لم نظن يوماً أن الشركات والهياكل الاقتصادية الجديدة التي صفّقنا لقدومها واحتفينا بتوطينها خلال ست أو سبع سنوات ما قبل بدء الحرب علينا، ستكون وزراً ثقيلاً على كواهلنا جميعاً ونحن نخوض غمار مواجهةٍ مصيريّة مع عدو غير تقليدي بتحولاته وتلوّناته وبالتالي خطره الاستثنائي.

والواقع أن ظنوننا لم تذهب إلى البعد الرّاهن الذي أوصلتنا إليه “شركات الانفتاح” ليس بسبب قلّة فطنة، وإنما لطبيعة “الجبن والتردد” المتأصلة في أدبيات رأس المال عموماً، ولم تكن الرساميل غير السورية، أي غير المنتمية، التي شكّلت عماد النُّوى التأسيسية لهذه الشركات، استثناء من هذه الخصلة الرديئة، بل ربما ظهرت لديها كوصمة مُخجلة منذ إطلاق الرصاصة الأولى في الحرب على سورية!!.

فلعلّه من المبرّر –اقتصادياً– اتباع خيارات استثمارية متحفّظة في زمن الحروب، درءاً للمخاطر أو تماشياً مع إملاءات قاسية وبغيضة تنتجها ظروف التوتر، لكن أن يتمّ القذف عنوةً بالمحافظ الاستثمارية خارج حدود البلاد فهذا ارتكاب، وقد حصل ذلك علناً في سوقنا، وكانت شركات التحوّل المشبوه نحو الريعيّة، ومنها شركات التأمين الخاصة و”شقيقاتها” المصارف، مع استثناءات قليلة، وشركات ذات اختصاصات خدمية أخرى متنوّعة، كانت عبارة عن قنوات ترحيل لكامل “دسم” الاقتصاد السوري، بعد تجميع كتل مالية هائلة على مرّ بضع سنوات، ثم تحويلها إلى عملات صعبة، وبشكلٍ سرّع في ترسيخ حالة التدهور الدراماتيكي للقوة الشرائية لليرتنا، وأثّر على كامل بُنانا الاقتصادية، كما أحدث رضّاً اجتماعياً سيكون من غير السهل ترميمه في زمنٍ قصير.

والحقيقة أن ثمة تغريراً أو شيئاً من هذا القبيل مارسته بعض الشركات العاملة في القطاعات التي كانت محظورة على رأس المال الخاص لعقود من الزمن، عندما بددت هواجس المتوجسين من إشراع الأبواب أمامها، عبر تطمينات مدروسة بعناية تتحدّث عن أدوار اجتماعية وحتى خيرية، تُعوّض الخسارات الاقتصادية الناجمة عن تقاسم الحصص مع شركات القطاع العام المشابهة، ومن تنامي القطاعات الريعية على حساب قطاعات التنمية الفعلية والحقيقية، لكن لا دور اجتماعياً أدّته هذه الشركات ولا خيرياً، بل غرق بعضها في أدوار “هدّامة” واضحة.

من هنا نسأل عن الإجراء الرسمي الذي يمكن أن تتخذه الحكومة لإعادة ضبط أداء هذه الشركات، ثم إلزامها بتنفيذ التعهدات التي قطعتها كمقدمات ترويجية لمجيئها؟.

هل تحرّت الحكومة يوماً عبر مؤسساتها المختصّة –وهذا مثال- عن حقيقة الأرقام التي تدفع بها المصارف الخاصة لنا عبر ميزانياتها السنوية، هل بالفعل لديها كل تلك المليارات التي تتحدّث عنها بالليرة السورية، أم أنها تحوّلت إلى دولار وباتت في عهدة مصارف غير سورية، ومثلها التحريات ذاتها بخصوص شركات التأمين؟.

ألا تستطيع الحكومة التأكّد من حقيقة الحسابات العائدة لهذه الشركات في المصارف الخارجية لإلزامها بإعادة الأموال التي تمّ إخراجها بذريعة “العاصفة”؟.

ثمّ أليس من وسيلة قانونية لإلزام كل الشركات بدور اجتماعي تعهدّت به وحنثت.. وهل من حالة أكثر إلحاحاً من وجود مئات آلاف المهجرين والمتضررين والمعاقين واليتامى والحالات المشابهة التي خلّفتها حرب الإرهاب على سورية؟.

ففي الأوقات العصيبة والسنوات العجاف تقع مسؤولية خاصة بلون اقتصادي وطعم اجتماعي على عاتق ميسوري المجتمعات المأزومة، ونعتقد أن عشرات الشركات التي اكتسبت الصفة الامتيازية خصوصاً في قطاعي المصارف والتأمين في بلدنا تنام على كتل مالية هائلة، مصدرها في معظمه المأزومون من الحرب ذاتهم.. والبلاد كلها مأزومة بشكل لا يسمح بعدم الاقتراب ممن “أكلوا اقتصادنا لحماً ورموه عظماً”..

  • فريق ماسة
  • 2016-09-25
  • 13305
  • من الأرشيف

هل لدى الشركات الخاصة العاملة في سورية كل تلك المليارات التي تتحدّث عنها أم أنها تحوّلت إلى دولار وباتت في عهدة مصارف غير سورية؟../ بقلم ناظم عيد

لم نظن يوماً أن الشركات والهياكل الاقتصادية الجديدة التي صفّقنا لقدومها واحتفينا بتوطينها خلال ست أو سبع سنوات ما قبل بدء الحرب علينا، ستكون وزراً ثقيلاً على كواهلنا جميعاً ونحن نخوض غمار مواجهةٍ مصيريّة مع عدو غير تقليدي بتحولاته وتلوّناته وبالتالي خطره الاستثنائي. والواقع أن ظنوننا لم تذهب إلى البعد الرّاهن الذي أوصلتنا إليه “شركات الانفتاح” ليس بسبب قلّة فطنة، وإنما لطبيعة “الجبن والتردد” المتأصلة في أدبيات رأس المال عموماً، ولم تكن الرساميل غير السورية، أي غير المنتمية، التي شكّلت عماد النُّوى التأسيسية لهذه الشركات، استثناء من هذه الخصلة الرديئة، بل ربما ظهرت لديها كوصمة مُخجلة منذ إطلاق الرصاصة الأولى في الحرب على سورية!!. فلعلّه من المبرّر –اقتصادياً– اتباع خيارات استثمارية متحفّظة في زمن الحروب، درءاً للمخاطر أو تماشياً مع إملاءات قاسية وبغيضة تنتجها ظروف التوتر، لكن أن يتمّ القذف عنوةً بالمحافظ الاستثمارية خارج حدود البلاد فهذا ارتكاب، وقد حصل ذلك علناً في سوقنا، وكانت شركات التحوّل المشبوه نحو الريعيّة، ومنها شركات التأمين الخاصة و”شقيقاتها” المصارف، مع استثناءات قليلة، وشركات ذات اختصاصات خدمية أخرى متنوّعة، كانت عبارة عن قنوات ترحيل لكامل “دسم” الاقتصاد السوري، بعد تجميع كتل مالية هائلة على مرّ بضع سنوات، ثم تحويلها إلى عملات صعبة، وبشكلٍ سرّع في ترسيخ حالة التدهور الدراماتيكي للقوة الشرائية لليرتنا، وأثّر على كامل بُنانا الاقتصادية، كما أحدث رضّاً اجتماعياً سيكون من غير السهل ترميمه في زمنٍ قصير. والحقيقة أن ثمة تغريراً أو شيئاً من هذا القبيل مارسته بعض الشركات العاملة في القطاعات التي كانت محظورة على رأس المال الخاص لعقود من الزمن، عندما بددت هواجس المتوجسين من إشراع الأبواب أمامها، عبر تطمينات مدروسة بعناية تتحدّث عن أدوار اجتماعية وحتى خيرية، تُعوّض الخسارات الاقتصادية الناجمة عن تقاسم الحصص مع شركات القطاع العام المشابهة، ومن تنامي القطاعات الريعية على حساب قطاعات التنمية الفعلية والحقيقية، لكن لا دور اجتماعياً أدّته هذه الشركات ولا خيرياً، بل غرق بعضها في أدوار “هدّامة” واضحة. من هنا نسأل عن الإجراء الرسمي الذي يمكن أن تتخذه الحكومة لإعادة ضبط أداء هذه الشركات، ثم إلزامها بتنفيذ التعهدات التي قطعتها كمقدمات ترويجية لمجيئها؟. هل تحرّت الحكومة يوماً عبر مؤسساتها المختصّة –وهذا مثال- عن حقيقة الأرقام التي تدفع بها المصارف الخاصة لنا عبر ميزانياتها السنوية، هل بالفعل لديها كل تلك المليارات التي تتحدّث عنها بالليرة السورية، أم أنها تحوّلت إلى دولار وباتت في عهدة مصارف غير سورية، ومثلها التحريات ذاتها بخصوص شركات التأمين؟. ألا تستطيع الحكومة التأكّد من حقيقة الحسابات العائدة لهذه الشركات في المصارف الخارجية لإلزامها بإعادة الأموال التي تمّ إخراجها بذريعة “العاصفة”؟. ثمّ أليس من وسيلة قانونية لإلزام كل الشركات بدور اجتماعي تعهدّت به وحنثت.. وهل من حالة أكثر إلحاحاً من وجود مئات آلاف المهجرين والمتضررين والمعاقين واليتامى والحالات المشابهة التي خلّفتها حرب الإرهاب على سورية؟. ففي الأوقات العصيبة والسنوات العجاف تقع مسؤولية خاصة بلون اقتصادي وطعم اجتماعي على عاتق ميسوري المجتمعات المأزومة، ونعتقد أن عشرات الشركات التي اكتسبت الصفة الامتيازية خصوصاً في قطاعي المصارف والتأمين في بلدنا تنام على كتل مالية هائلة، مصدرها في معظمه المأزومون من الحرب ذاتهم.. والبلاد كلها مأزومة بشكل لا يسمح بعدم الاقتراب ممن “أكلوا اقتصادنا لحماً ورموه عظماً”..

المصدر : البعث/ناظم عيد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة