يقولُ المثل الإنجليزي “الباب ذو الصرير يعيشُ طويلاً” وسورية بكلِّ ما حدث فيها من دوي انفجاراتٍ، بقيت وقيادتهاطويلاً، لا بل إنَّ البوّابةَ السوريّة التي علا صريرها بسببِ الحرب هي ذاتها كانت أشبه ببوّابةِ “الفالهالا” الجنّة لدى مُقاتلي الفايكينغ، مع الفرقِ بأنَّ من يتمنّون دخول تلك البوّابة ليسوا بمقاتلين ولن يكونوا؛ بل هم زعماء لدولٍ لَعِبَت دوراً معادياً ضدّ دمشق.

من دون أيّ ترتيباتٍ وتمهيدٍ مُسبق على وسائلِ الإعلام، استفاق الرأي العام السوريّ والعربيّ على زيارةِ الرئيس السودانيّ عمر البشير إلى سورية ولقائه بالرئيسِ الأسد، ذات العكّاز الذي اعتادَ البشرُ على الإيماءِ به ضدَّ دمشقَ قبلَ سنواتٍ خلت، قد ساعده في المشي على أرض مطارِ دمشق، إنّها مفارقاتُ السياسة ومفاجآتها.

تفجّرت الآراءُ والتحليلات وكذلك المقالات عن تلك الزيارة وكأنّها قنبلةٌ هيدروجينيّة، فَرِحَ المؤيّدون للدولةِ السوريّة، ولم يُخفِ جزءٌ كبيرٌ منهم امتعاضه في الوقتِ ذاته وتهجّمه على البشيرِ الذي كان قد أعلنَ مواقفَ عدائيّةٍ ضدّ الرئيس الأسد شخصيّاً، فيما انبرى محلّلونَ للقولِ إنَّ للزيارةِ دلالاتٌ ورسائلُ تتخطّى حدودَ السودان نفسه.

بعض المغالين في عواطفهم عارضوا استقبالَ الرئيس السودانيّ الذي كان مُعادياً لسورية ضمن منظومةٍ عربيّةٍ معروفة المواقف تجاه دمشق، حسناً على هؤلاء أنْ يعرفوا أنَّ قلبَ رجل الدولةِ يجبُ أن يكونَ في رأسه، وهذا ما حدث، تمَّ استقبالُ الرئيسِ السودانيّ ومن يعلمُ من ستطأ قدماه أيضاً أرضَ مطار دمشق.

إحدى وُجهات النظرِ تقولُ إنَّ زيارةَ الرئيس السودانيّ هي مقدّمةٌ وتمهيدٌ لزيارةِ مسؤولينَ سعوديّينَ إلى دمشق، قد يكون في ذلك مبالغةً برأيي الشخصيّ على الأقلّ في هذه الفترة، فالسودانُ فتحت أراضيها أمامَ الحالم بعودةِ السّلطنةِ رجب طيب أردوغان وبتمويلٍ ورعايةٍ قطريّة، لقد باتت تركيا على شواطئ البحر الأحمر من خلال تواجدِها على جزيرةِ سواكن شرق السودان، وبعدها توقيع الخرطوم اتّفاقيّةً مع أنقرة تسمحُ للأخيرةِ بموجبها بالتنقيبِ عن الذهبِ والمعادن في ولايةِ البحر الأحمر، هذا ممّا لا شكَّ فيه لن يجعلَ الرياض راضيّة، خصوصاً بعد التوتّرِ الأخيرِ الحاصلِ بينها وبين تركيا على خليّفةِ اغتيالِ جمال الخاشقجي، بالتالي فإنَّ فكرةَ أنْ تكونَ السودانُ وسيطاً بين السعوديّة وسورية مستبعدةٌ حاليّاً؛ بل إنَّ فكرةَ أنْ تكونَ الخرطومُ وسيطاً للدوحةِ هي الأقربُ للمنطق.

في المعلومات، إنَّ البرلمان العربي الذي يتّخذُ من دمشقَ مقرّاً له، أرسلَ رسالةً للجامعةِ العربيّة طالبَ فيها بإعادةِ عضويّة سورية في الجامعة العربيّة، وقبل ذلك فتح السّفارة الإماراتيّة في دمشق، وما حدثَ قبلَ كلّ هذا زيارة الوفد

البرلمانيّ الأردنيّ، وعودة التنسيق تدريجيّاً بين الأردن وسورية؛ بل لقد صرّحَ الرئيسُ الأسد ذاته إضافةً إلى مسؤولي الدبلوماسيّة السوريّة أنَّ هناك دولاً عربيّةً تُرتّبُ لإعادة سفاراتها وعلاقاتها مع دمشق.

على ما يبدو، إنَّ السودان كانت أُولى الدول التي ذهبت بعيداً في إعادةِ علاقاتِها من خلالِ زيارةِ الرئيس السودانيّ نفسه، هذا يفتحُ بابَ التساؤلاتِ فيما إذا كان السوريّونَ والعرب سيرونَ زعماءَ عرب آخرين يمشونَ على السجّادِ الأحمرِ في مطارِ دمشق، ماذا عن الإماراتيّينَ والأردنيّينَ، وهل تتهيّأ قطر التي أعلنت موقفها الثابت من أزمتِها الخليجيّة من أجلِ توجيهِ طائرتِها الأميريّة إلى دمشق؟ هناك أصواتٌ وبحسب معلوماتٍ في الأروقةِ السعوديّة باتت ترى أنّهُ يجب قطعُ الطريقِ على القطريّ والتركيّ قبل إعادتهما العلاقات مع سورية خصوصاً بعد أنْ ألمحَ الأتراكُ إلى أنّه إنْ بَقِيَ الرئيسُ الأسد بانتخاباتٍ جديدةٍ رئيساً فإنّهم سيعملونَ معه، من مصلحةِ السعوديّة إعادة علاقتها هي الأُخرى، ليس شغفاً بفكرةِ القوميّةِ العربيّة أو على مبدأ أنَّ الأشقّاءَ في المنزل الواحدِ يختلفون، هذا الحديث سابقٌ لأوانِهِ؛ لأنّهُ سيخلطُ الأوراق، بكلِّ بساطةٍ السعوديّةُ ليست مستعدّةً حاليّاً لتلك الخطوة، لكنّها في النهاية ستعي بأنّهُ لا بدَّ منها، تخيّلوا أنْ تُعيدَ غالبيّةُ الدولِ العربيّة علاقاتها مع دمشق وتبقى الرياض هي الوحيدةُ التي لم تفعل بسبب دورِها المحوريّ في الحربِ على سورية؟ سيكونُ لذلك وقعٌ سلبيٌّ على المملكةِ ذاتها، وسيتمُّ تصويرها على أنّها الرافضة للتضامن العربي؛ بل وستظلُّ كاسبةً عداء الدولةِ السوريّة لا سيّما في الساحةِ اللبنانيّة، وهذا موضوعٌ آخرُ يتمُّ البحث فيه.

  • فريق ماسة
  • 2018-12-17
  • 11901
  • من الأرشيف

الرياض آخر الزائرين فهل يكون مطار دمشق مزدحماً

يقولُ المثل الإنجليزي “الباب ذو الصرير يعيشُ طويلاً” وسورية بكلِّ ما حدث فيها من دوي انفجاراتٍ، بقيت وقيادتهاطويلاً، لا بل إنَّ البوّابةَ السوريّة التي علا صريرها بسببِ الحرب هي ذاتها كانت أشبه ببوّابةِ “الفالهالا” الجنّة لدى مُقاتلي الفايكينغ، مع الفرقِ بأنَّ من يتمنّون دخول تلك البوّابة ليسوا بمقاتلين ولن يكونوا؛ بل هم زعماء لدولٍ لَعِبَت دوراً معادياً ضدّ دمشق. من دون أيّ ترتيباتٍ وتمهيدٍ مُسبق على وسائلِ الإعلام، استفاق الرأي العام السوريّ والعربيّ على زيارةِ الرئيس السودانيّ عمر البشير إلى سورية ولقائه بالرئيسِ الأسد، ذات العكّاز الذي اعتادَ البشرُ على الإيماءِ به ضدَّ دمشقَ قبلَ سنواتٍ خلت، قد ساعده في المشي على أرض مطارِ دمشق، إنّها مفارقاتُ السياسة ومفاجآتها. تفجّرت الآراءُ والتحليلات وكذلك المقالات عن تلك الزيارة وكأنّها قنبلةٌ هيدروجينيّة، فَرِحَ المؤيّدون للدولةِ السوريّة، ولم يُخفِ جزءٌ كبيرٌ منهم امتعاضه في الوقتِ ذاته وتهجّمه على البشيرِ الذي كان قد أعلنَ مواقفَ عدائيّةٍ ضدّ الرئيس الأسد شخصيّاً، فيما انبرى محلّلونَ للقولِ إنَّ للزيارةِ دلالاتٌ ورسائلُ تتخطّى حدودَ السودان نفسه. بعض المغالين في عواطفهم عارضوا استقبالَ الرئيس السودانيّ الذي كان مُعادياً لسورية ضمن منظومةٍ عربيّةٍ معروفة المواقف تجاه دمشق، حسناً على هؤلاء أنْ يعرفوا أنَّ قلبَ رجل الدولةِ يجبُ أن يكونَ في رأسه، وهذا ما حدث، تمَّ استقبالُ الرئيسِ السودانيّ ومن يعلمُ من ستطأ قدماه أيضاً أرضَ مطار دمشق. إحدى وُجهات النظرِ تقولُ إنَّ زيارةَ الرئيس السودانيّ هي مقدّمةٌ وتمهيدٌ لزيارةِ مسؤولينَ سعوديّينَ إلى دمشق، قد يكون في ذلك مبالغةً برأيي الشخصيّ على الأقلّ في هذه الفترة، فالسودانُ فتحت أراضيها أمامَ الحالم بعودةِ السّلطنةِ رجب طيب أردوغان وبتمويلٍ ورعايةٍ قطريّة، لقد باتت تركيا على شواطئ البحر الأحمر من خلال تواجدِها على جزيرةِ سواكن شرق السودان، وبعدها توقيع الخرطوم اتّفاقيّةً مع أنقرة تسمحُ للأخيرةِ بموجبها بالتنقيبِ عن الذهبِ والمعادن في ولايةِ البحر الأحمر، هذا ممّا لا شكَّ فيه لن يجعلَ الرياض راضيّة، خصوصاً بعد التوتّرِ الأخيرِ الحاصلِ بينها وبين تركيا على خليّفةِ اغتيالِ جمال الخاشقجي، بالتالي فإنَّ فكرةَ أنْ تكونَ السودانُ وسيطاً بين السعوديّة وسورية مستبعدةٌ حاليّاً؛ بل إنَّ فكرةَ أنْ تكونَ الخرطومُ وسيطاً للدوحةِ هي الأقربُ للمنطق. في المعلومات، إنَّ البرلمان العربي الذي يتّخذُ من دمشقَ مقرّاً له، أرسلَ رسالةً للجامعةِ العربيّة طالبَ فيها بإعادةِ عضويّة سورية في الجامعة العربيّة، وقبل ذلك فتح السّفارة الإماراتيّة في دمشق، وما حدثَ قبلَ كلّ هذا زيارة الوفد البرلمانيّ الأردنيّ، وعودة التنسيق تدريجيّاً بين الأردن وسورية؛ بل لقد صرّحَ الرئيسُ الأسد ذاته إضافةً إلى مسؤولي الدبلوماسيّة السوريّة أنَّ هناك دولاً عربيّةً تُرتّبُ لإعادة سفاراتها وعلاقاتها مع دمشق. على ما يبدو، إنَّ السودان كانت أُولى الدول التي ذهبت بعيداً في إعادةِ علاقاتِها من خلالِ زيارةِ الرئيس السودانيّ نفسه، هذا يفتحُ بابَ التساؤلاتِ فيما إذا كان السوريّونَ والعرب سيرونَ زعماءَ عرب آخرين يمشونَ على السجّادِ الأحمرِ في مطارِ دمشق، ماذا عن الإماراتيّينَ والأردنيّينَ، وهل تتهيّأ قطر التي أعلنت موقفها الثابت من أزمتِها الخليجيّة من أجلِ توجيهِ طائرتِها الأميريّة إلى دمشق؟ هناك أصواتٌ وبحسب معلوماتٍ في الأروقةِ السعوديّة باتت ترى أنّهُ يجب قطعُ الطريقِ على القطريّ والتركيّ قبل إعادتهما العلاقات مع سورية خصوصاً بعد أنْ ألمحَ الأتراكُ إلى أنّه إنْ بَقِيَ الرئيسُ الأسد بانتخاباتٍ جديدةٍ رئيساً فإنّهم سيعملونَ معه، من مصلحةِ السعوديّة إعادة علاقتها هي الأُخرى، ليس شغفاً بفكرةِ القوميّةِ العربيّة أو على مبدأ أنَّ الأشقّاءَ في المنزل الواحدِ يختلفون، هذا الحديث سابقٌ لأوانِهِ؛ لأنّهُ سيخلطُ الأوراق، بكلِّ بساطةٍ السعوديّةُ ليست مستعدّةً حاليّاً لتلك الخطوة، لكنّها في النهاية ستعي بأنّهُ لا بدَّ منها، تخيّلوا أنْ تُعيدَ غالبيّةُ الدولِ العربيّة علاقاتها مع دمشق وتبقى الرياض هي الوحيدةُ التي لم تفعل بسبب دورِها المحوريّ في الحربِ على سورية؟ سيكونُ لذلك وقعٌ سلبيٌّ على المملكةِ ذاتها، وسيتمُّ تصويرها على أنّها الرافضة للتضامن العربي؛ بل وستظلُّ كاسبةً عداء الدولةِ السوريّة لا سيّما في الساحةِ اللبنانيّة، وهذا موضوعٌ آخرُ يتمُّ البحث فيه.

المصدر : الماسة السورية/ آسيا


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة