعش" قد هُزم، وأخيراً ألغت وزارة الخارجية فجأة مؤتمرها الصحفي المقرر. يتناسب القرار مع نمط من التحركات التي اتخذتها إدارة ترامب لاسترضاء تركيا. هدد أردوغان بتوغل تركي وشيك في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سورية، الأمر الذي كان سيعرّض القوات الأمريكية للخطر. كما كانت تركيا، حليفة الناتو، تغازل روسيا بفكرة شراء نظام S-400 بدلاً من نظام باتريوت الأمريكي الصنع. في أعقاب اتصال الرئيس ترامب بالهاتف مع تركيا يوم الجمعة، وافقت تركيا على شراء النظام الأمريكي مقابل 3.5 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، أكد البيت الأبيض أن الرئيس ترامب يفكر في تسليم الزعيم التركي المعارض فتح الله غولن. 2.من يفوز؟ من يخسر؟ الرابحون الأكثر وضوحاً هم روسيا وإيران وتركيا، فضلاً عن حكومة دمشق. الانسحاب السريع للقوات الأمريكية يعني أن الروس سيقررون مستقبلهم العسكري في سورية مع الحكومة السورية وحدها، وبدون مساهمة أمريكية ذات مغزى. يساعد انسحاب الولايات المتحدة على توطيد روابط إيران مع حلفائها في لبنان، ويمنحها إمكانية الإبقاء على وجود عسكري واستخباراتي كبير في سورية. أما تركيا فيبدو أنها حصلت على كل ما تريده، أنظمة أسلحة متطورة، صوت حاسم في مستقبل سورية، مسار واضح لمهاجمة القوات الكردية، دون أن تتنازل إلا عن القليل. وبطبيعة الحال، ستكون الحكومة السورية قادرة على توسيع سيطرتها على البلد بأكمله، بما في ذلك المناطق الغنية بالنفط التي كانت القوات الأمريكية تسيطر عليها. "إسرائيل" أحد أكثر الخاسرين، إذ تشعر بقلق عميق إزاء وجود القوات الإيرانية جنوب سورية؛ الأكراد الذين تحالفوا مع الولايات المتحدة هم أكبر الخاسرين كذلك، وأخيراً بالنسبة إلى حلفاء الولايات المتحدة مثل الأردن ولبنان، فإن الانسحاب يلغي نفوذ الولايات المتحدة في المفاوضات حول مستقبل سورية، أمر قد يحمل عواقب كبيرة على هؤلاء الحلفاء. 3.ماذا يعني هذا بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة في سورية؟ يبدو أن مسؤولي إدارة ترامب قد تخلوا عن الأهداف الثلاثة المفصلية للوجود الأمريكي في سورية: هزيمة دائمة لتنظيم "داعش"، وإخراج القوات الإيرانية ووكلائها من سورية، وانتقال سياسي لا رجعة فيه. انسحاب الولايات المتحدة السريع من سورية، يُضعف أي دور لها في أي مفاوضات حول مستقبل سورية. والأكثر غرابة، أن خصوم أمريكا لم يضحّوا بأي شيء للحصول على تلك النتيجة. 4.ماذا سيحدث في شرق سورية؟ هناك سيناريوهان محتملان لشرق سورية: الأول: غزو تركي، إذ يعتبر أردوغان أن الانسحاب الأمريكي هو ضوء أخضر لشن الهجوم الذي هدد به. من المرجح أن يؤدي الهجوم التركي إلى ارتفاع عدد القتلى في صفوف المقاتلين الأكراد وعائلاتهم. كما سيؤدي إلى إطلاق موجات جديدة من الهجرة، ما يهدد بشكل أكبر جهود تحقيق الاستقرار في الأراضي السورية والعراقية التي مازالت هشة أمام التهديد الإرهابي. السيناريو الثاني: قيام وحدات حماية الشعب وجناحها السياسي، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، بالتفاوض على عودة سيطرة الدولة السورية على المنطقة. لكن مع الانسحاب الأمريكي، الذي يُعد تخلياً واضحاً عنهم، فَقَدَ الأكراد مصدر نفوذهم الرئيسِ، وتقلصت احتمالات حصولهم على أي مستوى من الحكم الذاتي إلى حد كبير. إنّ عودة الدولة إلى تلك المنطقة تعني استعادتها موارد سورية النفطية ومواصلة تعزيز سيطرتها على البلاد.

المصدر : الماسة السورية/ مركز دمشق للابحاث والدراسات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة