كما هي حال جميع المحافظات السورية، تعرضت العاصمة دمشق خلال سنوات الحرب لمتغيرات سكانية واقتصادية واجتماعية ضاغطة، إلا أنّها من جانب آخر شهدت بفعل منعكسات الحرب أيضاً زيادة في مؤشرات أخرى قد تقود إلى «ضوء في آخر النفق»

عندما كان الخطر يقترب من أحياء دمشق في عام 2013، لم يتردد مثقف كبير، في اجتماع مهمّ، باقتراح إمكانية حفر خندق كبير يعزل العاصمة أمنياً عن محيطها ويحميها من أي هجوم مرتقب.

آنذاك، لم يرُق الاقتراح كثيرين، وتعاملوا معه باستخفاف شديد، لكن عملياً كانت السواتر الترابية ترتفع تدريجاً على أطراف العاصمة، تحسباً لمحاولات اختراق مفاجئة يكون منطلقها الريف القريب أو الأحياء القابعة على الأطراف، هذا فضلاً عن الانتشار الكثيف للحواجز الأمنية الممسكة بشدة بمداخل العاصمة والطرق الخارجية المؤدية إليها.

ومع ذلك، لم يحدث طوال السنوات السبع الماضية أن أُغلقَت العاصمة مرة واحدة أو عُزلَت عن محيطها، حتى في أحلك الظروف والتهديدات الأمنية، وهذا ربما ما عزز القناعة الشعبية بالوضع الآمن للعاصمة، وتحولها تالياً إلى إحدى أهم وجهات نزوح بعض السوريين وأموالهم وأعمالهم، وهو تطور كان له تأثيراته بالحالة الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية للعاصمة.

نزوح ولجوء وهجرة!

على خلاف ما يعتقده كثيرون، ليست دمشق الأكبر بين المحافظات السورية بعدد سكانها، سواء قبل الأزمة أو خلالها، إذ وفق ما تشير إليه تقديرات المكتب المركزي للإحصاء الخاصة بعدد السكان الموجودين في سوريا منتصف عام 2011، جاءت دمشق في المرتبة الرابعة خلف كل من حلب وريف دمشق وحمص، حيث سجلت آنذاك وجود 1,745 مليون شخص فيها، في حين أن البيانات السكانية المعتمدة على سجلات الأحوال المدنية، والمؤرخة ببداية عام 2011، قذفت بالعاصمة إلى المرتبة السادسة بنحو 1,780 مليون شخص، مع الإشارة هنا إلى نقطتين مهمتين: الأولى تتعلق بضرورة التمييز بين الإقامة والاستقرار المكاني في العاصمة، وبين زيارتها لأسباب عدة، وهذا التمييز ضروري لإزالة أي التباس قد يثار حول الرقم المعلن لعدد سكان العاصمة.

585 ألف شخص نزحوا إلى دمشق من نحو 12 محافظة

أما النقطة الثانية، فتتمثل بأن المحافظة شهدت، كغيرها من المحافظات، تحت ضغط عوامل معينة انزياحات سكانية مستمرة أثرت بالتركيبة السكانية للعاصمة وخصائصها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

في الأزمة حدثت متغيرات كثيرة بمختلف المجالات، بعضها قلب «أوراق» العاصمة وبعثرها كالنزوح والهجرة، وبعضها الآخر سبّب تأثيرات ليس من السهل تجاوزها أو معالجتها من دون توقف الحرب، كحالة الأمن الغذائي وظهور ما بات يعرف باقتصاديات الحرب، فضلاً عن مؤشرات ما يسمى رأس المال الاجتماعي.

أولى المتغيرات كانت في الانزياحات السكانية التي حدثت تحت ضغط المعارك الدائرة في بعض أحياء العاصمة وفي المحافظات الأخرى، حيث تؤكد البيانات الرسمية الصادرة عن لجنة الإغاثة العليا الحكومية أن دمشق استقبلت بنهاية عام 2016 ما يقرب من 862 ألف نازح، لتأتي بذلك في المترتبة الثانية بعد ريف دمشق في استقبال النازحين الذين بلغ عددهم على مستوى سوريا، ووفقاً للمصدر السابق، نحو 5,241 ملايين نازح.

وتظهر البيانات الصادرة عن المركز السوري لبحوث السياسات، والمستندة إلى مسح السكان الذي أجراه بالتعاون مع الحكومة السورية، أن النازحين إلى العاصمة أصبحوا يشكلون كتلة لا بأس بها من سكان العاصمة (نحو 31%)، حيث قدرت البيانات المذكورة عدد سكان العاصمة في عام 2015 بنحو 1,862 مليون شخص، منهم 1,277 مليون شخص صنفوا على أنهم مستقرون مكانياً، و585 ألف شخص نزحوا إليها خلال فترة الحرب من نحو 12 محافظة، إلا أن القسم الأكبر منهم، وهم بحدود 46%، جاؤوا من أحياء العاصمة الساخنة، ونحو 29% تقريباً من ريف دمشق.

واللافت في مسألة الانزياحات السكانية للعاصمة أن عدد النازحين منها وإليها كان شبه متقارب، فإلى جانب نزوح نحو 265 ألف شخص من العاصمة، هناك ما يقرب من 121 ألف دمشقي اختاروا طريق اللجوء، وكانت وجهتهم المفضلة في ذلك دول رئيسية في المنطقة أهمها مصر، لبنان، الأردن، وتركيا، في حين أن الهجرة استقطبت نحو 134 ألف دمشقي، جاء لبنان أولاً بين الدول المستقبلة لهم، فالدول الأوروبية، ثم مصر، وتركيا. وبهذا يكون قد غادر دمشق في السنوات الأربع الأولى من عمر الحرب نحو 520 ألف من سكانها، أي ما يقرب من ثلث سكانها.

فرص الاتفاق أكبر

تحملت العاصمة تبعات الحرب مرتين، مرة عندما فقدت تركيبتها السكانية وما قاد إليه ذلك من متغيرات على حياة سكانها وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، ومرة عندما عادت لتتحول إلى ملجأ وحيد لآلاف السوريين المقيمين في المحافظات الأخرى، والطامحين إلى الظفر بسرير علاج في مستشفياتها وعيادات أطبائها أو بفرصة عمل في مؤسساتها وشركاتها التي لا تزال ناشطة. إذ تشير التقديرات الإحصائية إلى أن «دمشق تخدم اليوم ما يزيد على 6 ملايين شخص، رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز 2 إلى 2,5 مليون شخص» كما يقول رئيس الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان الدكتور أكرم القش، الذي يؤكد أيضاً أن «دمشق كانت من بين أربع محافظات (إلى جانب السويداء، طرطوس، واللاذقية) شهدت مؤشراتها التنموية تأثراً بفعل الحركة السكانية الوافدة إليها، حيث زاد الضغط على الخدمات، وخاصة في مجالات التعليم والصحة وغيرها. هذا رغم أن تكلفة المعيشة والسكن المرتفعة فيها جعلت كثيرين يفضلون النزوح نحو مناطق آمنة أخرى أقل تكلفة». ويضيف في تصريح لـ«الأخبار» أن «المؤشرات التنموية لدمشق، خلال الفترة الأولى الممتدة من عام 2011 وحتى عام 2013، تعرضت لتراجع نسبي، ثم ما لبثت أن عادت إلى مستوياتها الطبيعية رغم الخلل الناجم عن استمرار الضغط على الخدمات العامة». لكن ذلك لا يعني أنها أصبحت مؤشرات مثالية كما قد يتصور البعض، إذ رغم التحسن الواضح الذي عبّرت عنه نتائج مسح الأمن الغذائي الأخير، إلا أن مؤشراتها الخاصة في دمشق لا تزال مقلقة، فهناك ما يقرب من 46,7% من سكان العاصمة معرضون للسقوط في دائرة الفقر الغذائي مع أي تطور سلبي مفاجئ، لا بل إن هناك 20,9% يعانون فعلاً من فقر غذائي، وفقط 32,4% من سكان العاصمة صنفوا بحسب المسح على أنهم آمنون غذائياً.

وإذا كانت العاصمة تحرز تقدماً تدريجياً في استعادة بعض من مؤشراتها التنموية، مستفيدة من تحسن الوضع الأمني والاقتصادي، فإنها في الجانب الاجتماعي، كباقي المحافظات الأخرى، أمام مهمة يتفق الجميع على صعوبتها وخطورتها، رغم أن مؤشراتها في هذا الجانب تبدو «متفائلة» بعض الشيء مقارنة بالمحافظات التي شهدت مستويات مرتفعة من الدمار. فمثلاً تحتل دمشق المرتبة الأخيرة بين المحافظات لجهة انخراط سكانها في أعمال غير قانونية خلال فترة الأزمة، إذ لم تتجاوز نسبة الأشخاص المتورطين في مثل هذه الأعمال نحو 7,5% من إجمالي عدد سكان المحافظة، كذلك يؤكد الباحث زكي محشي في ورقة عمل قدمها أخيراً لجمعية العلوم الاقتصادية أن «مؤشر رأس المال الاجتماعي تراجع خلال سنوات الحرب في دمشق بنسبة 10% فقط، بينما كانت نسبة تراجعه في الرقة نحو 80%». وما يعزز الأمل أكثر بقدرة العاصمة على تجاوز تأثيرات محنة الحرب، أو كما يحبذ السوريون قوله هذه الأيام «رؤية ضوء في آخر نفق أزمتهم»، أن مؤشرات مكونات رأس المال الاجتماعي خلال سنوات الحرب كانت في معظمها إيجابية، فمن جهة هناك ميل متزايد لدى سكان العاصمة للتعاون من أجل تجاوز مشاكلهم، بدليل أن المؤشر الخاص بذلك شهد ارتفاعاً من 0,68 قبل الأزمة إلى 0,73 أثنائها، ومن جهة ثانية هناك اتجاه لدى سكان دمشق للاتفاق على ملفين أساسيين، الأول رؤيتهم لمستقبل منطقتهم، وقد ازداد هذا المؤشر من 0,64 إلى 0,67، والثاني رؤيتهم لمستقبل سوريا، وهنا سجل المؤشر زيادة من 0.70 إلى 0,72 أثناء الأزمة.

  • فريق ماسة
  • 2018-01-06
  • 12752
  • من الأرشيف

ثلث سكانها نازحون وتَخدم ستة ملايين: دمشق المسكونة بعبارة «أفضل من غيرها»!.

كما هي حال جميع المحافظات السورية، تعرضت العاصمة دمشق خلال سنوات الحرب لمتغيرات سكانية واقتصادية واجتماعية ضاغطة، إلا أنّها من جانب آخر شهدت بفعل منعكسات الحرب أيضاً زيادة في مؤشرات أخرى قد تقود إلى «ضوء في آخر النفق» عندما كان الخطر يقترب من أحياء دمشق في عام 2013، لم يتردد مثقف كبير، في اجتماع مهمّ، باقتراح إمكانية حفر خندق كبير يعزل العاصمة أمنياً عن محيطها ويحميها من أي هجوم مرتقب. آنذاك، لم يرُق الاقتراح كثيرين، وتعاملوا معه باستخفاف شديد، لكن عملياً كانت السواتر الترابية ترتفع تدريجاً على أطراف العاصمة، تحسباً لمحاولات اختراق مفاجئة يكون منطلقها الريف القريب أو الأحياء القابعة على الأطراف، هذا فضلاً عن الانتشار الكثيف للحواجز الأمنية الممسكة بشدة بمداخل العاصمة والطرق الخارجية المؤدية إليها. ومع ذلك، لم يحدث طوال السنوات السبع الماضية أن أُغلقَت العاصمة مرة واحدة أو عُزلَت عن محيطها، حتى في أحلك الظروف والتهديدات الأمنية، وهذا ربما ما عزز القناعة الشعبية بالوضع الآمن للعاصمة، وتحولها تالياً إلى إحدى أهم وجهات نزوح بعض السوريين وأموالهم وأعمالهم، وهو تطور كان له تأثيراته بالحالة الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية للعاصمة. نزوح ولجوء وهجرة! على خلاف ما يعتقده كثيرون، ليست دمشق الأكبر بين المحافظات السورية بعدد سكانها، سواء قبل الأزمة أو خلالها، إذ وفق ما تشير إليه تقديرات المكتب المركزي للإحصاء الخاصة بعدد السكان الموجودين في سوريا منتصف عام 2011، جاءت دمشق في المرتبة الرابعة خلف كل من حلب وريف دمشق وحمص، حيث سجلت آنذاك وجود 1,745 مليون شخص فيها، في حين أن البيانات السكانية المعتمدة على سجلات الأحوال المدنية، والمؤرخة ببداية عام 2011، قذفت بالعاصمة إلى المرتبة السادسة بنحو 1,780 مليون شخص، مع الإشارة هنا إلى نقطتين مهمتين: الأولى تتعلق بضرورة التمييز بين الإقامة والاستقرار المكاني في العاصمة، وبين زيارتها لأسباب عدة، وهذا التمييز ضروري لإزالة أي التباس قد يثار حول الرقم المعلن لعدد سكان العاصمة. 585 ألف شخص نزحوا إلى دمشق من نحو 12 محافظة أما النقطة الثانية، فتتمثل بأن المحافظة شهدت، كغيرها من المحافظات، تحت ضغط عوامل معينة انزياحات سكانية مستمرة أثرت بالتركيبة السكانية للعاصمة وخصائصها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. في الأزمة حدثت متغيرات كثيرة بمختلف المجالات، بعضها قلب «أوراق» العاصمة وبعثرها كالنزوح والهجرة، وبعضها الآخر سبّب تأثيرات ليس من السهل تجاوزها أو معالجتها من دون توقف الحرب، كحالة الأمن الغذائي وظهور ما بات يعرف باقتصاديات الحرب، فضلاً عن مؤشرات ما يسمى رأس المال الاجتماعي. أولى المتغيرات كانت في الانزياحات السكانية التي حدثت تحت ضغط المعارك الدائرة في بعض أحياء العاصمة وفي المحافظات الأخرى، حيث تؤكد البيانات الرسمية الصادرة عن لجنة الإغاثة العليا الحكومية أن دمشق استقبلت بنهاية عام 2016 ما يقرب من 862 ألف نازح، لتأتي بذلك في المترتبة الثانية بعد ريف دمشق في استقبال النازحين الذين بلغ عددهم على مستوى سوريا، ووفقاً للمصدر السابق، نحو 5,241 ملايين نازح. وتظهر البيانات الصادرة عن المركز السوري لبحوث السياسات، والمستندة إلى مسح السكان الذي أجراه بالتعاون مع الحكومة السورية، أن النازحين إلى العاصمة أصبحوا يشكلون كتلة لا بأس بها من سكان العاصمة (نحو 31%)، حيث قدرت البيانات المذكورة عدد سكان العاصمة في عام 2015 بنحو 1,862 مليون شخص، منهم 1,277 مليون شخص صنفوا على أنهم مستقرون مكانياً، و585 ألف شخص نزحوا إليها خلال فترة الحرب من نحو 12 محافظة، إلا أن القسم الأكبر منهم، وهم بحدود 46%، جاؤوا من أحياء العاصمة الساخنة، ونحو 29% تقريباً من ريف دمشق. واللافت في مسألة الانزياحات السكانية للعاصمة أن عدد النازحين منها وإليها كان شبه متقارب، فإلى جانب نزوح نحو 265 ألف شخص من العاصمة، هناك ما يقرب من 121 ألف دمشقي اختاروا طريق اللجوء، وكانت وجهتهم المفضلة في ذلك دول رئيسية في المنطقة أهمها مصر، لبنان، الأردن، وتركيا، في حين أن الهجرة استقطبت نحو 134 ألف دمشقي، جاء لبنان أولاً بين الدول المستقبلة لهم، فالدول الأوروبية، ثم مصر، وتركيا. وبهذا يكون قد غادر دمشق في السنوات الأربع الأولى من عمر الحرب نحو 520 ألف من سكانها، أي ما يقرب من ثلث سكانها. فرص الاتفاق أكبر تحملت العاصمة تبعات الحرب مرتين، مرة عندما فقدت تركيبتها السكانية وما قاد إليه ذلك من متغيرات على حياة سكانها وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، ومرة عندما عادت لتتحول إلى ملجأ وحيد لآلاف السوريين المقيمين في المحافظات الأخرى، والطامحين إلى الظفر بسرير علاج في مستشفياتها وعيادات أطبائها أو بفرصة عمل في مؤسساتها وشركاتها التي لا تزال ناشطة. إذ تشير التقديرات الإحصائية إلى أن «دمشق تخدم اليوم ما يزيد على 6 ملايين شخص، رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز 2 إلى 2,5 مليون شخص» كما يقول رئيس الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان الدكتور أكرم القش، الذي يؤكد أيضاً أن «دمشق كانت من بين أربع محافظات (إلى جانب السويداء، طرطوس، واللاذقية) شهدت مؤشراتها التنموية تأثراً بفعل الحركة السكانية الوافدة إليها، حيث زاد الضغط على الخدمات، وخاصة في مجالات التعليم والصحة وغيرها. هذا رغم أن تكلفة المعيشة والسكن المرتفعة فيها جعلت كثيرين يفضلون النزوح نحو مناطق آمنة أخرى أقل تكلفة». ويضيف في تصريح لـ«الأخبار» أن «المؤشرات التنموية لدمشق، خلال الفترة الأولى الممتدة من عام 2011 وحتى عام 2013، تعرضت لتراجع نسبي، ثم ما لبثت أن عادت إلى مستوياتها الطبيعية رغم الخلل الناجم عن استمرار الضغط على الخدمات العامة». لكن ذلك لا يعني أنها أصبحت مؤشرات مثالية كما قد يتصور البعض، إذ رغم التحسن الواضح الذي عبّرت عنه نتائج مسح الأمن الغذائي الأخير، إلا أن مؤشراتها الخاصة في دمشق لا تزال مقلقة، فهناك ما يقرب من 46,7% من سكان العاصمة معرضون للسقوط في دائرة الفقر الغذائي مع أي تطور سلبي مفاجئ، لا بل إن هناك 20,9% يعانون فعلاً من فقر غذائي، وفقط 32,4% من سكان العاصمة صنفوا بحسب المسح على أنهم آمنون غذائياً. وإذا كانت العاصمة تحرز تقدماً تدريجياً في استعادة بعض من مؤشراتها التنموية، مستفيدة من تحسن الوضع الأمني والاقتصادي، فإنها في الجانب الاجتماعي، كباقي المحافظات الأخرى، أمام مهمة يتفق الجميع على صعوبتها وخطورتها، رغم أن مؤشراتها في هذا الجانب تبدو «متفائلة» بعض الشيء مقارنة بالمحافظات التي شهدت مستويات مرتفعة من الدمار. فمثلاً تحتل دمشق المرتبة الأخيرة بين المحافظات لجهة انخراط سكانها في أعمال غير قانونية خلال فترة الأزمة، إذ لم تتجاوز نسبة الأشخاص المتورطين في مثل هذه الأعمال نحو 7,5% من إجمالي عدد سكان المحافظة، كذلك يؤكد الباحث زكي محشي في ورقة عمل قدمها أخيراً لجمعية العلوم الاقتصادية أن «مؤشر رأس المال الاجتماعي تراجع خلال سنوات الحرب في دمشق بنسبة 10% فقط، بينما كانت نسبة تراجعه في الرقة نحو 80%». وما يعزز الأمل أكثر بقدرة العاصمة على تجاوز تأثيرات محنة الحرب، أو كما يحبذ السوريون قوله هذه الأيام «رؤية ضوء في آخر نفق أزمتهم»، أن مؤشرات مكونات رأس المال الاجتماعي خلال سنوات الحرب كانت في معظمها إيجابية، فمن جهة هناك ميل متزايد لدى سكان العاصمة للتعاون من أجل تجاوز مشاكلهم، بدليل أن المؤشر الخاص بذلك شهد ارتفاعاً من 0,68 قبل الأزمة إلى 0,73 أثنائها، ومن جهة ثانية هناك اتجاه لدى سكان دمشق للاتفاق على ملفين أساسيين، الأول رؤيتهم لمستقبل منطقتهم، وقد ازداد هذا المؤشر من 0,64 إلى 0,67، والثاني رؤيتهم لمستقبل سوريا، وهنا سجل المؤشر زيادة من 0.70 إلى 0,72 أثناء الأزمة.

المصدر : زياد غصن/ الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة