دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من يتأمل في المشهد العربي والفلسطيني تحديدا يحس أنه مرسوم اما بريشة بيكاسو أو بريشة سلفادور دالي .. في لوحات دالي تبدو الابعاد غريبة والخطوط غير منطقية .. وتتداخل المشاهد فيبدو الوجه بلاعيون لأن العيون على الأيدي .. وترى سكينا تقطع الحجر وشوكة طعام تحمل سقفا .. انها لوحات العبث ولكنها في العمق ذات معنى دقيق وخطاب صريح تبدو الفلسفة بالريشة واللون غطاء لحقيقة لاتراها العين ..
اللوحة في الشرق التي يرسمها الناس والساسة يعجز دالي عن الاتيان بمثلها فعندما نسمع عن اذلال الاميريكيين للفلسطينيين عبر حرمانهم من فتات يلقونه الى منظمة الاونروا .. نتذكر في الحال مارماه أهل الخليج المحتل شعوبا وحكومات من أموال هائلة للارهابيين السوريين والاهابيين الدوليين ليقاتلوا حتى النفس الاخير ويقتلوا الشعب السوري .. ونتذكر جميعا رقم 137 مليار دولار الذي صرح بع هوميروس قطر حمد بن جاسم ين جبر في حديث “الصيدة التي هربت” الشهير .. وهي تعني ان أموال الصيدة كانت تكفي الاونروا لمدة خمسين سنة دون حاجة التسول من اميريكا واسرائيل .. بل انني أتذكر ان زهران علوش وحده كان على خلاف مع زعماء التنظيمات الارهابية في الغوطة بسبب شوالات الدولارات التي كان يتلقاها من السعودية وأهل الخير في آل سعود عبر انفاق دوما وفي كل شوال كان يصله مال يعادل ميزانية الاونروا للفلسطينيين .. فيما لم يمر دولار واحد من السعودية عبر أنقاق غزة ومع هذا يوجد للسعودية موالون في الضفة وغزة .. وأتذكر رقم 900 مليون دولار هو ثمالة ماتبقى من أموال زهران علوش وجيشه الارهابي التي كان يفاوض خليفته البويضاني على اخراجها في الباصات الخضراء مع الرافضين للتسوية في دوما .. اي ان زهران علوش في نظر السعودية كان يساوي كل الشعب الفلسطيني وهو مجرد مجرم كانت مهمته قصف المدنيين في دمشق لتثأر قذائف الهاون من دمشق لاسرائيل التي أدماها حسن نصرالله بسلاحه او بصواريخه السورية الصنع التي تسللت عبر الانفاق في غزة ..
اللوحة السريالية العربية شاملة فهي لاتقتصر على مشهد الاونروا الفضائحي الذي يكللنا بالعار .. بل ان كل العقلية الشعبية العربية تكاد تكون سريالية .. فالعرب مثلا كجمهور لايكنون الود هتلر والالمان دون سبب واضح بل ويتحدثون عنهم بنوع من الكراهية .. رغم ان هتلر والالمان لم يستعمروهم ولم يحاربوهم ولم يسرقوا ارضهم بل كان هتلر عدو عدوهم من اليهود والمستعمرين الفرنسيين والبريطانيين بل ان هتلر استقبل موفدين من فلسطين وعرض دعمه لهم في صراعهم مع بريطانيا والوكالة اليهودية .. واليوم يبدو الالمان الشعب الوحيد الاوروبي الذي فتح ارضه للاجئين فيما اغلقتها كل اوروبة – التي يعشقها العرب – بعنصرية فائقة .. والموقف من هتلر والنازية موقف يهودي وانغلوساكسوني عموما قبل ان يكون انسانيا فهو صراع اوروبي اوروبي ولكن تم سوق العرب وعقل العرب للانضمام الى حرب ثقافية واعلامية ليست حربهم ..
والعرب حاربوا الشيوعية بشراسة نيابة عن عدو الشيوعية الأول اميريكا ولحقوا بها الى افغانستان .. رغم ان الشيوعية كانت عموما تقف الى جانبهم في صراعهم مع الغرب الذي استعمرهم ويستعمرهم وسيبقى يستعمرهم .. والعرب حاربوا ايران ويحاربون ايران وسيحاربون ايران رغم ان ايران هي القوة الاقليمية الوحيدة التي تقف الى جانبهم في صراعهم مع الغرب واسرائيل .. والعرب شعوبا وحكومات سكبوا كل طاقتهم في بداية الحرب على سورية رغم ان سورية هي كل مابقي لديهم امام طغبان الغرب بعد غياب مصر والعراق وليبيا ..
وعرب اليوم طحنونا طوال قرن كامل وهم يحدثوننا عن الملوك الفاسدين وعن العدل وعن زهد عمر وكتبوا عن الحري بماء الذهب.. ولكن في اول اختبار هرولوا جميعا لتقبيل نعال الامراء وتلقي عطاياهم واعلان الولاء للمال والذهب والنفط وكتبوا معلقاتهم عن الحرية ليس بماء الذهب بل ببول البعير ..
وعرب لوحات سلفادور دالي يحدثونك عن الاستعمار ولعنة الاستعمار ولكنهم يبحثون عمه يستعمرهم ويحتلهم .. فالعراقيون المعارضون تسولوا للامريكان لاجتياح بلدهم وساعدوهم على تدميره وتدمير نسيجه الاجتماعي وخفق مذاهبه ببعضها .. وتعرضوا للوم كل العرب والمسلمين على مافعلوه .. ولكن عندما أعاد الاميريكون العرض على الليبيين هلل بعض الليبيين وهلل العرب والمسلمون وكبروا لانتصار اميريكا على الطاغوت الليبي .. وعندما أيقن العرب والمسلمون ىان ليبيا كانت خدعة أخرى من خدع الغر ب .. استمعوا لعرض غربي آخر لاجتياح وتدمير سورية .. وفي الحال اندفع العرب جميعا لتدمير سورية وشعبها ..
وحتى اليوم في مصر لايزال هناك من يلوم عبد الناصر على قورة 23 يوليو وعلى تأميم قناة السويس وخروجه من مصر لمحاربة الاستعمار خارج مصر .. بل هناك في مصر من دعا للاحتفال بمرور قرنبن على حملة نابوليون على مصر لأنها حملت عصر النهضة معها !! .. فيما يهلل الاخوان المسلمون من المحيط الى الخليج للاحتلال العثماني للشرق ويحنون اليه ويعملون على اعادته بذريعة انه احتلال اسلامي وليس احتلالا صليبيا .. وفي لبنان يحارب بعض اللبنانيين حزب الله بكل مااوتي من قوة فقط لمنعه من محاربة اسرائيل ويستميتون لتدمير حزب الله ..
عندما أنظر الى لوحات سلقادور دالي لايغامرني شك ان عبقرية دالي كانت ادراكا وحدسا وحاسة سادسة عن شخصية مشوهة يمينها يقاتل يسارها .. وعينها اليمنى تخاصم عينها اليسرى .. وقلبها يطعن رئتها .. ودماغها ينافس الأمعاء في طحن الطعام ومعدتها تخزن الذاكرة .. اننا في مرحلة الربيع العربي كنا شخصيات وشعوبا رسمها دالي في لوحاته .. ولكننا اللوحة السريالية الأعظم في الوجود ..
ليس بعض اللوم بل كل اللوم يجب ان تحمله أكتاف الضحايا .. ونعوشهم .. وقبورهم .. ويكتب على شواهد قبورهم ..
لأننا في عملية بناء الشخصية وبناء المجتمع تركنا تلك الشقوق في الهوية ولم ترممها فتحولت الى أخاديد وخنادق وفوالق عملاقة .. والفوالق في الشخصية تنشأ منها وجوه مشوهة وأجساد مبتورة وأرواح سريالية .. كم من عصر نحتاج لنشفيها .. هل تكفينا عدة عصور وعدة أزمنة وعدة أحقاب .. ؟؟ ام ان مافي ارواحنا لابرء منه ولاشفاء كما لونه فوالق القارات الكبرى التي لاتتزحزح؟؟
المصدر :
نارام سرجون
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة