ضربتان على الرأس الواحدة تلو الأخرى تلقاهما الرئيس الأمريكي أوباما في الآونة الأخيرة، الأولى، التغييرات الميدانية التي أحدثها الدخول العسكري الروسي على خارطة العمليات العسكرية في سورية، وما حملته تحرير مدينة حلب من تداعيات وتأثيرات إستراتيجية في المنطقة، والضربة الثانية "القاضية"، هي تجاهل الإدارة الأمريكية حول التفاوض بشأن وقف إطلاق النار في أنحاء سورية، الذي تم التفاوض عليه من قبل روسيا وتركيا والحكومة السورية وكذلك إيران وجماعات المعارضة المسلحة التي تدعمها تركيا، يستثني الفصائل التي يعتبرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بـ"الإرهابية".

 

 في إطار المخططات الأمريكية لتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، تحاول التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، وذلك عن طريق دعمها لبعض الفصائل على حساب الفصائل الأخرى، ما يساعد على تأجيج الصراعات والفتن الداخلية، ظهر ذلك جلياً عبر الأزمة السورية، وقد نشرت وكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك" حواراً للرئيس الروسي بوتين، خلال مقابلة مع قناة "تي اف 1" الفرنسية، حيث اعتبر بوتين، أن واشنطن تتحمل المسؤولية عن الوضع في سورية وفي المنطقة بشكل عام، و حملها مسؤولية إنتاج الأزمات الراهنة في الشرق الأوسط والهدف تغيير الوجه الحقيقي للمنطقة وتقسيمها الى دويلات لتبقى إسرائيل اليد العليا والقوة الوحيدة عسكرياً.

 

بالمقابل يضمر الرئيس أوباما الذي يواجه أحكاماً كثيرة بالفشل على كل سياساته المرتبطة بالشرق الأوسط، كراهية للرئيس بوتين، بعدما أصبحت روسيا لاعباً أساسياً ومرهقاً للأمريكان فى المنطقة، ويكفي موقفها من الأزمة السورية، حيث مثلت حائط فولاذي أمام أطماع الغرب وحلفاؤه في سورية، والتي عطلت خطة الأمريكان في سورية من خطر تقسيمها وتجزئتها الى عدة أقاليم وتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، لذلك لم تكن هناك لحظة تظهر مدى ضعف أوباما، أكثر من الوقت الذي بزغ فيه نجم الدب الروسي في المنطقة. في هذا السياق تحولت روسيا خلال الأشهر القليلة من الذي يصيغ المبادرة إلى من يطلق المبادرة وينفذ ويشرف عليها وهذه المكانة لم تكن إلا لأمريكا، واليوم فإن روسيا وكممثل للبريكس كقوى اقتصادية كبرى باتت تقول نحن من نفرض ونقود ونقرر، لذلك عجزت أمريكا عن التورط المباشر في سورية التي استخدمت فيها كل ما بقي لها من عناصر قوة، وتحالفت مع داعش وأخواتها وزجت بكل مسلحيها الإسلاميين، لكن الخطوات التي إتخذها الجيش السوري مؤخراً أدت الى توسع المنطقة التي يسيطر عليها وقلص فرص حلفاء واشنطن مما سيؤدي الى فرض سيطرة الجيش تدريجياً على كل سورية وإعادة الزحف الغربي- الأمريكي الى الخلف، بذلك إنقلبت الحرب على صانعيها وداعميها وانعكست عليهم بدءاً من تركيا التي يطالها الإرهاب إلى أمريكا والاتحاد الأوروبي وصولا إلى هزيمة الدول المتعاونة مع الجماعات المسلحة والقوى المتطرفة الأخرى.

 

اليوم يبدو أن روسيا بدأت فى العمل جدياً على إستعادة نفوذها فى المنطقة من خلال دعم الدول التى تعاني من التنظيمات الإرهابية التى تهدد الأمن والسلم الدولى، فتدخل موسكو عسكرياً فى سورية قلب الطاولة على أمريكا ولم يعد وارداً لدى دول العالم التغاضي عن أهمية دور روسيا والجيش السوري بالتصدي لظاهرة الإرهاب، في هذا الإطار هناك تغيير كبير حاصل الآن على المسرح الدولي بما فيه من تراجع ثقل وتأثير واشنطن وتقدم موسكو وعودتها بكل زخم وقوة لمقارعة واشنطن، وقضية سورية أحد تلك المؤشرات، وبالتالي فإن الصراع الروسي الأمريكي على سورية سوف يرسم طبيعة العلاقات في الشرق الأوسط. مجمل هذه التطورات يمكن الاستنتاج أن الإنخراط العسكري وحضور روسيا المكثّف في سورية يمكن أن يساعد على الإسراع في مسار الحل السياسي والتوصل إلى حلٍّ توافقي للأزمة، لذلك فإن التوقعات التي خططت لها أمريكا وحلفاؤها جاءت في غير صالحهم، لو تابعنا المسار الذي رسمته أمريكا في سورية والتي وضعت به كل إمكاناتها من أجل تفكيك الدولة السورية وإسقاط نظامها، نجد بأنه لم ينفع لإسقاط سورية بل فشلت وسقطت كل أقنعتها ورهاناتها في سورية والمنطقة بأكملها. وأخيراً أرى إن أمريكا أصبحت غير قادرة على التعامل مع جميع الأزمات الدولية، وأن هناك رؤية إستراتيجية موجودة لدى موسكو مفادها أن سورية القوية يمكن ان تسهم في عودة الإستقرار مرة أخرى الى منطقة الشرق الأوسط المضطربة، كما أن الصراع الروسي الأمريكي سوف يؤسس واقعاً جديداً يهيئ أرضية لحقائق ومعطيات جديدة على الأرض يرسم طبيعة العلاقات في الشرق الأوسط، وبإختصار شديد إن المنطقة تعيش اليوم مرحلة مفصلية وما سيحدد وجهتها هو صمود الشعب السوري في وجه ما يتعرض له ووقوف الدول الصديقة إلى جانبه إضافة إلى قناعة أطراف دولية أخرى بخطورة الإرهاب على إستقرار المنطقة والعالم وصولاً إلى تعاون دولي حقيقي لمكافحة تنظيمات الإرهاب وترك الفوضى والقتل والدمار في المنطقة

  • فريق ماسة
  • 2016-12-31
  • 5745
  • من الأرشيف

القيصر... والرقص على رؤوس الأفاعي

ضربتان على الرأس الواحدة تلو الأخرى تلقاهما الرئيس الأمريكي أوباما في الآونة الأخيرة، الأولى، التغييرات الميدانية التي أحدثها الدخول العسكري الروسي على خارطة العمليات العسكرية في سورية، وما حملته تحرير مدينة حلب من تداعيات وتأثيرات إستراتيجية في المنطقة، والضربة الثانية "القاضية"، هي تجاهل الإدارة الأمريكية حول التفاوض بشأن وقف إطلاق النار في أنحاء سورية، الذي تم التفاوض عليه من قبل روسيا وتركيا والحكومة السورية وكذلك إيران وجماعات المعارضة المسلحة التي تدعمها تركيا، يستثني الفصائل التي يعتبرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بـ"الإرهابية".    في إطار المخططات الأمريكية لتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، تحاول التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، وذلك عن طريق دعمها لبعض الفصائل على حساب الفصائل الأخرى، ما يساعد على تأجيج الصراعات والفتن الداخلية، ظهر ذلك جلياً عبر الأزمة السورية، وقد نشرت وكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك" حواراً للرئيس الروسي بوتين، خلال مقابلة مع قناة "تي اف 1" الفرنسية، حيث اعتبر بوتين، أن واشنطن تتحمل المسؤولية عن الوضع في سورية وفي المنطقة بشكل عام، و حملها مسؤولية إنتاج الأزمات الراهنة في الشرق الأوسط والهدف تغيير الوجه الحقيقي للمنطقة وتقسيمها الى دويلات لتبقى إسرائيل اليد العليا والقوة الوحيدة عسكرياً.   بالمقابل يضمر الرئيس أوباما الذي يواجه أحكاماً كثيرة بالفشل على كل سياساته المرتبطة بالشرق الأوسط، كراهية للرئيس بوتين، بعدما أصبحت روسيا لاعباً أساسياً ومرهقاً للأمريكان فى المنطقة، ويكفي موقفها من الأزمة السورية، حيث مثلت حائط فولاذي أمام أطماع الغرب وحلفاؤه في سورية، والتي عطلت خطة الأمريكان في سورية من خطر تقسيمها وتجزئتها الى عدة أقاليم وتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، لذلك لم تكن هناك لحظة تظهر مدى ضعف أوباما، أكثر من الوقت الذي بزغ فيه نجم الدب الروسي في المنطقة. في هذا السياق تحولت روسيا خلال الأشهر القليلة من الذي يصيغ المبادرة إلى من يطلق المبادرة وينفذ ويشرف عليها وهذه المكانة لم تكن إلا لأمريكا، واليوم فإن روسيا وكممثل للبريكس كقوى اقتصادية كبرى باتت تقول نحن من نفرض ونقود ونقرر، لذلك عجزت أمريكا عن التورط المباشر في سورية التي استخدمت فيها كل ما بقي لها من عناصر قوة، وتحالفت مع داعش وأخواتها وزجت بكل مسلحيها الإسلاميين، لكن الخطوات التي إتخذها الجيش السوري مؤخراً أدت الى توسع المنطقة التي يسيطر عليها وقلص فرص حلفاء واشنطن مما سيؤدي الى فرض سيطرة الجيش تدريجياً على كل سورية وإعادة الزحف الغربي- الأمريكي الى الخلف، بذلك إنقلبت الحرب على صانعيها وداعميها وانعكست عليهم بدءاً من تركيا التي يطالها الإرهاب إلى أمريكا والاتحاد الأوروبي وصولا إلى هزيمة الدول المتعاونة مع الجماعات المسلحة والقوى المتطرفة الأخرى.   اليوم يبدو أن روسيا بدأت فى العمل جدياً على إستعادة نفوذها فى المنطقة من خلال دعم الدول التى تعاني من التنظيمات الإرهابية التى تهدد الأمن والسلم الدولى، فتدخل موسكو عسكرياً فى سورية قلب الطاولة على أمريكا ولم يعد وارداً لدى دول العالم التغاضي عن أهمية دور روسيا والجيش السوري بالتصدي لظاهرة الإرهاب، في هذا الإطار هناك تغيير كبير حاصل الآن على المسرح الدولي بما فيه من تراجع ثقل وتأثير واشنطن وتقدم موسكو وعودتها بكل زخم وقوة لمقارعة واشنطن، وقضية سورية أحد تلك المؤشرات، وبالتالي فإن الصراع الروسي الأمريكي على سورية سوف يرسم طبيعة العلاقات في الشرق الأوسط. مجمل هذه التطورات يمكن الاستنتاج أن الإنخراط العسكري وحضور روسيا المكثّف في سورية يمكن أن يساعد على الإسراع في مسار الحل السياسي والتوصل إلى حلٍّ توافقي للأزمة، لذلك فإن التوقعات التي خططت لها أمريكا وحلفاؤها جاءت في غير صالحهم، لو تابعنا المسار الذي رسمته أمريكا في سورية والتي وضعت به كل إمكاناتها من أجل تفكيك الدولة السورية وإسقاط نظامها، نجد بأنه لم ينفع لإسقاط سورية بل فشلت وسقطت كل أقنعتها ورهاناتها في سورية والمنطقة بأكملها. وأخيراً أرى إن أمريكا أصبحت غير قادرة على التعامل مع جميع الأزمات الدولية، وأن هناك رؤية إستراتيجية موجودة لدى موسكو مفادها أن سورية القوية يمكن ان تسهم في عودة الإستقرار مرة أخرى الى منطقة الشرق الأوسط المضطربة، كما أن الصراع الروسي الأمريكي سوف يؤسس واقعاً جديداً يهيئ أرضية لحقائق ومعطيات جديدة على الأرض يرسم طبيعة العلاقات في الشرق الأوسط، وبإختصار شديد إن المنطقة تعيش اليوم مرحلة مفصلية وما سيحدد وجهتها هو صمود الشعب السوري في وجه ما يتعرض له ووقوف الدول الصديقة إلى جانبه إضافة إلى قناعة أطراف دولية أخرى بخطورة الإرهاب على إستقرار المنطقة والعالم وصولاً إلى تعاون دولي حقيقي لمكافحة تنظيمات الإرهاب وترك الفوضى والقتل والدمار في المنطقة

المصدر : خيام الزعبي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة