ليست مفاجئةً مطالبة إسرائيل باستقالة بشار الأسد وإخراج سوريا من محور المقاومة، شرطاً لإنهاء الحرب، بل يأتي ذلك انعكاساً واستكمالاً لسلسلة مواقف رسمية سابقة، بدءاً من رأس الهرم السياسي، وصولاً إلى الاستخبارات العسكرية. هذا المطلب صار أكثر إلحاحاً الآن في تل أبيب وعواصم إقليمية، في ضوء إخفاق الرهانات لتطويع سوريا وإخراجها من الصراع مع إسرائيل

 

لم يكشف وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، جديداً يتصل بحقيقة التوجهات والأولويات الإسرائيلية في الساحة السورية، عندما أكد ضرورة أن تنتهي الحرب السورية بـ«إسقاط الأسد وإخراج إيران»، ما يعني عمليّاً إخراج سوريا من معادلة الصراع مع إسرائيل، ومن محور المقاومة، إنما يأتي موقفه الذي أدلى به أمام مؤتمر «سابان»، امتداداً لمواقف رسمية سابقة على لسان أعلى رأس الهرم السياسي، وأيضاً رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء هرتسي هليفي.

 

مع ذلك، حرص ليبرمان على استكمال صورة الموقف الرسمي الإسرائيلي عبر تسمية المطالب بعناوينها التي تناولها من سبقه بأساليب تعبير متعددة، فقد سبق أن حذَّر رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، في أكثر من مناسبة، من مفاعيل القضاء على تنظيم «داعش» لمصلحة محور المقاومة، قائلاً إن «القضاء على داعش وترك إيران... يعني الانتصار في المعركة وخسارة الحرب».

أيضاً حدّد نتنياهو أمام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في نيسان الماضي، بأن خطوط إسرائيل الحمر تنبغي مراعاتها في أي صيغة تسوية مستقبلية، وهي تتمحور حول ضرورة ألّا تكون سوريا جزءاً من محور المقاومة، بصفتها دولة داعمة لحزب الله في لبنان، أو حتى قوة معادية لإسرائيل.

وكان التعبير الذي استخدمه نتنياهو في سياق الحديث مع بوتين أنّ «لإسرائيل خطوطاً حمراً واضحة للدفاع عن نفسها: أولاً، نعمل قُصارانا لمنع تحويل أسلحة متقدمة من إيران وسوريا إلى حزب الله في لبنان، وثانياً، نعمل على إحباط فتح جبهة إرهاب أخرى ضدنا من الجولان».

في هذا السياق، أتت مواقف ليبرمان تتويجاً لما سبق أن جاهر به رئيس الاستخبارات العسكرية «أمان»، هليفي، في مناسبتين مختلفتين، علماً بأن «أمان» تنضوي في المؤسسة العسكرية الخاضعة لسلطة وزير الأمن.

وكانت المناسبة الأولى أمام مؤتمر «هرتسيليا» في حزيران الماضي، والثانية خلال جلسة مغلقة قبل أيام، أكد فيها هليفي خطورة القضاء على «داعش» بالنسبة إلى إسرائيل، لأن ذلك يصبّ في مصلحة إيران وحزب الله، ويضع تل أبيب وحيدة أمام المقاومة.

في الوقت نفسه، يشكل موقف ليبرمان تكراراً للموقف الذي أعلنه وزير الأمن قبله، موشيه يعلون عندما اعتبر في كانون الثاني الماضي، أن إسرائيل «تفضل سيطرة داعش، على النفوذ الإيراني في سوريا».

 

 

بعد إخفاق «تطويع» سوريا بات إخراج الأسد مطلباً إسرائيلياً

 

هكذا، تظهر من عيّنات المواقف الرسمية الإسرائيلية أن ليبرمان لم يعلن موقفاً جديداً، ولم يعبّر عن توجه شخصي، بل هو انعكاس للرؤية الإسرائيلية إلى المعركة في سوريا، وامتداد لتموضعها في الرهان على انتصار الجماعات المسلحة. لكنّه هدف بذلك إلى وضع مطالب تل أبيب على طاولة أي مفاوضات تتصل بالتسوية السياسية في سوريا، مع أنه أعرب أمام «سابان»، عن غياب ثقته بإمكانية تلبية هذه الشروط: «إسقاط الرئيس الأسد وإخراج إيران».

على هذه الخلفية، طالب ليبرمان بأن تكون الولايات المتحدة، في ظل رئاسة دونالد ترامب، أكثر فعالية في إنهاء الصراع في سوريا، لأنها الطرف الوحيد، وفق تقديره، القادر على تغيير موازين القوى في تلك الساحة، وفي النتيجة، تلبية المطالب الإسرائيلية. استناداً إلى هذه الرؤية، قال إن «الأهم بالنسبة إلى إسرائيل هو التوافق مع الإدارة الأميركية الجديدة بشأن إيران وسوريا، والفلسطينيين».

رغم هذه العوامل، تتسم مواقف ليبرمان بصراحة مباشرة في تحديد الموقف الإسرائيلي الرسمي من تولي شخص الأسد لمنصب الرئاسة، ومما تسميه إسرائيل النفوذ الإيراني، في إشارة إلى الدعم الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية إلى سوريا بصفتها دولة داعمة للمقاومة وتقف في وجه إسرائيل. ومع أن الأخيرة لا تهتم ــ ابتداءً ــ بالهوية الفردية، أو الفكرية أو التنظيمية لمن يتولى رئاسة سوريا، إنما ما يهمها أن تكف دمشق، كما عبّر من هم في موقع صناعة القرار السياسي والعسكري في تل أبيب، عن كونها معادية لإسرائيل وتتبنى خيار دعم المقاومة في لبنان وفلسطين.

لذا، ما فعله ليبرمان أنه طبق هذا المفهوم على الواقع السوري، وعبّر عن الخلاصة التي يعرفها وتتبناها المؤسسة السياسية والعسكرية.

ويأتي موقف وزير الأمن الإسرائيلي في سياق ميداني وتوقيت سياسي بات فيهما إظهار المواقف الصريحة مطلباً إسرائيلياً، جراء الهزائم التي تتلقاها الجماعات المسلحة والإرهابية في سوريا، وضمن قدر من التسليم بتبدد الرهانات على تغيير المجريات الميدانية، بالاتكاء على موازين القوى في الساحة السورية من دون تدخل خارجي مباشر.

وهذا يعني أيضاً تبدّد الرهان على إسقاط الرئيس الأسد عسكرياً، أو حتى سياسياً، بعدما بات الوضع الميداني أضعف من أن يشكل عنصر ضغط لانتزاع مثل هذا التنازل، بل إن الأنظار الإسرائيلية ومعها الإقليمية، المعادية لسوريا، موجهة في هذه المرحلة إلى ما سيتبنّاه ترامب، من مواقف سيكون لها مفاعيلها المباشرة على الساحة السورية.

أما في المضمون، فيلخص موقف ليبرمان، مع ما سبقه من مواقف رسمية أخرى، الرؤية الإسرائيلية للمعركة في سوريا، والأهداف المتوخاة منها (إخراج سوريا من محور المقاومة عبر إسقاط الأسد)، ويأتي ذلك تتويجاً لمسار من الرهانات والمحاولات الفاشلة.

يذكر أنه في السابق، كانت هناك رهانات إسرائيلية ودولية وإقليمية على إخراج سوريا من معادلة الصراع عبر إغراء الأسد واستدراجه إلى معادلات وصفقات محدَّدة، تحديداً بعد نتائج ومفاعيل حرب 2006، ثم بات إخراج الرئيس السوريّ مطلباً وشرطاً لإخراج بلاده من الصراع مع إسرائيل، وذلك في ضوء اليأس من تطويعه.

وفي أعقاب إخفاق المخطط الأميركي في السيطرة على المنطقة، من بوابة العراق، لم يعد بالإمكان التعايش مع خيارات سوريا الاستراتيجية في ظل الرئيس الأسد، ثم تعزز التمسك الإسرائيلي والأميركي ومعه الإقليمي بهذا الموقف، بسبب فشل الرهان على «داعش» وبقية الفصائل الأخرى في العراق وسوريا، وأيضاً في ضوء الاتفاق النووي الإيراني الذي تحول إلى محطة كرّست إيران دولة نووية وإقليمية عظمى، تملك هامشاً واسعاً في استمرار دعم حلفائها في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين.

 

  • فريق ماسة
  • 2016-12-05
  • 9718
  • من الأرشيف

"إسرائيل" مجدداً: لا حلّ في سورية الا باستقالة الرئيس الأسد وإخراج سوريا من محور المقاومة؟

ليست مفاجئةً مطالبة إسرائيل باستقالة بشار الأسد وإخراج سوريا من محور المقاومة، شرطاً لإنهاء الحرب، بل يأتي ذلك انعكاساً واستكمالاً لسلسلة مواقف رسمية سابقة، بدءاً من رأس الهرم السياسي، وصولاً إلى الاستخبارات العسكرية. هذا المطلب صار أكثر إلحاحاً الآن في تل أبيب وعواصم إقليمية، في ضوء إخفاق الرهانات لتطويع سوريا وإخراجها من الصراع مع إسرائيل   لم يكشف وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، جديداً يتصل بحقيقة التوجهات والأولويات الإسرائيلية في الساحة السورية، عندما أكد ضرورة أن تنتهي الحرب السورية بـ«إسقاط الأسد وإخراج إيران»، ما يعني عمليّاً إخراج سوريا من معادلة الصراع مع إسرائيل، ومن محور المقاومة، إنما يأتي موقفه الذي أدلى به أمام مؤتمر «سابان»، امتداداً لمواقف رسمية سابقة على لسان أعلى رأس الهرم السياسي، وأيضاً رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء هرتسي هليفي.   مع ذلك، حرص ليبرمان على استكمال صورة الموقف الرسمي الإسرائيلي عبر تسمية المطالب بعناوينها التي تناولها من سبقه بأساليب تعبير متعددة، فقد سبق أن حذَّر رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، في أكثر من مناسبة، من مفاعيل القضاء على تنظيم «داعش» لمصلحة محور المقاومة، قائلاً إن «القضاء على داعش وترك إيران... يعني الانتصار في المعركة وخسارة الحرب». أيضاً حدّد نتنياهو أمام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في نيسان الماضي، بأن خطوط إسرائيل الحمر تنبغي مراعاتها في أي صيغة تسوية مستقبلية، وهي تتمحور حول ضرورة ألّا تكون سوريا جزءاً من محور المقاومة، بصفتها دولة داعمة لحزب الله في لبنان، أو حتى قوة معادية لإسرائيل. وكان التعبير الذي استخدمه نتنياهو في سياق الحديث مع بوتين أنّ «لإسرائيل خطوطاً حمراً واضحة للدفاع عن نفسها: أولاً، نعمل قُصارانا لمنع تحويل أسلحة متقدمة من إيران وسوريا إلى حزب الله في لبنان، وثانياً، نعمل على إحباط فتح جبهة إرهاب أخرى ضدنا من الجولان». في هذا السياق، أتت مواقف ليبرمان تتويجاً لما سبق أن جاهر به رئيس الاستخبارات العسكرية «أمان»، هليفي، في مناسبتين مختلفتين، علماً بأن «أمان» تنضوي في المؤسسة العسكرية الخاضعة لسلطة وزير الأمن. وكانت المناسبة الأولى أمام مؤتمر «هرتسيليا» في حزيران الماضي، والثانية خلال جلسة مغلقة قبل أيام، أكد فيها هليفي خطورة القضاء على «داعش» بالنسبة إلى إسرائيل، لأن ذلك يصبّ في مصلحة إيران وحزب الله، ويضع تل أبيب وحيدة أمام المقاومة. في الوقت نفسه، يشكل موقف ليبرمان تكراراً للموقف الذي أعلنه وزير الأمن قبله، موشيه يعلون عندما اعتبر في كانون الثاني الماضي، أن إسرائيل «تفضل سيطرة داعش، على النفوذ الإيراني في سوريا».     بعد إخفاق «تطويع» سوريا بات إخراج الأسد مطلباً إسرائيلياً   هكذا، تظهر من عيّنات المواقف الرسمية الإسرائيلية أن ليبرمان لم يعلن موقفاً جديداً، ولم يعبّر عن توجه شخصي، بل هو انعكاس للرؤية الإسرائيلية إلى المعركة في سوريا، وامتداد لتموضعها في الرهان على انتصار الجماعات المسلحة. لكنّه هدف بذلك إلى وضع مطالب تل أبيب على طاولة أي مفاوضات تتصل بالتسوية السياسية في سوريا، مع أنه أعرب أمام «سابان»، عن غياب ثقته بإمكانية تلبية هذه الشروط: «إسقاط الرئيس الأسد وإخراج إيران». على هذه الخلفية، طالب ليبرمان بأن تكون الولايات المتحدة، في ظل رئاسة دونالد ترامب، أكثر فعالية في إنهاء الصراع في سوريا، لأنها الطرف الوحيد، وفق تقديره، القادر على تغيير موازين القوى في تلك الساحة، وفي النتيجة، تلبية المطالب الإسرائيلية. استناداً إلى هذه الرؤية، قال إن «الأهم بالنسبة إلى إسرائيل هو التوافق مع الإدارة الأميركية الجديدة بشأن إيران وسوريا، والفلسطينيين». رغم هذه العوامل، تتسم مواقف ليبرمان بصراحة مباشرة في تحديد الموقف الإسرائيلي الرسمي من تولي شخص الأسد لمنصب الرئاسة، ومما تسميه إسرائيل النفوذ الإيراني، في إشارة إلى الدعم الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية إلى سوريا بصفتها دولة داعمة للمقاومة وتقف في وجه إسرائيل. ومع أن الأخيرة لا تهتم ــ ابتداءً ــ بالهوية الفردية، أو الفكرية أو التنظيمية لمن يتولى رئاسة سوريا، إنما ما يهمها أن تكف دمشق، كما عبّر من هم في موقع صناعة القرار السياسي والعسكري في تل أبيب، عن كونها معادية لإسرائيل وتتبنى خيار دعم المقاومة في لبنان وفلسطين. لذا، ما فعله ليبرمان أنه طبق هذا المفهوم على الواقع السوري، وعبّر عن الخلاصة التي يعرفها وتتبناها المؤسسة السياسية والعسكرية. ويأتي موقف وزير الأمن الإسرائيلي في سياق ميداني وتوقيت سياسي بات فيهما إظهار المواقف الصريحة مطلباً إسرائيلياً، جراء الهزائم التي تتلقاها الجماعات المسلحة والإرهابية في سوريا، وضمن قدر من التسليم بتبدد الرهانات على تغيير المجريات الميدانية، بالاتكاء على موازين القوى في الساحة السورية من دون تدخل خارجي مباشر. وهذا يعني أيضاً تبدّد الرهان على إسقاط الرئيس الأسد عسكرياً، أو حتى سياسياً، بعدما بات الوضع الميداني أضعف من أن يشكل عنصر ضغط لانتزاع مثل هذا التنازل، بل إن الأنظار الإسرائيلية ومعها الإقليمية، المعادية لسوريا، موجهة في هذه المرحلة إلى ما سيتبنّاه ترامب، من مواقف سيكون لها مفاعيلها المباشرة على الساحة السورية. أما في المضمون، فيلخص موقف ليبرمان، مع ما سبقه من مواقف رسمية أخرى، الرؤية الإسرائيلية للمعركة في سوريا، والأهداف المتوخاة منها (إخراج سوريا من محور المقاومة عبر إسقاط الأسد)، ويأتي ذلك تتويجاً لمسار من الرهانات والمحاولات الفاشلة. يذكر أنه في السابق، كانت هناك رهانات إسرائيلية ودولية وإقليمية على إخراج سوريا من معادلة الصراع عبر إغراء الأسد واستدراجه إلى معادلات وصفقات محدَّدة، تحديداً بعد نتائج ومفاعيل حرب 2006، ثم بات إخراج الرئيس السوريّ مطلباً وشرطاً لإخراج بلاده من الصراع مع إسرائيل، وذلك في ضوء اليأس من تطويعه. وفي أعقاب إخفاق المخطط الأميركي في السيطرة على المنطقة، من بوابة العراق، لم يعد بالإمكان التعايش مع خيارات سوريا الاستراتيجية في ظل الرئيس الأسد، ثم تعزز التمسك الإسرائيلي والأميركي ومعه الإقليمي بهذا الموقف، بسبب فشل الرهان على «داعش» وبقية الفصائل الأخرى في العراق وسوريا، وأيضاً في ضوء الاتفاق النووي الإيراني الذي تحول إلى محطة كرّست إيران دولة نووية وإقليمية عظمى، تملك هامشاً واسعاً في استمرار دعم حلفائها في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين.  

المصدر : علي حيدر / الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة