تتسارع التطورات السياسية حول إدلب، بالتزامن مع هدوء نسبي في وتيرة القصف الذي استهدف أجزاءً من المحافظة قبل يومين. وتضاربت التفسيرات المتداولة لتصريحات الرئيس التركي حول «مناطق آمنة» جديدة، وحول علاقة هذه المناطق بملف إدلب الساخن. ومن المُنتظر أن يحظى الملف بنصيب وافر من محادثات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تركيا اليوم وغداً. ورغم عدم وضوح كثير من التفاصيل، فإنّ «خريطة السيطرة» في إدلب تبدو على موعد مع تغيّر وشيك.

 

بدا أمس أنّ العدّ العكسي قد بدأ بالفعل لتغيير خريطة السيطرة في محافظة إدلب. ورغم أنّ مؤشّرات انطلاق الجولة الأولى من المعارك كانت قد تزايدت في خلال الأيّام الأخيرة، فإنّ «أمر العمليّات» تأخّر إتاحةً للفرصة أمام جهودٍ روسيّة مستمرّة لـ«هندسة» مسارات المعارك خلف الأبواب المُغلقة، قبل انطلاقها على الأرض. ومن المرجّح أنّ «الرسائل الناريّة» المكثّفة التي استهدفت مناطق عدّة من ريف إدلب في اليومين الأخيرين قد أدّت الغرض المطلوب لجهة الضغط على أنقرة، ودفعها إلى التسليم بـ«الجدول الزمني» الذي تصرّ عليه دمشق. وعلمت «الأخبار» أنّ تركيا كانت قد جهدت على امتداد الأسبوع الماضي لـ«شراء الوقت» من موسكو. وقام المقترح التركي في الدرجة الأولى على «تبريد جبهة إدلب» شهراً إضافيّاً، في مقابل تعهّدها «الضغط على هيئة تحرير الشام للابتعاد عن خطوط التماس بضعة كيلومترات على بعض المحاور وإخلاء مقار وإزالة حواجز في شكل نهائي على محاور أخرى، مع استمرار العمل على تفكيك البنية الجهاديّة للهيئة». وتفيد المعلومات المتوافرة بأنّ «المقترح قوبل برفض قاطع، وتمّ إخطار أنقرة بأنّ الساعة الصفر قد حُدّدت فعلاً، وبأنّ البديل الوحيد المتاح هو إلزام تركيّ للمجموعات المسلّحة (بما فيها جبهة النصرة) بالانسحاب من مناطق تُقدّر مساحتها بثلث مساحة إدلب في المرحلة الأولى». وتقول مصادر سورية أمنيّة إنّ «ما يدور اليوم حول إدلب يبدو مشابهاً لما كانت عليه الأمور عشيّة انطلاق معارك الجنوب السوري»، وإنّ «المآلات النهائيّة لن تكون مختلفة أيضاً». وكانت مرحلة «الحشد والتمهيد» في معارك الجنوب قد طالت نسبيّاً، قبل أن يُفضي المشهد إلى سيطرة سريعة للجيش وحلفائه على أجزاء واسعة من محافظة درعا بموجب اتفاقات على بعض المحاور ومعارك على محاور أخرى.

 

«الرسائل الناريّة» التي استهدفت مناطق من ريف إدلب أدّت الغرض المطلوب

 

وتبرز حاجةٌ ملحّة إلى توفير توافقات إقليميّة تمهيداً لتغيّر خريطة السيطرة في إدلب. وترتبط «التوافقات» المنشودة حول إدلب بتعقيدات إضافيّة بفعل الاختلافات الجوهريّة بين الوضع الميداني فيها، وما كانت عليه الأمور في درعا. وتبرز من بين تلك التعقيدات سيطرة «هيئة تحرير الشام / جبهة النصرة» وحليفها «الحزب الإسلامي التركستاني» على نقاط التماس مع مناطق سيطرة الجيش وحلفائه، خلافاً لما كان عليه الوضع في درعا. على أنّ التعقيد الأهم يتمثّل في وجود خمس نقاط مراقبة تركيّة في مربّع العمليّات العسكريّة للمرحلة الأولى من معارك إدلب. (تتوزّع في كلّ من: قرية الزيتونة في ريف اللاذقية الشمالي، مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، قرية صرمان في ريف إدلب الجنوبي، قرية ميدان غزال في ريف حماة الشمالي الغربي، مدينة مورك في ريف حماة الشمالي). وترى دمشق أنّ النقاط التركيّة لم تقم بالالتزامات المترتبة عليها، لا سيّما إنهاء وجود التنظيمات المتطرفة في محيط نقاط المراقبة (كمرحلة أولى). وبدأت موسكو أخيراً بتبنّي هذا الطرح في ضوء استمرار مهاجمة طائرات مسيّرة لـ«مطار حميميم العسكري». وتتجنّب المصادر السوريّة الحديث في شكل مُعلن عن نقاط المراقبة التركيّة، وتتمسّك بخطابٍ مفادُه أنّ هذه النقاط «غير شرعيّة، وهي نقاط احتلال». بدوره، يرى مصدر سوري معارض واسع الاطلاع تحدثت إليه «الأخبار» أنّ التصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس، حول «عملية تركيّة مرتقبة»، إنّما تتعلّق بإدلب لا بسواها. وإذا صحّ هذا التفسير فإنّه يعني تدشين مرحلة جديدة في إدلب تضع أنقرة في مواجهة «جبهة النصرة» ظاهريّاً على الأقل. لكنّه يعني في الوقت نفسه أنّ سيطرة الجيش السوري على مساحات إضافيّة من إدلب قد تواجه بعقباتٍ مشابهةٍ لما حصل إبّان معركة الباب (ريف حلب الشرقي)، التي أفضت في نهاية المطاف إلى دخول المدينة في إطار المناطق المحتلّة تركيّاً. لكنّ مسؤولاً سوريّاً بارزاً يسخر من هذا السيناريو، ويؤكد لـ«الأخبار» أنّه «محض خيال غير قابل للتطبيق». وكان أردوغان قد أكّد أنّ «بلاده استكملت الترتيبات اللازمة لإقامة المزيد من المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية»، مشيراً إلى أنّه «يكثف جهوده العسكرية والدبلوماسية لتجّنب حدوث كارثة في إدلب على غرار مناطق أخرى في سوريا». وعقب تصريحات أردوغان، سرت تكهّنات حول الوجهة المحتملة للبوصلة التركيّة، تمحور معظمها حول المناطق الخاضعة لسيطرة «قوّات سوريا الديمقراطيّة»، سواء في منبج أو تل رفعت. وترى مصادر من داخل تل رفعت تحدّثت إليها «الأخبار» أنّ «المعطيات المتوافرة تشي بأنّ تكرار سيناريو عفرين في تل رفعت مُستبعد». وفي السياق نفسه، تؤكد مصادر سوريّة كرديّة أنّ «السلوك الروسي لا يوحي نهائيّاً بنيات للتخلي عن المدينة». وعلى نحو مماثل، ترى مصادر ميدانيّة في منبج أنّ «تكرار سيناريو عفرين غير وارد على الإطلاق». ويقول مصدر من «مجلس منبج العسكري» لـ«الأخبار» إنّ «القوّات الأميركيّة موجودة وتقوم بدورها في ضمان أمن منبج وحمايتها من أي عدوان تركي». ورغم كل ما تقدّم، يبدو الركون إلى «الضمانات الخارجيّة» ضرباً من المغامرة، لا سيّما أنّ تجربة عفرين ما زالت حاضرةً في الأذهان. ومساء أمس، تواردت أنباء عن تدفّق تعزيزات عسكريّة تركيّة إلى ناحية «شيخ الحديد» التابعة لعفرين، ما يترك الباب مفتوحاً أمام سيناريو مهاجمة تل رفعت. ولا تستبعد مصادر سوريّة مُعارضة وصول اللاعبين الفاعلين في الملف السوري إلى «صفقة عنوانها تل رفعت مقابل إدلب، أو منبج مقابل إدلب».

  • فريق ماسة
  • 2018-08-12
  • 14211
  • من الأرشيف

أسبوعٌ مصيري في ادلب

تتسارع التطورات السياسية حول إدلب، بالتزامن مع هدوء نسبي في وتيرة القصف الذي استهدف أجزاءً من المحافظة قبل يومين. وتضاربت التفسيرات المتداولة لتصريحات الرئيس التركي حول «مناطق آمنة» جديدة، وحول علاقة هذه المناطق بملف إدلب الساخن. ومن المُنتظر أن يحظى الملف بنصيب وافر من محادثات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تركيا اليوم وغداً. ورغم عدم وضوح كثير من التفاصيل، فإنّ «خريطة السيطرة» في إدلب تبدو على موعد مع تغيّر وشيك.   بدا أمس أنّ العدّ العكسي قد بدأ بالفعل لتغيير خريطة السيطرة في محافظة إدلب. ورغم أنّ مؤشّرات انطلاق الجولة الأولى من المعارك كانت قد تزايدت في خلال الأيّام الأخيرة، فإنّ «أمر العمليّات» تأخّر إتاحةً للفرصة أمام جهودٍ روسيّة مستمرّة لـ«هندسة» مسارات المعارك خلف الأبواب المُغلقة، قبل انطلاقها على الأرض. ومن المرجّح أنّ «الرسائل الناريّة» المكثّفة التي استهدفت مناطق عدّة من ريف إدلب في اليومين الأخيرين قد أدّت الغرض المطلوب لجهة الضغط على أنقرة، ودفعها إلى التسليم بـ«الجدول الزمني» الذي تصرّ عليه دمشق. وعلمت «الأخبار» أنّ تركيا كانت قد جهدت على امتداد الأسبوع الماضي لـ«شراء الوقت» من موسكو. وقام المقترح التركي في الدرجة الأولى على «تبريد جبهة إدلب» شهراً إضافيّاً، في مقابل تعهّدها «الضغط على هيئة تحرير الشام للابتعاد عن خطوط التماس بضعة كيلومترات على بعض المحاور وإخلاء مقار وإزالة حواجز في شكل نهائي على محاور أخرى، مع استمرار العمل على تفكيك البنية الجهاديّة للهيئة». وتفيد المعلومات المتوافرة بأنّ «المقترح قوبل برفض قاطع، وتمّ إخطار أنقرة بأنّ الساعة الصفر قد حُدّدت فعلاً، وبأنّ البديل الوحيد المتاح هو إلزام تركيّ للمجموعات المسلّحة (بما فيها جبهة النصرة) بالانسحاب من مناطق تُقدّر مساحتها بثلث مساحة إدلب في المرحلة الأولى». وتقول مصادر سورية أمنيّة إنّ «ما يدور اليوم حول إدلب يبدو مشابهاً لما كانت عليه الأمور عشيّة انطلاق معارك الجنوب السوري»، وإنّ «المآلات النهائيّة لن تكون مختلفة أيضاً». وكانت مرحلة «الحشد والتمهيد» في معارك الجنوب قد طالت نسبيّاً، قبل أن يُفضي المشهد إلى سيطرة سريعة للجيش وحلفائه على أجزاء واسعة من محافظة درعا بموجب اتفاقات على بعض المحاور ومعارك على محاور أخرى.   «الرسائل الناريّة» التي استهدفت مناطق من ريف إدلب أدّت الغرض المطلوب   وتبرز حاجةٌ ملحّة إلى توفير توافقات إقليميّة تمهيداً لتغيّر خريطة السيطرة في إدلب. وترتبط «التوافقات» المنشودة حول إدلب بتعقيدات إضافيّة بفعل الاختلافات الجوهريّة بين الوضع الميداني فيها، وما كانت عليه الأمور في درعا. وتبرز من بين تلك التعقيدات سيطرة «هيئة تحرير الشام / جبهة النصرة» وحليفها «الحزب الإسلامي التركستاني» على نقاط التماس مع مناطق سيطرة الجيش وحلفائه، خلافاً لما كان عليه الوضع في درعا. على أنّ التعقيد الأهم يتمثّل في وجود خمس نقاط مراقبة تركيّة في مربّع العمليّات العسكريّة للمرحلة الأولى من معارك إدلب. (تتوزّع في كلّ من: قرية الزيتونة في ريف اللاذقية الشمالي، مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، قرية صرمان في ريف إدلب الجنوبي، قرية ميدان غزال في ريف حماة الشمالي الغربي، مدينة مورك في ريف حماة الشمالي). وترى دمشق أنّ النقاط التركيّة لم تقم بالالتزامات المترتبة عليها، لا سيّما إنهاء وجود التنظيمات المتطرفة في محيط نقاط المراقبة (كمرحلة أولى). وبدأت موسكو أخيراً بتبنّي هذا الطرح في ضوء استمرار مهاجمة طائرات مسيّرة لـ«مطار حميميم العسكري». وتتجنّب المصادر السوريّة الحديث في شكل مُعلن عن نقاط المراقبة التركيّة، وتتمسّك بخطابٍ مفادُه أنّ هذه النقاط «غير شرعيّة، وهي نقاط احتلال». بدوره، يرى مصدر سوري معارض واسع الاطلاع تحدثت إليه «الأخبار» أنّ التصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس، حول «عملية تركيّة مرتقبة»، إنّما تتعلّق بإدلب لا بسواها. وإذا صحّ هذا التفسير فإنّه يعني تدشين مرحلة جديدة في إدلب تضع أنقرة في مواجهة «جبهة النصرة» ظاهريّاً على الأقل. لكنّه يعني في الوقت نفسه أنّ سيطرة الجيش السوري على مساحات إضافيّة من إدلب قد تواجه بعقباتٍ مشابهةٍ لما حصل إبّان معركة الباب (ريف حلب الشرقي)، التي أفضت في نهاية المطاف إلى دخول المدينة في إطار المناطق المحتلّة تركيّاً. لكنّ مسؤولاً سوريّاً بارزاً يسخر من هذا السيناريو، ويؤكد لـ«الأخبار» أنّه «محض خيال غير قابل للتطبيق». وكان أردوغان قد أكّد أنّ «بلاده استكملت الترتيبات اللازمة لإقامة المزيد من المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية»، مشيراً إلى أنّه «يكثف جهوده العسكرية والدبلوماسية لتجّنب حدوث كارثة في إدلب على غرار مناطق أخرى في سوريا». وعقب تصريحات أردوغان، سرت تكهّنات حول الوجهة المحتملة للبوصلة التركيّة، تمحور معظمها حول المناطق الخاضعة لسيطرة «قوّات سوريا الديمقراطيّة»، سواء في منبج أو تل رفعت. وترى مصادر من داخل تل رفعت تحدّثت إليها «الأخبار» أنّ «المعطيات المتوافرة تشي بأنّ تكرار سيناريو عفرين في تل رفعت مُستبعد». وفي السياق نفسه، تؤكد مصادر سوريّة كرديّة أنّ «السلوك الروسي لا يوحي نهائيّاً بنيات للتخلي عن المدينة». وعلى نحو مماثل، ترى مصادر ميدانيّة في منبج أنّ «تكرار سيناريو عفرين غير وارد على الإطلاق». ويقول مصدر من «مجلس منبج العسكري» لـ«الأخبار» إنّ «القوّات الأميركيّة موجودة وتقوم بدورها في ضمان أمن منبج وحمايتها من أي عدوان تركي». ورغم كل ما تقدّم، يبدو الركون إلى «الضمانات الخارجيّة» ضرباً من المغامرة، لا سيّما أنّ تجربة عفرين ما زالت حاضرةً في الأذهان. ومساء أمس، تواردت أنباء عن تدفّق تعزيزات عسكريّة تركيّة إلى ناحية «شيخ الحديد» التابعة لعفرين، ما يترك الباب مفتوحاً أمام سيناريو مهاجمة تل رفعت. ولا تستبعد مصادر سوريّة مُعارضة وصول اللاعبين الفاعلين في الملف السوري إلى «صفقة عنوانها تل رفعت مقابل إدلب، أو منبج مقابل إدلب».

المصدر : صهيب عنجريني / الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة