السعودية الجديدة لا تشبه تلك المملكة التي عرفتها المنطقة العربية طوال عقود خلت . هاهي  تشعل الحرائق في عالمنا العربي ، تحت شعار مواجهة ايران ، لا تفتح حربا أو أزمة الا وتعجز عن إغلاقها ، وفي المحصلة  ازماتها تصب في مصلحة ايران .

في سوريا خسرت المعركة لصالح إيران ، وعززت التحالف الإيراني السوري لتجعل منه تحالفا عضويا ومصيريا،  عززت دور حزب الله الذي تعاظمت قوته وزاد عتادة وعديده  أضعاف ماقبل الحرب في سوريا .  ذهبت كل المليارات التي دفعتها هناك هباءا.  وجلست الهياكل السياسية للمعارضة السورية التي انشأتها ومولتها “كومبارس″  تنتظر أن يأتيها الفرج من بوابة جنيف أو استانه .

وحرب اليمن التي تدخل بعد أشهر قليلة عامها الرابع ، ما تزال بؤرة استنزاف للمملكة تلتهم سمعتها بعد أن تجاوز القتل والجوع والمرض لأبناء اليمن كل حد . وتلتهم أموالها وابناءها،  وتهدد أمنها في العمق بعد أن وصلت صواريخ اليمنيين إلى الرياض ، دون حلول أو تصورات لتسويات توقف الحرب وتعيد البلاد إلى الاستقرار ، لعمري أنها مكابرة سيكون لارتدادتها وقع كبير في المستقبل المنظور .

والأزمة مع  قطر التي افتتحتها الرياض بشعار “سحق العظام وإسقاط النظام”  .. وما زالت مستمرة ، حصدت منها المملكة انقساما خليجيا غير مسبوق في تاريخ دوله ، وحربا إعلامية قطرية بما تملكه الدوحة من أذرع إعلامية تتجاوز محطة الجزيرة ، إلى أمثالها مما تموله قطر في بقاع شتى . و تقاربا قطريا إيرانيا بعد جفاء وربما استدارة قطرية عن كل خيارات السعودية في المنطقة لصالح إيران  .

والآن جاء دور لبنان ، أولى إرهاصات الفشل السعودي  بدأت تظهر ، باكتشاف اللبنانيين سريعا حقيقة مسرحية استقالة رئيس حكومتهم ، وتماسكهم وهدوئهم و أجماعهم على معرفة حقيقة استقالة السيد الحريري ، سوى بعض الأصوات القليلة التي قدمت أوراق اعتمدها سريعا للرياض كبديل عن الحريري . بالإضافة إلى إحراج حلفائها اللبنانيين ممن ينادون بالسيادة واستقلال القرار و يشنون الحملات بحجة التدخل  الإيراني في شؤونهم ، فهل بعد هذا التدخل السعودي يمكن أن نتحدث عن تدخل ؟!!!

 لكن ماذا تريد الرياض من لبنان ؟؟ هل هي معركة على حزب الله داخل أرضه وبين جمهوره قد بدأت ؟

إذا كانت السعودية قررت أن تمارس ضغوطا على لبنان بسحب رعاياها و احداث فراغ في رأس حكومتها ، والتهويل الإعلامي بإطلاق تهديدات ، فهذا براينا أهون السناريوهات وأكثرها عقلانية قياسيا لتصرفات” السعودية الجديدة ” في الملفات الأخرى .  إلا أن “السعودية الجديدة” وولي عهدها لم يمارس في كل الأزمات السابقة الدبلوماسية الناعمة أو الدبلوماسية من أساسها. وهذا  ما يفتح الباب للسناريوهات الأخرى ، التي تحرص الطبقة السياسية اللبنانية على عدم الخوض بها ، حفاظا على الاستقرار الداخلي .  من حسن حظ لبنان أن هذا التوجه يحظى بإجماع ، بيد أن الفوضى لا تحتاج إلى الأغلبية ، أقلية قد تفي بالغرض .

يعتبر الكثيرون أن قرار تفجير لبنان من الداخل ليس بيد السعودية وحدها ، وأن الرأي الدولي متوافق على تحييد لبنان عن صراعات المنطقة  منذ سبع سنوات خلت ، وهذا الرأي صحيح .   بالمقابل علينا أن نتذكر أن مثل هذا التوافق  لم ينجح في حالة الأزمة مع قطر إلا بوقف الزحف العسكري عليها ، بينما بقيت المواجهه مفتوحة في المستويات الأخرى ومحاولات النيل من النظام القطري قائمة .  وفي حرب السعودية على  اليمن لم تتمكن كل المشاهد الصادمة والأرقام الهائلة للضحايا من وقفها حتى اليوم . وفي حالة قطر لم تنفع الوساطات الأمريكية والأوربية والكويتية والتركية ومازالت الأزمة مفتوحة على احتمالات كثيرة  .

لن نطرح سناريوهات أخرى مما نعتقد أنها واردة ، وسنلتزم بما التزم به اللبنانيون للحفاظ على استقرارهم و أمنهم من التهويل والتخويف والتهديد ، لكن بتقديرنا أن القيادة الحالية في السعودية لن تغلق المسار على هذا الحد ، وأن لها جولة جديدة في لبنان ضمن سياسية التركيع . وهذه فرصة تاريخية لإيران يمكن أن تلتقطها.

الأحمق فقط من يظن أن نفس المسار ونفس السياسة ونفس الآليات توصل إلى نتائج مختلفة . نتمنى الخير للبنان وشعبه الأصيل .

 

  • فريق ماسة
  • 2017-11-12
  • 14094
  • من الأرشيف

أزمات السعودية .. هل لبنان استثناءا؟

السعودية الجديدة لا تشبه تلك المملكة التي عرفتها المنطقة العربية طوال عقود خلت . هاهي  تشعل الحرائق في عالمنا العربي ، تحت شعار مواجهة ايران ، لا تفتح حربا أو أزمة الا وتعجز عن إغلاقها ، وفي المحصلة  ازماتها تصب في مصلحة ايران . في سوريا خسرت المعركة لصالح إيران ، وعززت التحالف الإيراني السوري لتجعل منه تحالفا عضويا ومصيريا،  عززت دور حزب الله الذي تعاظمت قوته وزاد عتادة وعديده  أضعاف ماقبل الحرب في سوريا .  ذهبت كل المليارات التي دفعتها هناك هباءا.  وجلست الهياكل السياسية للمعارضة السورية التي انشأتها ومولتها “كومبارس″  تنتظر أن يأتيها الفرج من بوابة جنيف أو استانه . وحرب اليمن التي تدخل بعد أشهر قليلة عامها الرابع ، ما تزال بؤرة استنزاف للمملكة تلتهم سمعتها بعد أن تجاوز القتل والجوع والمرض لأبناء اليمن كل حد . وتلتهم أموالها وابناءها،  وتهدد أمنها في العمق بعد أن وصلت صواريخ اليمنيين إلى الرياض ، دون حلول أو تصورات لتسويات توقف الحرب وتعيد البلاد إلى الاستقرار ، لعمري أنها مكابرة سيكون لارتدادتها وقع كبير في المستقبل المنظور . والأزمة مع  قطر التي افتتحتها الرياض بشعار “سحق العظام وإسقاط النظام”  .. وما زالت مستمرة ، حصدت منها المملكة انقساما خليجيا غير مسبوق في تاريخ دوله ، وحربا إعلامية قطرية بما تملكه الدوحة من أذرع إعلامية تتجاوز محطة الجزيرة ، إلى أمثالها مما تموله قطر في بقاع شتى . و تقاربا قطريا إيرانيا بعد جفاء وربما استدارة قطرية عن كل خيارات السعودية في المنطقة لصالح إيران  . والآن جاء دور لبنان ، أولى إرهاصات الفشل السعودي  بدأت تظهر ، باكتشاف اللبنانيين سريعا حقيقة مسرحية استقالة رئيس حكومتهم ، وتماسكهم وهدوئهم و أجماعهم على معرفة حقيقة استقالة السيد الحريري ، سوى بعض الأصوات القليلة التي قدمت أوراق اعتمدها سريعا للرياض كبديل عن الحريري . بالإضافة إلى إحراج حلفائها اللبنانيين ممن ينادون بالسيادة واستقلال القرار و يشنون الحملات بحجة التدخل  الإيراني في شؤونهم ، فهل بعد هذا التدخل السعودي يمكن أن نتحدث عن تدخل ؟!!!  لكن ماذا تريد الرياض من لبنان ؟؟ هل هي معركة على حزب الله داخل أرضه وبين جمهوره قد بدأت ؟ إذا كانت السعودية قررت أن تمارس ضغوطا على لبنان بسحب رعاياها و احداث فراغ في رأس حكومتها ، والتهويل الإعلامي بإطلاق تهديدات ، فهذا براينا أهون السناريوهات وأكثرها عقلانية قياسيا لتصرفات” السعودية الجديدة ” في الملفات الأخرى .  إلا أن “السعودية الجديدة” وولي عهدها لم يمارس في كل الأزمات السابقة الدبلوماسية الناعمة أو الدبلوماسية من أساسها. وهذا  ما يفتح الباب للسناريوهات الأخرى ، التي تحرص الطبقة السياسية اللبنانية على عدم الخوض بها ، حفاظا على الاستقرار الداخلي .  من حسن حظ لبنان أن هذا التوجه يحظى بإجماع ، بيد أن الفوضى لا تحتاج إلى الأغلبية ، أقلية قد تفي بالغرض . يعتبر الكثيرون أن قرار تفجير لبنان من الداخل ليس بيد السعودية وحدها ، وأن الرأي الدولي متوافق على تحييد لبنان عن صراعات المنطقة  منذ سبع سنوات خلت ، وهذا الرأي صحيح .   بالمقابل علينا أن نتذكر أن مثل هذا التوافق  لم ينجح في حالة الأزمة مع قطر إلا بوقف الزحف العسكري عليها ، بينما بقيت المواجهه مفتوحة في المستويات الأخرى ومحاولات النيل من النظام القطري قائمة .  وفي حرب السعودية على  اليمن لم تتمكن كل المشاهد الصادمة والأرقام الهائلة للضحايا من وقفها حتى اليوم . وفي حالة قطر لم تنفع الوساطات الأمريكية والأوربية والكويتية والتركية ومازالت الأزمة مفتوحة على احتمالات كثيرة  . لن نطرح سناريوهات أخرى مما نعتقد أنها واردة ، وسنلتزم بما التزم به اللبنانيون للحفاظ على استقرارهم و أمنهم من التهويل والتخويف والتهديد ، لكن بتقديرنا أن القيادة الحالية في السعودية لن تغلق المسار على هذا الحد ، وأن لها جولة جديدة في لبنان ضمن سياسية التركيع . وهذه فرصة تاريخية لإيران يمكن أن تلتقطها. الأحمق فقط من يظن أن نفس المسار ونفس السياسة ونفس الآليات توصل إلى نتائج مختلفة . نتمنى الخير للبنان وشعبه الأصيل .  

المصدر : كمال خلف / رأي اليوم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة