دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بدأ الأوروبيون يستعدون لمرحلة ما بعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس. هم يعتبرون أن الرئيس الأميركي الجديد جادٌّ في ذلك ولديه الذريعة الفضلى للإقدام على هذه الجريمة التي لن تخدم سوى إسرائيل.
فوفق مداولات داخلية للاتحاد الأوروبي مطلع الشهر الحالي قال مدير عام الشرق الأوسط وشمال إفريقية في جهاز العمل الخارجي نك وستكوت: «إن القرار الأميركي قد يُتخذ في خلال شهر أيار المقبل، أي فور انتهاء مفعول قرار تعليق نقل السفارة الذي كان باراك أوباما قد وقّعه»، ما يعني أن ترامب يستطيع القول أنا لم أتخذ قرار النقل وإنما أوقفت فقط تعليق إنفاذ القانون الصادر عن الكونغرس الأميركي عام ١٩٩٥ بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
مع هذه الخطوة، يكون ترامب قد حقق هدفين لإسرائيل، أولهما الاعتراف بسيطرتها على القدس، وثانيهما افتتاح عهده بتكثيف الهجوم على إيران. هو يعتقد أنه بذلك يضمن قاعدة تأييد له في الداخل الأميركي عبر اللوبي اليهودي الذي ينتمي إليه صهره المناصر بقوة لإسرائيل، كما يضمن فتح ما بقي من خزائن مالية خليجية ضد طهران.
يشار إلى أن ترامب قال صراحة لدى تعيينه سفير بلاده في الكيان الصهيوني: «إن السفير يتطلع لممارسة مهامه من سفارته في عاصمة إسرائيل الأبدية: القدس». بطبيعة الحال لم تتحرك أي جثة من جثث النظام العربي البائس للرد، فما بقي من هذا النظام الوهمي مهتم حالياً بتدمير الدول المركزية ويفتح علاقات مشبوهة تحت جنح الظلام مع أسوأ الحكومات الإسرائيلية.
ما علاقة سورية بالأمر؟
ما سيفعله ترامب، يحمل بذاته إحراجاً كبيراً للأنظمة العربية، من المملكة المغربية التي يُعتبر ملكها محمد السادس رئيس لجنة القدس إلى الأردن حيث الملك عبد الله الثاني هو الوصي الرسمي على المدينة المقدسة مروراً بالسعودية التي يسمى فيها الملك خادم الحرمين… كان العاهل المغربي قد قال قبل أسبوعين إن نقل السفارة يهدد السلم العالمي ووعد بأنه: «لن ندخر جهدا في الدفاع عن هذه المدينة المقدسة»… ممتاز، ولكن كيف ومتى وبأي وسيلة؟
المرجّح، أن محور المقاومة الحالي والذي يكاد ينحصر بسورية وحزب اللـه والمقاومة الفلسطينية الحقيقية وإيران، سيجد الفرصة مناسبة للانتعاش ورفع الصوت واتخاذ إجراءات سياسية وميدانية تجدد حضوره وتعزز موقعه في الشارع العربي. هذا مفيد بعد سنوات من الآلة الإعلامية والسياسية والأمنية والإرهابية الضخمة التي أُريد لها أن تصور حروب المنطقة على أنها حروب سنية شيعية.
هذا بالضبط ما يُقلق نتنياهو الذي يكاد ينصح بالتريث بنقل السفارة، لأن في هذه الخطوة ما يعزز حظوظ منافسه الإسرائيلي المتطرف زعيم البيت اليهودي نفتالي بينيت ويُنذر بتصعيد أمني ويسوغ دور إيران في المحيط العربي، ويقوي شوكة حزب اللـه وسورية، ناهيك عن عدد من المواقف الأوروبية التي صارت شبه مناهضة لنتنياهو.
استعادة وهج الخطاب السوري في الوسط العربي مهم في هذه اللحظة التاريخية، أولاً لأنه يأتي بعد أن انكشفت أوراق كثيرة حول حجم التآمر على سورية، وثانياً بعد التحولات الإقليمية والدولية والانتقال من المجاهرة برحيل الرئيس الأسد إلى القبول الضمني وعلى مضض ببقائه ودوره.
ففي آخر اجتماع أوروبي تم الاتفاق على التالي وفق معلوماتنا:
ضرورة الحفاظ على نظام حكم مركزي في سورية مع احتمال بعض أوجه اللامركزية الثقافية مثلاً.
ضرورة الحفاظ على مركزية الأجهزة الأمنية والعسكرية.
اقتراح نظام نصف برلماني مع احتمال بعض الكوتا للأقليات الإثنية والدينية وتفادي النموذج اللبناني، لا بل القبول ببقاء حزب البعث تفادياً لما حصل في العراق بعد اجتثاثه.
المباشرة بجهود الإنعاش الاقتصادي (حتى ولو أن بعض الدول مثل فرنسا لا تريد مطلقاً الحديث حالياً عن مشاركة أوروبية في إعادة الإعمار قبل إقرار المرحلة الانتقالية).
لا توجد أي كلمة عن الرئيس الأسد، تماماً كما كان الشأن في آخر لقاء سعودي تركي. ولا كلمة.
طبعاً لا دور لأوروبا في ظل احتمال التوافق الأميركي الروسي، لكن المهم في كل ما تقدم أن سورية التي صبرت وقاتلت وضحت ودُمر قسم كبير منها، حافظت على دورها وصوتها. ثمة فرصة كبيرة الآن لإعادة تعزيز حضور هذا الصوت في الشارع العربي من بوابة فلسطين.. فما رفضه الرئيس الأسد حين استقباله وزير الخارجية الأميركي كولن بأول عام ٢٠٠٣ أي في أوج السطوة الأميركية لناحية قطع العلاقة مع المقاومة وطرد التنظيمات الفلسطينية، لا يزال وسام شرف على الصدر السوري رغم الدمار والدماء والدموع.
من بوابة القدس سيعود الصوت السوري صادحاً في آذان العرب.
المصدر :
سامي كليب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة