دشّن الجيش السوري عملياته داخل الأحياء الشرقيّة لمدينة حلب ببسط سيطرته أمس على كامل حي الفرافرة التاريخي، أحد أكبر أحياء المدينة القديمة. ومن المرجح أن تحافظ العمليات العسكرية للجيش وحلفائه في «عاصمة الشمال» على أسلوب «تشتيت الجبهات» مع انتقاء النقاط الأضعف وقضمها، بالتزامن مع السعي إلى توسيع «هامش الأمان» على المحاور الجنوبيّة

 

لا يُمكن عدّ تقدّم القوات السوريّة نحو أحياء المدينة القديمة في حلب مفاجئاً. على العكس من ذلك، يُشكّل هذا المحور واحداً من «أفضل الخيارات» للتقدّم عبره، نظراً إلى وضع المجموعات المسلّحة فيه، وفي جواره.

 

وتبدو فرص نجاح المجموعات في شنّ عمليات معاكسة على هذا المحور شبه معدومة خلافاً لما هو الحال على جبهات أخرى مثل حيّ الشيخ سعيد (جنوب المدينة) أو مخيم حندرات (شمالها). التقدّم البرّي نحو أحياء المدينة القديمة كان جزءاً من تحرّك واسع النطاق على أربعة محاور متوزّعة على جهات مختلفة: محور مشروع الـ1070 (شقّة) في الجهة الجنوبيّة للمدينة، محور مخيّم حندرات شمالاً، محور حيّ الشيخ سعيد (البوّابة الجنوبيّة للأحياء الشرقيّة)، ومحور المدينة القديمة. واختارت غرفة العمليّات العسكرية السوريّة العمل في المرحلة الراهنة وفق أسلوب «تشتيت الجبهات» مع التركيز على النقاط الهشّة والتقدّم عبرها. ويمنح هذا التكتيك أفضليّةً للجيش وحلفائه في ظلّ غياب التنسيق العسكري الفاعل بين المجموعات المسلّحة التي تتقاسم السيطرة على المحاور والأحياء، ولا سيّما في ظلّ التحوّلات التي جعلت عديد الجيش وحلفائه في حلب متفوّقاً على عديد المجموعات المسلّحة في الفترة الأخيرة. عوامل عدّة أسهمت في هذا التفوّق العددي، كان من بينها الاستنزاف الكبير الذي طاول المسلّحين في معارك «الكليّات»، فضلاً عن نجاح الجيش في إحكام طوق حول مناطق سيطرة المسلّحين، وحرمانهم فُرص استقدام أي إمدادات بالعديد أو العتاد. كذلك لعب انسحاب أرتال مقاتلي «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» و«حركة نور الدين زنكي» وسواهما للقتال تحت راية الجيش التركي الغازي للشمال السوري دوراً في خفض عديد مقاتلي المعارضة في حلب.

تكثيف القصف الجوي للأحياء الشرقيّة الكبرى (مثل الشعار، الصاخور) التي تُشكّل عادةً نقاط إسناد خلفيّة لخطوط التماس أسهم أيضاً في تسهيل العمليّة على محور المدينة القديمة. في المقابل، كانت معسكرات الجيش وحلفائه قد استقبلت خلال الأسبوعين الأخيرين مزيداً من الإمدادات البشريّة الحليفة.

 

 

لا يبدو سيناريو الحصار الطويل حاضراً في خطط الجيش

كذلك أنجزت غرف العمليّات «تقويماً دقيقاً وشاملاً لكل محاور القتال المحتملة» وفقاً لما أكّدته مصادر ميدانيّة لـ«الأخبار». ولا ينطبق هذا الكلام على محاور هجوم أمس الأربعة فحسب، بل يتعدّاها إلى محاور أخرى «سيجري التحرّك نحوها في الوقت المناسب»، حسب المصادر ذاتها. وتتباين قوّة المسلّحين الموزّعين على أحياء المدينة الشرقيّة تبعاً لعوامل عدّة، مثل حجم المجموعات المسيطرة وخبرتها، وقرب بعض المناطق من خطوط التماس، ما جعلها عرضةً لعمليات استنزاف مستمرّة (في مقابل بعدها عن العمق الحيوي للمسلّحين). ففيما تحضر مجموعات قويّة في بعض المناطق (مثل بستان الباشا، والشيخ سعيد وسواهما) تقتصر السيطرة في أحياء أخرى على مجموعات محليّة صغيرة، مدعومة بأعداد قليلة من بعض المجموعات الكبيرة. وكان الجيش السوري حتى وقت قريب يتمركز على أطراف حيّ الفرافرة، قبل أن يتقدّم نحوه لتتراجع أمامه بقايا بعض «الألوية» المحليّة (مثل «أحرار باب الحديد»، و«كتائب» محسوبة على «لواء أحرار سوريا»)، فضلاً عن مجموعات تابعة لـ«كتائب الصفوة الإسلاميّة»، و«حركة نور الدين زنكي». ورغم أن الحال يبدو مشابهاً في بعض الأحياء المتاخمة مثل العقبة، والجلّوم، والقصيلة، غيرَ أنّ ارتباط هذه الأحياء بعضها ببعض، واتّصالها بأحياء أخرى خارج المدينة القديمة (مثل الكلّاسة عبر باب قنسرين، أو الفردوس عبر قلعة شريف، والصّالحين عبر باب المقام) قد يلعب دوراً في إبطاء تقدّم القوات السوريّة وحلفائها. إلا أنّ المؤكد أنّ المدينة القديمة ليست مؤهّلة للتحوّل إلى نقطة تجمّع أخيرة للمجموعات في تكرار لسيناريو حمص. وعلى العكس من ذلك، تبدو فرص المجموعات في التمركز الطويل الأجل فيها شبه معدومة. وبالعموم، لا يبدو سيناريو الحصار الطويل حاضراً في خطط الجيش للأحياء الشرقيّة، بفعل تضافر مجموعة من العوامل يتصدّرها تكثيف الضغوط السياسيّة والإعلاميّة الدوليّة، التي تجعل من حلب موضوعاً مرشّحاً لمزيد من الحضور على طاولة مجلس الأمن الدولي. وتشير المعطيات المتوافرة إلى أنّ الخيار قد حُسم في معسكر الجيش وحلفائه لمصلحة العمل على استعادة كامل مدينة حلب قبل وصول إدارة أميركيّة جديدة إلى البيت الأبيض. في المقابل، تبدو المجموعات المسلّحة الكبرى («جبهة فتح الشام/ النصرة» وحلفاؤها في «الحزب الإسلامي التركستاني» وبعض مكوّنات «جيش الفتح») عازمةً على خوض محاولة جديدة لإحداث «تغيّر نوعي» على جبهات حلب يتيح التقاط الأنفاس، في مسعى لتكرار سيناريو الراموسة. ومن جديد، تحتلّ جبهات الريف الجنوبي واجهة خطط «فتح الشام» وحلفائها. ورغم تبدّل الموازين كثيراً منذ نجاح المسلّحين في فتح «ثغرة الراموسة» قبل شهر ونصف شهر، غيرَ أنّ المعلومات المتوافرة تشير إلى تحضيرات مكثّفة في معسكرات المجموعات تمهيداً لفتح عمليات تستهدف تمركزات الجيش وحلفائه على المحاور البعيدة في الريف الجنوبي. وتحظى بلدة الحاضر بأهميّة خاصّة في حسابات «فتح الشام» وحلفائها، ويرى هؤلاء أنّ استمرار سيطرة القوّات السوريّة وحلفائها على البلدة الاستراتيجيّة شكّل العقبة الأكبر في وجه مخططات الإمساك بزمام الأمور بشكل كلي في الريف الجنوبي. ويعوّل أي هجوم من هذا النوع على دفع الجيش وحلفائه إلى توجيه إمدادات نحو النقاط البعيدة، أملاً في تخفيف الضغط على الأحياء الشرقيّة داخل المدينة.

  • فريق ماسة
  • 2016-09-27
  • 15435
  • من الأرشيف

حلب: الجيش نحو الأحياء الشرقيّة عبر الأبواب التاريخيّة

دشّن الجيش السوري عملياته داخل الأحياء الشرقيّة لمدينة حلب ببسط سيطرته أمس على كامل حي الفرافرة التاريخي، أحد أكبر أحياء المدينة القديمة. ومن المرجح أن تحافظ العمليات العسكرية للجيش وحلفائه في «عاصمة الشمال» على أسلوب «تشتيت الجبهات» مع انتقاء النقاط الأضعف وقضمها، بالتزامن مع السعي إلى توسيع «هامش الأمان» على المحاور الجنوبيّة   لا يُمكن عدّ تقدّم القوات السوريّة نحو أحياء المدينة القديمة في حلب مفاجئاً. على العكس من ذلك، يُشكّل هذا المحور واحداً من «أفضل الخيارات» للتقدّم عبره، نظراً إلى وضع المجموعات المسلّحة فيه، وفي جواره.   وتبدو فرص نجاح المجموعات في شنّ عمليات معاكسة على هذا المحور شبه معدومة خلافاً لما هو الحال على جبهات أخرى مثل حيّ الشيخ سعيد (جنوب المدينة) أو مخيم حندرات (شمالها). التقدّم البرّي نحو أحياء المدينة القديمة كان جزءاً من تحرّك واسع النطاق على أربعة محاور متوزّعة على جهات مختلفة: محور مشروع الـ1070 (شقّة) في الجهة الجنوبيّة للمدينة، محور مخيّم حندرات شمالاً، محور حيّ الشيخ سعيد (البوّابة الجنوبيّة للأحياء الشرقيّة)، ومحور المدينة القديمة. واختارت غرفة العمليّات العسكرية السوريّة العمل في المرحلة الراهنة وفق أسلوب «تشتيت الجبهات» مع التركيز على النقاط الهشّة والتقدّم عبرها. ويمنح هذا التكتيك أفضليّةً للجيش وحلفائه في ظلّ غياب التنسيق العسكري الفاعل بين المجموعات المسلّحة التي تتقاسم السيطرة على المحاور والأحياء، ولا سيّما في ظلّ التحوّلات التي جعلت عديد الجيش وحلفائه في حلب متفوّقاً على عديد المجموعات المسلّحة في الفترة الأخيرة. عوامل عدّة أسهمت في هذا التفوّق العددي، كان من بينها الاستنزاف الكبير الذي طاول المسلّحين في معارك «الكليّات»، فضلاً عن نجاح الجيش في إحكام طوق حول مناطق سيطرة المسلّحين، وحرمانهم فُرص استقدام أي إمدادات بالعديد أو العتاد. كذلك لعب انسحاب أرتال مقاتلي «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» و«حركة نور الدين زنكي» وسواهما للقتال تحت راية الجيش التركي الغازي للشمال السوري دوراً في خفض عديد مقاتلي المعارضة في حلب. تكثيف القصف الجوي للأحياء الشرقيّة الكبرى (مثل الشعار، الصاخور) التي تُشكّل عادةً نقاط إسناد خلفيّة لخطوط التماس أسهم أيضاً في تسهيل العمليّة على محور المدينة القديمة. في المقابل، كانت معسكرات الجيش وحلفائه قد استقبلت خلال الأسبوعين الأخيرين مزيداً من الإمدادات البشريّة الحليفة.     لا يبدو سيناريو الحصار الطويل حاضراً في خطط الجيش كذلك أنجزت غرف العمليّات «تقويماً دقيقاً وشاملاً لكل محاور القتال المحتملة» وفقاً لما أكّدته مصادر ميدانيّة لـ«الأخبار». ولا ينطبق هذا الكلام على محاور هجوم أمس الأربعة فحسب، بل يتعدّاها إلى محاور أخرى «سيجري التحرّك نحوها في الوقت المناسب»، حسب المصادر ذاتها. وتتباين قوّة المسلّحين الموزّعين على أحياء المدينة الشرقيّة تبعاً لعوامل عدّة، مثل حجم المجموعات المسيطرة وخبرتها، وقرب بعض المناطق من خطوط التماس، ما جعلها عرضةً لعمليات استنزاف مستمرّة (في مقابل بعدها عن العمق الحيوي للمسلّحين). ففيما تحضر مجموعات قويّة في بعض المناطق (مثل بستان الباشا، والشيخ سعيد وسواهما) تقتصر السيطرة في أحياء أخرى على مجموعات محليّة صغيرة، مدعومة بأعداد قليلة من بعض المجموعات الكبيرة. وكان الجيش السوري حتى وقت قريب يتمركز على أطراف حيّ الفرافرة، قبل أن يتقدّم نحوه لتتراجع أمامه بقايا بعض «الألوية» المحليّة (مثل «أحرار باب الحديد»، و«كتائب» محسوبة على «لواء أحرار سوريا»)، فضلاً عن مجموعات تابعة لـ«كتائب الصفوة الإسلاميّة»، و«حركة نور الدين زنكي». ورغم أن الحال يبدو مشابهاً في بعض الأحياء المتاخمة مثل العقبة، والجلّوم، والقصيلة، غيرَ أنّ ارتباط هذه الأحياء بعضها ببعض، واتّصالها بأحياء أخرى خارج المدينة القديمة (مثل الكلّاسة عبر باب قنسرين، أو الفردوس عبر قلعة شريف، والصّالحين عبر باب المقام) قد يلعب دوراً في إبطاء تقدّم القوات السوريّة وحلفائها. إلا أنّ المؤكد أنّ المدينة القديمة ليست مؤهّلة للتحوّل إلى نقطة تجمّع أخيرة للمجموعات في تكرار لسيناريو حمص. وعلى العكس من ذلك، تبدو فرص المجموعات في التمركز الطويل الأجل فيها شبه معدومة. وبالعموم، لا يبدو سيناريو الحصار الطويل حاضراً في خطط الجيش للأحياء الشرقيّة، بفعل تضافر مجموعة من العوامل يتصدّرها تكثيف الضغوط السياسيّة والإعلاميّة الدوليّة، التي تجعل من حلب موضوعاً مرشّحاً لمزيد من الحضور على طاولة مجلس الأمن الدولي. وتشير المعطيات المتوافرة إلى أنّ الخيار قد حُسم في معسكر الجيش وحلفائه لمصلحة العمل على استعادة كامل مدينة حلب قبل وصول إدارة أميركيّة جديدة إلى البيت الأبيض. في المقابل، تبدو المجموعات المسلّحة الكبرى («جبهة فتح الشام/ النصرة» وحلفاؤها في «الحزب الإسلامي التركستاني» وبعض مكوّنات «جيش الفتح») عازمةً على خوض محاولة جديدة لإحداث «تغيّر نوعي» على جبهات حلب يتيح التقاط الأنفاس، في مسعى لتكرار سيناريو الراموسة. ومن جديد، تحتلّ جبهات الريف الجنوبي واجهة خطط «فتح الشام» وحلفائها. ورغم تبدّل الموازين كثيراً منذ نجاح المسلّحين في فتح «ثغرة الراموسة» قبل شهر ونصف شهر، غيرَ أنّ المعلومات المتوافرة تشير إلى تحضيرات مكثّفة في معسكرات المجموعات تمهيداً لفتح عمليات تستهدف تمركزات الجيش وحلفائه على المحاور البعيدة في الريف الجنوبي. وتحظى بلدة الحاضر بأهميّة خاصّة في حسابات «فتح الشام» وحلفائها، ويرى هؤلاء أنّ استمرار سيطرة القوّات السوريّة وحلفائها على البلدة الاستراتيجيّة شكّل العقبة الأكبر في وجه مخططات الإمساك بزمام الأمور بشكل كلي في الريف الجنوبي. ويعوّل أي هجوم من هذا النوع على دفع الجيش وحلفائه إلى توجيه إمدادات نحو النقاط البعيدة، أملاً في تخفيف الضغط على الأحياء الشرقيّة داخل المدينة.

المصدر : صهيب عنجريني- الاخبار |


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة