دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
منذ نهاية عام 2005، أظهر نائب رئيس لجنة التحقيق الدولية في حينه، الألماني غيرهارد ليمان، ميلاً نحو تحقيق غايات خاصة من خلال استغلال موقعه. كان يتردد إلى أصدقاء لبنانيين كرّر أمامهم أنه يريد العمل «للحصول على مبلغ معين من المال، ولو على عدة دفعات. قال صراحةً: لديّ ثلاثة أولاد أحدهم في الجامعة، ولدي مصاريف كثيرة، وأنا بحاجة إلى مبالغ أبدأ بها أعمالاً خاصة. يجب أن أخرج من هنا بمبلغ من المال، أعود به إلى منزلي".
في تلك الفترة، توثقت علاقات ليمان مع أشخاص لبنانيين، وعقد معهم سلسلة من اللقاءات قدم خلالها معلومات ووثائق سرية عن تفاصيل التحقيقات الدولية، وذلك مقابل مبالغ مالية. وكانت اللقاءات تُعقد في أماكن عامة، وفي بعض الحالات كانت تحصل في منتجعات، وكانت تتخلل هذه اللقاءات ولائم وحفلات.
في بعض اللقاءات، صرّح ليمان بتفاصيل كثيرة عن مجريات التحقيق، ومن ثم أدلى بعد وصول القاضي البلجيكي سيرج براميرتس بمعلومات، وما عدّه تقويماً لعمل الأخير وفريقه.
عن توقيف الضباط الأربعة، قال ليمان إن لجنة التحقيق «أعطت السلطات اللبنانية الكثير من الأدلة، وخصوصاً بالنسبة إلى جميل السيد وعلي الحاج، لا عن مصطفى حمدان، الذي له وضع مختلف. هذه الأدلة ليس لها علاقة بجريمة اغتيال الحريري، بل تتعلق بجرائم أخرى، ويمكن استخدام هذه الأدلة للحكم عليهما فوراً بالسجن لأربع أو خمس أو ست سنوات، وبالتالي يوضعون في السجن، وبعد ذلك يكون لدينا الوقت الكافي للتحقيق في قضية الحريري. نحن قلنا إنه لا يمكن إبقاء هؤلاء في السجن على خلفية جريمة اغتيال الحريري، لكن يجب أن يظلوا في السجن بسبب الأمور الأخرى، وهذا ما أوصينا به السلطات اللبنانية». وفي معرض ردّه على سؤال محدّد بشأن وجود أدلة واضحة بشأن اغتيال الحريري، قال ليمان «كان هناك غياب لهذه الأدلة، بالتأكيد لم تكن موجودة، لكننا لن نقول ذلك».
وفي لقاء آخر، قدّم ليمان رأيه في عمل القاضي سيرج براميرتس. تحدث عنه بسخرية، وقال: «كان القاضي ميليس يهاجمه، إنه بيروقراطي لم يسبق أن كانت لديه قضية خاصة. هو مثل سعيد ميرزا قبل عشرين سنة. إنه يناور طوال الوقت كي لا يقع في الخطأ. إنه خائف. هو رجل مخبول لم يسبق أن كان في مواجهة قضية. هو يافع، وليست لديه أي خبرة في قضايا الإرهاب. إنه يحقق فقط، يناور، وهو شخص متعجرف، وخلال ثلاثة إلى أربعة أسابيع، لن يصل إلى نتيجة، وبعدها سوف ينسحب ويغادر. لا أحد يعرف ماذا سيفعل هذا الرجل، وأنا أشك في أنه نفسه يعرف. أنا أشك بقوة في أنه يعرف ماذا سيفعل».
ويتابع ليمان «من يعرف عن إنجازات براميرتس في الماضي، يدرك أنه ربما لم يحوّل أيّ قضية على المحكمة. وهو لم يحقّق يوماً في قضية تتصل بمكافحة الإرهاب. لا أحد يعرفه. ما نعرفه أنه حقّق في مجازر رواندا، لكن لا يمكن مقارنة ذلك بالتحقيق الذي أنجزناه نحن، ولا أعرف إذا كان بإمكانه تولّي هذه القضية. لم يسبق له أن وصل بأيّ قضية إلى المحكمة. لقد أجرى تحقيقات لمدة 3 إلى 4 سنوات، ولم يصل إلى نتيجة، وهذا ما قد يحصل. لذلك يجب طرده، مهما كلّف الأمر».
في لقاء عُقد في شهر كانون الثاني من عام 2006، طُلب إلى ليمان أن يكتب بنفسه رأيه في عمل لجنة التحقيق، وأن يجري تقويماً له. وتبيّن من الأوراق التي كتبها ليمان أن لديه عدداً غير قليل من الملاحظات على آلية التحقيق، وهو أوردها تحت عنوان «الثُّغَر»، وقد كتب ذلك بينما كان لا يزال يتابع دوراً مركزياً في أعمال التحقيق الدولي.
في سياق الملاحظات أورد ليمان «الثُّغَر الآتية»:
أولاً: أن المجتمع الدولي لم يراعِ حقيقة أن السلطات السياسية تقودها شخصيات معادية للنظام السوري، وهذه الشخصيات تدعم أيّ تحقيق موجّه ضد سورية.
ثانياً: لقد تخطّت لجنة التحقيق صدور مذكرة التفاهم الموقّعة مع لبنان، وعملت اللجنة على توجيه التحقيق والتقدّم به، علماً بأنه كان يفترض ترك هذا الأمر لكي تقوم به السلطات القضائية اللبنانية.
ثالثاً: لقد تولّى مكتب المدعي العام اللبناني التحقيقات، بدلاً من قاضي التحقيق، وهذا أمر مخالف للقانون اللبناني أو الدولي، لأن الادعاء طرف في القضية، ويمكنه أن يقدم بعض الآراء، لكن ليس من حقه إدارة التحقيق. وأرى أن تخطّي الادعاء لصلاحياته وسلطاته يعدّ فشلاً في التحقيق من جانب لبنان، وهذا يحمّله عواقب قانونية أمام المحكمة الدولية.
رابعاً: لقد أخذت لجنة التحقيق في الاعتبار حصراً الشهود والمصادر الذين صوّبوا إفاداتهم باتجاه تورط سورية وتورط الضباط الأربعة، وكانت هذه الإفادات تخدم بقوة المنحى الذي سيسير فيه التحقيق باتجاه اتهام سورية.
خامساً: إن الشهود الأساسيين الذين حضروا إلى التحقيق هم شخصيات سياسية موالية للحريري، ومعادية لسورية، كذلك فإن لجنة التحقيق أقامت حلفاً عريضاً مع الأطراف السياسية المعارضة لسوريا، بينما كان يفترض باللجنة إقامة علاقات مع جميع الأطراف.
سادساً: لقد أخذت لجنة التحقيق التسلسل الزمني للأحداث، بما يقود إلى اتجاه واحد وهو توريط النظام السوري. ولأن التحقيق توجه منذ البداية باتجاه توريط سوريا، فإن اللجنة لم تأخذ بالاعتبار كل المفهوم السياسي في الدولة اللبنانية، وبطريقة ما أُهملت كل العلاقات وكل المعلومات المتوافرة من جانب القوى المعادية للحريري.
سابعاً، لتحقيق هدف إقناع الشعب اللبناني بعملها، اعتمدت اللجنة على التأثير السياسي بدلاً من الاعتماد على الأدلة، ثم إن كل إجراءات عمل لجنة التحقيق، وكل التحقيقات، لم تخضع لأي مراقبة من جانب أي مسؤول لبناني، ولا من جانب أيّ سلطة دولية.
ثامناً: لقد أُوقِف مشتبه فيهم من دون أسباب أو أدلة متعلقة بالتحقيق في جريمة اغتيال الحريري. فعلى سبيل المثال، وفي ما خصّ اللواء علي الحاج، لم يكن لدينا أيّ دليل قوي أو مباشر يدل، ولو بالحد الأدنى، على معرفته أو تورطه في عملية الاغتيال.
ثم إنّ الشهادات الأساسية تُعدّ جوفاء، وقد أظهرت فحوص الحمض النووي السلبية كذب زهير الصديق، كذلك سقطت صدقية إفادة الكثير من الشهود الآخرين.
تاسعاً: لقد بدا واضحاً أنّ التعاون الذي قام مع اللجنة، من جانب مختلف أجهزة الاستخبارات الأجنبية، قد جرى على خلفية محاصرة النظام السوري وحسب، لكننا في لجنة التحقيق لم نأخذ هذا الأمر في الاعتبار.
وفي مرحلة من اللقاءات، رُتّب «لقاء ترفيهي» في أحد منتجعات جونية، حضره ليمان، وحضره أشخاص من لبنان. وكانت واجهة اللقاء هي تمضية سهرة بحضور عدد من النساء. وخلال اللقاء، أحضر ليمان معه رزمة وثائق تتضمن إفادات معظم الشهود، ومعطيات تتعلق بالتحقيق، وقد سلّمها إلى الأشخاص الذين دعوه إلى تمضية السهرة. وأخذ في المقابل مبلغاً من المال قدّر بنحو 40 ألف دولار أميركي فقط.
ليمان الذي كان يثق بالأشخاص الذين تواصلوا معه، لم يكن يعرف أن الغرفة التي جرت فيها عملية تبادل الوثائق والأموال تحوي في إحدى نقاطها كاميرا ثُبّتت لتسجيل جميع الوقائع.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة