رحّب الرئيس ترامب مطلع الشهر الجاري، باقتراح نظيره الروسي إنشاء "مناطق تخفيض التصعيد"، باعتبارها "مناطق آمنة" في سوريا، خلال مكالمة هاتفية بينهما، أُتبِعت بزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لواشنطن، ولقائه مع الرئيس ترامب ونظيره الأميركي ريكس تيلرسون.

تراهن روسيا على نجاح مبادرتها في سوريا لتشكيل منصة لإطلاق مسار الحل السياسي بوتيرة أعلى

تراهن روسيا وفق المراقبين الأميركيين، على نجاح مبادرتها في سوريا لتشكيل منصة لإطلاق مسار الحل السياسي بوتيرة أعلى، تعززها الانتصارات الميدانية للدولة السورية وحلفائها على المجموعات الإرهابية وداعميها.
وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس من ناحيته عبر عن "حذره" من الاقتراح الروسي، الذي أثمر اتفاقيات أستانة بحضور أميركي "كمراقب" أسفر عن اتفاق له ما بعده، من تحول في مركز الثقل في الشأن السوري من "واشنطن وجنيف إلى الشرق باتجاه موسكو".ما يقلق المؤسسة العسكرية الأميركية أيضاً أن روسيا في عهد بوتين أتقنت فناً من "فنون الحرب – عنصر المفاجأة" والمبادرة، منذ دخول الأخير بقوة في سوريا نهاية أيلول/سبتمبر 2015. انتزعت موسكو المبادرة ليس في سوريا فحسب، بل أضحت عاملاً لا يمكن القفز عنه في المعادلات الإقليمية الأخرى.
"المناطق الآمنة تحقق نجاحاً حين تتضافر الإرادة السياسية والقدرات العسكرية" للقوى المعنية، كما أوضحت شهرية فورين أفيرز، في نسختها الإلكترونية 11 أيار/مايو الجاري، مناشدة الرئيس ترامب "تبني رسالة واضحة لطمأنة حلفاء الولايات المتحدة والشعب الأميركي، ووضع قواعد اشتباك واضحة" في سوريا. واستطردت أن المطلوب سياسياً هو "إعادة صياغة لسياساته نحو سوريا في إطار المهمات والمتطلبات الإنسانية."أما السر في لقاء لافروف – ترامب العاجل، يشير إليه بعض المسؤولين في البيت الأبيض بأنه دليل على عزم روسيا "حث أميركا على استئناف مسار سياسي يؤدي لتحقيق اتفاق شامل".ويفند أولئك الجانب المعلن من الزيارة، البحث في "المناطق الآمنة"، لا سيما وأنها تندرج تحت إطار التدابير الميدانية التي باستطاعة القيادة العسكرية في البلدين إرساء قواعدها "لتجنب صدامهما المحتمل" فوق الأجواء السورية.وزير الدفاع ماتيس ترجم قلقه بإيفاده رئيس هيئة الأركان الأميركية، جوزيف دانفورد، على رأس وفد عسكري رفيع لزيارة فلسطين المحتلة، لبحث ملفات سوريا والعراق وإيران مع "وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة، غادي إيزنكوت، ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان، وكبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي".

الوفد الأميركي لم يشأ التعليق أو نفي مزاعم إسرائيل بأنها "تشارك بشكل أساسي في الهجوم الأميركي على داعش في سوريا والعراق، من خلال نقل معلومات استخباراتية"، استبق ذلك زيارة وزير الدفاع ماتيس إلى المنطقة، بالتزامن مع بدء مناورات عسكرية مشتركة تجري في الأردن والبحث عن آلية "هيكلية أمنية" مندمجة لتلك الدول المشاركة – تعزيز التطبيع من البوابة الأمنية.اتفاق "مناطق خفض التصعيد - المناطق الآمنة" الاضطراري بالنسبة لواشنطن، تناقضه جملة من التصريحات والتحركات الميدانية بالإشارة إلى رهاناتها على إشعال "الجبهة الجنوبية" السورية انطلاقاً من عمق الأراضي الأردنية، بمشاركة فاعلة من الأردن و"إسرائيل" وحلفاء أميركا في الخليج.عند البحث والتدقيق في طبيعة اتخاذ القرار السياسي الأميركي يبرز بشدة سيطرة المؤسسة العسكرية على المفاصل الأساسية، ليس في زمن ترامب فحسب، بل منذ زمن يمتد على عدة ولايات رئاسية متتالية.في عام 2008، حذر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ آنذاك جوزيف بايدن، من سيطرة البنتاغون على القرار السياسي مذكراً زملاءه بأن ميزانية الأخيرة الشاملة تصل لنحو 700 مليار دولار، بينما ميزانية وزارة الخارجية لا تتعدى 29 مليار دولار.أما مكتب المساءلة الحكومي فقد أوضح في أحدث تقرير له أن البنتاغون تنفق نحو مليار دولار سنويا على "العلاقات العامة والدعاية"، مما يعزز مخاوف المهنيين والديبلوماسيين على السواء من أن "الديبلوماسية الأميركية أضحت أداة طيعة وضعيفة في القرار السياسي منذ عدة عقود خلت"، ويشهد على ذلك أيضاً سيل البرقيات المرسلة من سفراء الولايات المتحدة في "باكستان والسعودية" ودول أخرى بأن حضورهم الرسمي مع الوفود الأميركية أضحى هامشياً وتسجيل المحضر ليس إلا. أما القرار وفق برقياتهم المسربة، فهي بيد القادة العسكريين الزائرين والذين "يحجبون عنهم أي تفاصيل حقيقية".لمزيد من الإضاءة على تهميش الديبلوماسية في عهد إدارة ترامب، أوكل وزير الخارجية ريكس تيلرسون مهمة "إعادة هيكلة طاقم الوزارة"، وتحقيق تخفيض بنسبة 27% من كادر موظفيها، إلى المسؤول السابق في شركة "لوكهيد مارتن"، ويليام إنغلي، وهي إشارة لا تخلو من الدلالة لعزم الأخير إعلاء سيطرة مصالح صناعة السلاح على مواطن القرار لسنوات قادمة.سورياً وفي الشمال منها، اعربت تركيا عن خيبة أمل كبيرة من قرار البيت الابيض تسليح المجموعات الكردية "الحليفة لواشنطن" مباشرة بأسلحة متطورة، وأرسلت وفداً عسكرياً رفيع المستوى لواشنطن ضم رئيس الأركان خلوصي أكار، ورئيس الاستخبارات حقان فيدان والمتحدث باسم الرئاسة التركية، التقى فيها مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي، هيربرت ماكماستر، وآخرين في البيت الأبيض. الوفد التركي أُبلِغَ بالقرار خلال لقاءاته المعدة مسبقاً.وزير الدفاع التركي، فكري إيسك، انتقد قرار البيت الأبيض "المأساة" بشدة محذراً من تداعياته على الولايات المتحدة والمنطقة عموماً. رئيس الوزراء بن علي يلدريم أخطر واشنطن بأن عدم تراجعها عن قرارها "سيؤدي إلى عواقب سلبية على الولايات المتحدة أيضاً".في هذا الصدد، حذرت أسبوعية ناشيونال انترست، مطلع الشهر الجاري، من المشاركة العسكرية الأميركية في عملية الجبهة الجنوبية، كما يطلق عليها، لما ينطوي عليها من مخاطر "نشوب صراع مباشر أو غير مباشر" مع الجيش السوري وحلفائه، كما أن "غزواً عسكرياً بمشاركة أميركا لجنوب سوريا سيصعد التوترات السياسية والديبلوماسية مع روسيا .. والتداعيات التي سيخلفها على الأمن القومي للأردن".أما في الأردن، مسرح العمليات لانطلاق الغزوة المتجددة على سوريا، يتواجد في قاعدتي المفرق والأزرق، في الشمال المحاذي للأراضي السورية، قوات عسكرية جوية وبرية من "أميركا وبريطانيا وفرنسا وهولندا وبولندا والبحرين" بانتظار ساعة الصفر. في خطوة "ترضية" للأردن، وافق الكونغرس الأميركي على تقديم مبلغ 1،3 مليار دولار على شكل "مساعدات" للأردن.قرع طبول الحرب هي السردية الطاغية والمفضلة لدى القيادة العسكرية الأميركية، التي تتحكم بمفاصل السياسة بدقة ولم تعد مجرد تكهنات تدور في خلد المحللين والمراقبين.أما العنصر المفقود، بحسب نشرة فلورين أفيرز سالفة الذكر، غياب "خطة تراجعية او انسحاب" أميركية من سوريا. لماذا، تعلل النشرة المرموقة أن ذلك يندرج في إطار "المغامرة الكبيرة الناجمة عن إنشاء مناطق آمنة من شأنها استدراج أميركا وحلفائها إلى صراع طاحن متعدد الأبعاد في سوريا إلى أجل غير مسمى".وحذرت النشرة القيادة العسكرية الأميركية من إغفال هذا العنصر وضرورة "ترابط قرار الانسحاب (الأميركي) مع تطبيق شامل لوقف اطلاق النار في عموم الأراضي السورية أو اتفاقية سلام تؤدي لنشر قوات حفظ سلام أممية".أمام هذه المروحة الواسعة من النوايا والتحذيرات الاميركية، بما تتضمنه من غموض مقصود في التفاصيل وتناقض مدروس في التصريحات، تمضي المؤسسة الرسمية بكافة أقطابها قدماً في السعي "لبسط سيطرتها الأحادية" أقليمياً وعالمياً، وتوفير "الأمن لإسرائيل".في هذا الصدد، وقبيل زيارة الرئيس ترامب للرياض الأسبوع المقبل، أعلن "مسؤول رفيع" في البيت الأبيض أن الإدارة اقتربت من "استكمال سلسلة من صفقات أسلحة للسعودية تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار، إنه تطور جيد للاقتصاد الأميركي (لكن) ستظل إسرائيل محتفظة بتفوقها".استمرار المراهنة  الأميركية على تسخير القوات الكردية الموالية لها في العمق السوري لا ينفصل عن مساعيها الدؤوبة تحقيق خرق مؤثر في الجبهة السورية، لا سيما بعد تحرير مدينة حلب وتراجع فعالية العامل التركي في السياسة الأميركية في الإقليم.وزير الدفاع التركي، فكري إيسك، انتقد قرار البيت الأبيض "المأساة" بشدة محذراً من تداعياته على الولايات المتحدة والمنطقة عموماً. وحذر واشنطن، حسبما أوردت وسائل الإعلام التركية، من أنه لا يجوز توقع تأييد بلاده لأي عملية مقبلة في سوريا تضم "مجموعات إرهابية", في إشارة تهديد لإغلاق قاعدة انجرليك. رئيس الوزراء بن علي يلدريم أخطر واشنطن بأن عدم تراجعها عن قرارها "سيؤدي إلى عواقب سلبية على الولايات المتحدة أيضاً".بالمقابل، سعى وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، طمأنة حلفائه وعلى رأسهم تركيا بأن بلاده "على يقين بقدرتها على تجاوز وحل الخلافات القائمة مع تركيا", ممهداً الطريق بذلك لاستكمال زيارة الرئيس التركي إردوغان لواشنطن بعد بضعة أيام، والتي لاحت أحياناً ظلالاً من الشك حول المضي بها.

ما بعد أستانة

من الضروري بمكان الإقرار بالتحولات الميدانية التي أثمرت اتفاقات "مناطق خفض التصعيد - المناطق الآمنة" ليس في بعدها الجغرافي الصرف، رغم أهميته، بل كمؤشر "لإعادة تعريف لغة الصراع "بين القطبين العالميين، بعيداً عن السردية الأميركية والغربية؛ لعل أبرزها قبول واشنطن ما رفضته بقوة في السابق لناحية تصنيف المجموعات المسلحة وتلكؤ وزير خارجيتها السابق، جون كيري، في تحديد أماكن تواجد "المجموعات المسلحة المعتدلة" في الاتفاق الثنائي مع نظيره الروسي.

بناء على ذلك، أسهم الميدان في تعديل "ضوابط" مؤتمر جنيف، وفق التفسيرات الأميركية في عهد أوباما الرامية لاستبدال المؤسسات السورية الراهنة بحلول مرحلية هدفها تحقيق الهدف "الأسمى" وهو تغيير بنية النظام. أما مسار أستانة فكان "فرصة متجددة لإعادة تعريف قواعد اللعب" بانضمام تركيا رسميا هذه المرة.
كما ينبغي الإشارة في هذا السياق إلى تراجع أهمية الأخطبوط الإعلامي الغربي في إدارة الصراع في سوريا، قياسا بمرحلة ما قبل أستانة، يتصدره كبريات وسائل الإعلام الأميركية؛ سي إن إن، أن بي سي، فوكس نيوز، وكبريات الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية ومراكز الابحاث؛ والبريطانية وعلى رأسها شبكة بي بي سي والقناة 4؛ والإعلام الفرنسي والخليجي بكل تلاوينه.

من بين أهم المعادلات الإعلامية التي أطيح بها في سوريا السردية الأميركية والغربية التي أولت اهتماماً عاليا "لمسار جنيف" التفاوضي  بغية "التوصل لحل سياسي طويل الأجل في سوريا؛" على خلفية تراجع وهزيمة أدواتها في الداخل السوري واعادة تموضع من تبقى منها في "جزر معزولة." والآن، أضحت تلك المجموعات "المعتدلة" مصنفة إرهابية مما يقتضي من "حلفائها بالأمس" القتال ضدها في المناطق الاربعة التي تم الاتفاق عليها.
أما مسألة المراهنة على التباينات اللغوية والتعريفات المتبعة لمصطلحي "مناطق خفض التصعيد - مناطق آمنة" و "مناطق حظر الطيران،" كما تفضل واشنطن، فإن الفهم الروسي المعلن على لساني الرئيس بوتين ووزير خارجيته لافروف أكد أن "حظر الطيران" يعني عدم انطلاق سلاح الجو الأميركي فوق الأجواء السورية المتفق عليها. كما أوضحت الحكومة السورية إنه لا مجال للبحث في نشر قوات أممية في البلاد، قاطعة بذلك الطريق على دور متجدد للهيئة الدولية. وتجدر الإشارة في هذه النقطة المفصلية إن "التفسير الأميركي" للمناطق لم يعد مدرجاً كما كان في السابق، أو طاغيا في تفسيره الأحادي.
مصير "داعش" المرئي هو إعادة تموضعه أميركيا، كما يرجح، وربما تحركه ولو ببطء باتجاه المناطق الأربعة المعلنة أو بعضها، لا سيما "المنطقة الجنوبية،" وإن تسنى له ذلك تبرز فرصة أخرى لواشنطن لتخريب اتفاقات أستانة مرة أخرى وإعادة تغليف الخطر الآتي من التنظيم كمنصة وذريعة لزيادة تواجدها وانخراطها عسكريا في سوريا وحولها؛ كما تدلنا سيل التصريحات الرسمية بضرورة زيادة عدد وعتاد القوات الأميركية في المنطقة.
  • فريق ماسة
  • 2017-05-13
  • 10155
  • من الأرشيف

تهدئة حذرة بين موسكو وواشنطن لا تبدد مخاطر العدوان الأميركي على سورية

رحّب الرئيس ترامب مطلع الشهر الجاري، باقتراح نظيره الروسي إنشاء "مناطق تخفيض التصعيد"، باعتبارها "مناطق آمنة" في سوريا، خلال مكالمة هاتفية بينهما، أُتبِعت بزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لواشنطن، ولقائه مع الرئيس ترامب ونظيره الأميركي ريكس تيلرسون. تراهن روسيا على نجاح مبادرتها في سوريا لتشكيل منصة لإطلاق مسار الحل السياسي بوتيرة أعلى تراهن روسيا وفق المراقبين الأميركيين، على نجاح مبادرتها في سوريا لتشكيل منصة لإطلاق مسار الحل السياسي بوتيرة أعلى، تعززها الانتصارات الميدانية للدولة السورية وحلفائها على المجموعات الإرهابية وداعميها. وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس من ناحيته عبر عن "حذره" من الاقتراح الروسي، الذي أثمر اتفاقيات أستانة بحضور أميركي "كمراقب" أسفر عن اتفاق له ما بعده، من تحول في مركز الثقل في الشأن السوري من "واشنطن وجنيف إلى الشرق باتجاه موسكو".ما يقلق المؤسسة العسكرية الأميركية أيضاً أن روسيا في عهد بوتين أتقنت فناً من "فنون الحرب – عنصر المفاجأة" والمبادرة، منذ دخول الأخير بقوة في سوريا نهاية أيلول/سبتمبر 2015. انتزعت موسكو المبادرة ليس في سوريا فحسب، بل أضحت عاملاً لا يمكن القفز عنه في المعادلات الإقليمية الأخرى. "المناطق الآمنة تحقق نجاحاً حين تتضافر الإرادة السياسية والقدرات العسكرية" للقوى المعنية، كما أوضحت شهرية فورين أفيرز، في نسختها الإلكترونية 11 أيار/مايو الجاري، مناشدة الرئيس ترامب "تبني رسالة واضحة لطمأنة حلفاء الولايات المتحدة والشعب الأميركي، ووضع قواعد اشتباك واضحة" في سوريا. واستطردت أن المطلوب سياسياً هو "إعادة صياغة لسياساته نحو سوريا في إطار المهمات والمتطلبات الإنسانية."أما السر في لقاء لافروف – ترامب العاجل، يشير إليه بعض المسؤولين في البيت الأبيض بأنه دليل على عزم روسيا "حث أميركا على استئناف مسار سياسي يؤدي لتحقيق اتفاق شامل".ويفند أولئك الجانب المعلن من الزيارة، البحث في "المناطق الآمنة"، لا سيما وأنها تندرج تحت إطار التدابير الميدانية التي باستطاعة القيادة العسكرية في البلدين إرساء قواعدها "لتجنب صدامهما المحتمل" فوق الأجواء السورية.وزير الدفاع ماتيس ترجم قلقه بإيفاده رئيس هيئة الأركان الأميركية، جوزيف دانفورد، على رأس وفد عسكري رفيع لزيارة فلسطين المحتلة، لبحث ملفات سوريا والعراق وإيران مع "وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة، غادي إيزنكوت، ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان، وكبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي". الوفد الأميركي لم يشأ التعليق أو نفي مزاعم إسرائيل بأنها "تشارك بشكل أساسي في الهجوم الأميركي على داعش في سوريا والعراق، من خلال نقل معلومات استخباراتية"، استبق ذلك زيارة وزير الدفاع ماتيس إلى المنطقة، بالتزامن مع بدء مناورات عسكرية مشتركة تجري في الأردن والبحث عن آلية "هيكلية أمنية" مندمجة لتلك الدول المشاركة – تعزيز التطبيع من البوابة الأمنية.اتفاق "مناطق خفض التصعيد - المناطق الآمنة" الاضطراري بالنسبة لواشنطن، تناقضه جملة من التصريحات والتحركات الميدانية بالإشارة إلى رهاناتها على إشعال "الجبهة الجنوبية" السورية انطلاقاً من عمق الأراضي الأردنية، بمشاركة فاعلة من الأردن و"إسرائيل" وحلفاء أميركا في الخليج.عند البحث والتدقيق في طبيعة اتخاذ القرار السياسي الأميركي يبرز بشدة سيطرة المؤسسة العسكرية على المفاصل الأساسية، ليس في زمن ترامب فحسب، بل منذ زمن يمتد على عدة ولايات رئاسية متتالية.في عام 2008، حذر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ آنذاك جوزيف بايدن، من سيطرة البنتاغون على القرار السياسي مذكراً زملاءه بأن ميزانية الأخيرة الشاملة تصل لنحو 700 مليار دولار، بينما ميزانية وزارة الخارجية لا تتعدى 29 مليار دولار.أما مكتب المساءلة الحكومي فقد أوضح في أحدث تقرير له أن البنتاغون تنفق نحو مليار دولار سنويا على "العلاقات العامة والدعاية"، مما يعزز مخاوف المهنيين والديبلوماسيين على السواء من أن "الديبلوماسية الأميركية أضحت أداة طيعة وضعيفة في القرار السياسي منذ عدة عقود خلت"، ويشهد على ذلك أيضاً سيل البرقيات المرسلة من سفراء الولايات المتحدة في "باكستان والسعودية" ودول أخرى بأن حضورهم الرسمي مع الوفود الأميركية أضحى هامشياً وتسجيل المحضر ليس إلا. أما القرار وفق برقياتهم المسربة، فهي بيد القادة العسكريين الزائرين والذين "يحجبون عنهم أي تفاصيل حقيقية".لمزيد من الإضاءة على تهميش الديبلوماسية في عهد إدارة ترامب، أوكل وزير الخارجية ريكس تيلرسون مهمة "إعادة هيكلة طاقم الوزارة"، وتحقيق تخفيض بنسبة 27% من كادر موظفيها، إلى المسؤول السابق في شركة "لوكهيد مارتن"، ويليام إنغلي، وهي إشارة لا تخلو من الدلالة لعزم الأخير إعلاء سيطرة مصالح صناعة السلاح على مواطن القرار لسنوات قادمة.سورياً وفي الشمال منها، اعربت تركيا عن خيبة أمل كبيرة من قرار البيت الابيض تسليح المجموعات الكردية "الحليفة لواشنطن" مباشرة بأسلحة متطورة، وأرسلت وفداً عسكرياً رفيع المستوى لواشنطن ضم رئيس الأركان خلوصي أكار، ورئيس الاستخبارات حقان فيدان والمتحدث باسم الرئاسة التركية، التقى فيها مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي، هيربرت ماكماستر، وآخرين في البيت الأبيض. الوفد التركي أُبلِغَ بالقرار خلال لقاءاته المعدة مسبقاً.وزير الدفاع التركي، فكري إيسك، انتقد قرار البيت الأبيض "المأساة" بشدة محذراً من تداعياته على الولايات المتحدة والمنطقة عموماً. رئيس الوزراء بن علي يلدريم أخطر واشنطن بأن عدم تراجعها عن قرارها "سيؤدي إلى عواقب سلبية على الولايات المتحدة أيضاً".في هذا الصدد، حذرت أسبوعية ناشيونال انترست، مطلع الشهر الجاري، من المشاركة العسكرية الأميركية في عملية الجبهة الجنوبية، كما يطلق عليها، لما ينطوي عليها من مخاطر "نشوب صراع مباشر أو غير مباشر" مع الجيش السوري وحلفائه، كما أن "غزواً عسكرياً بمشاركة أميركا لجنوب سوريا سيصعد التوترات السياسية والديبلوماسية مع روسيا .. والتداعيات التي سيخلفها على الأمن القومي للأردن".أما في الأردن، مسرح العمليات لانطلاق الغزوة المتجددة على سوريا، يتواجد في قاعدتي المفرق والأزرق، في الشمال المحاذي للأراضي السورية، قوات عسكرية جوية وبرية من "أميركا وبريطانيا وفرنسا وهولندا وبولندا والبحرين" بانتظار ساعة الصفر. في خطوة "ترضية" للأردن، وافق الكونغرس الأميركي على تقديم مبلغ 1،3 مليار دولار على شكل "مساعدات" للأردن.قرع طبول الحرب هي السردية الطاغية والمفضلة لدى القيادة العسكرية الأميركية، التي تتحكم بمفاصل السياسة بدقة ولم تعد مجرد تكهنات تدور في خلد المحللين والمراقبين.أما العنصر المفقود، بحسب نشرة فلورين أفيرز سالفة الذكر، غياب "خطة تراجعية او انسحاب" أميركية من سوريا. لماذا، تعلل النشرة المرموقة أن ذلك يندرج في إطار "المغامرة الكبيرة الناجمة عن إنشاء مناطق آمنة من شأنها استدراج أميركا وحلفائها إلى صراع طاحن متعدد الأبعاد في سوريا إلى أجل غير مسمى".وحذرت النشرة القيادة العسكرية الأميركية من إغفال هذا العنصر وضرورة "ترابط قرار الانسحاب (الأميركي) مع تطبيق شامل لوقف اطلاق النار في عموم الأراضي السورية أو اتفاقية سلام تؤدي لنشر قوات حفظ سلام أممية".أمام هذه المروحة الواسعة من النوايا والتحذيرات الاميركية، بما تتضمنه من غموض مقصود في التفاصيل وتناقض مدروس في التصريحات، تمضي المؤسسة الرسمية بكافة أقطابها قدماً في السعي "لبسط سيطرتها الأحادية" أقليمياً وعالمياً، وتوفير "الأمن لإسرائيل".في هذا الصدد، وقبيل زيارة الرئيس ترامب للرياض الأسبوع المقبل، أعلن "مسؤول رفيع" في البيت الأبيض أن الإدارة اقتربت من "استكمال سلسلة من صفقات أسلحة للسعودية تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار، إنه تطور جيد للاقتصاد الأميركي (لكن) ستظل إسرائيل محتفظة بتفوقها".استمرار المراهنة  الأميركية على تسخير القوات الكردية الموالية لها في العمق السوري لا ينفصل عن مساعيها الدؤوبة تحقيق خرق مؤثر في الجبهة السورية، لا سيما بعد تحرير مدينة حلب وتراجع فعالية العامل التركي في السياسة الأميركية في الإقليم.وزير الدفاع التركي، فكري إيسك، انتقد قرار البيت الأبيض "المأساة" بشدة محذراً من تداعياته على الولايات المتحدة والمنطقة عموماً. وحذر واشنطن، حسبما أوردت وسائل الإعلام التركية، من أنه لا يجوز توقع تأييد بلاده لأي عملية مقبلة في سوريا تضم "مجموعات إرهابية", في إشارة تهديد لإغلاق قاعدة انجرليك. رئيس الوزراء بن علي يلدريم أخطر واشنطن بأن عدم تراجعها عن قرارها "سيؤدي إلى عواقب سلبية على الولايات المتحدة أيضاً".بالمقابل، سعى وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، طمأنة حلفائه وعلى رأسهم تركيا بأن بلاده "على يقين بقدرتها على تجاوز وحل الخلافات القائمة مع تركيا", ممهداً الطريق بذلك لاستكمال زيارة الرئيس التركي إردوغان لواشنطن بعد بضعة أيام، والتي لاحت أحياناً ظلالاً من الشك حول المضي بها. ما بعد أستانة من الضروري بمكان الإقرار بالتحولات الميدانية التي أثمرت اتفاقات "مناطق خفض التصعيد - المناطق الآمنة" ليس في بعدها الجغرافي الصرف، رغم أهميته، بل كمؤشر "لإعادة تعريف لغة الصراع "بين القطبين العالميين، بعيداً عن السردية الأميركية والغربية؛ لعل أبرزها قبول واشنطن ما رفضته بقوة في السابق لناحية تصنيف المجموعات المسلحة وتلكؤ وزير خارجيتها السابق، جون كيري، في تحديد أماكن تواجد "المجموعات المسلحة المعتدلة" في الاتفاق الثنائي مع نظيره الروسي. بناء على ذلك، أسهم الميدان في تعديل "ضوابط" مؤتمر جنيف، وفق التفسيرات الأميركية في عهد أوباما الرامية لاستبدال المؤسسات السورية الراهنة بحلول مرحلية هدفها تحقيق الهدف "الأسمى" وهو تغيير بنية النظام. أما مسار أستانة فكان "فرصة متجددة لإعادة تعريف قواعد اللعب" بانضمام تركيا رسميا هذه المرة. كما ينبغي الإشارة في هذا السياق إلى تراجع أهمية الأخطبوط الإعلامي الغربي في إدارة الصراع في سوريا، قياسا بمرحلة ما قبل أستانة، يتصدره كبريات وسائل الإعلام الأميركية؛ سي إن إن، أن بي سي، فوكس نيوز، وكبريات الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية ومراكز الابحاث؛ والبريطانية وعلى رأسها شبكة بي بي سي والقناة 4؛ والإعلام الفرنسي والخليجي بكل تلاوينه. من بين أهم المعادلات الإعلامية التي أطيح بها في سوريا السردية الأميركية والغربية التي أولت اهتماماً عاليا "لمسار جنيف" التفاوضي  بغية "التوصل لحل سياسي طويل الأجل في سوريا؛" على خلفية تراجع وهزيمة أدواتها في الداخل السوري واعادة تموضع من تبقى منها في "جزر معزولة." والآن، أضحت تلك المجموعات "المعتدلة" مصنفة إرهابية مما يقتضي من "حلفائها بالأمس" القتال ضدها في المناطق الاربعة التي تم الاتفاق عليها. أما مسألة المراهنة على التباينات اللغوية والتعريفات المتبعة لمصطلحي "مناطق خفض التصعيد - مناطق آمنة" و "مناطق حظر الطيران،" كما تفضل واشنطن، فإن الفهم الروسي المعلن على لساني الرئيس بوتين ووزير خارجيته لافروف أكد أن "حظر الطيران" يعني عدم انطلاق سلاح الجو الأميركي فوق الأجواء السورية المتفق عليها. كما أوضحت الحكومة السورية إنه لا مجال للبحث في نشر قوات أممية في البلاد، قاطعة بذلك الطريق على دور متجدد للهيئة الدولية. وتجدر الإشارة في هذه النقطة المفصلية إن "التفسير الأميركي" للمناطق لم يعد مدرجاً كما كان في السابق، أو طاغيا في تفسيره الأحادي. مصير "داعش" المرئي هو إعادة تموضعه أميركيا، كما يرجح، وربما تحركه ولو ببطء باتجاه المناطق الأربعة المعلنة أو بعضها، لا سيما "المنطقة الجنوبية،" وإن تسنى له ذلك تبرز فرصة أخرى لواشنطن لتخريب اتفاقات أستانة مرة أخرى وإعادة تغليف الخطر الآتي من التنظيم كمنصة وذريعة لزيادة تواجدها وانخراطها عسكريا في سوريا وحولها؛ كما تدلنا سيل التصريحات الرسمية بضرورة زيادة عدد وعتاد القوات الأميركية في المنطقة.

المصدر : الميادين - مكتب واشنطن بالتعاون مع مركز الدراسات الأميركية والعربية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة