يتقدم التقويم السوري على التقويم العبري بألف عام وعلى التقويم الفرعوني القديم بخمسمئة عام، وهو مرتبط بأساطير الخصب المنبثقة من أحوال الطبيعة وتعاقب الفصول .

يرتبط التقويم السوري بعشتار الربة الأم الأولى منجبة الحياة، نجمة الصباح والمساء في آن معاً، الربة التي تصفها النصوص القديمة بأنها "في فمها يكمن سرُّ الحياة، ومن أعطافها يعبق العطر والشذا ويكتمل بحضورها السرور، ويشيع من ابتسامتها الأمن والطمأنينة في النفوس." عشتار التي ظل الناس يتصورونها لآلاف السنين وهي "تجوب الحقول بخفَّة ورشاقة، فتتفجَّر الينابيع خلفها بالماء والعطاء، وتُزهر الأرض بالسنابل والنماء."

عشتار التي تلقب في الأسطورة بـ " أم الزلف". وهي نفسها أم الزلف التي مازال الناس يغنون لها في أرياف سورية الطبيعية : "عالعين يم الزلف زلفة ياموليا " نعم نغني لعشتار دون أن ندرك ذلك ، فكلمة "زلف" تعني بالسريانية أشياء كثييرة أولها : "الثوب الموشى، الزينة ، الجمال..الخ " أما كلمة "موليا" فتعني: "الخصب, الوفرة, الامتلاء, الاشباع...الخ" وهذه المعاني كلها تتصل بعشتار الأم والأرض والطبيعة.

يتوقف الدكتور أحمد داوود في كتابه "تاريخ سوريا الحضاري القديم" عند طقوس الخصب في سورية القديمة ويكشف مدى تداخلها المنطقي مع دورة الطبيعة. ففي نفس الموعد من كل عام تنزل الآلهة عشتار الى العالم السفلي لإنقاذ الإله تموز، وتنجح في ذلك ليعم الخير وعندما يقوم تموز من الموت ترتدي عشتار في هذه المناسبة ثوباً موشى "زلف" يزدان بكل أنواع الزهر والثمر...الخ كما تتجدد الخصوبة في الطبيعة.

كانت احتفالات رأس السنة السورية تبدأ في الحادي والعشرين من آذار .الأيام الأربعة الأولى منها تخصص لتقديم المسرحيات ورواية الأساطير. بعدها تبدأ الاحتفالات الدينية لتبلغ ذروتها في عيد رأس السنة السوري في الأول من نيسان، ثم تستمر حتى العاشر منه. وخلال كل هذه المدة كان من المحرم على الناس تأنيب الأطفال ومعاقبة العبيد أو القيام بالأعمال اليومية أو انعقاد المحاكم.

أسماء الشهور السورية ماتزال على حالها منذ القدم وهي متصلة بدورة الطبيعة فآذار الذي تبدأ فيه الاحتفالات هو شهر الزهر ، نيسان- الربيع ، أيار -النور ، حزيران- حصاد الحنطة، تموز –فقدان المُخَصِّب حبيب عشتار، أيلول "أولولو" شهر الولولة على "تموز" لزوال خصبه ...الخ

صحيح أن أباطرة روما عندما حكموا هذه الأرض حاولو فرض أسمائهم على تقويمنا مثل يوليوس وأغسطس، لكن بصمتهم زالت بزوالهم.

وفي مقاله يعزي الكاتب حسن م يوسف إلى صديق له يدعى  سيزيف السوري أن هذا العيد قد أخذ منا ثلاث مرات، الأولى عند فرض التقويم اليولياني، و الثانية عند فرض التقويم القمري، والثالثة عندما أمر "شارل" التاسع ملك فرنسا قبل أربعمئة وخمسين عاماً باعتماد التقويم الغريغوري ونقل رأس السنة من أول نيسان إلى أول كانون الثاني.

فقد أطلق على رأس السنة السورية اسم April fool أي أحمق نيسان ، وهي عبارة كانت تطلق على أي شخص ينسى أن رأس السنة قد تم نقله من واحد نيسان إلى 1 كانون الثاني. ومايحز في النفس هو أننا، لغفلتنا، جارينا خصومنا في الاستهزاء بتراثنا فاعتمدنا الأول من نيسان عيداً للكذب، جاهلين أنه عيدنا الذي ضيعه جهلنا!

  • فريق ماسة
  • 2018-03-31
  • 13752
  • من الأرشيف

رأس السنة السوري أخذ منا ثلاث مرات... وأحمق نيسان هو من ينسى أن رأس السنة في الأول منه وليس عيداً للكذب

يتقدم التقويم السوري على التقويم العبري بألف عام وعلى التقويم الفرعوني القديم بخمسمئة عام، وهو مرتبط بأساطير الخصب المنبثقة من أحوال الطبيعة وتعاقب الفصول . يرتبط التقويم السوري بعشتار الربة الأم الأولى منجبة الحياة، نجمة الصباح والمساء في آن معاً، الربة التي تصفها النصوص القديمة بأنها "في فمها يكمن سرُّ الحياة، ومن أعطافها يعبق العطر والشذا ويكتمل بحضورها السرور، ويشيع من ابتسامتها الأمن والطمأنينة في النفوس." عشتار التي ظل الناس يتصورونها لآلاف السنين وهي "تجوب الحقول بخفَّة ورشاقة، فتتفجَّر الينابيع خلفها بالماء والعطاء، وتُزهر الأرض بالسنابل والنماء." عشتار التي تلقب في الأسطورة بـ " أم الزلف". وهي نفسها أم الزلف التي مازال الناس يغنون لها في أرياف سورية الطبيعية : "عالعين يم الزلف زلفة ياموليا " نعم نغني لعشتار دون أن ندرك ذلك ، فكلمة "زلف" تعني بالسريانية أشياء كثييرة أولها : "الثوب الموشى، الزينة ، الجمال..الخ " أما كلمة "موليا" فتعني: "الخصب, الوفرة, الامتلاء, الاشباع...الخ" وهذه المعاني كلها تتصل بعشتار الأم والأرض والطبيعة. يتوقف الدكتور أحمد داوود في كتابه "تاريخ سوريا الحضاري القديم" عند طقوس الخصب في سورية القديمة ويكشف مدى تداخلها المنطقي مع دورة الطبيعة. ففي نفس الموعد من كل عام تنزل الآلهة عشتار الى العالم السفلي لإنقاذ الإله تموز، وتنجح في ذلك ليعم الخير وعندما يقوم تموز من الموت ترتدي عشتار في هذه المناسبة ثوباً موشى "زلف" يزدان بكل أنواع الزهر والثمر...الخ كما تتجدد الخصوبة في الطبيعة. كانت احتفالات رأس السنة السورية تبدأ في الحادي والعشرين من آذار .الأيام الأربعة الأولى منها تخصص لتقديم المسرحيات ورواية الأساطير. بعدها تبدأ الاحتفالات الدينية لتبلغ ذروتها في عيد رأس السنة السوري في الأول من نيسان، ثم تستمر حتى العاشر منه. وخلال كل هذه المدة كان من المحرم على الناس تأنيب الأطفال ومعاقبة العبيد أو القيام بالأعمال اليومية أو انعقاد المحاكم. أسماء الشهور السورية ماتزال على حالها منذ القدم وهي متصلة بدورة الطبيعة فآذار الذي تبدأ فيه الاحتفالات هو شهر الزهر ، نيسان- الربيع ، أيار -النور ، حزيران- حصاد الحنطة، تموز –فقدان المُخَصِّب حبيب عشتار، أيلول "أولولو" شهر الولولة على "تموز" لزوال خصبه ...الخ صحيح أن أباطرة روما عندما حكموا هذه الأرض حاولو فرض أسمائهم على تقويمنا مثل يوليوس وأغسطس، لكن بصمتهم زالت بزوالهم. وفي مقاله يعزي الكاتب حسن م يوسف إلى صديق له يدعى  سيزيف السوري أن هذا العيد قد أخذ منا ثلاث مرات، الأولى عند فرض التقويم اليولياني، و الثانية عند فرض التقويم القمري، والثالثة عندما أمر "شارل" التاسع ملك فرنسا قبل أربعمئة وخمسين عاماً باعتماد التقويم الغريغوري ونقل رأس السنة من أول نيسان إلى أول كانون الثاني. فقد أطلق على رأس السنة السورية اسم April fool أي أحمق نيسان ، وهي عبارة كانت تطلق على أي شخص ينسى أن رأس السنة قد تم نقله من واحد نيسان إلى 1 كانون الثاني. ومايحز في النفس هو أننا، لغفلتنا، جارينا خصومنا في الاستهزاء بتراثنا فاعتمدنا الأول من نيسان عيداً للكذب، جاهلين أنه عيدنا الذي ضيعه جهلنا!

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة