عملية استعادة حلب إلى الحضن السوري الجارية حالياً والتي قطعت شوطاً بعيداً في مسارها الحثيث كما يبدو لم تكن عملية عسكرية بحتة بل تشارك فيها مع الجيش السوري في أدائه الأسطوري على مدى يقرب من 53 شهراً

 

 عوامل عدة تشابكت فيها خيوط السياسة وحساباتها الدقيقة مع الإعلام وحروبه النفسية ومعهما الأدوار التي تؤديها الاستخبارات وتلك التي يخلفها الحصار، فقد أدت الهدن المتكررة إلى نشوء شرخ بدأ يتسع بمرور الوقت بين الفصائل المسلحة والحالة السكانية التي عمل حثيثاً على صنعها بالشكل الذي يمكن أن يؤدي المردود الأكبر منذ 19 تموز 2012 ولربما استطاعت تلك التركيبة تحقيق ما هو مطلوب منها عبر النسيج الذي تم إنتاجه فقد احتوى هذا الأخير على تجار ارتبطت مصالحهم بالحرب وبالحصار حتى باتوا يرون أن انتهاء تلك الحالة من شأنها الإضرار بمصالحهم الأمر الذي يفسر دفاعهم عن هذه الأخيرة باستماتة منقطعة النظير، كما احتوى على رجال دين كانوا جاهزين للإفتاء حسب الطلب ولابد من القول هنا: إن أولئك «الدعاة» قد نجحوا في تجنيد جيل من الشباب للقتل والتدمير والانتحار مع وعود بجنات ملأى بحور العين وأنهار العسل واللبن سوف يدخلونها هم على حين أن ضحاياهم الأبرياء لن يكون في مقدورهم فعل ذلك!!

 

باتت تلك التركيبة بمرور الوقت وزيادة تعقيدات الأزمة السورية تمثل جبهة تماس إقليمية ودولية فيها خطوط حمر وكذا صفر ترعاها قوى معروفة بل تتصارع بينها لتدعيمها ولربما تبدى ذلك بوضوح كبير في هدنة شباط 27/2/2016 التي شكلت فرصة ذهبية (ولربما لعبت تلك الحالة دوراً في إقرارها) تم العمل من خلالها على ترميم البنى التحتية وتلافي الأضرار التي لحقت بتلك البنى للعودة بها إلى سابق عهدها ما قبل عاصفة السوخوي 30/9/2015، ولا أدل على سطوة تلك الحالة (ودعمها الخارجي) والمدى الذي كانت قد وصلت إليه من ذهاب ستيفان دي ميستورا في خلال زيارته الأخيرة لدمشق 20/11 إلى حدّ طرح قيام حكم ذاتي في أحياء حلب الشرقية الأمر الذي يعني –لو حصل- الدخول في السباق نحو «فدرلة» سورية ولن يلزم هنا سوى استنساخ النموذج وليس أكثر.

إلا أن السؤال هنا إذا ما كانت حال الجبهة الحلبية كذلك وهو ما استدعى التعاطي معها بطرق مختلفة لا تقتصر على الحسابات العسكرية فقط فما الذي تغير في الآونة الأخيرة حتى تقرر اقتلاع تلك التركيبة من جذورها؟

يعتبر يوم 9/11/2016 يوماً مفصلياً في تاريخ المعارضة السورية وفصائلها المسلحة على اختلاف مشاربها ففيه تم الإعلان عن هزيمة هيلاري كلينتون في معركة الانتخابات الرئاسية وهي التي قالت لوفد هيئة التفاوض العليا الذي كانت قد التقته في أعقاب انهيار اتفاق كيري لافروف الذي أعلن 9/9/2016: «المطلوب منكم الصمود لستة أشهر ولسوف ترون أميركا مختلفة في سورية».

شكلت هزيمة كلينتون ضربة قاصمة لأماني المعارضة ولا نذيع سراً هنا إذا ما قلنا إن هذه الأخيرة كانت تتبنى وجهة نظر البنتاغون الذي عمل عبر استهداف مواقع الجيش السوري في دير الزور 17/9/2016 على نسف الاتفاق الذي تم التوصل إليه قبل 18 يوماً ولم يكن قد وضع قيد التنفيذ بعد، كانت الاستراتيجية التي يتبناها البنتاغون (وكذا كلينتون) تذهب إلى ضرورة إجراء تغييرات جذرية في سورية انطلاقاً من الصورة التي يعتمدها في رسم خريطة الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة وهو ما يفسر قول بيتركوك المتحدث باسم البنتاغون 29/11: «إن تحرير حلب من القوات الحكومية السورية لن يسهم في إحلال السلام» ثم أضاف: «إن كل ما يعزز النظام لا يؤدي دوراً إيجابياً في إنهاء الحرب في سورية» وهو موقف مغاير بالتأكيد للموقف الذي كانت تتبناه الدبلوماسية الأميركية –أقله المعلن فيها- في سورية والتي كان قد لخصها باراك أوباما في لقائه مع صحيفة «ذي أتلانتيك» 20/4/2016.

عندما هزمت كلينتون كان الحصار قد بدأ يفعل فعله وبدأت آثاره تظهر على السطح عبر حالة الانسلاخ بين الفصائل والتركيبة الداعمة لها وهو ما يفسر قول قاضي جيش الفتح عبد اللـه المحيسني 29/11: «واللـه لقد أصبحت أسمع الدعاء عليكم من المستضعفين في الطرقات» في إشارة واضحة إلى نبذ الشارع الحلبي لتلك الفصائل المسلحة، وجدير بالذكر هنا القول إن حالة الانسلاخ سابقة الذكر قد تنامت بفعل عوامل عديدة أخرى منها أن العديد من تلك الفصائل كانت تمارس سلطات عقائدية ودينية في الأحياء التي تسيطر عليها وهي بعيدة كل البعد عن المألوف والمتعارف عليه ناهيك عن ممارسات أخرى كانت تمارسها فصائل قوقازية ساهمت في ازدياد النقمة على تلك الفصائل وتفاقمها.

فرضت مناخات (هزيمة كلينتون+ الحصار+ الهدن المتكررة) التي كان بعضها يعلن من طرف واحد حالة تشتت كبرى في الاستراتيجية المعتمدة من الفصائل وهو ما تبدى في اضطرار كل فصيل منها لاتباع استراتيجيا تلبي مصالحه ومطالب الخارج فالفصائل ذات الهوى التركي تبنت خيار دعم عملية درع الفرات التركية على حساب المعارك في حلب على حين أن جبهة النصرة تبنت استراتيجيا تضمن لها تخفيف وجودها في المدينة تحاشياً لوقوعها في مصيدة الاستهداف انطلاقاً من قناعتها بوجود توافق دولي خفي بطلب رأسها ولذا فقد اتجهت نحو معارك السيطرة على الحدود والمعابر، أما أحرار الشام فقد كانت تعيش الإرهاصات نفسها التي كانت تعيشها جبهة النصرة ما قبل تموز 2016 ولربما كان تعيين علي العمر (أبو عمار العمر) كقائد عام لها وهو ما أعلنه مجلس شورى الحركة 29/11 يمثل توافقاً مؤقتاً يلحظ فيه تغليباً للتيار الإخواني على التيار القاعدي داخل الحركة مع الإشارة إلى أن التيار الإخواني العائد لحركة أحرار الشام يتبنى إيديولوجيا تفوق في تطرفها وعدائيتها إيديولوجيا القاعدة نفسها إلا أن التصنيف هنا يقوم على اعتبارات عديدة لا تتوقف عند الإيديولوجيا فحسب.

في الوقت الذي تتساقط فيه أحياء حلب الشرقية بأيدي الجيش السوري الذي أثبت أنه يملك إرادة أسطورية حديدية ظهرت على السطح الفقاعة الأخيرة ما قبل انتهاء سائل التنظيفات في العبوة المولدة للفقاعات عبر الإعلان عن ولادة جيش حلب الجديد 30/11 الذي أسندت قيادته إلى أبي عبد الرحمن نور قائد جماعة الجبهة الشامية ما يمثل محاولة متأخرة ولا يمكن أن تكون ذات فوائد تجنى منها في سياق تطور الأحداث الراهن فالعبرة لم تعد في نجاح عملية الانصهار أو الاتحاد وإنما تكمن في جدوى انصهار (واتحاد) بنى مدمرة اهتلكت أطرها ويعاني مقاتلوها حالة إحباط قصوى في تشكيل واحد تزيد تناقضاته على نقاط التلاقي فيه أضعافا ما يجعل منه تركيبة قابلة للانفجار في كل لحظة.

وفي الوقت نفسه أيضاً تكشف للكثيرين الوجه الأسطوري الآخر الذي تميز فيه الجيش السوري فقد رصدت العديد من وسائل الإعلام من بينها وسائل معارضة مثل المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي لحظ «المعاملة الحسنة» التي تلقاها اللاجئون إلى مناطق سيطرته سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين وهو أمر يكشف عن ذات دفينة تدرك جيداً حجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها كما تدرك أنها باتت الضمانة الوحيدة لسورية موحدة ذاهبة نحو الاستقرار ثم النهوض من جديد وما الهفوات التي تم تسليط الضوء عليها بشكل مبالغ فيه إلا تشويه ممنهج واضحة غاياته وهي في معظمها حالات فردية لا بد أن تفرزها الحروب فكيف الأمر إذا ما كانت تلك الحرب قد تجاوزت في مداها المدى الذي وصلته الحرب العالمية الثانية وما حدث فيها من فظاعات لا يقل عما حدث في هذه الأخيرة إن لم تكن تفوقها بكثير.

هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد أن المنطقة باتت على أعتاب حدث استراتيجي كبير ومن الممكن تحديد أطره أو حدوده التي يقع فيها وهي لا تبعد كثيراً عن قيام محور يبدأ ببغداد مروراً بسورية ومصر وصولاً إلى الجزائر وهو ما يمكن أن يشكل –لو حصل- سداً منيعاً قادراً على وقف كل هذه الانهيارات الحاصلة في المنطقة العربية.

 

  • فريق ماسة
  • 2016-12-06
  • 12363
  • من الأرشيف

على أعتاب حدث استراتيجي مهم

عملية استعادة حلب إلى الحضن السوري الجارية حالياً والتي قطعت شوطاً بعيداً في مسارها الحثيث كما يبدو لم تكن عملية عسكرية بحتة بل تشارك فيها مع الجيش السوري في أدائه الأسطوري على مدى يقرب من 53 شهراً    عوامل عدة تشابكت فيها خيوط السياسة وحساباتها الدقيقة مع الإعلام وحروبه النفسية ومعهما الأدوار التي تؤديها الاستخبارات وتلك التي يخلفها الحصار، فقد أدت الهدن المتكررة إلى نشوء شرخ بدأ يتسع بمرور الوقت بين الفصائل المسلحة والحالة السكانية التي عمل حثيثاً على صنعها بالشكل الذي يمكن أن يؤدي المردود الأكبر منذ 19 تموز 2012 ولربما استطاعت تلك التركيبة تحقيق ما هو مطلوب منها عبر النسيج الذي تم إنتاجه فقد احتوى هذا الأخير على تجار ارتبطت مصالحهم بالحرب وبالحصار حتى باتوا يرون أن انتهاء تلك الحالة من شأنها الإضرار بمصالحهم الأمر الذي يفسر دفاعهم عن هذه الأخيرة باستماتة منقطعة النظير، كما احتوى على رجال دين كانوا جاهزين للإفتاء حسب الطلب ولابد من القول هنا: إن أولئك «الدعاة» قد نجحوا في تجنيد جيل من الشباب للقتل والتدمير والانتحار مع وعود بجنات ملأى بحور العين وأنهار العسل واللبن سوف يدخلونها هم على حين أن ضحاياهم الأبرياء لن يكون في مقدورهم فعل ذلك!!   باتت تلك التركيبة بمرور الوقت وزيادة تعقيدات الأزمة السورية تمثل جبهة تماس إقليمية ودولية فيها خطوط حمر وكذا صفر ترعاها قوى معروفة بل تتصارع بينها لتدعيمها ولربما تبدى ذلك بوضوح كبير في هدنة شباط 27/2/2016 التي شكلت فرصة ذهبية (ولربما لعبت تلك الحالة دوراً في إقرارها) تم العمل من خلالها على ترميم البنى التحتية وتلافي الأضرار التي لحقت بتلك البنى للعودة بها إلى سابق عهدها ما قبل عاصفة السوخوي 30/9/2015، ولا أدل على سطوة تلك الحالة (ودعمها الخارجي) والمدى الذي كانت قد وصلت إليه من ذهاب ستيفان دي ميستورا في خلال زيارته الأخيرة لدمشق 20/11 إلى حدّ طرح قيام حكم ذاتي في أحياء حلب الشرقية الأمر الذي يعني –لو حصل- الدخول في السباق نحو «فدرلة» سورية ولن يلزم هنا سوى استنساخ النموذج وليس أكثر. إلا أن السؤال هنا إذا ما كانت حال الجبهة الحلبية كذلك وهو ما استدعى التعاطي معها بطرق مختلفة لا تقتصر على الحسابات العسكرية فقط فما الذي تغير في الآونة الأخيرة حتى تقرر اقتلاع تلك التركيبة من جذورها؟ يعتبر يوم 9/11/2016 يوماً مفصلياً في تاريخ المعارضة السورية وفصائلها المسلحة على اختلاف مشاربها ففيه تم الإعلان عن هزيمة هيلاري كلينتون في معركة الانتخابات الرئاسية وهي التي قالت لوفد هيئة التفاوض العليا الذي كانت قد التقته في أعقاب انهيار اتفاق كيري لافروف الذي أعلن 9/9/2016: «المطلوب منكم الصمود لستة أشهر ولسوف ترون أميركا مختلفة في سورية». شكلت هزيمة كلينتون ضربة قاصمة لأماني المعارضة ولا نذيع سراً هنا إذا ما قلنا إن هذه الأخيرة كانت تتبنى وجهة نظر البنتاغون الذي عمل عبر استهداف مواقع الجيش السوري في دير الزور 17/9/2016 على نسف الاتفاق الذي تم التوصل إليه قبل 18 يوماً ولم يكن قد وضع قيد التنفيذ بعد، كانت الاستراتيجية التي يتبناها البنتاغون (وكذا كلينتون) تذهب إلى ضرورة إجراء تغييرات جذرية في سورية انطلاقاً من الصورة التي يعتمدها في رسم خريطة الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة وهو ما يفسر قول بيتركوك المتحدث باسم البنتاغون 29/11: «إن تحرير حلب من القوات الحكومية السورية لن يسهم في إحلال السلام» ثم أضاف: «إن كل ما يعزز النظام لا يؤدي دوراً إيجابياً في إنهاء الحرب في سورية» وهو موقف مغاير بالتأكيد للموقف الذي كانت تتبناه الدبلوماسية الأميركية –أقله المعلن فيها- في سورية والتي كان قد لخصها باراك أوباما في لقائه مع صحيفة «ذي أتلانتيك» 20/4/2016. عندما هزمت كلينتون كان الحصار قد بدأ يفعل فعله وبدأت آثاره تظهر على السطح عبر حالة الانسلاخ بين الفصائل والتركيبة الداعمة لها وهو ما يفسر قول قاضي جيش الفتح عبد اللـه المحيسني 29/11: «واللـه لقد أصبحت أسمع الدعاء عليكم من المستضعفين في الطرقات» في إشارة واضحة إلى نبذ الشارع الحلبي لتلك الفصائل المسلحة، وجدير بالذكر هنا القول إن حالة الانسلاخ سابقة الذكر قد تنامت بفعل عوامل عديدة أخرى منها أن العديد من تلك الفصائل كانت تمارس سلطات عقائدية ودينية في الأحياء التي تسيطر عليها وهي بعيدة كل البعد عن المألوف والمتعارف عليه ناهيك عن ممارسات أخرى كانت تمارسها فصائل قوقازية ساهمت في ازدياد النقمة على تلك الفصائل وتفاقمها. فرضت مناخات (هزيمة كلينتون+ الحصار+ الهدن المتكررة) التي كان بعضها يعلن من طرف واحد حالة تشتت كبرى في الاستراتيجية المعتمدة من الفصائل وهو ما تبدى في اضطرار كل فصيل منها لاتباع استراتيجيا تلبي مصالحه ومطالب الخارج فالفصائل ذات الهوى التركي تبنت خيار دعم عملية درع الفرات التركية على حساب المعارك في حلب على حين أن جبهة النصرة تبنت استراتيجيا تضمن لها تخفيف وجودها في المدينة تحاشياً لوقوعها في مصيدة الاستهداف انطلاقاً من قناعتها بوجود توافق دولي خفي بطلب رأسها ولذا فقد اتجهت نحو معارك السيطرة على الحدود والمعابر، أما أحرار الشام فقد كانت تعيش الإرهاصات نفسها التي كانت تعيشها جبهة النصرة ما قبل تموز 2016 ولربما كان تعيين علي العمر (أبو عمار العمر) كقائد عام لها وهو ما أعلنه مجلس شورى الحركة 29/11 يمثل توافقاً مؤقتاً يلحظ فيه تغليباً للتيار الإخواني على التيار القاعدي داخل الحركة مع الإشارة إلى أن التيار الإخواني العائد لحركة أحرار الشام يتبنى إيديولوجيا تفوق في تطرفها وعدائيتها إيديولوجيا القاعدة نفسها إلا أن التصنيف هنا يقوم على اعتبارات عديدة لا تتوقف عند الإيديولوجيا فحسب. في الوقت الذي تتساقط فيه أحياء حلب الشرقية بأيدي الجيش السوري الذي أثبت أنه يملك إرادة أسطورية حديدية ظهرت على السطح الفقاعة الأخيرة ما قبل انتهاء سائل التنظيفات في العبوة المولدة للفقاعات عبر الإعلان عن ولادة جيش حلب الجديد 30/11 الذي أسندت قيادته إلى أبي عبد الرحمن نور قائد جماعة الجبهة الشامية ما يمثل محاولة متأخرة ولا يمكن أن تكون ذات فوائد تجنى منها في سياق تطور الأحداث الراهن فالعبرة لم تعد في نجاح عملية الانصهار أو الاتحاد وإنما تكمن في جدوى انصهار (واتحاد) بنى مدمرة اهتلكت أطرها ويعاني مقاتلوها حالة إحباط قصوى في تشكيل واحد تزيد تناقضاته على نقاط التلاقي فيه أضعافا ما يجعل منه تركيبة قابلة للانفجار في كل لحظة. وفي الوقت نفسه أيضاً تكشف للكثيرين الوجه الأسطوري الآخر الذي تميز فيه الجيش السوري فقد رصدت العديد من وسائل الإعلام من بينها وسائل معارضة مثل المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي لحظ «المعاملة الحسنة» التي تلقاها اللاجئون إلى مناطق سيطرته سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين وهو أمر يكشف عن ذات دفينة تدرك جيداً حجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها كما تدرك أنها باتت الضمانة الوحيدة لسورية موحدة ذاهبة نحو الاستقرار ثم النهوض من جديد وما الهفوات التي تم تسليط الضوء عليها بشكل مبالغ فيه إلا تشويه ممنهج واضحة غاياته وهي في معظمها حالات فردية لا بد أن تفرزها الحروب فكيف الأمر إذا ما كانت تلك الحرب قد تجاوزت في مداها المدى الذي وصلته الحرب العالمية الثانية وما حدث فيها من فظاعات لا يقل عما حدث في هذه الأخيرة إن لم تكن تفوقها بكثير. هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد أن المنطقة باتت على أعتاب حدث استراتيجي كبير ومن الممكن تحديد أطره أو حدوده التي يقع فيها وهي لا تبعد كثيراً عن قيام محور يبدأ ببغداد مروراً بسورية ومصر وصولاً إلى الجزائر وهو ما يمكن أن يشكل –لو حصل- سداً منيعاً قادراً على وقف كل هذه الانهيارات الحاصلة في المنطقة العربية.  

المصدر : الوطن /عبد المنعم علي عيسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة