ينشّط الجيش من تحركه شرقاً بهدف الوصول إلى مدينة البوكمال والحدود العراقية، فيما يستعد الجانب العراقي لإطلاق عملية منسّقة تضع مدينة القائم بدورها هدفاً له. التحرك المرتقب يترافق مع أنباء عن محاولات أميركية لتوسيع التفاهمات السابقة مع «داعش» عبر بعض زعماء العشائر، لاحتلال قرى جديدة في وادي الفرات، بما يتيح له قطع الطريق على الجيش، بين الميادين والبوكمال

يشهد حوض وادي نهر الفرات الأوسط تحولات جديدة في طبيعة العمليات العسكرية الأوسع في الميدان السوري. فدمشق خسرت ــ في الوقت الحالي ــ ورقة السيطرة على الجزء الأهم من منابع النفط شرق الفرات، لحساب القوات المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، وما زالت تراهن وحلفاءها على حسم معركة الحدود وإنهاء «داعش»، للتفرغ لحل النزاعات المتراكمة مع الأكراد.

نقطة التغيّر الأهم التي طرأت كانت الاتفاق بين واشنطن و«داعش» على إخلاء آخر أحياء الرقة وتسليم محيط حقل العمر، غير أنها جاءت عبر مسار يمكن رصد علاماته الأولى قبل شهر من اليوم. حينها، خسرت روسيا أبرز قادتها العسكريين في سوريا، الجنرال فاليري أسابوف، الذي كان مشرفاً على جزء واسع من القوات السورية المشاركة في عمليات دير الزور. واتهمت موسكو واشنطن بشكل غير مباشر بتسريب إحداثيات موقع أسابوف إلى «داعش». بعد يوم واحد، استهدفت طائرات مجهولة مواقع «قوات سوريا الديموقراطية» في محيط شركة غاز «كونيكو»، التي تعدّ أول المواقع المهمة التي «اختطفت» من طريق الجيش السوري، شرق الفرات. وأكدت وزارة الدفاع الروسية وقتها أن وحدات الاستطلاع الجوية العاملة فوق الضفة الشرقية للفرات لم ترصد أي اشتباكات بين «قسد» وتنظيم «داعش» في منطقة حقول النفط، موضحة أن الصور الجوية تظهر خلوّ مناطق تقدم «قسد» والقوات الخاصة الأميركية من آثار لقصف بري أو جوي ضد «داعش». هذه كانت العلائم الأولى لألاعيب واشنطن في وادي الفرات، والتي عبّر عنها نائب وزير الخارجية، سيرغي ريابكوف، بقوله إن هذه «التحركات المقلقة» تظهر أن واشنطن تولي أهمية لتحقيق أهداف جيوسياسية أكثر من حربها المعلنة على تنظيم «داعش».

 

تترافق العمليات مع ارتفاع مستوى التنسيق العسكري بين دمشق وبغداد

 

 

الحديث الروسي السابق تجلى بوضوح في موضوع النفط، غير أن الهدف الآخر في الشرق السوري، وهو إمساك الحدود، ما زال رهن الميدان. وهو ما تضعه دمشق اليوم على رأس أولوياتها، ضمن توجه أوسع ينتهي بدحر «داعش» ضمن الوقت المتاح من اتفاقات «تخفيف التصعيد» القائمة حالياً، من دون الرهان على استمرارها بشكل دائم. وفي هذا السياق، من غير المتوقع أن ترفع دمشق من حدة التوتر ضد «قسد»، على أن تركز جهدها نحو تحرير البوكمال. ويتقاطع هذا التوجه مع تحرك عراقي من الجانب المقابل للحدود، يضع مدينة القائم هدفاً مرحلياً على طريق تحرير كامل الحدود. وتشير المعلومات من مصادر ميدانية عراقية إلى أن العمليات نحو الحدود سوف تنطلق خلال الأيام القليلة المقبلة، موضحة أنها ستسعى إلى «الوصول إلى مدينة القائم، والتثبيت على حدودها» في المرحلة الأولى، على أن تكون «المرحلة الثانية داخل مدينة القائم، ومن ثم باقي الحدود والتثبيت على طولها بالاشتراك مع القوى الأمنية». وتؤكد تلك المصادر أن العمليات ستشهد حضوراً لقيادة «الحشد الشعبي» إلى جانب قيادة «غرفة العمليات المشتركة».

وبينما ينتظر انطلاق التحرك من قبل القوات العراقية، يشهد الجانب السوري نشاطاً عسكرياً واسعاً ضمن هذا المسار، في إطار تنسيق واسع بين دمشق وبغداد، بدت بواكيره بمشاركة الطائرات العراقية في استهداف «داعش» داخل الأراضي السورية حيث يتقدم الجيش نحو البوكمال من جبهتين رئيستين، الأولى من محيط مدينة الميادين الجنوبي، والثانية من محيط محطة «T2». وبينما وصل الجيش على الجبهة الأولى إلى أطراف بلدة العشارة بعد سيطرته على القورية وحصاره محكان، عزز مواقعه في محيط محطة «T2» في أقصى الريف الجنوبي لمحافظة دير الزور، محاولاً عزلها عن محاور إمدادها نحو ريف البوكمال والميادين، ونحو منطقة الوعر قرب الحدود مع العراق. وتؤكد مصادر ميدانية مطّلعة في حديثها إلى «الأخبار» أن «قرار التحرك نحو البوكمال الحدودية قد اتخذ فعلاً، وما يجري اليوم في محيط المحطة الثانية هو جزء من تأمين الطريق للعبور نحو المدينة، في سياق خطة متكاملة للإمساك بالحدود العراقية ــ السورية». ويتزامن ذلك مع زيارات مكثفة شهدتها محاور القتال المحيطة بمدينة الميادين لعدد من الضباط الروس خلال الأيام القليلة الماضية.

ويركز الجيش جهده في محيط محطة «T2» في محاولة لحسم معركتها خلال وقت قصير، تحسّباً لأيّ تغيّرات قد تطرأ في محيط وادي الفرات، خاصة أن هناك تخوفاً من تمدد الصفقة الأميركية مع «داعش» لتشمل تسليم التنظيم، بوساطات عشائرية، بلدات جديدة على وادي النهر، لحساب «قسد». ومن شأن ذلك أن يفتح احتمالات جديدة تهدد مسار التحرك عبر الحدود، إذ إنها سوف تتيح لقوات «التحالف» عبور النهر بين الميادين والبوكمال، لقطع الطريق على الجيش السوري وحلفائه هناك. كذلك فإن عناصر «داعش» الذي سيخلون مواقعهم سيتفرغون لقتال الجيش على باقي المحاور وصولاً إلى محيط محطة «T2»، ما قد يتسبّب في تغيير موزاين القوى في إحدى أعنف الجبهات ضمن البادية الشرقية. وفي سؤال حول إمكانية تحرك «قسد» نحو بلدات وادي الفرات الممتدة نحو البوكمال، يجيب المتحدث باسمها، طلال سلو، بأن قواته «تعتبر كامل ريف دير الزور الشرقي الواقع شمال نهر الفرات منطقة عمليات لها»، مضيفاً أنها «نقلت معداتها العسكرية باتجاه الريف الشرقي بهدف تسريع المعركة في دير الزور، لإنهاء وجود (داعش) على الأراضي السورية».

ورغم مركزية التحرك نحو البوكمال ضمن خطط الجيش الحالية، فقد تابع تحركه في محيط مدينة دير الزور، وعلى الضفة الشمالية لنهر الفرات، مسيطراً على بلدة طابية الجزيرة، ليصبح على حدود بلدة جديد عكيدات، التابعة لناحية خشام. ويبدو التحرك هناك جزءاً من حماية الوجود على الضفة الشمالية للنهر، وتحديداً السيطرة على ناحية خشام التي تعدّ ــ حتى الآن ــ الناحية الإدارية في دير الزور، شمال الفرات، التي يسيطر عليها الجيش، بعد انسحابه من ناحية ذيبان بعد ضغط هجمات مسلحي «داعش» المنسحبين من حقل العمر.

  • فريق ماسة
  • 2017-10-24
  • 13444
  • من الأرشيف

تحرّك سوري ــ عراقي نحو البوكمال والقائم ....خطط أميركية لقطع طريق الجيش من الميادين؟

ينشّط الجيش من تحركه شرقاً بهدف الوصول إلى مدينة البوكمال والحدود العراقية، فيما يستعد الجانب العراقي لإطلاق عملية منسّقة تضع مدينة القائم بدورها هدفاً له. التحرك المرتقب يترافق مع أنباء عن محاولات أميركية لتوسيع التفاهمات السابقة مع «داعش» عبر بعض زعماء العشائر، لاحتلال قرى جديدة في وادي الفرات، بما يتيح له قطع الطريق على الجيش، بين الميادين والبوكمال يشهد حوض وادي نهر الفرات الأوسط تحولات جديدة في طبيعة العمليات العسكرية الأوسع في الميدان السوري. فدمشق خسرت ــ في الوقت الحالي ــ ورقة السيطرة على الجزء الأهم من منابع النفط شرق الفرات، لحساب القوات المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، وما زالت تراهن وحلفاءها على حسم معركة الحدود وإنهاء «داعش»، للتفرغ لحل النزاعات المتراكمة مع الأكراد. نقطة التغيّر الأهم التي طرأت كانت الاتفاق بين واشنطن و«داعش» على إخلاء آخر أحياء الرقة وتسليم محيط حقل العمر، غير أنها جاءت عبر مسار يمكن رصد علاماته الأولى قبل شهر من اليوم. حينها، خسرت روسيا أبرز قادتها العسكريين في سوريا، الجنرال فاليري أسابوف، الذي كان مشرفاً على جزء واسع من القوات السورية المشاركة في عمليات دير الزور. واتهمت موسكو واشنطن بشكل غير مباشر بتسريب إحداثيات موقع أسابوف إلى «داعش». بعد يوم واحد، استهدفت طائرات مجهولة مواقع «قوات سوريا الديموقراطية» في محيط شركة غاز «كونيكو»، التي تعدّ أول المواقع المهمة التي «اختطفت» من طريق الجيش السوري، شرق الفرات. وأكدت وزارة الدفاع الروسية وقتها أن وحدات الاستطلاع الجوية العاملة فوق الضفة الشرقية للفرات لم ترصد أي اشتباكات بين «قسد» وتنظيم «داعش» في منطقة حقول النفط، موضحة أن الصور الجوية تظهر خلوّ مناطق تقدم «قسد» والقوات الخاصة الأميركية من آثار لقصف بري أو جوي ضد «داعش». هذه كانت العلائم الأولى لألاعيب واشنطن في وادي الفرات، والتي عبّر عنها نائب وزير الخارجية، سيرغي ريابكوف، بقوله إن هذه «التحركات المقلقة» تظهر أن واشنطن تولي أهمية لتحقيق أهداف جيوسياسية أكثر من حربها المعلنة على تنظيم «داعش».   تترافق العمليات مع ارتفاع مستوى التنسيق العسكري بين دمشق وبغداد     الحديث الروسي السابق تجلى بوضوح في موضوع النفط، غير أن الهدف الآخر في الشرق السوري، وهو إمساك الحدود، ما زال رهن الميدان. وهو ما تضعه دمشق اليوم على رأس أولوياتها، ضمن توجه أوسع ينتهي بدحر «داعش» ضمن الوقت المتاح من اتفاقات «تخفيف التصعيد» القائمة حالياً، من دون الرهان على استمرارها بشكل دائم. وفي هذا السياق، من غير المتوقع أن ترفع دمشق من حدة التوتر ضد «قسد»، على أن تركز جهدها نحو تحرير البوكمال. ويتقاطع هذا التوجه مع تحرك عراقي من الجانب المقابل للحدود، يضع مدينة القائم هدفاً مرحلياً على طريق تحرير كامل الحدود. وتشير المعلومات من مصادر ميدانية عراقية إلى أن العمليات نحو الحدود سوف تنطلق خلال الأيام القليلة المقبلة، موضحة أنها ستسعى إلى «الوصول إلى مدينة القائم، والتثبيت على حدودها» في المرحلة الأولى، على أن تكون «المرحلة الثانية داخل مدينة القائم، ومن ثم باقي الحدود والتثبيت على طولها بالاشتراك مع القوى الأمنية». وتؤكد تلك المصادر أن العمليات ستشهد حضوراً لقيادة «الحشد الشعبي» إلى جانب قيادة «غرفة العمليات المشتركة». وبينما ينتظر انطلاق التحرك من قبل القوات العراقية، يشهد الجانب السوري نشاطاً عسكرياً واسعاً ضمن هذا المسار، في إطار تنسيق واسع بين دمشق وبغداد، بدت بواكيره بمشاركة الطائرات العراقية في استهداف «داعش» داخل الأراضي السورية حيث يتقدم الجيش نحو البوكمال من جبهتين رئيستين، الأولى من محيط مدينة الميادين الجنوبي، والثانية من محيط محطة «T2». وبينما وصل الجيش على الجبهة الأولى إلى أطراف بلدة العشارة بعد سيطرته على القورية وحصاره محكان، عزز مواقعه في محيط محطة «T2» في أقصى الريف الجنوبي لمحافظة دير الزور، محاولاً عزلها عن محاور إمدادها نحو ريف البوكمال والميادين، ونحو منطقة الوعر قرب الحدود مع العراق. وتؤكد مصادر ميدانية مطّلعة في حديثها إلى «الأخبار» أن «قرار التحرك نحو البوكمال الحدودية قد اتخذ فعلاً، وما يجري اليوم في محيط المحطة الثانية هو جزء من تأمين الطريق للعبور نحو المدينة، في سياق خطة متكاملة للإمساك بالحدود العراقية ــ السورية». ويتزامن ذلك مع زيارات مكثفة شهدتها محاور القتال المحيطة بمدينة الميادين لعدد من الضباط الروس خلال الأيام القليلة الماضية. ويركز الجيش جهده في محيط محطة «T2» في محاولة لحسم معركتها خلال وقت قصير، تحسّباً لأيّ تغيّرات قد تطرأ في محيط وادي الفرات، خاصة أن هناك تخوفاً من تمدد الصفقة الأميركية مع «داعش» لتشمل تسليم التنظيم، بوساطات عشائرية، بلدات جديدة على وادي النهر، لحساب «قسد». ومن شأن ذلك أن يفتح احتمالات جديدة تهدد مسار التحرك عبر الحدود، إذ إنها سوف تتيح لقوات «التحالف» عبور النهر بين الميادين والبوكمال، لقطع الطريق على الجيش السوري وحلفائه هناك. كذلك فإن عناصر «داعش» الذي سيخلون مواقعهم سيتفرغون لقتال الجيش على باقي المحاور وصولاً إلى محيط محطة «T2»، ما قد يتسبّب في تغيير موزاين القوى في إحدى أعنف الجبهات ضمن البادية الشرقية. وفي سؤال حول إمكانية تحرك «قسد» نحو بلدات وادي الفرات الممتدة نحو البوكمال، يجيب المتحدث باسمها، طلال سلو، بأن قواته «تعتبر كامل ريف دير الزور الشرقي الواقع شمال نهر الفرات منطقة عمليات لها»، مضيفاً أنها «نقلت معداتها العسكرية باتجاه الريف الشرقي بهدف تسريع المعركة في دير الزور، لإنهاء وجود (داعش) على الأراضي السورية». ورغم مركزية التحرك نحو البوكمال ضمن خطط الجيش الحالية، فقد تابع تحركه في محيط مدينة دير الزور، وعلى الضفة الشمالية لنهر الفرات، مسيطراً على بلدة طابية الجزيرة، ليصبح على حدود بلدة جديد عكيدات، التابعة لناحية خشام. ويبدو التحرك هناك جزءاً من حماية الوجود على الضفة الشمالية للنهر، وتحديداً السيطرة على ناحية خشام التي تعدّ ــ حتى الآن ــ الناحية الإدارية في دير الزور، شمال الفرات، التي يسيطر عليها الجيش، بعد انسحابه من ناحية ذيبان بعد ضغط هجمات مسلحي «داعش» المنسحبين من حقل العمر.

المصدر : الماسة السورية/ الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة