في مثلِ هذه الأيام من كل عام اعتدنا أن نحتفل بانتصارِ حرب تشرين التحريرية، لكن ما جرى ويجري من جنونٍ حول العالم ربما يكاد ينسينا عظمةَ هذه الحرب التي وإن أعطتنا درساً بأن الحق لا يعود إلا بالقوة،لكنها أعطتنا درساً آخرَ بأن الغدر والخيانة قد يأتيان من أقرب الناس إليك، بل لو أنهما تجسدا بأشخاص لكان الرئيس المصري المقتول محمد أنور السادات، من أبرزِ الذين تشخَّصَ الغدر بهم، فمعه بدأنا نشعر ولو مجازاً بأن «إعدادات الكرة الأرضية قد تم العبث بها»، لنصلَ لليوم الذي يحتفل فيه مَن يعنيهم انتصار تشرين فيما يشارك الجيش المصري «الشقيق» بمناوراتٍ عسكرية إلى جانب «إسرائيل» واليونان وقبرص، بل وتعلن وزارة الدفاع الأميركية إلغاء مناوراتها مع الدول الخليجية بسبب استمرار خلافاتهم، لكن الأكثر إثارة للسخرية أن يعلن موظف بمرتبة رئيس السلطة الفلسطينية وهو محمود عباس أنه لن يسمح مهما كلف الأمر باستنساخِ تجربةِ حزب الله في غزة، ترى ألهذه الدرجة تدعو تجربة حزب الله للخجل، أم إن مَن امتهن الذلّ لا يمكن لهُ أن يتذوقَ طعمَ الكرامة؟

لا يتوقف الأمر على أبناء جلدتنا، لأن حال الدولِ الغربية ليس أفضلَ، ففي وقت كان فيه البعض يتحدث عن هشاشة الاتحاد الأوروبي الذي لم يتمكن حتى من تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعصف بعددٍ من أعضائه، بتنا اليوم نتحدث عن هشاشةِ الدول التي تشكل هذا الاتحاد أساساً، إذ إن فيروس التقسيم عبر استفتاء إقليم كتالونيا الإسباني، لا يبدو أنه سيكون قضيةً عابرة، لأن التساؤل المنطقي الآن: ماذا عن مصيرِ باقي المتعطشين للانفصال عن دولهم؟ هل يستعيد سكان جزيرة كورسيكا الفرنسية حلم الانفصال الذي راودهم في سبعينيات القرن الماضي ما دفع الرئيس الفرنسي يومها فاليري جيسكار ديستان للرد عليهم بالحديد والنار؟!

أما الراعي الأكبر لهؤلاء فحالهُ لا يختلف كثيراً عن حالهم منذ مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطلع العام الحالي إلى البيت الأبيض، فمن التقارير الإعلامية التي تتحدث عن الضرر الذي تعاني منه إدارة ترامب بوجود كل من ايفانكا ترامب وزوجها جاريد كوشنر في البيت الأبيض، إلى التخبط ليس في مجال توزيع المهام فحسب بل من خلال التعاطي مع الأحداث المتسارعة في العالم كما فعل ترامب قبل أمس عندما تحدث أنه وإدارته يتعاطون مع المشاكل الدولية من منطلق الهدوء الذي يسبق العاصفة، وعندما سألهُ الصحفيون عن أي عاصفةٍ يتحدث؟ صمت! لأنه يدرك أن عواصفه صوتية لا يمكن لها بعد اليوم أن ترهبَ أحداً.

من جهةٍ ثانية فإنه ورغمَ هذه الفوضى السياسية والأخلاقية التي تجتاح العالم فإن هناك حراكاً دبلوماسياً يسعى بالاتجاه الآخر بدأت معالمه تتضح، فما هي مؤشرات ذلك؟

منذ الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتركيا ولقائه رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، قلنا إن الأخير بات فعلياً على المحك وعليه أن يحسم خياراته لأن ما يجري من معركةِ كسر عظم دبلوماسية، تفوق أضعافَ ما يعادلها من المعارك العسكرية، ويبدو أن مسارَ التحولات بما يخص التركي بدأ يتضح، بل الأهم أن أي انعطافةٍ لأردوغان بالجهةِ العكسية يدرك هو قبل غيره، أن لا معنى لها بعد اليوم، هذا التحول ظهر بالتصريحات الرسمية وما تبعها من زيارته لإيران ولقائه الرئيس الإيراني حسن روحاني وحديثه من هناك عن «المشروع التقسيمي للمنطقة»، أو على مستوى الأفعال، والمثال واضح وبسيط: هل كان الروسي يمتلك المعلومات الكافية عن مكان وموعد الاجتماع الذي ضم قيادات جبهة النصرة بمن فيهم الإرهابي أبو محمد الجولاني ليقوم بقصفهم، أم إن هناك من زودهم بالمعلومات؟

هذا التحول التركي قابله بذات الوقت نضوج، إن صح التعبير، في المقاربة السعودية لما يجري، هذا الأمر عكسته الزيارة التي قام بها ملك آل سعود إلى موسكو مع هذا الوفد الضخم من مسؤولين ورجالِ أعمال، أما أبعاد الزيارة فلا تبدو محصورة بطلب المساعدة الروسية لإنهاء الحرب على اليمن، أو تقديم العطاءات الاقتصادية للروس مقابل التخلي عما يسمونه النظام السوري، كما يتوهم البعض منذ 2012 حتى الآن ولا زالوا يكررون تحليلاتهم ذاتها، حتى سعي آل سعود لامتلاك منظومة «إس 400» للدفاع الجوي، يبدو على أهميته، تفصيلاً بسيطاً لما هو قادم، تحديداً أن الطلب السعودي ترافق مع إعلان وزارة الخارجية الأميركية الموافقة على بيع آل سعود منظومة «ثاد» المضادة للصواريخ البالستية بقيمة 15 مليار دولار، وإذا سلمنا مسبقاً أن صفقات الأميركيين مع آل سعود تبقى أشبه بالإتاوات لإنعاش الاقتصاد الأميركي فماذا يريد آل سعود من الروس؟

الهدف السعودي ليس اللحاق فقط بالركب الروسي المنتصر مع إبقاء قدمٍ ما في الركب الأميركي المنهزم، لكن الأمر متعلق بآلية التسويات القادمة وبمعنى آخر: يدرك آل سعود قبل غيرهم أن التركي كان ولا يزال يقدم نفسهُ ممثلاً وحامياً لـ«السنة» في المنطقة، بمقابل إيران الممثلة لـ«الشيعة»، وهدف آل سعود تثبيت مكانتهم بأي ثمن ومنع التركي من إزاحتهم بما يتعلق بالتمثيل المذهبي، لأن معركتهم ولو من منطلق إعلامي ضد الإيرانيين، تساهم برفعِ أسهمهم بنظر حاملي الفكر المذهبي، أما معركتهم ضد النظام التركي فهي معركة وجود، لكن أين الأميركي والإسرائيلي من كل ذلك!؟

في الخطاب الأخير للأمين العام لحزب اللـه حسن نصر الله كان لافتاً تركيزه على توجيهِ الكلام للداخل الصهيوني، على مبدأ «جهزوا ملاجئكم»، وهذا التركيز ربما لم يأتِ عن عبث، لأن هناك ما يوحي برفع أسهم المغامرة الإسرائيلية في سورية ولبنان، بل قد لا نبالغ أن قلنا إن هناك رابطاً ما بين تهدئة جبهة غزة بهذه السرعة القياسية، ووضع ما يسمونه «المصالحة الفلسطينية الفلسطينية» على سكة الانفراج المستعصي منذ ما يقارب العقد من الزمن، وبين خيار إسرائيل الذهاب للمواجهة، مع فارق أنها تستطيع اليوم الذهاب للمغامرة مرتاحة للجبهة الجنوبية.

ربما لا يمكننا استثناء هذه الفرضية لأننا كنا ولا نزال مؤمنين أن إسرائيل هي الخاسر الأكبر من كل ما جرى في سورية، فهي عندما بدأت معركتها لإسقاط «النظام السوري» وقطع شريان المقاومة من الوسط، كانت إيران في إيران وحزب اللـه في لبنان، واليوم وبعد سبع سنواتٍ من الحرب لا يكفي إسرائيل أن إيران وحزب اللـه باتا في سورية، لكن هناك نقطة يجب الالتفات إليها هي أن من صمد في سورية من جيش وقوى حليفة، أظهروا بشكلٍ واضح أنهم لا يدافعون عن «شخص» بل يدافعون عما يتجاوز مفهوم «الوطن»، وهو ما تخشاه «إسرائيل»؛ أي العقيدة القتالية الرافضة لهذا الكيان المسخ، عقيدةٌ وخيار دفعتا مجرماً كوزير الحرب الصهيوني أفيغدور ليبرمان للاعتراف بالانتصار السوري، بواقعيةٍ تامة.

واهم من يظن أن هكذا انتصار سيمرره الكيان الصهيوني بهذه السهولة، لأن معركته في سورية معركة حاسمة، وبشكلٍ أوسع فإن الاستسلام الأميركي ومن خلفه الإسرائيلي والإقرار بالهزيمة، يبدو حتى الآن بعيدَ المنال نوعاً ما مهما خسروا من أدوات، مع التأكيد على أنه مسألة وقتٍ لن ينفعه إرسال حاملات الطائرات باتجاه بحر الصين لترهيب كوريا الديمقراطية، ولا تفعيل خطوات الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، والحديث عن عواصف وهمية، فلا شيء ينجيهما من هذه الأوحال إلا مواجهةً مباشرة شاملة ربما يتمناها محور المقاومة، لكنه يبدو كمن يعيش الاحتضار وتطلب منه الجري في سباق الضاحية، فماذا ينتظرنا؟

إن جنوح كل من النظامين التركي والسعودي للهروب من جرائم دعم الإرهاب باتت واضحة، ونجاح الدبلوماسية الروسية بجلبهما للاتجاه الذي يمثل وجهة نظرها يعني أن الأمور بما يتعلق بالملف السوري تسير في الطريق الصحيح، والمغامرة الإسرائيلية إن حدثت فهي ستكون بحسابٍ آخر لا علاقة له بما يجري الآن ولكي تتضح الصورة أكثر: إن كل ما جرى من حراك دبلوماسي كان أشبه بمن أنهى الحصاد واستخرج القمح من سنابله، واليوم باتت مهمته فرز هذه الأقماح واستخراج ما فيها من أشواك وزيوان، ولعل زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم غداً إلى روسيا هي أشبه بمن وصل لينجز هذا العمل، ربما هي أيام قليلة ويظهر القمح الحقيقي من الزيوان.

  • فريق ماسة
  • 2017-10-07
  • 12669
  • من الأرشيف

المعلم في موسكو غداً: هل كسب الروس معركة «كسر العظم» الدبلوماسية؟!

 في مثلِ هذه الأيام من كل عام اعتدنا أن نحتفل بانتصارِ حرب تشرين التحريرية، لكن ما جرى ويجري من جنونٍ حول العالم ربما يكاد ينسينا عظمةَ هذه الحرب التي وإن أعطتنا درساً بأن الحق لا يعود إلا بالقوة،لكنها أعطتنا درساً آخرَ بأن الغدر والخيانة قد يأتيان من أقرب الناس إليك، بل لو أنهما تجسدا بأشخاص لكان الرئيس المصري المقتول محمد أنور السادات، من أبرزِ الذين تشخَّصَ الغدر بهم، فمعه بدأنا نشعر ولو مجازاً بأن «إعدادات الكرة الأرضية قد تم العبث بها»، لنصلَ لليوم الذي يحتفل فيه مَن يعنيهم انتصار تشرين فيما يشارك الجيش المصري «الشقيق» بمناوراتٍ عسكرية إلى جانب «إسرائيل» واليونان وقبرص، بل وتعلن وزارة الدفاع الأميركية إلغاء مناوراتها مع الدول الخليجية بسبب استمرار خلافاتهم، لكن الأكثر إثارة للسخرية أن يعلن موظف بمرتبة رئيس السلطة الفلسطينية وهو محمود عباس أنه لن يسمح مهما كلف الأمر باستنساخِ تجربةِ حزب الله في غزة، ترى ألهذه الدرجة تدعو تجربة حزب الله للخجل، أم إن مَن امتهن الذلّ لا يمكن لهُ أن يتذوقَ طعمَ الكرامة؟ لا يتوقف الأمر على أبناء جلدتنا، لأن حال الدولِ الغربية ليس أفضلَ، ففي وقت كان فيه البعض يتحدث عن هشاشة الاتحاد الأوروبي الذي لم يتمكن حتى من تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعصف بعددٍ من أعضائه، بتنا اليوم نتحدث عن هشاشةِ الدول التي تشكل هذا الاتحاد أساساً، إذ إن فيروس التقسيم عبر استفتاء إقليم كتالونيا الإسباني، لا يبدو أنه سيكون قضيةً عابرة، لأن التساؤل المنطقي الآن: ماذا عن مصيرِ باقي المتعطشين للانفصال عن دولهم؟ هل يستعيد سكان جزيرة كورسيكا الفرنسية حلم الانفصال الذي راودهم في سبعينيات القرن الماضي ما دفع الرئيس الفرنسي يومها فاليري جيسكار ديستان للرد عليهم بالحديد والنار؟! أما الراعي الأكبر لهؤلاء فحالهُ لا يختلف كثيراً عن حالهم منذ مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطلع العام الحالي إلى البيت الأبيض، فمن التقارير الإعلامية التي تتحدث عن الضرر الذي تعاني منه إدارة ترامب بوجود كل من ايفانكا ترامب وزوجها جاريد كوشنر في البيت الأبيض، إلى التخبط ليس في مجال توزيع المهام فحسب بل من خلال التعاطي مع الأحداث المتسارعة في العالم كما فعل ترامب قبل أمس عندما تحدث أنه وإدارته يتعاطون مع المشاكل الدولية من منطلق الهدوء الذي يسبق العاصفة، وعندما سألهُ الصحفيون عن أي عاصفةٍ يتحدث؟ صمت! لأنه يدرك أن عواصفه صوتية لا يمكن لها بعد اليوم أن ترهبَ أحداً. من جهةٍ ثانية فإنه ورغمَ هذه الفوضى السياسية والأخلاقية التي تجتاح العالم فإن هناك حراكاً دبلوماسياً يسعى بالاتجاه الآخر بدأت معالمه تتضح، فما هي مؤشرات ذلك؟ منذ الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتركيا ولقائه رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، قلنا إن الأخير بات فعلياً على المحك وعليه أن يحسم خياراته لأن ما يجري من معركةِ كسر عظم دبلوماسية، تفوق أضعافَ ما يعادلها من المعارك العسكرية، ويبدو أن مسارَ التحولات بما يخص التركي بدأ يتضح، بل الأهم أن أي انعطافةٍ لأردوغان بالجهةِ العكسية يدرك هو قبل غيره، أن لا معنى لها بعد اليوم، هذا التحول ظهر بالتصريحات الرسمية وما تبعها من زيارته لإيران ولقائه الرئيس الإيراني حسن روحاني وحديثه من هناك عن «المشروع التقسيمي للمنطقة»، أو على مستوى الأفعال، والمثال واضح وبسيط: هل كان الروسي يمتلك المعلومات الكافية عن مكان وموعد الاجتماع الذي ضم قيادات جبهة النصرة بمن فيهم الإرهابي أبو محمد الجولاني ليقوم بقصفهم، أم إن هناك من زودهم بالمعلومات؟ هذا التحول التركي قابله بذات الوقت نضوج، إن صح التعبير، في المقاربة السعودية لما يجري، هذا الأمر عكسته الزيارة التي قام بها ملك آل سعود إلى موسكو مع هذا الوفد الضخم من مسؤولين ورجالِ أعمال، أما أبعاد الزيارة فلا تبدو محصورة بطلب المساعدة الروسية لإنهاء الحرب على اليمن، أو تقديم العطاءات الاقتصادية للروس مقابل التخلي عما يسمونه النظام السوري، كما يتوهم البعض منذ 2012 حتى الآن ولا زالوا يكررون تحليلاتهم ذاتها، حتى سعي آل سعود لامتلاك منظومة «إس 400» للدفاع الجوي، يبدو على أهميته، تفصيلاً بسيطاً لما هو قادم، تحديداً أن الطلب السعودي ترافق مع إعلان وزارة الخارجية الأميركية الموافقة على بيع آل سعود منظومة «ثاد» المضادة للصواريخ البالستية بقيمة 15 مليار دولار، وإذا سلمنا مسبقاً أن صفقات الأميركيين مع آل سعود تبقى أشبه بالإتاوات لإنعاش الاقتصاد الأميركي فماذا يريد آل سعود من الروس؟ الهدف السعودي ليس اللحاق فقط بالركب الروسي المنتصر مع إبقاء قدمٍ ما في الركب الأميركي المنهزم، لكن الأمر متعلق بآلية التسويات القادمة وبمعنى آخر: يدرك آل سعود قبل غيرهم أن التركي كان ولا يزال يقدم نفسهُ ممثلاً وحامياً لـ«السنة» في المنطقة، بمقابل إيران الممثلة لـ«الشيعة»، وهدف آل سعود تثبيت مكانتهم بأي ثمن ومنع التركي من إزاحتهم بما يتعلق بالتمثيل المذهبي، لأن معركتهم ولو من منطلق إعلامي ضد الإيرانيين، تساهم برفعِ أسهمهم بنظر حاملي الفكر المذهبي، أما معركتهم ضد النظام التركي فهي معركة وجود، لكن أين الأميركي والإسرائيلي من كل ذلك!؟ في الخطاب الأخير للأمين العام لحزب اللـه حسن نصر الله كان لافتاً تركيزه على توجيهِ الكلام للداخل الصهيوني، على مبدأ «جهزوا ملاجئكم»، وهذا التركيز ربما لم يأتِ عن عبث، لأن هناك ما يوحي برفع أسهم المغامرة الإسرائيلية في سورية ولبنان، بل قد لا نبالغ أن قلنا إن هناك رابطاً ما بين تهدئة جبهة غزة بهذه السرعة القياسية، ووضع ما يسمونه «المصالحة الفلسطينية الفلسطينية» على سكة الانفراج المستعصي منذ ما يقارب العقد من الزمن، وبين خيار إسرائيل الذهاب للمواجهة، مع فارق أنها تستطيع اليوم الذهاب للمغامرة مرتاحة للجبهة الجنوبية. ربما لا يمكننا استثناء هذه الفرضية لأننا كنا ولا نزال مؤمنين أن إسرائيل هي الخاسر الأكبر من كل ما جرى في سورية، فهي عندما بدأت معركتها لإسقاط «النظام السوري» وقطع شريان المقاومة من الوسط، كانت إيران في إيران وحزب اللـه في لبنان، واليوم وبعد سبع سنواتٍ من الحرب لا يكفي إسرائيل أن إيران وحزب اللـه باتا في سورية، لكن هناك نقطة يجب الالتفات إليها هي أن من صمد في سورية من جيش وقوى حليفة، أظهروا بشكلٍ واضح أنهم لا يدافعون عن «شخص» بل يدافعون عما يتجاوز مفهوم «الوطن»، وهو ما تخشاه «إسرائيل»؛ أي العقيدة القتالية الرافضة لهذا الكيان المسخ، عقيدةٌ وخيار دفعتا مجرماً كوزير الحرب الصهيوني أفيغدور ليبرمان للاعتراف بالانتصار السوري، بواقعيةٍ تامة. واهم من يظن أن هكذا انتصار سيمرره الكيان الصهيوني بهذه السهولة، لأن معركته في سورية معركة حاسمة، وبشكلٍ أوسع فإن الاستسلام الأميركي ومن خلفه الإسرائيلي والإقرار بالهزيمة، يبدو حتى الآن بعيدَ المنال نوعاً ما مهما خسروا من أدوات، مع التأكيد على أنه مسألة وقتٍ لن ينفعه إرسال حاملات الطائرات باتجاه بحر الصين لترهيب كوريا الديمقراطية، ولا تفعيل خطوات الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، والحديث عن عواصف وهمية، فلا شيء ينجيهما من هذه الأوحال إلا مواجهةً مباشرة شاملة ربما يتمناها محور المقاومة، لكنه يبدو كمن يعيش الاحتضار وتطلب منه الجري في سباق الضاحية، فماذا ينتظرنا؟ إن جنوح كل من النظامين التركي والسعودي للهروب من جرائم دعم الإرهاب باتت واضحة، ونجاح الدبلوماسية الروسية بجلبهما للاتجاه الذي يمثل وجهة نظرها يعني أن الأمور بما يتعلق بالملف السوري تسير في الطريق الصحيح، والمغامرة الإسرائيلية إن حدثت فهي ستكون بحسابٍ آخر لا علاقة له بما يجري الآن ولكي تتضح الصورة أكثر: إن كل ما جرى من حراك دبلوماسي كان أشبه بمن أنهى الحصاد واستخرج القمح من سنابله، واليوم باتت مهمته فرز هذه الأقماح واستخراج ما فيها من أشواك وزيوان، ولعل زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم غداً إلى روسيا هي أشبه بمن وصل لينجز هذا العمل، ربما هي أيام قليلة ويظهر القمح الحقيقي من الزيوان.

المصدر : الماسة السورية/ الوطن


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة