عاد الوصل بين القاهرة والرياض بعد أشهر انحدرت خلاله العلاقات بين الجانبين إلى مستويات «ناصرية». وجاءت قمة الأمس المصرية السعودية، علامة على فتح الدولتين صفحة جديدة، بعدما بثت الحرارة في علاقاتهما إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وأثر التقارب المصري الروسي على خلفية قلق القاهرة وموسكو من سياسة الرئيس السابق باراك أوباما، ومخاوفهما من وصول هيلاري كلينتون إلى سدة الحكم في واشنطن، على العلاقات بين مصر والسعودية، وبرزت الخلافات على صخرة المسألة السورية واتفاقية تيران صنافير، والصفقات المصرية السعودية لتوريد النفط السعودي إلى مصر. إلا أن وصول ترامب لطف العلاقات بينهما، خصوصاً أن سياسة إدارته تقوم على إحياء التحالف العربي «المعتدل» لمواجهة إيران وتنظيم داعش الإرهابي. ومن ضمن التكتيكات التي تعتمدها واشنطن إطلاق يد مصر في دعم حلفائها في ليبيا لمواجهة مزدوجة ضد داعش والتنظيمات الإسلامية المرعية من قطر، ومحاولة إقناع الدول العربية لإرسال قوات برية لمساعدة قوات أميركية في معركة دير الزور والتي تهدف من ورائها الولايات المتحدة إلى طرد داعش وقطع الطريق على ما يسمى بالهلال الإيراني عبر الصحراء السورية. أخيراً، تتوخى إدارة ترامب دعماً عربياً لأي حرب بين حزب اللـه و«إسرائيل» في جنوب لبنان، تكاثرت مؤخراً مؤشراتها. وجاءت القمة المصرية السعودية غداة جولة إقليمية لوزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قادته إلى الرياض والقاهرة عرض خلالها إستراتيجية إدارته حيال الشرق الأوسط. كما أتت بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن ولقائه ترامب، وزيارة مماثلة لولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع محمد بن سلمان للعاصمة الأميركية ولقاءاته أبرز أركان الإدارة الأميركية. ولما كانت القاهرة قد اطمأنت إلى متانة علاقاتها مع واشنطن، وإلى تراجع الضغوط الأميركية عليها بسبب قضايا حقوق الإنسان فقد غدت أكثر استعداداً لإحياء علاقاتها مع الرياض، وحكم منطق مماثل سياسة الرياض حيال مصر. وأبرز رمز على التحول المصري في سياسات القاهرة تجاه المحور الأميركي في المنطقة هو موافقة مصر على مشروع قرار دولي بخصوص ما قيل عن هجوم كيميائي في مدينة خان شيخون، والذي نقضه الفيتو الروسي. وكان تصويت مصر بالموافقة على مشروع قرار روسي في مجلس الأمن الدولي قد هز العلاقات المصرية السعودية وأظهر أبعاد التقارب الروسي المصري. ونقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن الرئاسة المصرية أن السيسي اتفق مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز على تطوير العلاقات بين البلدين وتنسيق الجهود فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. وبحسب بيان صادر عن الرئاسة المصرية فقد اتفق الزعيمان على ضرورة «تنسيق الجهود وتكثيف التشاور بين كافة الأطراف المعنية على الساحة الدولية لصياغة إستراتيجية متكاملة لمواجهة تلك الظاهرة التي باتت تهدد العالم بأسره»، في إشارة إلى الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا. ويعكس البيان انحيازاً سعودياً لوجهة النظر المصرية بضرورة إبقاء خطوط الحوار مع روسيا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب سيما في ليبيا وسورية. وألمح ابن سلمان إلى تعويل سعودي على دور روسيا في سورية والمنطقة. وفي مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نشرت قبل يومين، برر ذلك بتشجيع موسكو على عدم وضع كل بيضها بالشرق الأوسط في السلة الإيرانية. وعلى الصعيد الإقليمي، قال البيان: إن السيسي وسلمان اتفقا «على أهمية تعزيز التعاون والتضامن العربي للوقوف صفاً واحداً أمام التحديات التي تواجه الأمة العربية، وإنهاء الأزمات التي تمر بها عدد من دول المنطقة بما يساهم في استعادة الأمن والاستقرار بتلك الدول». وتحسنت العلاقات بين البلدين في الأسابيع القليلة الماضية بعد لقاء جمع الزعيمين على هامش القمة العربية التي استضافها الأردن الشهر الماضي وذلك بعد شهور من الفتور. وجاء هذا الفتور لأسباب رجح مراقبون أنها ناجمة عن اختلاف مواقفهما بشأن أزمات إقليمية مثل سورية، اليمن، والعقبات القانونية والقضائية التي تعوق تنفيذ اتفاقية بين البلدين لنقل تبعية جزيرتين في البحر الأحمر إلى السعودية. وقالت الرئاسة المصرية: إن السيسي وجه الدعوة للملك سلمان لزيارة مصر، مضيفة: إن العاهل السعودي رحب بالدعوة «ووعد بإتمام الزيارة في أقرب فرصة». وأعلنت مصر الشهر الماضي استئناف تلقيها لشحنات منتجات بترولية كانت السعودية اتفقت في 2016 على إمدادها بها لمدة خمس سنوات ولكن أوقفت شحنها في أوائل تشرين الأول. وجاء توقف الشحنات بعد تصويت مصر لصالح مشروع قرار تدعمه روسيا في مجلس الأمن بشأن سورية في تشرين الأول وعارضته السعودية بشدة. وخلال الشهور الماضية كان المسؤولون المصريون والسعوديون ينفون وجود توتر أو خلاف بين البلدين. وفي كانون الثاني الماضي أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر حكما نهائياً ببطلان توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع السعودية تضمنت نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر للمملكة. لكن قضت محكمة الأمور المستعجلة في وقت سابق هذا الشهر بصحة الاتفاقية. ولم تحسم المحكمة الدستورية العليا هذا الخلاف بعد. والاتفاقية معروضة أيضاً على البرلمان المصري الذي لم يبد رأيه فيها بعد. وأثارت الاتفاقية التي وقعها البلدان في نيسان العام الماضي على هامش زيارة الملك سلمان للقاهرة احتجاجات في مصر وسط اتهامات من جماعات معارضة للحكومة بالتنازل عن الجزيرتين مقابل استمرار تدفق المساعدات السعودية.
  • فريق ماسة
  • 2017-04-23
  • 12152
  • من الأرشيف

ترامب يعيد الوصل بين القاهرة والرياض

عاد الوصل بين القاهرة والرياض بعد أشهر انحدرت خلاله العلاقات بين الجانبين إلى مستويات «ناصرية». وجاءت قمة الأمس المصرية السعودية، علامة على فتح الدولتين صفحة جديدة، بعدما بثت الحرارة في علاقاتهما إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وأثر التقارب المصري الروسي على خلفية قلق القاهرة وموسكو من سياسة الرئيس السابق باراك أوباما، ومخاوفهما من وصول هيلاري كلينتون إلى سدة الحكم في واشنطن، على العلاقات بين مصر والسعودية، وبرزت الخلافات على صخرة المسألة السورية واتفاقية تيران صنافير، والصفقات المصرية السعودية لتوريد النفط السعودي إلى مصر. إلا أن وصول ترامب لطف العلاقات بينهما، خصوصاً أن سياسة إدارته تقوم على إحياء التحالف العربي «المعتدل» لمواجهة إيران وتنظيم داعش الإرهابي. ومن ضمن التكتيكات التي تعتمدها واشنطن إطلاق يد مصر في دعم حلفائها في ليبيا لمواجهة مزدوجة ضد داعش والتنظيمات الإسلامية المرعية من قطر، ومحاولة إقناع الدول العربية لإرسال قوات برية لمساعدة قوات أميركية في معركة دير الزور والتي تهدف من ورائها الولايات المتحدة إلى طرد داعش وقطع الطريق على ما يسمى بالهلال الإيراني عبر الصحراء السورية. أخيراً، تتوخى إدارة ترامب دعماً عربياً لأي حرب بين حزب اللـه و«إسرائيل» في جنوب لبنان، تكاثرت مؤخراً مؤشراتها. وجاءت القمة المصرية السعودية غداة جولة إقليمية لوزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قادته إلى الرياض والقاهرة عرض خلالها إستراتيجية إدارته حيال الشرق الأوسط. كما أتت بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن ولقائه ترامب، وزيارة مماثلة لولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع محمد بن سلمان للعاصمة الأميركية ولقاءاته أبرز أركان الإدارة الأميركية. ولما كانت القاهرة قد اطمأنت إلى متانة علاقاتها مع واشنطن، وإلى تراجع الضغوط الأميركية عليها بسبب قضايا حقوق الإنسان فقد غدت أكثر استعداداً لإحياء علاقاتها مع الرياض، وحكم منطق مماثل سياسة الرياض حيال مصر. وأبرز رمز على التحول المصري في سياسات القاهرة تجاه المحور الأميركي في المنطقة هو موافقة مصر على مشروع قرار دولي بخصوص ما قيل عن هجوم كيميائي في مدينة خان شيخون، والذي نقضه الفيتو الروسي. وكان تصويت مصر بالموافقة على مشروع قرار روسي في مجلس الأمن الدولي قد هز العلاقات المصرية السعودية وأظهر أبعاد التقارب الروسي المصري. ونقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن الرئاسة المصرية أن السيسي اتفق مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز على تطوير العلاقات بين البلدين وتنسيق الجهود فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. وبحسب بيان صادر عن الرئاسة المصرية فقد اتفق الزعيمان على ضرورة «تنسيق الجهود وتكثيف التشاور بين كافة الأطراف المعنية على الساحة الدولية لصياغة إستراتيجية متكاملة لمواجهة تلك الظاهرة التي باتت تهدد العالم بأسره»، في إشارة إلى الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا. ويعكس البيان انحيازاً سعودياً لوجهة النظر المصرية بضرورة إبقاء خطوط الحوار مع روسيا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب سيما في ليبيا وسورية. وألمح ابن سلمان إلى تعويل سعودي على دور روسيا في سورية والمنطقة. وفي مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نشرت قبل يومين، برر ذلك بتشجيع موسكو على عدم وضع كل بيضها بالشرق الأوسط في السلة الإيرانية. وعلى الصعيد الإقليمي، قال البيان: إن السيسي وسلمان اتفقا «على أهمية تعزيز التعاون والتضامن العربي للوقوف صفاً واحداً أمام التحديات التي تواجه الأمة العربية، وإنهاء الأزمات التي تمر بها عدد من دول المنطقة بما يساهم في استعادة الأمن والاستقرار بتلك الدول». وتحسنت العلاقات بين البلدين في الأسابيع القليلة الماضية بعد لقاء جمع الزعيمين على هامش القمة العربية التي استضافها الأردن الشهر الماضي وذلك بعد شهور من الفتور. وجاء هذا الفتور لأسباب رجح مراقبون أنها ناجمة عن اختلاف مواقفهما بشأن أزمات إقليمية مثل سورية، اليمن، والعقبات القانونية والقضائية التي تعوق تنفيذ اتفاقية بين البلدين لنقل تبعية جزيرتين في البحر الأحمر إلى السعودية. وقالت الرئاسة المصرية: إن السيسي وجه الدعوة للملك سلمان لزيارة مصر، مضيفة: إن العاهل السعودي رحب بالدعوة «ووعد بإتمام الزيارة في أقرب فرصة». وأعلنت مصر الشهر الماضي استئناف تلقيها لشحنات منتجات بترولية كانت السعودية اتفقت في 2016 على إمدادها بها لمدة خمس سنوات ولكن أوقفت شحنها في أوائل تشرين الأول. وجاء توقف الشحنات بعد تصويت مصر لصالح مشروع قرار تدعمه روسيا في مجلس الأمن بشأن سورية في تشرين الأول وعارضته السعودية بشدة. وخلال الشهور الماضية كان المسؤولون المصريون والسعوديون ينفون وجود توتر أو خلاف بين البلدين. وفي كانون الثاني الماضي أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر حكما نهائياً ببطلان توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع السعودية تضمنت نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر للمملكة. لكن قضت محكمة الأمور المستعجلة في وقت سابق هذا الشهر بصحة الاتفاقية. ولم تحسم المحكمة الدستورية العليا هذا الخلاف بعد. والاتفاقية معروضة أيضاً على البرلمان المصري الذي لم يبد رأيه فيها بعد. وأثارت الاتفاقية التي وقعها البلدان في نيسان العام الماضي على هامش زيارة الملك سلمان للقاهرة احتجاجات في مصر وسط اتهامات من جماعات معارضة للحكومة بالتنازل عن الجزيرتين مقابل استمرار تدفق المساعدات السعودية.

المصدر : أنس وهيب الكردي / الوطن


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة