في الواحد والعشرين من شهر آب/ اغسطس من العام 1942 بدأ الالمان هجوما عسكريا على مدينة ستالينغراد (فولغوغراد اليوم). حيث أدى الهجوم الى تحويل المدينة الى أنقاض.

وفي داخل المدينة التي احتلت ألمانيا الجزء الاكبر منها، احتدم النزال بين قوات «الفيرماخت» النازية والجيش الأحمر. وأخذت المعركة في جزء منها طابعا شخصيا عند كل من جوزيف ستالين من جهة وأدولف هتلر من جهة ثانية. فكلاهما اعتبرها فاصلة، ينبغي عدم خسارتها. احتل الالمان جزءً كبيرا من المدينة، لكنهم فشلوا في كسر آخر الخطوط الدفاعية للجيش السوفياتي الذي تمسك بالضفة الغربية لنهر الفولغا.

في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني نوفمبر من العام 1942، بدأ السوفيات حملة عسكرية أطلقوا عليها اسم «عملية أورانوس». اخترقوا خلالها التحصينات الالمانية التي انهارت تحت الضربات. وتمكن السوفيات في الثالث والعشرين من الشهر نفسه من محاصرة عشرات الالاف من قوات الجيش السادس والفيلق الرابع التابع للجيش الرابع داخل المدينة. وبعد رفض هتلر لفكرة الانسحاب من المدينة عبر قيام الجيش السادس بهجوم من الداخل لكسر الحصار والانسحاب، ازدادت اوضاع القوات المحاصرة سوءاً بسبب موجة الثلج وتفاقمت الامور مع أوامر هتلر بضرورة البقاء مهما كلف الثمن، مع ضمان مواصلة الدعم الجوي، ومن ثم قيام القوات الأخرى من خارج المدينة بهجوم مضاد لكسر الحصار وتوحيد القوات. فشل الهجوم الألماني المضاد الذي اطلق عليه اسم «عملية عاصفة الشتاء» في الوصول إلى ستالينغراد، وعجزت عمليات التموين الجوية عن نقل كميات كافية من المؤن والذخيرة لتغطية حاجيات الجيش، ثم توقفت كليا بعد استعادة الجيش الأحمر السيطرة على المطارات التي تستعملها القوات الألمانية. وهكذا كانت النهاية، بأن انهار الجيش السادس الالماني انهيارا تاما ما اضطر قائده «فريدريك باولوس» لاعلان الاستسلام في الثاني من شباط/ فبراير من العام 1943.

لقد شكلت معركة «ستالينغراد» نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية في طريق هزيمة النازية، وإن حاول الاعلام الغربي تظهير هزيمة النازية بعوامل ترتبط بأوروبا الغربية والولايات المتحدة الاميركية لحرمان الاتحاد السوفياتي من توظيف الانتصار في معركة «الايديولوجيا».

قد يبدو السؤال مشروعاً عن سبب الحديث عن معركة ستالينغراد اليوم. وعن المناسبة؟ والرسالة المبتغاة؟

اننا اليوم نعيش في اجواء الذكرى السنوية الاولى لاستعادة الجيش السوري والحلفاء لكامل مدينة حلب. وما بين حلب وستالينغراد قواسم مشتركة كثيرة.

انتصار حلب أحدث تحولا كبيرا في مسار الحرب السورية

لا تقتصر هذه القواسم المشتركة على الجانب المضموني للمعركة في ابعادها ونتائجها وانعكاساتها على مجمل المشهد العسكري السوري، بل ان التشابهات تتعلق بالشكل ايضا.

في الشكل، خسر الجيش السوري اجزاء كبيرة من مدينة حلب وبقي جزء منها تعرض للحصار  من الجماعات الارهابية قبل أن يسارع الجيش السوري لفتح خط بديل كمصدر للدعم، تماما كما حصل في ستالينغراد.

وفي الشكل ايضا، فان الجزء المتبقي بيد الجيش السوري كان الجزء الغربي في مقابل الضفة الغربية لنهر الفولغا بيد الجيش الاحمر.

وفي الشكل ثالثا، تحول الجيش السوري من محاصَرٍ الى محاصِر. وفي الشكل رابعاً، فان الجماعات الارهابية شنت هجوما كبيرا لفك الحصار عن الجزء الشرقي، فتحول الهجوم الى فخ مدمر اصاب عصب القوة الضاربة لهذه الجماعات في مقتل. وأدى لاحقا لقيام الجيش السوري بهجوم على مناطق المسلحين وإسقاطها. وفي الشكل خامسا وأخيرا فان روسيا التي هزمت النازية كانت عاملا مساعدا وداعما هاما في معركة حلب.

أما في المضمون، فقد شكلت معركة حلب انعطافه كبرى في سير العمليات العسكرية في سوريا. لقد كانت بداية النهاية لإنهاء نقطة ارتكاز كبيرة في الشمال السوري، وتشكيل كيان جغرافي واسع مرتبط بالجغرافيا التركية يمتد من الحدود السورية ـ التركية شمال حلب مرورا بإدلب وريفها وصولا الى تخوم حماة. فضلا عن حرمان هذه الجماعات من تحقيق انتصار في مدينة مركزية في الجغرافيا السورية كمدينة حلب. يضاف اليها منع تحول هذه المساحة نقطة انطلاق للاقتراب من المدينتين الرئيسيتين بعدها، وأعني حماة وحمص وصولا الى العاصمة. ويضاف الى كل ما تقدم حرمان المسلحين من دفع معنوي كبير يعطي زخما كبيرا لعملياتهم العسكرية في طول الساحة السورية وعرضها.

لا نبالغ ان قلنا انه كما مهدت معركة ستالينغراد لانهزام النازية، فان معركة حلب مهدت الطريق لمعركة البادية التي ادت لهزيمة داعش.

إن الضربة القوية التي تعرضت لها جبهة النصرة وحلفاؤها في حلب، والتي افقدتهم الى حد كبير القدرة على المناورة وخوض معارك كبرى، بل قدرتهم على شنها، اطلقت يد الجيش السوري والحلفاء في تركيز الجهد الحربي في ساحات قتالية اخرى.

ما بين ستالينغراد وحلب قصة صمود وإرادة وبطولات تحطمت على اسوار الاولى مشاريع النازية، فيما تحطمت على اسوار الثانية جماعات ارهابية ليست سوى ادوات الغرب التخريبية.

  • فريق ماسة
  • 2017-12-22
  • 15388
  • من الأرشيف

من ستالينغراد الى حلب: سقوط مشاريع الهيمنة

في الواحد والعشرين من شهر آب/ اغسطس من العام 1942 بدأ الالمان هجوما عسكريا على مدينة ستالينغراد (فولغوغراد اليوم). حيث أدى الهجوم الى تحويل المدينة الى أنقاض. وفي داخل المدينة التي احتلت ألمانيا الجزء الاكبر منها، احتدم النزال بين قوات «الفيرماخت» النازية والجيش الأحمر. وأخذت المعركة في جزء منها طابعا شخصيا عند كل من جوزيف ستالين من جهة وأدولف هتلر من جهة ثانية. فكلاهما اعتبرها فاصلة، ينبغي عدم خسارتها. احتل الالمان جزءً كبيرا من المدينة، لكنهم فشلوا في كسر آخر الخطوط الدفاعية للجيش السوفياتي الذي تمسك بالضفة الغربية لنهر الفولغا. في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني نوفمبر من العام 1942، بدأ السوفيات حملة عسكرية أطلقوا عليها اسم «عملية أورانوس». اخترقوا خلالها التحصينات الالمانية التي انهارت تحت الضربات. وتمكن السوفيات في الثالث والعشرين من الشهر نفسه من محاصرة عشرات الالاف من قوات الجيش السادس والفيلق الرابع التابع للجيش الرابع داخل المدينة. وبعد رفض هتلر لفكرة الانسحاب من المدينة عبر قيام الجيش السادس بهجوم من الداخل لكسر الحصار والانسحاب، ازدادت اوضاع القوات المحاصرة سوءاً بسبب موجة الثلج وتفاقمت الامور مع أوامر هتلر بضرورة البقاء مهما كلف الثمن، مع ضمان مواصلة الدعم الجوي، ومن ثم قيام القوات الأخرى من خارج المدينة بهجوم مضاد لكسر الحصار وتوحيد القوات. فشل الهجوم الألماني المضاد الذي اطلق عليه اسم «عملية عاصفة الشتاء» في الوصول إلى ستالينغراد، وعجزت عمليات التموين الجوية عن نقل كميات كافية من المؤن والذخيرة لتغطية حاجيات الجيش، ثم توقفت كليا بعد استعادة الجيش الأحمر السيطرة على المطارات التي تستعملها القوات الألمانية. وهكذا كانت النهاية، بأن انهار الجيش السادس الالماني انهيارا تاما ما اضطر قائده «فريدريك باولوس» لاعلان الاستسلام في الثاني من شباط/ فبراير من العام 1943. لقد شكلت معركة «ستالينغراد» نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية في طريق هزيمة النازية، وإن حاول الاعلام الغربي تظهير هزيمة النازية بعوامل ترتبط بأوروبا الغربية والولايات المتحدة الاميركية لحرمان الاتحاد السوفياتي من توظيف الانتصار في معركة «الايديولوجيا». قد يبدو السؤال مشروعاً عن سبب الحديث عن معركة ستالينغراد اليوم. وعن المناسبة؟ والرسالة المبتغاة؟ اننا اليوم نعيش في اجواء الذكرى السنوية الاولى لاستعادة الجيش السوري والحلفاء لكامل مدينة حلب. وما بين حلب وستالينغراد قواسم مشتركة كثيرة. انتصار حلب أحدث تحولا كبيرا في مسار الحرب السورية لا تقتصر هذه القواسم المشتركة على الجانب المضموني للمعركة في ابعادها ونتائجها وانعكاساتها على مجمل المشهد العسكري السوري، بل ان التشابهات تتعلق بالشكل ايضا. في الشكل، خسر الجيش السوري اجزاء كبيرة من مدينة حلب وبقي جزء منها تعرض للحصار  من الجماعات الارهابية قبل أن يسارع الجيش السوري لفتح خط بديل كمصدر للدعم، تماما كما حصل في ستالينغراد. وفي الشكل ايضا، فان الجزء المتبقي بيد الجيش السوري كان الجزء الغربي في مقابل الضفة الغربية لنهر الفولغا بيد الجيش الاحمر. وفي الشكل ثالثا، تحول الجيش السوري من محاصَرٍ الى محاصِر. وفي الشكل رابعاً، فان الجماعات الارهابية شنت هجوما كبيرا لفك الحصار عن الجزء الشرقي، فتحول الهجوم الى فخ مدمر اصاب عصب القوة الضاربة لهذه الجماعات في مقتل. وأدى لاحقا لقيام الجيش السوري بهجوم على مناطق المسلحين وإسقاطها. وفي الشكل خامسا وأخيرا فان روسيا التي هزمت النازية كانت عاملا مساعدا وداعما هاما في معركة حلب. أما في المضمون، فقد شكلت معركة حلب انعطافه كبرى في سير العمليات العسكرية في سوريا. لقد كانت بداية النهاية لإنهاء نقطة ارتكاز كبيرة في الشمال السوري، وتشكيل كيان جغرافي واسع مرتبط بالجغرافيا التركية يمتد من الحدود السورية ـ التركية شمال حلب مرورا بإدلب وريفها وصولا الى تخوم حماة. فضلا عن حرمان هذه الجماعات من تحقيق انتصار في مدينة مركزية في الجغرافيا السورية كمدينة حلب. يضاف اليها منع تحول هذه المساحة نقطة انطلاق للاقتراب من المدينتين الرئيسيتين بعدها، وأعني حماة وحمص وصولا الى العاصمة. ويضاف الى كل ما تقدم حرمان المسلحين من دفع معنوي كبير يعطي زخما كبيرا لعملياتهم العسكرية في طول الساحة السورية وعرضها. لا نبالغ ان قلنا انه كما مهدت معركة ستالينغراد لانهزام النازية، فان معركة حلب مهدت الطريق لمعركة البادية التي ادت لهزيمة داعش. إن الضربة القوية التي تعرضت لها جبهة النصرة وحلفاؤها في حلب، والتي افقدتهم الى حد كبير القدرة على المناورة وخوض معارك كبرى، بل قدرتهم على شنها، اطلقت يد الجيش السوري والحلفاء في تركيز الجهد الحربي في ساحات قتالية اخرى. ما بين ستالينغراد وحلب قصة صمود وإرادة وبطولات تحطمت على اسوار الاولى مشاريع النازية، فيما تحطمت على اسوار الثانية جماعات ارهابية ليست سوى ادوات الغرب التخريبية.

المصدر : العهد /محمد محمود مرتضى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة