ليس غريباً أنْ يُصبح اقتناءُ السيّارة “حلماً”، في بلدٍ عربيٍّ تعصف به الحرب منذ ثماني سنوات، إلّا أنَّ الغريب أنْ تكون الأحلامُ مُقتصرةً على فئةٍ من الناس، في حين تكون حياةً مُعاشة لدى الفئات الأُخرى.

الحرب سرقت الحلم

أفكارٌ تراود مواطنين سوريّين من الطبقة الفقيرة، التي وكما يقولون عن أنفسهم، “لا يحقّ لنا أنْ نحلم، فحتّى الحلم لا يليق بنا”، موضّحين أنَّ الحرب سرقت أحلام الفقراء كما تسبّبت بموتهم، ليحيا بعضهم على مُكتسبات الأزمة ومَكاسِبها التي اقتنصها هؤلاء، ومنها شراء المنازل الفارهة والسيّارات التي لمْ يَعُد للطبقة الفقيرة فيها من نصيب.

مخارج قانونيّة.. ولكن

منذ دخول سوريّة في الحرب، وفرض العقوبات الاقتصاديّة عليها ، تمّ حظر الاستيراد بكافّة أنواعه، لتتضاعف أسعار المواد الموجودة في سورية لنحو عشرات أمثال، ما أثّر سلباً على ذوي الدخل المحدود من كافّة النواحي، مقابل انتعاش جيوب تجّار الأزمة، الذين وجدوا مخارج لقوانين الحظر الاقتصاديّ من خلال الالتفاف عليها بقوانين داخليّة.

ومن هذه القوانين، ما صدر فيما يخصّ ما يُطلق عليه “تجميع السيارات”، الأمر الذي قد يُغني بعضهم عن الاستيراد في حال كانت القدرة الشرائيّة توازي أسعار السوق، لتكون الفائدة عائدةً على نخبةٍ من فئات المجتمع السوريّ، كما يقول صاحب أحد معارض السيّارات في اللاذقية، مبيّناً في حديثه لـ”وكالة أنباء آسيا”، أنَّ قصّة التجميع هي عمليّةٌ رابحةٌ لأصحاب الشركات الحائزة على موافقة التجميع فقط لا غير.

ويرى صاحب المعرض أنَّ التجميع هو عمليّة استيراد “بالمقطّع”، مشيراً إلى أنَّ كلّ مكوّنات السيّارات والمواد الداخلة فيها يتمُّ إدخالها إلى البلد ليصار إلى تجميعها وطرحها في الأسواق، لافتاً إلى أنَّ عمليّة التجميع كانت موجودةً في سورية وتوقّفت قبل الحرب بعامين تقريباً.

تجميعٌ مقنّع

في المقابل، يتّهم بعض تجّار السيّارات، أصحاب عقود التجميع بأنّهم يلتفّون على القانون بإدخال السيّارات كاملة تحت مسمّى “تجميع”، ما أثّر سلباً على سوق السيّارات في سورية وأدّى إلى حالةٍ من الركود في عمليّات البيع والشراء، بحسب ما ذكروا.

وفي كِلتا الحالتين، أثّرت عمليّة التجميع على سوق السيّارات المستعملة، التي كانت الملاذ الوحيد للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، فبعد السماح بتجميع السيّارات ارتفعت أسعار السيّارات بنحوٍ كبير.

ولا شكّ أنَّ قرار منع استيراد السيّارات المستعملة له حصّةٌ كبيرة في ارتفاع أسعار السيّارات داخل سورية خلال سنوات الحرب، فبعد أنْ كانت تُباع سيّارة (كيا ريو) بـ 600 – 700 ألف ليرة سوريّة، قبل الأزمة، باتت اليوم تتراوح ما بين 4 – 5 مليون، وكذلك الأمر بالنسبة لسيّارة (سابا) الرائجة في سورية بين أبناء الطبقة الفقيرة لاستخدامها كسيّارة أجرة، فقد كانت تتراوح ما بين 250 – 300 ألف ليرة، تتجاوز حالياً سعر 3 مليون ليرة، وحتّى سيّارة شام التي تعمل شركة سيامكو السوريّة الإيرانية على تجميعها في سورية، ارتفعت إلى 3 مليون بعد أنْ كانت بـ 600 ألف ليرة سورية.

وبحسب ناشطين، فإنَّ السيّارة ستبقى حلماً للمواطن السوريّ في ظلِّ معاناةٍ غير مسبوقةٍ مع وسائل النقل العامّة والخاصّة التي باتت عبئاً إضافيّاً على مواطني الدخل المحدود، الذين لا حول لهم ولا قوة، مُكملين حياتهم على هامش الحرب التي يعدّها بعضهم مائدةً متعدّدة الأطباق، يبدأ بنهش ما يحلو له منها مقابل صيامٍ مستمرٍّ لأولئك الحالمين بلقمة عيشٍ لا أكثر.

  • فريق ماسة
  • 2018-06-20
  • 15350
  • من الأرشيف

هل أصبح شراء السيارة حلما في سورية ؟

ليس غريباً أنْ يُصبح اقتناءُ السيّارة “حلماً”، في بلدٍ عربيٍّ تعصف به الحرب منذ ثماني سنوات، إلّا أنَّ الغريب أنْ تكون الأحلامُ مُقتصرةً على فئةٍ من الناس، في حين تكون حياةً مُعاشة لدى الفئات الأُخرى. الحرب سرقت الحلم أفكارٌ تراود مواطنين سوريّين من الطبقة الفقيرة، التي وكما يقولون عن أنفسهم، “لا يحقّ لنا أنْ نحلم، فحتّى الحلم لا يليق بنا”، موضّحين أنَّ الحرب سرقت أحلام الفقراء كما تسبّبت بموتهم، ليحيا بعضهم على مُكتسبات الأزمة ومَكاسِبها التي اقتنصها هؤلاء، ومنها شراء المنازل الفارهة والسيّارات التي لمْ يَعُد للطبقة الفقيرة فيها من نصيب. مخارج قانونيّة.. ولكن منذ دخول سوريّة في الحرب، وفرض العقوبات الاقتصاديّة عليها ، تمّ حظر الاستيراد بكافّة أنواعه، لتتضاعف أسعار المواد الموجودة في سورية لنحو عشرات أمثال، ما أثّر سلباً على ذوي الدخل المحدود من كافّة النواحي، مقابل انتعاش جيوب تجّار الأزمة، الذين وجدوا مخارج لقوانين الحظر الاقتصاديّ من خلال الالتفاف عليها بقوانين داخليّة. ومن هذه القوانين، ما صدر فيما يخصّ ما يُطلق عليه “تجميع السيارات”، الأمر الذي قد يُغني بعضهم عن الاستيراد في حال كانت القدرة الشرائيّة توازي أسعار السوق، لتكون الفائدة عائدةً على نخبةٍ من فئات المجتمع السوريّ، كما يقول صاحب أحد معارض السيّارات في اللاذقية، مبيّناً في حديثه لـ”وكالة أنباء آسيا”، أنَّ قصّة التجميع هي عمليّةٌ رابحةٌ لأصحاب الشركات الحائزة على موافقة التجميع فقط لا غير. ويرى صاحب المعرض أنَّ التجميع هو عمليّة استيراد “بالمقطّع”، مشيراً إلى أنَّ كلّ مكوّنات السيّارات والمواد الداخلة فيها يتمُّ إدخالها إلى البلد ليصار إلى تجميعها وطرحها في الأسواق، لافتاً إلى أنَّ عمليّة التجميع كانت موجودةً في سورية وتوقّفت قبل الحرب بعامين تقريباً. تجميعٌ مقنّع في المقابل، يتّهم بعض تجّار السيّارات، أصحاب عقود التجميع بأنّهم يلتفّون على القانون بإدخال السيّارات كاملة تحت مسمّى “تجميع”، ما أثّر سلباً على سوق السيّارات في سورية وأدّى إلى حالةٍ من الركود في عمليّات البيع والشراء، بحسب ما ذكروا. وفي كِلتا الحالتين، أثّرت عمليّة التجميع على سوق السيّارات المستعملة، التي كانت الملاذ الوحيد للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، فبعد السماح بتجميع السيّارات ارتفعت أسعار السيّارات بنحوٍ كبير. ولا شكّ أنَّ قرار منع استيراد السيّارات المستعملة له حصّةٌ كبيرة في ارتفاع أسعار السيّارات داخل سورية خلال سنوات الحرب، فبعد أنْ كانت تُباع سيّارة (كيا ريو) بـ 600 – 700 ألف ليرة سوريّة، قبل الأزمة، باتت اليوم تتراوح ما بين 4 – 5 مليون، وكذلك الأمر بالنسبة لسيّارة (سابا) الرائجة في سورية بين أبناء الطبقة الفقيرة لاستخدامها كسيّارة أجرة، فقد كانت تتراوح ما بين 250 – 300 ألف ليرة، تتجاوز حالياً سعر 3 مليون ليرة، وحتّى سيّارة شام التي تعمل شركة سيامكو السوريّة الإيرانية على تجميعها في سورية، ارتفعت إلى 3 مليون بعد أنْ كانت بـ 600 ألف ليرة سورية. وبحسب ناشطين، فإنَّ السيّارة ستبقى حلماً للمواطن السوريّ في ظلِّ معاناةٍ غير مسبوقةٍ مع وسائل النقل العامّة والخاصّة التي باتت عبئاً إضافيّاً على مواطني الدخل المحدود، الذين لا حول لهم ولا قوة، مُكملين حياتهم على هامش الحرب التي يعدّها بعضهم مائدةً متعدّدة الأطباق، يبدأ بنهش ما يحلو له منها مقابل صيامٍ مستمرٍّ لأولئك الحالمين بلقمة عيشٍ لا أكثر.

المصدر : وكالة أنباء آسيا/عبير محمود


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة