لمعرفة ما هي الاهمية الاستراتيجية لمعركة تحرير الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، يكفي متابعة هذا المستوى غير المسبوق من التوتر الغربي والاميركي تحديداً، وحيث تشهد أروقة مجلس الامن استنفارا متواصلا لمواكبة تلك العملية ومحاولة اعاقتها او تأخيرها، يبدو ان الدولة السورية مدعومة من روسيا، قد اتخذت القرار الذي لا رجوع عنه، والقاضي باكمال تحريرها واعادة الامان اليها.

يمكن القول ان مناورة تحرير الغوطة الشرقية التي يقودها الجيش العربي السوري حاليا، تشكل نموذجا من المناورات الثابتة التي طبعت اغلب عمليات التحرير في سوريا، وحيث كان لجميع تلك المعارك طابع مميز وصادم في تكتيك الاختراق الحساس والمهاجمة المفاجئة والانقضاض العنيف، يبقى لعملية الدخول والاقتراب التي اعتمدها هذا الجيش في الغوطة الشرقية خصوصية ميدانية واستراتيجية يمكن تحديدها كالتالي:

- تم الاعتماد بداية على نقطة ارتكاز ثابتة هي منطقة ادارة المركبات، التي كانت متداخلة اساسا قبل العملية مع مواقع سيطرة المسلحين، ما بين حرستا ودوما شمالا، مَديَرا شرقا وعربين جنوبا، وكان الجيش يستشرس دائما للمدافعة عنها بمواجهة الارهابيين، تماما كما حصل سابقا في قاعدة كويرس الجوية شرق حلب، او في دير الزور، او في الاحياء الغربية لمدينة حلب.

- بالتوازي مع ضغط وحدات الجيش انطلاقا من ادارة المركبات في كافة الاتجاهات، توزعت جهود الوحدات المهاجمة على اغلب محاور الاقتراب الممكنة، وحيث اوحت للمسلحين ان كل اتجاه جاهز لان يكون محور المهاجمة الرئيسي، اعتُمِدَ المحور الشرقي للمهاجمة الرئيسة، وتقدمت وحدات الاختراق غربا لمسافة كافية، أمنت من خلالها الفصل الكامل بين الارهابيين، ومحاصرتهم في ثلاثة جيوب منعزلة، دوما شمالا، حرستا شمال غرب، ومثلث (عربين- زملكا - كفربطنا) جنوب غرب.

انطلاقا من التقدم الميداني المذكور اعلاه، امتلك الجيش العربي السوري القدرة على استكمال مناورته، تبعا لنتائج التفاوض المرتقبة، وذلك على الشكل التالي:

- بعد ان حقق العزل الكامل بين مجموعات المسلحين الاساسيين الثلاث، جيش الاسلام في دوما، حركة احرار الشام في حرستا وفيلق الرحمن مع جبهة النصرة في جنوب غرب الغوطة الشرقية، استطاع إبعاد اي تأثير لمجموعة على اخرى كما كان يحدث سابقا، وحيث فقدت كل من المجموعات الثلاث ميزة الدعم المتبادل، عسكريا او تفاوضيا، يمكن للجيش التحكم الان بمسار تلك المفاوضات بالشكل الذي يُسَرّع الحل ويُعيد الأمان لابناء الغوطة الشرقية.

- اصبح الجيش العربي السوري يملك الان داخل الغوطة الشرقية نقاط ارتكاز وتواصل وربط بين مجموعاته المنتشرة في الاتجاهات الاربعة، وهذه الوحدات تمتلك الميادين المناسبة لتنفيذ اي عملية مهاجمة تستهدف كل مجموعة مسلحة من الثلاث على حدة، وحيث يملك جهودا مهمة جاهزة في اي اتجاه، يمكنه الضغط اذا اراد على المجموعات الثلاث مجتمعة بالتوازي، أو السير بالمناورة التي تفرضها معطيات العملية تبعا لنتيجة التفاوض.

- بعد هذا التقدم والانتشار الميداني فاصلا المجموعات الثلاث، اعطى الجيش للدولة السورية، واستطرادا لروسيا، هامشا واسعا من المناورة في التفاوض مع الرعاة الخارجيين لتلك المجموعات، وكما افقد المسلحين القدرة على التنسيق والتواصل ميدانيا داخل الغوطة، سينتزع من رعاتِهم القدرةِ على استغلال المجموعات الاخرى لتبادل الاتهامات ورمي المسؤولية، والتي كانت تلجأ اليها عمليا للتملص من التزامات وقف النار والهدنة والمفاوضات والابتعاد عن المجموعات الارهابية.

وهكذا يكون الجيش العربي السوري بمناورته اللافتة ميدانيا وعسكريا، فرض المسار الانسب لحل مشكلة الغوطة الشرقية، والتي طالما شكلت ثغرة مؤذية للعاصمة دمشق وخاصرة ضعيفة لها، وهو الان على الطريق لاستكمال تحريرها تحضرا لاستكمال معركة التحرير على كامل الجغرافيا السورية.

  • فريق ماسة
  • 2018-03-14
  • 6465
  • من الأرشيف

بماذا تتميز مناورة الجيش العربي السوري في عملية تحريره للغوطة الشرقية؟

لمعرفة ما هي الاهمية الاستراتيجية لمعركة تحرير الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، يكفي متابعة هذا المستوى غير المسبوق من التوتر الغربي والاميركي تحديداً، وحيث تشهد أروقة مجلس الامن استنفارا متواصلا لمواكبة تلك العملية ومحاولة اعاقتها او تأخيرها، يبدو ان الدولة السورية مدعومة من روسيا، قد اتخذت القرار الذي لا رجوع عنه، والقاضي باكمال تحريرها واعادة الامان اليها. يمكن القول ان مناورة تحرير الغوطة الشرقية التي يقودها الجيش العربي السوري حاليا، تشكل نموذجا من المناورات الثابتة التي طبعت اغلب عمليات التحرير في سوريا، وحيث كان لجميع تلك المعارك طابع مميز وصادم في تكتيك الاختراق الحساس والمهاجمة المفاجئة والانقضاض العنيف، يبقى لعملية الدخول والاقتراب التي اعتمدها هذا الجيش في الغوطة الشرقية خصوصية ميدانية واستراتيجية يمكن تحديدها كالتالي: - تم الاعتماد بداية على نقطة ارتكاز ثابتة هي منطقة ادارة المركبات، التي كانت متداخلة اساسا قبل العملية مع مواقع سيطرة المسلحين، ما بين حرستا ودوما شمالا، مَديَرا شرقا وعربين جنوبا، وكان الجيش يستشرس دائما للمدافعة عنها بمواجهة الارهابيين، تماما كما حصل سابقا في قاعدة كويرس الجوية شرق حلب، او في دير الزور، او في الاحياء الغربية لمدينة حلب. - بالتوازي مع ضغط وحدات الجيش انطلاقا من ادارة المركبات في كافة الاتجاهات، توزعت جهود الوحدات المهاجمة على اغلب محاور الاقتراب الممكنة، وحيث اوحت للمسلحين ان كل اتجاه جاهز لان يكون محور المهاجمة الرئيسي، اعتُمِدَ المحور الشرقي للمهاجمة الرئيسة، وتقدمت وحدات الاختراق غربا لمسافة كافية، أمنت من خلالها الفصل الكامل بين الارهابيين، ومحاصرتهم في ثلاثة جيوب منعزلة، دوما شمالا، حرستا شمال غرب، ومثلث (عربين- زملكا - كفربطنا) جنوب غرب. انطلاقا من التقدم الميداني المذكور اعلاه، امتلك الجيش العربي السوري القدرة على استكمال مناورته، تبعا لنتائج التفاوض المرتقبة، وذلك على الشكل التالي: - بعد ان حقق العزل الكامل بين مجموعات المسلحين الاساسيين الثلاث، جيش الاسلام في دوما، حركة احرار الشام في حرستا وفيلق الرحمن مع جبهة النصرة في جنوب غرب الغوطة الشرقية، استطاع إبعاد اي تأثير لمجموعة على اخرى كما كان يحدث سابقا، وحيث فقدت كل من المجموعات الثلاث ميزة الدعم المتبادل، عسكريا او تفاوضيا، يمكن للجيش التحكم الان بمسار تلك المفاوضات بالشكل الذي يُسَرّع الحل ويُعيد الأمان لابناء الغوطة الشرقية. - اصبح الجيش العربي السوري يملك الان داخل الغوطة الشرقية نقاط ارتكاز وتواصل وربط بين مجموعاته المنتشرة في الاتجاهات الاربعة، وهذه الوحدات تمتلك الميادين المناسبة لتنفيذ اي عملية مهاجمة تستهدف كل مجموعة مسلحة من الثلاث على حدة، وحيث يملك جهودا مهمة جاهزة في اي اتجاه، يمكنه الضغط اذا اراد على المجموعات الثلاث مجتمعة بالتوازي، أو السير بالمناورة التي تفرضها معطيات العملية تبعا لنتيجة التفاوض. - بعد هذا التقدم والانتشار الميداني فاصلا المجموعات الثلاث، اعطى الجيش للدولة السورية، واستطرادا لروسيا، هامشا واسعا من المناورة في التفاوض مع الرعاة الخارجيين لتلك المجموعات، وكما افقد المسلحين القدرة على التنسيق والتواصل ميدانيا داخل الغوطة، سينتزع من رعاتِهم القدرةِ على استغلال المجموعات الاخرى لتبادل الاتهامات ورمي المسؤولية، والتي كانت تلجأ اليها عمليا للتملص من التزامات وقف النار والهدنة والمفاوضات والابتعاد عن المجموعات الارهابية. وهكذا يكون الجيش العربي السوري بمناورته اللافتة ميدانيا وعسكريا، فرض المسار الانسب لحل مشكلة الغوطة الشرقية، والتي طالما شكلت ثغرة مؤذية للعاصمة دمشق وخاصرة ضعيفة لها، وهو الان على الطريق لاستكمال تحريرها تحضرا لاستكمال معركة التحرير على كامل الجغرافيا السورية.

المصدر : الماسة السورية/ العهد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة