دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تتقاتل الجماعات المسلّحة مع بعضها البعض، فضلاً عن الصراع المكتوم بين الرُعاة الاقليمين وتحديداً بين قطر ومعها تركيا من ناحيةٍ وبعض دول وممالك الخليج من الناحيةِ الأخرى فضلاً عن الصراع التركي والكردي الدامي، والدولة السورية تتابع كل ذلك، وهي ترى أن من مصلحتها استمرار هذا الصراع وتصفية بعضهم البعض، ثم تخوض في النهاية المعركة الأخيرة مع مَن تبقّي من تلك الجماعات وستكون في ساعتها معركة أسهل من الآن.
يُثار فى أروقةِ الإعلام والسياسة دولياً وإقليمياً، سؤال مهم بخصوص مستقبل الجماعات الإرهابية المُسلّحة في سوريا، وهو: لماذا اختارت تلك الجماعات محافظة إدلب كمقرّ لها بعد إجبارها على ترك المدن والمناطق السورية التي كانت تحتلها منذ بداية المؤامرة على سوريا في (مارس/ آذار 2011)؟ وما هي خارطة توزيع تلك الجماعات وأعدادها وإلى أين يتّجه مصيرها والذي من خلال معرفة مساره ربما يتحدّد مصير سوريا حين تتطهّر من أدران تلك الجماعات ومُحرّكيها؟
تساؤلات نحاول هنا أن نُجيب عليها وبإيجاز:
أولاً: تُحدّثنا الجغرافيا السورية بأن محافظة إدلب تقع شمال سوريا بين خطيّ طول (36.15 غرباً و37.15 شرقاً وخطيّ عرض 35.15 جنوباً و36.15 شمالاً، وهي بمثابة بوابة سوريا الشمالية مع تركيا، ومساحتها 6100 كم2 يحدّها شمالاً لواء الإسكندرون وتركيا بطول 129 كم وجنوباً حماة بطول 158 وشرقاً محافظة حلب بطول 159كم وغرباً اللاذقية بطول 29 كم. وعدد سكانها قبل قدوم المهاجرين والإرهابيين كان حوالى مليون ونصف مليون والآن صار قرابة ثلاثة ملايين وكانت تُعتَبر قديماً معبراً لجيوش الغُزاة وطريقاً للقوافل التجارية من الأناضول وأوروبا إلى الشرق وبالعكس،هذا الموقع الاستراتيجي كان له تأثيره علي نزوح الإرهابين إليها كما سنبيّن لاحقاً.
*وهي_إدلب_ لها حظ من إسمها،حيث يرى البعض من مؤرّخى اللغة والتاريخ أنه يعنى (إله العاصفة) وفقاً للغة الآرامية القديمة ، أو هو (هواء يُنعش القلب). ترى هل تهبّ العاصفة القادمة من إدلب اشتقاقاً من إسمها على الإرهابيين الذين لجأوا إليها لينعش مجدّداً حاضر سوريا ومستقبلها انطلاقاً من إسمها ، سؤال برسم الغيب؟.
ثانياً: ماذا عن خارطة تواجد الجماعات الإرهابية المسلّحة في إدلب؟ تُحدّثنا الحقائق أن بداخلها الآن عدد يترواح بين 20 إلى 30ألف مسلّح يتوزّعون على 128 جماعة مسلّحة و59 جنسية، أما أبرز تلك الجماعات فيُمكن تحديدها في الآتي بعد رصدنا لعشرات الوثائق والمراجع المهمّة:
1- الجماعة الأبرز والأخطر هي (هيئة تحرير الشام) التي هي فتح الشام والنصرة سابقا ،ً وهي تسيطر على أغلب محافظة إدلب وتمتلك قوّة مسلّحين تزيد على الـ6 آلاف مسلّح وهي تنتمي أيديولوجياً إلى فكر القاعدة رغم انشقاقها عنها في يوليو/تموز 2016 ، وهو الانشقاق الذي أدّى إلى خروج تنظيمات تنتمي إلى القاعدة أقلّ شأناً منها مثل ما يُسمّى بجيش البادية وجيش الملاحم.
ولهيئة تحرير الشام تنظيمات مؤيّدة وأنصار منها جند الأقصى ولواء الحق وهذه الهيئة ترفض الحلول السلمية وتكفّر وتُقاتل من شارك فيها وخاصة في اتفاقات سوتشي وأستانا التي تمّت في 2017.
2- تنظيم “داعش” ورغم أنها ضربت في أغلب المناطق السورية والعراقية إلا أن خلاياها النائمة استيقظت ثانية وبدأت في النشاط خاصة في الحدود مع حماة وبالقرب من مطار أبو الظهور وهي تقاتل ضد الجميع (النظام وجماعات المعارضة).
3 – الفصائل المُتحالفة أو القريبة من الجيش السوري الحر ومنها أحرار الشام والتي سبق وانشقّت عن هيئة تحرير الشام والحزب التركستاني الإسلامي ( وهم مقاتلون من الصين) – جماعة نور الدين زنكي – جيش الأحرار – فيلق الشام – جيش العزّة – جيش المجاهدين – جماعة استقم كما أمرت – صقور الجبل – جيش السنّة وغيرها، وتعداد كل فصيل من تلك الجماعات يتراوح بين ألف مقاتل وخمسة آلاف مقاتل، وهي تحاول أن تقدّم نفسها باعتبارها أكثر اعتدالاً من (هيئة تحرير الشام) التي تقاتلهم في مُجمل أرجاء محافظة إدلب.
4 – المجلس الإسلامي السوري وهو يتكوّن من 40 هيئة ورابطة ويقدّم نفسه باعتباره إطاراً سياسياً معارضاً، يؤيّد مؤتمرات سوتشي وأستانا وجنيف وغيرها ويرأسه شيخ يُدعى أسامة الرفاعي…. وثمة تنظيمات وجماعات أخرى أقلّ شأناً وعدداً، لكنها تتواجد في إدلب.
ثالثاً: لماذا إذن أتوا إلى إدلب؟ لماذا كل هذه الجماعات الإرهابية اختارت أدلب من دون غيرها أم أنها أجبرت على ذلك؟ الإجابة الأصحّ في تقديرنا على هذا السؤال الكبير هي تلك التي ذكرها الرئيس السوري بشّار الأسد في حواره مع الفضائية الروسية (آ- ر- تي) والذي نشره موقع سبوتنك في مايو/أيار 2018 وجاء نصّها (أن هناك سببين لخروج المسلّحين إلى إدلب ، أولهما أن الفصائل التي تخرج من مناطق القتال تحمل نفس الأيديولوجيا التي تحملها الفصائل التي تسيطر على إدلب وهنا يأتي ذهابهم إلى إدلب تحت رغبتهم – أما السبب الثاني – وفقاً للأسد – فهو أن خروجهم وتجميعهم في إدلب يشكّل أفضلية عسكرية للجيش السوري فبدلاً من أن ينشغل الجيش بعشرات الجبهات من الأفضل عسكرياً له أن تنحصر الجبهات بجبهتين أو ثلاث أو أربع جبهات”).
وأضاف الأسد: (في الواقع نحن نقول دائماً إننا سنحرّر كل جزء من سوريا ، وبالتالي من المستحيل أن نتعمّد ترك أية منطقة من التراب السوري خارج سيطرتنا كحكومة) ، إذن هم تجمّعوا هناك بإرادتهم من ناحية لأن مَن يسيطر هناك إما ينتمي لفكر القاعدة أو داعش، أو لفقه الإرهاب بالمُطلَق، ومن ناحيةٍ أخرى، فإن الحالات التي أجبر فيها الجيش السوري هؤلاء المسلّحين على المغادرة إلى تلك الوجهة تحديداً كان يتعمّد ذلك ليقلّص عدد الجبهات المفتوحة ضدّه، ولكي يحشرهم في منطقةٍ واحدة ٍستؤدّي حتماً لصراعات في ما بينهم صراعات بعضها مناطقي وبعضها الآخر بين مقاتلين أجانب ومحليين، ما يُسهّل مستقبلاً _ وهنا مربط الفرس _ حصارها وضربها وهو الأمر المؤكّد لدى الدولة السورية، التي لن تفرّط في ذرّة تراب سوري، وإدلب هي – كما تقول الجغرافيا والتاريخ – هي درّة هذا التراب وعُمقه التاريخي وهي أيضاً نافذته الاستراتيجية على الشمال.
رابعاً: خلاصة الأمر إذن.. تجمّع هؤلاء المسلحين في إدلب، هو بداية النهاية لمشروعهم، وليس بداية جديدة لحياتهم وإرهابهم كما تأمل وتحاول أميركا والرُعاة الإقليميين الأساسيين (تركيا – قطر –وبعض دول الخليج الأخري) تحت دعوى أنهم سيشكّلون نواة موحّدة لجيشٍ موحّدٍ قوامه (50 ألف مقاتل) يستنزف الدولة السورية لفترةٍ زمنيةٍ جديدةٍ تؤدي إلى انفصالِ حلب وتحويلها لدويلةٍ إسلاميةٍ متطرفةٍ، تمثل شوكة دائمة (صعبة الاقتلاع) في ظهر الدولة السورية، إن الوقائع على الأرض تقول إن الجيش السوري والحلفاء(إيران – حزب الله – روسيا) قاربوا على الانتهاء من معركة الجنوب (درعا والقنيطرة) وامتلكوا السيطرة على أغلب المدن السورية الاستراتيجية (والتي تسمّيها المعارضة (سوريا المُفيدة) وأن سوريا غير المُفيدة هي إدلب هكذا تقول أدبيات المعارضة وأن المعركة القادمة التي قد تبدأ بالحصار ثم القتال هي (إدلب)، ولكني أتصوّر أن الدولة السورية غير مُتعجّلة في خوض تلك المعركة، لأن الجماعات المسلّحة والتي كان مأمولاً أميركياً أن تمثل جيشاً موحّداً في إدلب ،الآن تتقاتل مع بعضها البعض، فضلاً عن الصراع المكتوم بين الرُعاة الاقليمين وتحديداً بين قطر ومعها تركيا من ناحيةٍ وبعض دول وممالك الخليج من الناحيةِ الأخرى فضلاً عن الصراع التركي والكردي الدامي، والدولة السورية تتابع كل ذلك، وهي ترى أن من مصلحتها استمرار هذا الصراع وتصفية بعضهم البعض، ثم تخوض في النهاية المعركة الأخيرة مع مَن تبقّي من تلك الجماعات وستكون في ساعتها معركة أسهل من الآن، ومن المؤكّد أن سوريا ستسترد ساعتها أرضها كاملة ومُطهّرة من دَنَسِ هذا الإرهاب ورُعاته. والله أعلم.
المصدر :
الماسة السورية/ الميادين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة