انّ الموقع الجغرافي لألمانيا قلب أوروبا يحتم عليها في أحيان كثيرة ان تكون مسرحاً، لصراعات دولية ومسرحاً آخر لحلّ هذه الصراعات رغم حجم الضرر الكبير الذي لحق بالشعب الألماني منذ مئة عام مضت ولليوم، ومثل هذه الجملة كان المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر يكرّرها بشكل دائم، فقد تيقّن الألمان منذ أمد انّ موقعهم الجغرافي، ومبادئهم ومواقفهم ستكون دائماً عرضه للتساؤل.

وعلى محور صراعات قوى العالم في شرق أوروبا “أوكرانيا وماحولها “،تجد ألمانيا دائماً نفسها في قلب هذه الصراعات ،ولكن الواضح إلى الآن إنْ الخطة التي أرست معالمها وثيقة التفاهم بين الألمان والروس والفرنسيين ، نجحت في إيجاد حلول مقبولة بخصوص وقف القتال والمعارك والسير بوثيقة سلام بين الحكومة الأوكرانية والمعارضين لها في إقليمي دونيتسك ولوغانسك شرقي أوكرانيا، البعض يعوّل الآن على المجهود الألماني الذي تبنّى هذا الطرح منذ البداية، وبدا بالفعل الجهد الألماني سريعاً، فميركل مستمرة باتصالات فعلية مع الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو وادارة ترامب ،لوضع أطر عامة لخطة سلام في شرق أوكرانيا تضمن وقف القتال بدونتيسك ولوغانسك والوصول الى حلول سلمية لإيقاف الصراع والتوتر في الشرق الأوكراني، والذي أفرز بدوره حالة غير مسبوقة من التصعيد منذ تسعينات القرن الماضي بين الشرق والغرب، وتحديداً بين واشنطن وموسكو.

الواضح إلى الآن انّ حجم الجهد الألماني المستمرّ منذ شهور قد نجح بانجاز اختراق هام بخصوص الشرق الاوكراني ،ولكن ومع ذلك ، فموسكو تخشى من عواقب وخطورة خسارتها لورقة قوة تملكها لصالح الغرب وهي أوكرانيا، فاليوم هناك تأكيدات تصدر من موسكو على استعداد روسي لعملية عسكرية مفاجئة داخل أوكرانيا في ايّ وقت تقدم فيه القوات الأوكرانية مدعومة بقوة غربياً باقتحام مدينتي دونيتسك ولوغانسك، شرقي أوكرانيا واللتين تقعان تحت سيطرة معارضين للحكومة الأوكرانية، وبنفس الوقت هناك تأكيدات من قبل قادة «الناتو» على عدم السماح لروسيا باحتلال ايّ جزء من أوكرانيا «وفق تعبيرهم.

الألمان بدورهم يعون كلّ هذه الحقائق، ويعرفون انّ الوصول الى مسار تفاهمات بين الأطراف المتصارعة في الشرق الأوكراني، تحتاج الى تفاهمات بين الأطراف الدولية لتطبيق فعلي لمسار هذه التفاهمات على الأرض، فالروس لا يمكن ان يتنازلوا عن ورقة الشرق الأوكراني لصالح الغرب، والغرب وتحديداً حلف «واشطن– لندن « لا يمكن بهذه المرحلة ان يتراجع عن هدفه الرامي إلى إخضاع الروس، فالألمان يدركون انّ الروس يواجهون مشروعاً غربياً الهدف منه تقويض الجهود الروسية في الوصول الى مراكز قوى جديدة لدفع الروس الى الانكفاء الى الداخل الروسي، كما يدرك الألمان انّ واشنطن قد رمت بالفترة الأخيرة بكلّ ثقلها السياسي والاقتصادي في محاولة لتقويض الجهود الروسية في التوسع في تحالفاتها واتساع مراكز القوة ونفوذها الدولي شرقاً وشمالاً.

ختاماً،أن مجموع هذه التعقيدات تدفع بعض المتابعين إلى القول إنهم لا يعوّلون على الجهد الألماني الساعي إلى بناء وثيقة تفاهم دولية قادرة على ضبط إيقاع الصراعات الدولية بما ينعكس على حلول سريعة لمعظم الأزمات المحلية والإقليمية والدولية، وهنا يمكن ان يطرح البعض بعض التساؤلات ومنها على سبيل المثال لا الحصر، انّ الألمان يدركون ويعون حجم التعقيدات الدولية وحجم الصراعات بين موسكو وواشنطن بخصوص الملف الأوكراني تحديداً فلماذا يقومون بمحاولات غير بناءة وعنوانها الفشل على الأغلب لتقريب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن اللتين تعيشان الآن على ايقاع حرب باردة جديدة، قد تتطوّر مستقبلا لصدام عسكري؟ فما الهدف من كلّ هذا الجهد الالماني؟.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2017-10-03
  • 10573
  • من الأرشيف

ألمانيا قلب أوروبا ...ماذا عن ضبط ايقاع صراع القوى العالمية

انّ الموقع الجغرافي لألمانيا قلب أوروبا يحتم عليها في أحيان كثيرة ان تكون مسرحاً، لصراعات دولية ومسرحاً آخر لحلّ هذه الصراعات رغم حجم الضرر الكبير الذي لحق بالشعب الألماني منذ مئة عام مضت ولليوم، ومثل هذه الجملة كان المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر يكرّرها بشكل دائم، فقد تيقّن الألمان منذ أمد انّ موقعهم الجغرافي، ومبادئهم ومواقفهم ستكون دائماً عرضه للتساؤل. وعلى محور صراعات قوى العالم في شرق أوروبا “أوكرانيا وماحولها “،تجد ألمانيا دائماً نفسها في قلب هذه الصراعات ،ولكن الواضح إلى الآن إنْ الخطة التي أرست معالمها وثيقة التفاهم بين الألمان والروس والفرنسيين ، نجحت في إيجاد حلول مقبولة بخصوص وقف القتال والمعارك والسير بوثيقة سلام بين الحكومة الأوكرانية والمعارضين لها في إقليمي دونيتسك ولوغانسك شرقي أوكرانيا، البعض يعوّل الآن على المجهود الألماني الذي تبنّى هذا الطرح منذ البداية، وبدا بالفعل الجهد الألماني سريعاً، فميركل مستمرة باتصالات فعلية مع الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو وادارة ترامب ،لوضع أطر عامة لخطة سلام في شرق أوكرانيا تضمن وقف القتال بدونتيسك ولوغانسك والوصول الى حلول سلمية لإيقاف الصراع والتوتر في الشرق الأوكراني، والذي أفرز بدوره حالة غير مسبوقة من التصعيد منذ تسعينات القرن الماضي بين الشرق والغرب، وتحديداً بين واشنطن وموسكو. الواضح إلى الآن انّ حجم الجهد الألماني المستمرّ منذ شهور قد نجح بانجاز اختراق هام بخصوص الشرق الاوكراني ،ولكن ومع ذلك ، فموسكو تخشى من عواقب وخطورة خسارتها لورقة قوة تملكها لصالح الغرب وهي أوكرانيا، فاليوم هناك تأكيدات تصدر من موسكو على استعداد روسي لعملية عسكرية مفاجئة داخل أوكرانيا في ايّ وقت تقدم فيه القوات الأوكرانية مدعومة بقوة غربياً باقتحام مدينتي دونيتسك ولوغانسك، شرقي أوكرانيا واللتين تقعان تحت سيطرة معارضين للحكومة الأوكرانية، وبنفس الوقت هناك تأكيدات من قبل قادة «الناتو» على عدم السماح لروسيا باحتلال ايّ جزء من أوكرانيا «وفق تعبيرهم. الألمان بدورهم يعون كلّ هذه الحقائق، ويعرفون انّ الوصول الى مسار تفاهمات بين الأطراف المتصارعة في الشرق الأوكراني، تحتاج الى تفاهمات بين الأطراف الدولية لتطبيق فعلي لمسار هذه التفاهمات على الأرض، فالروس لا يمكن ان يتنازلوا عن ورقة الشرق الأوكراني لصالح الغرب، والغرب وتحديداً حلف «واشطن– لندن « لا يمكن بهذه المرحلة ان يتراجع عن هدفه الرامي إلى إخضاع الروس، فالألمان يدركون انّ الروس يواجهون مشروعاً غربياً الهدف منه تقويض الجهود الروسية في الوصول الى مراكز قوى جديدة لدفع الروس الى الانكفاء الى الداخل الروسي، كما يدرك الألمان انّ واشنطن قد رمت بالفترة الأخيرة بكلّ ثقلها السياسي والاقتصادي في محاولة لتقويض الجهود الروسية في التوسع في تحالفاتها واتساع مراكز القوة ونفوذها الدولي شرقاً وشمالاً. ختاماً،أن مجموع هذه التعقيدات تدفع بعض المتابعين إلى القول إنهم لا يعوّلون على الجهد الألماني الساعي إلى بناء وثيقة تفاهم دولية قادرة على ضبط إيقاع الصراعات الدولية بما ينعكس على حلول سريعة لمعظم الأزمات المحلية والإقليمية والدولية، وهنا يمكن ان يطرح البعض بعض التساؤلات ومنها على سبيل المثال لا الحصر، انّ الألمان يدركون ويعون حجم التعقيدات الدولية وحجم الصراعات بين موسكو وواشنطن بخصوص الملف الأوكراني تحديداً فلماذا يقومون بمحاولات غير بناءة وعنوانها الفشل على الأغلب لتقريب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن اللتين تعيشان الآن على ايقاع حرب باردة جديدة، قد تتطوّر مستقبلا لصدام عسكري؟ فما الهدف من كلّ هذا الجهد الالماني؟.    

المصدر : الماسة السورية / هشام الهبيشان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة