دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
مع فشل السعودية في تسويق روايتها بشأن مقتل الصحافي جمال خاشقجي، انفتحت القضية على مسارات جديدة لا يزال احتمال «اللفلفة» قائماً من بينها. حتى الآن،
وباستثناء التصريحات الصادرة عن بعض وجوه حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، لا مؤشرات تركية أو أميركية تحمل على استبعاد خيار التسوية التي تحفظ ماء وجه الرياض، بل إن دونالد ترامب ذهب إلى أبعد من ذلك بدفاعه عن بقاء محمد بن سلمان على رأس ولاية العهد. هذه التصريحات التطمينية لابن سلمان عزّزت دلالاتها عودة عادل الجبير إلى المشهد بـ«نبض قوي»، ليقول إن «السعودية هي التي تقرّر من يقودها». لكن ميل ترامب، وربما إردوغان، إلى إبرام صفقة من هذا النوع، لا يزال يواجَه بعقبات؛ أبرزها تصاعد الضغوط الأوروبية على السعودية، وتزايد الأصوات الأميركية المطالِبة بمعاقبة المملكة، حتى داخل الحزب الجمهوري. من هنا، لا يبدو أن موعد الثلاثاء المقبل، الذي حدّده ترامب وإردوغان لمنح العالم «إجابة» شافية، سيكون ــ على أهمّيته ــ المفصل الحاسم في القضية، التي يبدو أنها ستظلّ تتفاعل وتولّد تداعيات، وخصوصاً بعد تحوّلها إلى مادة تجاذب في الانتخابات الأميركية المرتقبة الشهر المقبل.
خلافاً لما أرادته السعودية من بيان الاعتراف الذي أصدرته ليل الجمعة - السبت، لم تلقَ الرواية الرسمية لحادثة مقتل الصحافي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، ردوداً مُرحّبة على المستوى الدولي. بيانات متتالية من قِبَل الحكومات والمنظمات الغربية شكّكت في رواية المملكة، وطالبت الرياض بمزيد من التحقيقات وبأدلّة مقنعة. وعلى رغم أن ذلك التشكيك شمل أيضاً إدارة الرئيس دونالد ترامب، إلا أن الأخير ظلّ محاذِراً في ما يتّصل بعلاقة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالجريمة. محاذرة يُفترض أن تتضح مآلاتها يوم الثلاثاء المقبل، الموعد الذي ضربه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لكشف «الحقيقة كاملة»، وهو اليوم نفسه الذي حدّده ترامب لِمَا احتمل أنها «إجابة ستكون لدينا»، ما يشي بأن ثمة ارتباطاً بين التكتيكَين التركي والأميركي، سينكشف إمّا عن تعزيزٍ لمسار «اللفلفة»، وإمّا عن تعقيدات إضافية في القضية.
وبعدما اعتبر أن الرواية السعودية «جديرة بالثقة»، واصفاً إياها بأنها «خطوة أولى مهمة»، عاد ترامب وتراجع، ليقول أمس إن تلك الرواية تضمّنت «خداعاً وكذباً»، وإن هناك «تخبّطاً في روايات السعوديين». لكن تلك النبرة الحادّة في التعليق على اعتراف الرياض لم تنسحب على موقف الرئيس الأميركي من صلة ابن سلمان بالجريمة. إذ أشار ترامب، في مقابلة مع «واشنطن بوست»، إلى أنه «لم يقل لي أحد إنه مسؤول عما جرى. كما لم يقل أحد إنه ليس مسؤولاً»، معرباً عن تمنّياته بـ«ألا يكون (ولي العهد) مسؤولاً... أعتقد أنه حليف هام جداً لنا، خصوصاً في ظلّ أنشطة إيران التخريبية حول العالم. إنه يشكل ثقلاً موازناً». وإلى أبعد من ذلك ذهب الرئيس الأميركي لدى تعبيره عن رغبته في ألا يتمّ استبدال ولي العهد، إذ إن الأخير هو «الرجل الأقوى حتى الآن، وهو يحبّ وطنه حقاً، ويمتلك قدرة جيدة على السيطرة». موقف صريح ينبئ، بوضوح، بأن ليس ثمة استعداد لدى إدارة ترامب ـــ إلى الآن ـــ لتزكية عملية تغيير تطاول ابن سلمان، على رغم حديث وسائل إعلام أميركية عن أن أجهزة استخبارات غربية تناقش تغيّراً محتملاً في خط الخلافة في السعودية.
أعرب مُشرّعون أميركيون بارزون عن اعتقادهم بمسؤولية ابن سلمان عن الجريمة
انطلاقاً مما تقدم، يعود خيار لفلفة قضية خاشقجي استناداً إلى الرواية الهشّة التي قدّمتها السعودية ليتصدّر المشهد، خصوصاً أن ترامب ونظيره التركي اتفقا على تحديد يوم الثلاثاء كموعد جديد لما وصفها الرئيس الأميركي بـ«الإجابة»، وما قال أردوغان إنها «جميع التفاصيل». فهل ستشمل تلك التفاصيل تحديد مسؤوليات مغايرة لما ورد في بيان الاعتراف السعودي؟ حتى يوم أمس، اقتصرت الردود التركية المُشكّكة في ذلك البيان على مسؤولين حزبيين، فيما استمرّت التعليقات الرسمية في التشديد على ضرورة انتظار نتائج التحقيق الذي تقوم به أنقرة. تريّث ينبئ، إلى جانب تركّز التحقيق التركي على الشقّ الجنائي من القضية دون السياسي، بأن تركيا لا تزال تترك الباب موارباً أمام تسوية ترضي واشنطن وتحفظ ماء وجه الرياض. لكن تسوية من هذا النوع لا يبدو طريقها مُعبّداً في ظلّ تواصل المواقف الدولية المُندّدة بالسعودية، وتزايد ضغوط الكونغرس الأميركي على إدارة ترامب.
هذه المواقف والضغوط بلغت ذروتها، أمس، مع إعلان المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن بلادها ستمتنع عن تصدير الأسلحة إلى السعودية في ظلّ الظروف الحالية. وجدّدت ميركل إدانتها مقتل خاشقجي، مُشدّدة على ضرورة «توضيح ما حدث، ومحاسبة المسؤولين». وجاء موقف ميركل بعد صدور بيان مشترك عن وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا، طالبوا فيه بـ«إجراء تحقيق دقيق إلى حين تحديد المسؤولية عما حدث، والمحاسبة، واتخاذ الإجراءات المناسبة». وعلى المقلب الأميركي، أعرب السيناتور الجمهوري البارز، بوب كوركر، عن اعتقاده بأن ولي العهد السعودي هو المسؤول عن الجريمة. وهو ما ذهب إليه أيضاً السيناتور الديموقراطي البارز، ديك دوربين، الذي رأى أن «بصمات ولي العهد موجودة في كل هذا»، معتبراً أنه «لا بد من عقاب وثمن لذلك». وكان السيناتور الجمهوري، راند بول، طالب بوقف مبيعات الأسلحة للسعودية، في حين فضّل كوركر «الاتفاق على رد جماعي بالتعاون مع الحلفاء الأوروبيين» من دون التطرّق إلى قضية الأسلحة. ومن شأن هذا الانقسام أن يعزّز موقف إدارة ترامب التي تتمسّك بعدم فرض عقوبات تطاول صفقات التسلّح، بل وتعتبر أن من المبكر الحديث عن فرض عقوبات، وفق ما كرّر أمس وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، الذي أكّد أنه لن يحضر مؤتمر «دافوس في الصحراء» المرتقب انطلاقه غداً في السعودية، ولكنه أعلن أنه سيزور الرياض لإجراء محادثات بخصوص جهود «مكافحة الإرهاب»، وخطط إعادة فرض العقوبات على إيران.
هذا «الارتخاء» الأميركي هو ما أنعش على ما يبدو السلطات السعودية، التي أعادت أمس تصدير رأس دبلوماسيتها، عادل الجبير، بعدما «اختفى» طيلة ما يزيد على أسبوعين منذ وقوع حادثة القنصلية. وقال الجبير، في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، إن بلاده «تجهل مكان وجود جثة» خاشقجي، مكرّراً أن ولي العهد «لم يكن على علم» بالعملية، مضيفاً أن الملك سلمان «مصمّم على محاسبة المسؤولين». ورأى أن العلاقات بين واشنطن والرياض «ستتجاوز» هذه الأزمة، مخاطِباً المشرّعين الأميركيين المطالبين برحيل ابن سلمان بالقول إن «السعودية هي من تقرّر من يقودها». وكانت السعودية حاولت تلافي الثغرات التي شابت روايتها الأولى برواية أخرى أوردتها على لسان مسؤول سعودي تحدث إلى «رويترز»، لم تبدُ أكثر منطقية من سابقتها إلا في الزعم بأن تصرّف مسؤول العملية «اعتمد على توجيه سابق بمفاوضة المعارضين للعودة».
الرواية روايات!
تحوّلت الرواية السعودية حول مقتل خاشقجي إلى روايات متناقضة، أحدثها كان أمس، على لسان مسؤول سعودي تحدث إلى «رويترز»، طالباً عدم الكشف عن هويته. ونفى المسؤول وجود «نية قتل» لدى عناصر الاستخبارات السعودية، وقال إن فريقاً مؤلفاً من 15 سعودياً من أفراد الاستخبارات والأمن أرسلهم نائب رئيس الاستخبارات العامة، أحمد عسيري، لمقابلة خاشقجي في القنصلية ومحاولة إقناعه بالعودة، وذلك بمعاونة موظف يعمل مع مستشار الديوان، سعود القحطاني، «كان يعرف جمال جيداً». إلا أن عناصر الفريق هدّدوا خاشقجي بتخديره وخطفه، قبل أن يقتلوه إثر مقاومته لهم. وروى المصدر أنه بعدما رفض خاشقجي طلب أحد العناصر، رافعاً صوته، خاف هؤلاء وحاولوا أن «يسكتوه وكتموا أنفاسه» فمات، مضيفاً أنه «تم لفّ الجثة في سجادة وتسليمها لمتعاون محلي للتخلّص منها»، نافياً التسريبات التركية حول التعذيب وتقطيع الجثة. وعرض المصدر، بحسب «رويترز»، وثائق للمخابرات السعودية تكشف عن خطة لإعادة المعارضين إلى البلاد.
المصدر :
الماسة السورية/ الأخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة