لن تتعلموا التواضع والبراغماتية إلا ممن علا وارتفع ثم على رأسه وقع .. فأولئك الذين تألمت أجنحتهم وهي تتكسر هم خير من يعلم التواضع والاعتذار ويقدرون المشي على الأرض وليس على الغيوم .. وقد يذهب الألم ولكن ذكرى الألم في الجناح لاتزول وتبقى كالحارس في الوعي تتقد وتردع الجناح كلما حاول أن يخفق .. وستجدون الذئاب التي فقدت أنيابها ومخالبها أكثر تواضعا من قطة ولها قلوب كقلوب العصافير .. وخير من يعلم التماسيح البراغماتية في الحياة إذا لم تجد ماتأكله هي الثعالب التي تأكل الأعشاب والبرسيم والذرة بدل مضغ شرائح اللحم وتقطيع العظم ..

ومناسبة هذا الكلام هو أنني أعترف أني تعلمت من نتنياهو الماكر الذي له فم مكتظ بالأنياب درسا في التواضع والبراغماتية .. ودرسا في الهبوط الاضطراري .. والانسحاب التكتيكي .. واستعمال الأنياب لقضم الأعشاب .. فالرجل الذي نذكره منذ سبع سنوات كان ارتفع بطموحاته إلى حد لم يحلم به أي من ملوك بني إسرائيل في كل خرافات التوراة وأحاديث التلمود .. فهذا الرجل كان منذ سبع سنوات لايقبل بأقل من أن تسقط دمشق وتتفكك سورية كما سقطت بغداد التي كان مذاق سقوطها لا يضاهي في أفواه وقلوب جماعة (من الفرات إلى النيل حدودك يا إسرائيل) .. لأنهم كانوا يسمعون في صوت نحيب بغداد واستغاثتها وانبجاس دمها من فمها صوت بابل التي سبت اورشليم ذلك السبي الشهير .. ولم يكن نتنياهو يقبل بأي عرض في سورية سوى أن يرحل الأسد وفي أيام معدودات يرددها من خلف الكواليس ويلقنها لساسة العالم وهم على منصات المؤتمرات .. وكما نظرت عيون التوراتيين إلى بغداد على أنها بابل فإنها نظرت إلى الأسد على أنه ملك كنعان ..

ونتنياهو المغرور والصلف والصفيق كان يوزع سورية هدايا ومكافآت على العملاء والدول .. فهذه القطعة من سورية لصاحبنا اردوغان وهذه أقطعناها لعبدنا في قطر يشرف عليها نيابة عنا .. وأما هذه فسأمنحها اقطاعة لأحفاد ابننا البار عبد العزيز آل سعود .. ولابأس من أن نولي أمر الجنوب لخادمنا المخلص الملك الهاشمي الذي يسري دمنا في عروقه من أمه اليهودية .. عرفانا منه ولسلالته التي خدمت هيكلنا أبا عن جد .. من عبدالله إلى حسين ..

هكذا كان نتنياهو .. يجتمع ألف مرة في اليوم بالحكومة الصهيونية .. ويضع كل يوم شروطا صعبة .. مرة يريدنا أن نضع زهران علوش رئيسا للوزراء .. ومرة لا يقبل إلا أن يكون أبو محمد الجولاني وزيرا للدفاع في الحكومة الانتقالية واسعة الصلاحيات .. ويوصي بأخرى بفيصل القاسم رئيسا للجمهورية الانتقالية .. وربما رئيسا مدى الحياة ..

نتنياهو هذا كان لايهبط عن هضبة الجولان وهو يراقبنا بناظوره ويعدّ الأمتار الباقية لوصول "ثوار الموساد" إلى قصر الشعب لرفع العلم الإسرائيلي على قاسيون عرفانا من الثورة بدعم إسرائيل لنضال الأحرار .. وفي طريقه إلى بيته يمر على الجرحى الثورجيين الذين كان يعدهم ليرافقوه في أول زيارة توراتية لملك توراتي إلى دمشق التي ظلت التوراة تتوجس منها وتقول متمنية بخرابها وتبشر به (ها إنَّ دمشق تُزالُ مِن بَينِ المُدُن، فَتَكونُ رُكامًا مِنَ الأَنْقاض) .. ( وتكون مدن عروعير متروكة .. وتكون للقطعان .. فتربض وليس من يخيف .. ويزول الحصن من افرايم والملك من دمشق وبقية آرام .. فتصير كمجد بني اسرائيل .. يقول رب الجنود ..) ..

كان نتنياهو لايقدر على السير على الأرض مرحا ومن شدة غروره فهو قاب قوسين أو أدنى من تحقق الوعد في سفر التكوين، (الاصحاح السابع عشر) حيث اقتصرت حدود أرض الميعاد على منطقة الكنعانيين الذين عاش وتجول إبراهيم في وسطهم حيث قال الرب ( وأهبك أنت وذريتك من بعدك جميع أرض كنعان التي نزلت فيها غريبا ملكا أبديا وأكون لهم إلها) ..

كان نتنياهو يرسل الطائرات كل يوم لتطير فوق "أرض كنعان" وهو لايصدق انه خرج من القفص الذي وضعت فيه اسرائيل .. قفص صنعته الصواريخ والدفاعات الجوية السورية فكسرته فصائل الجنوب والغوطة وجيش الإسلام وابابيل حوران والنصرة وكل من يكبر باسم الله .. حيث لاصواريخ ولامقاليع بقيت في سورية بعد أن التهم الثورجيون لحوم الصواريخ بأياديهم وأظافرهم .. وتبللت لحاهم من دمها .. وانتشر بارودها على شنباتهم .. وجعلوا الرادارات حبال غسيل نشروا عليها ثيابهم .. وجروا مابقي منها في الطرقات كما تجر الجثث التي يمثلون بها .. وجالوا بها في السيارات في الغوطة كما فعلوا في عرضهم المخجل للأسرى في الأقفاص في دوما ..

هذا النتن ياهو كان لايكل ولايمل من تلقين كل وفود المعارضة شرطه كي يوقف هجوم الانتحاريين وقذائف الهاون من الغوطة على دمشق ومدافع جهنم على حلب .. فشرطه الوحيد كان إخراج إيران إلى ما وراء دجلة .. وحبس حزب الله في أقفاص "حريرية" سعودية ..في جنوب لبنان ..

بعد كل هذا الغرور والعنجهية والحلم التوراتي سقط هذا الملك التوراتي مضرجا بكبريائه .. وصار في كل يوم يرسل المراسيل والوسطاء لايقاف الحرب عند هذه النقطة أو تلك .. فهو بعد أن أدرك أن الحرب تتدحرج لصالح الجيش السوري حاول أن يبرم اتفاقا لتثبيت كل شيء بحيث تخرج إيران وحزب الله ويبقى الأسد في دمشق ويتقاسم مابقي من السلطة مع المعارضة .. ولكنه بعد ذلك وجد أن الأسد أرغم المعارضة على تقيؤ ما ابتلعته .. فقد فوجئ الملك التوراتي أن من تم إخراجه هو جيش الإسلام والنصرة من كل الغوطة والقلمون ووسط سورية وبقي كل أعداء إسرائيل معا .. فغيّر الملك التوراتي شروطه قليلا وتواضع .. وهو انه يريد أن يعود الأمر في سورية إلى ما كان عليه قبل الربيع العربي وزمن الأندوف الجميل .. بشرط إن تخرج إيران وحزب الله من سورية "قليلا" ..

وهكذا تتراجع شروط الملك الإسرائيلي نتنياهو الذي حلم أن يكون ملكا على كنعان .. ويرى دمشق ردمة في الشمال .. حتى انه اليوم لايريد إلا أن يبتعد حزب الله عشرين ميلا إلى الشمال مع عودة كل شيء إلى ما كان عليه .. ويقال أن موفده إلى روسيا افيغدور ليبرمان ربما يطلب فقط أن يقبل السوريون بمسافة ميلين حول الجولان محرمين على حزب الله تضمنهما روسيا .. وإذا تم دحر الإرهاب في الجنوب في درعا كما هو متوقع 100% فربما يكون طلب نتنياهو أن يقتصر سلاح حزب الله في سورية على الكاتيوشا بدل الصواريخ الضخمة .. وان لا يشمل التراشق بالنار عمق فلسطين وتنحصر المعركة فقط في الجولان ..

ولكن بالمقابل لو راجعنا مواقف الرئيس الأسد والقيادة السورية منذ بداية الأزمة نجد أن الرجل قال كلمة واحدة ولم يتزحزح عنها .. وهو يقترب بالتدريج من إثباتها وتحقيقها .. فهو منذ اليوم الأول قال إن الإرهاب عدونا وهو صديق اسرائيل وسنحاربه ونقتلعه .. وقد فعل .. وهو قال منذ بداية الأزمة بأن غاية الثورة هي غايات إسرائيلية وأسلوبها موسادي ولذلك فإننا لن نستجيب لها .. وقد رفضت القيادة السورية والشعب السوري كل عروض الدنيا لمنح نتنياهو واسرائيل معاهدة سلام مع سورية أو اي تطمينات أمنية أو تنازلات كي يوقف نتنياهو وعملاؤه الهجوم على سورية .. ورفضنا جميعا أن تفتح سفارة اسرائيلية في دمشق .. ولا أن ترتفع راية إسرائيل فيها .. رفضنا كل أنواع التهديد والابتزاز الرخيص .. ويدرك الإسرائيليون اليوم إنهم يستطيعون في ظل الهزال العربي أن يضعوا علمهم في أي مكان في الأرض حتى على سطح الكعبة المشرفة .. ولكنهم لايستطيعون رفع أية راية أو علم في دمشق .. إلى قيام الساعة ..

تواضع نتنياهو وبراغميته وهبوطه الاضطراري في مهابط التراجع ليست بسبب عقلانية توراتية بل هي نابعة من الضرب الموجع على الرأس .. وهو تواضع سقاه الإذلال وأرضعته المهانة .. وهو ماكنا نطلق عليه سابقا مصطلح (الانسحاب التكتيكي) الشهير الذي دأب عليه الثوار .. فإذا كان نتنياهو يعلمنا البراغماتية والتواضع فان هذا الاستاذ في التواضع والبراغماتية أستاذ لايبارى في الانسحاب التكتيكي .. والإذلال الاستراتيجي ..

إذا قارنا تجربة نتنياهو في الانسحاب التكتيكي الذي يتحول إلى انسحاب استراتيجي .. اذا قارناها بما حصده الشعب السوري الصامد الذي حارب كل الدنيا بصبر وصمت ودون استعراضية ومباهاة وخيلاء .. لكان من حقنا أن نحس بالغرور وان أقدامنا تتنقل بين النجوم والنجوم كما يقفز احدنا من حجر إلى حجر ليعبر النهر وكأن الفضاء نهر عظيم أسود تبرز فيه النجوم كنتوءات الصخور في مجراه .. ولكن تذكروا أن من رفض كل العروض ليسير بين النجوم هو من انتصر في الارض بتواضعه ومن أجل الأرض .. ومن يقاتل من أجل الأرض فانه يعلم ان كل النجوم لاتساوي تلك الأرض .. ولاتزيده الانتصارات الا ادراكا ان الأرض هي التي تعطي النصر وتمنحه .. ومن يريد الأرض لن ينظر نحو النجوم .. ان من يحرر أرضه فهو يملكها .. وكل متر فيها يساوي كل النجوم لأن كل متر فيها يسكن نجم أحمر متقد مشتعل بدم شهيد .. من لديه أرض مرصعة بنجوم حمر من الدم المتقد .. لايريد شيئا من كل النجوم الشاحبة الباهتة التي تضيء بطاقة الهيدروجين وليس بطاقة الدم الزكي ..

ان النجوم محطات طاقة ضوئية للاله .. ولكن دماءنا على أرضنا صارت نجوما للأله .. نحن ننظر الى نجومه في السماء .. وهو ينظر إلى نجومه في أرضنا .. فهل نقايض محطات النفط بنجوم الإله ؟؟

  • فريق ماسة
  • 2018-06-02
  • 11955
  • من الأرشيف

سقوط الملك التوراتي على أسوار كنعان .. بين الانسحاب التكتيكي والاذلال الاستراتيجي

لن تتعلموا التواضع والبراغماتية إلا ممن علا وارتفع ثم على رأسه وقع .. فأولئك الذين تألمت أجنحتهم وهي تتكسر هم خير من يعلم التواضع والاعتذار ويقدرون المشي على الأرض وليس على الغيوم .. وقد يذهب الألم ولكن ذكرى الألم في الجناح لاتزول وتبقى كالحارس في الوعي تتقد وتردع الجناح كلما حاول أن يخفق .. وستجدون الذئاب التي فقدت أنيابها ومخالبها أكثر تواضعا من قطة ولها قلوب كقلوب العصافير .. وخير من يعلم التماسيح البراغماتية في الحياة إذا لم تجد ماتأكله هي الثعالب التي تأكل الأعشاب والبرسيم والذرة بدل مضغ شرائح اللحم وتقطيع العظم .. ومناسبة هذا الكلام هو أنني أعترف أني تعلمت من نتنياهو الماكر الذي له فم مكتظ بالأنياب درسا في التواضع والبراغماتية .. ودرسا في الهبوط الاضطراري .. والانسحاب التكتيكي .. واستعمال الأنياب لقضم الأعشاب .. فالرجل الذي نذكره منذ سبع سنوات كان ارتفع بطموحاته إلى حد لم يحلم به أي من ملوك بني إسرائيل في كل خرافات التوراة وأحاديث التلمود .. فهذا الرجل كان منذ سبع سنوات لايقبل بأقل من أن تسقط دمشق وتتفكك سورية كما سقطت بغداد التي كان مذاق سقوطها لا يضاهي في أفواه وقلوب جماعة (من الفرات إلى النيل حدودك يا إسرائيل) .. لأنهم كانوا يسمعون في صوت نحيب بغداد واستغاثتها وانبجاس دمها من فمها صوت بابل التي سبت اورشليم ذلك السبي الشهير .. ولم يكن نتنياهو يقبل بأي عرض في سورية سوى أن يرحل الأسد وفي أيام معدودات يرددها من خلف الكواليس ويلقنها لساسة العالم وهم على منصات المؤتمرات .. وكما نظرت عيون التوراتيين إلى بغداد على أنها بابل فإنها نظرت إلى الأسد على أنه ملك كنعان .. ونتنياهو المغرور والصلف والصفيق كان يوزع سورية هدايا ومكافآت على العملاء والدول .. فهذه القطعة من سورية لصاحبنا اردوغان وهذه أقطعناها لعبدنا في قطر يشرف عليها نيابة عنا .. وأما هذه فسأمنحها اقطاعة لأحفاد ابننا البار عبد العزيز آل سعود .. ولابأس من أن نولي أمر الجنوب لخادمنا المخلص الملك الهاشمي الذي يسري دمنا في عروقه من أمه اليهودية .. عرفانا منه ولسلالته التي خدمت هيكلنا أبا عن جد .. من عبدالله إلى حسين .. هكذا كان نتنياهو .. يجتمع ألف مرة في اليوم بالحكومة الصهيونية .. ويضع كل يوم شروطا صعبة .. مرة يريدنا أن نضع زهران علوش رئيسا للوزراء .. ومرة لا يقبل إلا أن يكون أبو محمد الجولاني وزيرا للدفاع في الحكومة الانتقالية واسعة الصلاحيات .. ويوصي بأخرى بفيصل القاسم رئيسا للجمهورية الانتقالية .. وربما رئيسا مدى الحياة .. نتنياهو هذا كان لايهبط عن هضبة الجولان وهو يراقبنا بناظوره ويعدّ الأمتار الباقية لوصول "ثوار الموساد" إلى قصر الشعب لرفع العلم الإسرائيلي على قاسيون عرفانا من الثورة بدعم إسرائيل لنضال الأحرار .. وفي طريقه إلى بيته يمر على الجرحى الثورجيين الذين كان يعدهم ليرافقوه في أول زيارة توراتية لملك توراتي إلى دمشق التي ظلت التوراة تتوجس منها وتقول متمنية بخرابها وتبشر به (ها إنَّ دمشق تُزالُ مِن بَينِ المُدُن، فَتَكونُ رُكامًا مِنَ الأَنْقاض) .. ( وتكون مدن عروعير متروكة .. وتكون للقطعان .. فتربض وليس من يخيف .. ويزول الحصن من افرايم والملك من دمشق وبقية آرام .. فتصير كمجد بني اسرائيل .. يقول رب الجنود ..) .. كان نتنياهو لايقدر على السير على الأرض مرحا ومن شدة غروره فهو قاب قوسين أو أدنى من تحقق الوعد في سفر التكوين، (الاصحاح السابع عشر) حيث اقتصرت حدود أرض الميعاد على منطقة الكنعانيين الذين عاش وتجول إبراهيم في وسطهم حيث قال الرب ( وأهبك أنت وذريتك من بعدك جميع أرض كنعان التي نزلت فيها غريبا ملكا أبديا وأكون لهم إلها) .. كان نتنياهو يرسل الطائرات كل يوم لتطير فوق "أرض كنعان" وهو لايصدق انه خرج من القفص الذي وضعت فيه اسرائيل .. قفص صنعته الصواريخ والدفاعات الجوية السورية فكسرته فصائل الجنوب والغوطة وجيش الإسلام وابابيل حوران والنصرة وكل من يكبر باسم الله .. حيث لاصواريخ ولامقاليع بقيت في سورية بعد أن التهم الثورجيون لحوم الصواريخ بأياديهم وأظافرهم .. وتبللت لحاهم من دمها .. وانتشر بارودها على شنباتهم .. وجعلوا الرادارات حبال غسيل نشروا عليها ثيابهم .. وجروا مابقي منها في الطرقات كما تجر الجثث التي يمثلون بها .. وجالوا بها في السيارات في الغوطة كما فعلوا في عرضهم المخجل للأسرى في الأقفاص في دوما .. هذا النتن ياهو كان لايكل ولايمل من تلقين كل وفود المعارضة شرطه كي يوقف هجوم الانتحاريين وقذائف الهاون من الغوطة على دمشق ومدافع جهنم على حلب .. فشرطه الوحيد كان إخراج إيران إلى ما وراء دجلة .. وحبس حزب الله في أقفاص "حريرية" سعودية ..في جنوب لبنان .. بعد كل هذا الغرور والعنجهية والحلم التوراتي سقط هذا الملك التوراتي مضرجا بكبريائه .. وصار في كل يوم يرسل المراسيل والوسطاء لايقاف الحرب عند هذه النقطة أو تلك .. فهو بعد أن أدرك أن الحرب تتدحرج لصالح الجيش السوري حاول أن يبرم اتفاقا لتثبيت كل شيء بحيث تخرج إيران وحزب الله ويبقى الأسد في دمشق ويتقاسم مابقي من السلطة مع المعارضة .. ولكنه بعد ذلك وجد أن الأسد أرغم المعارضة على تقيؤ ما ابتلعته .. فقد فوجئ الملك التوراتي أن من تم إخراجه هو جيش الإسلام والنصرة من كل الغوطة والقلمون ووسط سورية وبقي كل أعداء إسرائيل معا .. فغيّر الملك التوراتي شروطه قليلا وتواضع .. وهو انه يريد أن يعود الأمر في سورية إلى ما كان عليه قبل الربيع العربي وزمن الأندوف الجميل .. بشرط إن تخرج إيران وحزب الله من سورية "قليلا" .. وهكذا تتراجع شروط الملك الإسرائيلي نتنياهو الذي حلم أن يكون ملكا على كنعان .. ويرى دمشق ردمة في الشمال .. حتى انه اليوم لايريد إلا أن يبتعد حزب الله عشرين ميلا إلى الشمال مع عودة كل شيء إلى ما كان عليه .. ويقال أن موفده إلى روسيا افيغدور ليبرمان ربما يطلب فقط أن يقبل السوريون بمسافة ميلين حول الجولان محرمين على حزب الله تضمنهما روسيا .. وإذا تم دحر الإرهاب في الجنوب في درعا كما هو متوقع 100% فربما يكون طلب نتنياهو أن يقتصر سلاح حزب الله في سورية على الكاتيوشا بدل الصواريخ الضخمة .. وان لا يشمل التراشق بالنار عمق فلسطين وتنحصر المعركة فقط في الجولان .. ولكن بالمقابل لو راجعنا مواقف الرئيس الأسد والقيادة السورية منذ بداية الأزمة نجد أن الرجل قال كلمة واحدة ولم يتزحزح عنها .. وهو يقترب بالتدريج من إثباتها وتحقيقها .. فهو منذ اليوم الأول قال إن الإرهاب عدونا وهو صديق اسرائيل وسنحاربه ونقتلعه .. وقد فعل .. وهو قال منذ بداية الأزمة بأن غاية الثورة هي غايات إسرائيلية وأسلوبها موسادي ولذلك فإننا لن نستجيب لها .. وقد رفضت القيادة السورية والشعب السوري كل عروض الدنيا لمنح نتنياهو واسرائيل معاهدة سلام مع سورية أو اي تطمينات أمنية أو تنازلات كي يوقف نتنياهو وعملاؤه الهجوم على سورية .. ورفضنا جميعا أن تفتح سفارة اسرائيلية في دمشق .. ولا أن ترتفع راية إسرائيل فيها .. رفضنا كل أنواع التهديد والابتزاز الرخيص .. ويدرك الإسرائيليون اليوم إنهم يستطيعون في ظل الهزال العربي أن يضعوا علمهم في أي مكان في الأرض حتى على سطح الكعبة المشرفة .. ولكنهم لايستطيعون رفع أية راية أو علم في دمشق .. إلى قيام الساعة .. تواضع نتنياهو وبراغميته وهبوطه الاضطراري في مهابط التراجع ليست بسبب عقلانية توراتية بل هي نابعة من الضرب الموجع على الرأس .. وهو تواضع سقاه الإذلال وأرضعته المهانة .. وهو ماكنا نطلق عليه سابقا مصطلح (الانسحاب التكتيكي) الشهير الذي دأب عليه الثوار .. فإذا كان نتنياهو يعلمنا البراغماتية والتواضع فان هذا الاستاذ في التواضع والبراغماتية أستاذ لايبارى في الانسحاب التكتيكي .. والإذلال الاستراتيجي .. إذا قارنا تجربة نتنياهو في الانسحاب التكتيكي الذي يتحول إلى انسحاب استراتيجي .. اذا قارناها بما حصده الشعب السوري الصامد الذي حارب كل الدنيا بصبر وصمت ودون استعراضية ومباهاة وخيلاء .. لكان من حقنا أن نحس بالغرور وان أقدامنا تتنقل بين النجوم والنجوم كما يقفز احدنا من حجر إلى حجر ليعبر النهر وكأن الفضاء نهر عظيم أسود تبرز فيه النجوم كنتوءات الصخور في مجراه .. ولكن تذكروا أن من رفض كل العروض ليسير بين النجوم هو من انتصر في الارض بتواضعه ومن أجل الأرض .. ومن يقاتل من أجل الأرض فانه يعلم ان كل النجوم لاتساوي تلك الأرض .. ولاتزيده الانتصارات الا ادراكا ان الأرض هي التي تعطي النصر وتمنحه .. ومن يريد الأرض لن ينظر نحو النجوم .. ان من يحرر أرضه فهو يملكها .. وكل متر فيها يساوي كل النجوم لأن كل متر فيها يسكن نجم أحمر متقد مشتعل بدم شهيد .. من لديه أرض مرصعة بنجوم حمر من الدم المتقد .. لايريد شيئا من كل النجوم الشاحبة الباهتة التي تضيء بطاقة الهيدروجين وليس بطاقة الدم الزكي .. ان النجوم محطات طاقة ضوئية للاله .. ولكن دماءنا على أرضنا صارت نجوما للأله .. نحن ننظر الى نجومه في السماء .. وهو ينظر إلى نجومه في أرضنا .. فهل نقايض محطات النفط بنجوم الإله ؟؟

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة