دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
اذا مازرعت وردة بلاستيكية فيمكنك القول انها لن تذبل وانها قد تبقى تخدع الناس .. ولكن تذكر انها لن تورق ولن تفوح بالعطر ولن تمسها شفاه نحلة بل ربما يسكنها عنكبوت .. لأن مايورق هو الورد الطبيعي ولأن العناكب لاتسكن الورود العطرة ..
والجواسيس ورود بلاستيكية جذابة جدا تزرع بين الورود الطبيعية حيث يختبئ فيها العنكبوت ليصطاد الفراشات .. وتذكر ان الورود الصناعية تصنع في كثير من الأحيان من النفايات والمواد البلاستيكية التي فيها عطر النفط .. فهل ستأسف اذا كسرت وردة بلاستيكية؟؟
لدى متابعتي لقضية الجاسوس الروسي لاأنكر أنني كنت منحازا للرواية الروسية ودون تردد أو مجاملة .. ربما لأنني أحب الروس وكمواطن سوري أحمل في عنقي دينا لروسيا على مافعلته وقتالها الضاري لمنع الغرب من ممارسة وحشيته وساديته وهمجيته لتدمير قلب الشرق المتمثل في سورية .. ولكنني قلت في نفسي انني ككاتب يكتب بأمانة ويكتب بذات الطريقة التي يكتب فيها بحث علمي يجب أن أحترم الكلمة السياسية كما أحترم المعادلات الفيزيائية والكيميائية .. لأن من يكتب لمجلة علمية لايجب ان ينفصم عن مبدئه عندما يكتب في السياسة .. كما انفصم الثوار عن مبادئهم وكانوا يمارسون الخداع السياسي والغش والخيانة الأخلاقية على الناس تحت ذريعة (الحرب خدعة) و (الثورة عايزة كده) ..
ووضعت على الطاولة معرفتي وخبرتي في الدهاء الغربي ونفاقه والقدرة الكبيرة على تدوير الاحداث واعادة استعمالها ومهارته في التلفيق واللعب على الاكاذيب والتلاعب بالحقائق .. وادراكي بأن العقل السياسي الروسي والاستخباراتي يتصرف بحذر وحسابات دقيقة جدا .. وهو لايقوم بعمليات مراهقة ونصف ناجحة بل ضرباته دقيقة جدا ولاتخيب .. كل هذه الاشياء جعلتني أميل أكثر للرواية الروسية .. فالجاسوس ورقة ثمينة لمشغليه الى أن يكتشف أمره فيتحول الى ورقة محترقة .. وتصبح الورقة عبئا على من يحملها وبلا قيمة أو فائدة ..لأن عملية اعادة استعمال الجاسوس مستحيلة .. اذا يحال الى التقاعد فور اكتشاف أمره .. ويرمى في القمامة ..
العقل المخابراتي البريطاني الذي يعترف له بالدهاء وجد أن الجاسوس أو العميل او الضحية يمكن أن يستعمل مرة أخرى عندما يموت بل يمكن أن يكون مفيدا أكثر كجثة .. فبموته يمكن البكاء على جثمانه والاستثمار في الحالة الانفعالية والانسانية لتحريض الناس .. وهذا مافعله الاعلام الغربي بمهارة في التحريض على الحكومات المناوئة لها منذ سقوط الاتحاد السوفييتي على أرصفة تيميشوارا الرومانية التي بكى فيها الاعلام الغربي على آلاف الضحايا الذين رصفوا الطرقات وتبين أن الامر كله تلفيق .. وفي الربيع الغربي كان قناصون مجهولون يقتلون المتظاهرين والمتجمعين .. ويأتي الاعلام الغربي ليبكي على الضحايا الذين قتلتهم شرطة الديكتاتور .. رغم أن من خطط للقناصين ودرب القناصين وأعطاهم أفضل القناصات هم أنفسهم ضباط المخابرات الغربية .. وشاهدنا بأم اعيننا استعمال قضيب حمزة الخطيب وأظافر أطفال درعا وتمثيلية الغوطة الكيماوية عام 2013 وتمثيلية خان شيخون .. فهناك استثمار فوري لدم الضحايا لتحويله الى فرصة للتحريض وخلخلة الثقة بين الناس قبل التحضير لاعتداء ..
والدهاء الغربي وتلفيقات أسلحة الدمار الشامل دمر نظام الحكم في العراق .. ثم حاكم قادته .. ثم شنق الرئيس العراقي في يوم العيد لتفجير الفتنة السنية الشيعية .. ثم انضم الى جمهور المعزين بشعب العراق ورئيس العراق بل وتقبل التعازي كأنه ولي الضحية .. وحول الغضب الشعبي كله الى غضب على ايران والشيعة .. وكأن ايران هي التي أرسلت طائرات ب 52 واجتاحت بغداد وروت تراب العراق باليورانيوم المنضب والسرطان ..
والدهاء الغربي هو الذي قتل رفيق الحريري واستعمل دمه كوقود في الحرب على حزب الله وسورية .. والسؤال لايجب أن يكون ماالذي خسره الغرب في قتل رفيق الحريري بل كم هي المكاسب التي كسبها من بيع قصة قتل الحريري على يد السوريين وحلفائهم .. فالغرب لابزال يبيع القصة وبطيعها من جديد وينتج منها أفلاما ومحاكم ولايزال جسد الحريري يوضع مثل ساتر كبير رملي بين سنة لبنان ومقاوميه وبين الآذاريين وسورية .. والرجل لم يدفن رمزيا ولايزال معلقا على بوابة بيروت أكثر من عبدالله بن الزبير رغم أنه آن الأوان لهذا الحريري أن يترجل .. ولايمانع الغرب من استثماره وتحويله الى اسفين نبوي له الى الابد لايجلس على حدود سايكس بيكو بل بين حدود سايكس بيكو كفاصل جديد ..
الجاسوس الروسي لن يكون استثناء .. وقد تم تسميمه على الغالب في توقيت حساس جدا .. فهو أتى بعد خطاب الرئيس الروسي الذي هز الغرب باعلانه عن التحدي النووي وقرار الردع لكل من يحاول الاعتداء على مصالح وحلفاء روسيا .. وهو أقوى خطاب روسي منذ انهيار الامبراطورية الشيوعية .. وصار لابد من اثارة الرأي العام على بوتين في العالم كله عبر خطوات متسلسلة بدأت بالجاسوس الروسي .. وتصويره على أنه قاتل خطر لايرحم ولايعرف احترام الخطوط الحمر للشعوب والامم ..
ومع هذا فانني عندما تحدثت مع أحد معارفي من المعارضين للرئيس بوتين والذي يعيش في باريس منذ سنوات طويلة وجمعتنا أيام البحث والدراسة فانني تمنيت أن يكون الجاسوس الروسي قد تم استهدافه فعلا بقرار روسي وليس بقرار بريطاني .. لأن المعارض الروسي قال لي ان الرعب يسيطر على الخونة والجواسيس الروس في الغرب الذين يعملون بصفة معارضين ولكنهم ملفاتهم في روسيا تؤكد تورطهم في اعمال خيانة كبرى وسرقات للثروة نقلت الى الغرب منذ زمن البيريسترويكا ومعظمهم من فترة بوريس يلتسين .. واذا كان هناك جاسوس للغرب في روسيا أو خائن يفكر ان يلجأ الى الغرب الآن فان رسالة بوتين والشعب الروسي الواضحة جدا قد وصلت اليه وهي أن الخيانة لاتغتفر وعقابها الموت .. وعندما سألته عن سبب عدم اعدام الجاسوس عند اعتقاله في روسيا والاكتفاء بسجنه قال ان العقل الروسي يقبل ان يحاكم الخونة في روسيا وأن يبقوا في روسيا ولكنه لايقبل ان يتمتع الخائن بحياة آمنة خارج روسيا كمكافأة له اذا مالجأ الى الغرب وقبض ثمن خيانته كي لايكون نموذجا جذابا .. ويجب أن يعيش هاجس القلق الى آخر يوم في عمره لان العدالة والقصاص ستصل اليه مهما طال الزمن .. وبزعمه فان هذه هي الضربة النفسية التي حققتها المخابرات الروسية اذا كانت هي من تورط في العملية .. ولكن اذا كانت المخابرات الغربية هي التي نفذت العملية فانها كسبت نقطة ولكنها خسرت ثقة عملائها وجواسيسها أيضا ..
للأسف فان توقيت تصفية العميل الروسي لايناسب الا بريطانيا والغرب .. وهو مايجعل المريب يكاد يقول خذوني .. فمما لاشك فيه أن الروس يعرفون أن هناك حملة غربية شعواء عليهم لتشويههم وأن عملية صغيرة كهذه في هذا التوقيت ستستغل كعامل تحريض اضافي .. خاصة أن الاعلام الغربي لم يتوقف يوما عن التذكير بما يسميه "وحشية القصف الروسي للمدنيين من حلب الى الغوطة ومنع مجلس الامن من اتخاذ قرار الحرب ضد سورية" متناسيا الورود التي اسقطها الناتو على ليبيا والعراق والرقة .. وفي حساب الربح والخسارة بالمنطق الروسي فان قتل جاسوس الآن يجب تأجيله الى لحظة اتفاق سياسي مع الغرب على خطوط النار .. وبعدها لن يكترث الغرب بحياة قاذورة أو جاسوس حقير أو عميل احترق تقتله المخابرات الروسية وقد تحول الى عبء تكلف معيشته وحياته وأمنه الكثير من اموال دافعي الضرائب ..
الحقيقة ان عملية قتل الجاسوس الروسي صادرة عن مصنع الأكاذيب ذاته الذي بدأ أول كذبة عن فلسطين في كذية وعد بلفور التي اعتبرت فلسسطين ملكا للتاج البريطاني وانها أرض بلاشعب توهب لشعب بلا أرض .. وكذبة الجاسوس الروسي لاتنفصل عن سابقاتها من أكاذيب اسلحة الدمار الشامل العراقية .. وقتل "الشهيد رفيء الحريري على يد السوريين لنيل الاستئلال اللبنيني" .. ومثل كذبة الثورة السورية والربيع العربي وقتل المتظاهرين السلميين وحمزة الخطيب ووو .. الا ان قتل الجاسوس ربما ستكسب منها بريطانيا والغرب من الناحية الاعلامية ولكن التاثيرات الجانبية ستكون أكثر سوءا على مستقبل العمل الاستخباراتي الغربي لأن كل من تسول له نفسه اليوم أن يخون وطنه أو يحب أن يلبس ثوب العمالة في روسيا سيفكر ألف مرة .. وسيفيق كل ليلة متعرقا وقد جف حلقه بسبب الكوابيس التي ستجتاح أحلامه .. وسيجد وجه فلاديمبر بوتين يظهر له في كل مكان وهو يحمل حبل مشنقة .. شعور لايضاهى لجاسوس خائن ..
أتمنى من المخابرات البريطانية التي سممت الجاسوس لتقطف حملة اعلامية ان تباشر حملة تصفية للعملاء السوريين والعرب الذين انتهت فعاليتهم وانتهت الفائدة منهم وتحولوا الى عبء على الحكومة والميزانية ودافعي الضرائب .. وهي بلا شك ستقوم باستعمال وسائلها القذرة للتخلص منهم عند اتخاذ القرار وتتهم فيه النظام السوري .. ولكنني أتمنى من جهة اخرى في تناقض مع الحقيقة أن يكون الجاسوس الروسي فعلا قد تلقى عقابه عن طريق المخابرات الروسية التي أوصلت حكم العدالة والشعب الروسي الى غرفة الجاسوس وهو في أحضان سادته .. لأن الدرس عظيم ورادع ..
بالمناسبة هناك عملاء وجواسيس سوريون منتشرون في تركيا وقطر والسعودية .. وهؤلاء لايوجد اي جاذبية في المساس بهم لأننا نفضل أن نتركهم لمستضيفيهم الاتراك والعرب الذين لن يخالجهم اي شعور بالخجل عندما سيقررون التخلص منهم .. ماان تنتهي الحرب حتى سنسمع عن وفيات مفاجئة لكثير من العملاء والخونة الذين يحملون الأسرار الكبرى .. وستطلب هذه الدول الغاز المميت من روسيا لاستعماله ضد هذه الحشرات .. ولكن علينا أن نصحح للعرب والاتراك بأن يتوجهوا بالطلب الى بريطانيا التي لها خبرة كبيرة وباع طويل في استعمال الغازات السامة والمواد المشعة والاغتيالات الصامتة .. وعملية التخلص من الفضلات ثم تحويلها الى ورود حمراء يبكي عليها الشعب ..
=========================
ملاحظة: أذا قامت المخابرات الاسرائيلية بتصفية بعض عملائها وجواسيسها الذين يجلسون في قطر وخاصة ذلك الذي يبيض وجه محمد بن عبد الوهاب ويغسل لحية الجولاني بالمنظفات ويغسل اسنان نتنياهو من آثار الدم الفلسطيني والعربي .. ويزيل في 45 دكيكة آثار دماء الفلسطينيين عبر 70 سنة ويغسل دم جدران البيوت والأرض التي تنزف وهي تقطع كاللحم الحي بسكاكين الدبابات والجرافات الاسرائيلية .. فانني اعدكم انني لن أتفاجأ .. لأن الجاسوس غير اليهودي سيفيد حيا وميتا .. ولكن أتمنى ألا يحوله الثورجيون الى رفيء حريري جديد .. ويرفعونه الى مصاف الأنبياء والقديسين .. فالنفايات والقاذورات التي تصنع منها الورود الصناعية لاتسكنها الا العناكب لاصطياد الفراشات .. العناكب التي تكون بيوتها واهية جدا ..
المصدر :
نارام سرجون
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة