المشهد الأول: رجل يحمل طفليه على كتفيه بفزع وهو يجوب الشارع المهدم بينما الدخان والغبار يحجبان أشعة الشمس.. ويخلقان مشهدا سينمائيا مرعبا متقن الإخراج..

المشهد الثاني:   طفله ترتدي تنورة حمراء ممزقة وشعرها الطفولي الجميل يتناثر حول جسدها الصغير تشق طريقها عبر الشارع في حالة رعب شديد.. الركام وشظايا الأبنية المتهدمة والشمس تكاد تُحجب بطبقة كثيفة من الغبار..

المشاهد تم إخراجها بطريقة فنية شديدة الإتقان وكأنك بالفعل تشاهد صورا سينمائية أنتجتها أقوى العقول الفنية  والتكنولوجية في هوليوود، عاصمة السينما الأمريكية.

لا وجود لمراسلي محطات التلفزة العالمية في الغوطة إذن من يستطيع تصوير وإخراج هذه المشاهد المفرطة في جودة إخراجها ؟ معلوم طبعا أن المسلحين في هذه المنطقة مزودين بتكنولوجيا انترنت مرتبطة بالأقمار الصناعية وهي تكنولوجيا بالغة التقدم لنشر الفيديوهات والصور والاخبار عبر الشبكة العنكبوتية بسرعة بالغة ودقة متناهية. ولكن يظل الجواب على السؤال المهم مبهما: من يصور لهم ومن يخرج هذه الصور المتقنة شديدة التأثير على من يشاهدها.

بعد أن يتم التصوير والمونتاج المتقن ترسل هذه المقاطع الى الانترنت عبر الاقمار الصناعية وتتلقفها الفضائيات إياها  وتبثها مع تعليق بالصوت مدروس بعناية بحيث يُفَعل بشكل كبير قدرة الصورة على التأثير على من يشاهدها.

مشاهد مثلا هذه يتم إنتاجها في الغوطة الشامية وتأخذ مسارها فورا لتحط في شبكة الانترنت وتبث عبر فضائيات العربان وشبكات التواصل الاجتماعي وتنتشر بعد ذلك وفي دقائق معدودة لتجوب كوكب الأرض مئات المرات..

مع الأسف هكذا هو الحال في منطقتنا، وهكذا يَتشكل الرأي العام البائس حول مجريات الحروب التي تقودها الولايات المتحدة وتنفذها أيدي عربية إسلامية لتمعن قتلا في البشر وتدميرا اسطوريا لا رحمة فيه لموارد الشعوب وبناها التحتية ومتطلبات المستقبل على تنوعها واختلافها..

المشكلة ان الكل يعرف ذلك، الدول واجهزتها الاستخبارية والمتابعون والمراقبون ومن فقط يتابع الاخبار ويشغل عقله قليلا، ومع ذلك يستمر التأثير وخلق اسباب الاحباط والتطرف ..

الحديث موجه لمن من العربان يساهم في هذا القتل الحرام .. من سيدفع الثمن هو انتم ونحن وشعوبنا وسمعة امتنا والانسانية وقيم الخير والعدل والصلاح.. الا تدركون عواقب ما تفعلون ؟ اين الحد الادني من العقل ليتمكن العالم من الاعتراف بكم كبشر من الجنس البشري ؟

يوما ما ستدركون حجم المأساة في افعالكم.. لكنني اخشى انه عندما تكتشفون ذلك ان  يكون الحال قد تجاوز نقطة العودة الآمنة..

* اكاديمي ومحلل سياسي من الاردن

  • فريق ماسة
  • 2018-02-25
  • 11306
  • من الأرشيف

لا وجود لمراسلي محطات التلفزة العالمية في الغوطة.. من يستطيع تصوير وإخراج المشاهد المفرطة في جودة إخراجها ؟

المشهد الأول: رجل يحمل طفليه على كتفيه بفزع وهو يجوب الشارع المهدم بينما الدخان والغبار يحجبان أشعة الشمس.. ويخلقان مشهدا سينمائيا مرعبا متقن الإخراج.. المشهد الثاني:   طفله ترتدي تنورة حمراء ممزقة وشعرها الطفولي الجميل يتناثر حول جسدها الصغير تشق طريقها عبر الشارع في حالة رعب شديد.. الركام وشظايا الأبنية المتهدمة والشمس تكاد تُحجب بطبقة كثيفة من الغبار.. المشاهد تم إخراجها بطريقة فنية شديدة الإتقان وكأنك بالفعل تشاهد صورا سينمائية أنتجتها أقوى العقول الفنية  والتكنولوجية في هوليوود، عاصمة السينما الأمريكية. لا وجود لمراسلي محطات التلفزة العالمية في الغوطة إذن من يستطيع تصوير وإخراج هذه المشاهد المفرطة في جودة إخراجها ؟ معلوم طبعا أن المسلحين في هذه المنطقة مزودين بتكنولوجيا انترنت مرتبطة بالأقمار الصناعية وهي تكنولوجيا بالغة التقدم لنشر الفيديوهات والصور والاخبار عبر الشبكة العنكبوتية بسرعة بالغة ودقة متناهية. ولكن يظل الجواب على السؤال المهم مبهما: من يصور لهم ومن يخرج هذه الصور المتقنة شديدة التأثير على من يشاهدها. بعد أن يتم التصوير والمونتاج المتقن ترسل هذه المقاطع الى الانترنت عبر الاقمار الصناعية وتتلقفها الفضائيات إياها  وتبثها مع تعليق بالصوت مدروس بعناية بحيث يُفَعل بشكل كبير قدرة الصورة على التأثير على من يشاهدها. مشاهد مثلا هذه يتم إنتاجها في الغوطة الشامية وتأخذ مسارها فورا لتحط في شبكة الانترنت وتبث عبر فضائيات العربان وشبكات التواصل الاجتماعي وتنتشر بعد ذلك وفي دقائق معدودة لتجوب كوكب الأرض مئات المرات.. مع الأسف هكذا هو الحال في منطقتنا، وهكذا يَتشكل الرأي العام البائس حول مجريات الحروب التي تقودها الولايات المتحدة وتنفذها أيدي عربية إسلامية لتمعن قتلا في البشر وتدميرا اسطوريا لا رحمة فيه لموارد الشعوب وبناها التحتية ومتطلبات المستقبل على تنوعها واختلافها.. المشكلة ان الكل يعرف ذلك، الدول واجهزتها الاستخبارية والمتابعون والمراقبون ومن فقط يتابع الاخبار ويشغل عقله قليلا، ومع ذلك يستمر التأثير وخلق اسباب الاحباط والتطرف .. الحديث موجه لمن من العربان يساهم في هذا القتل الحرام .. من سيدفع الثمن هو انتم ونحن وشعوبنا وسمعة امتنا والانسانية وقيم الخير والعدل والصلاح.. الا تدركون عواقب ما تفعلون ؟ اين الحد الادني من العقل ليتمكن العالم من الاعتراف بكم كبشر من الجنس البشري ؟ يوما ما ستدركون حجم المأساة في افعالكم.. لكنني اخشى انه عندما تكتشفون ذلك ان  يكون الحال قد تجاوز نقطة العودة الآمنة.. * اكاديمي ومحلل سياسي من الاردن

المصدر : رأي اليوم/ أ.د احمد القطامين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة