كان مسؤولٌ كبير في وزارة الخارجية السورية كثيراً ما يشير من نافذة مكتبه إلى داريا حين يتحدث عن البطء الذي يتحتم على الجيش التقدم به في مناطق تضم مدنيين تختلط مصائرهم بمصائر المسلحين.

المسافة التي لا تتجاوز أمتاراً عدة على طريق المتحلق الجنوبي بين داريا ودمشق، شبيهة بالمسافة التي كانت قوات الجيش تتقدم بها في تلك المنطقة على مدى أربع سنوات من القتال.

والآن، وقد شقت تسوية داريا طريقها، تسير المعضمية على الطريق ذاتها، فيما تنتظر دوما مصيراً مشابهاً، وإن كان سيستغرق وقتاً أطول.

ووفقاً لما قاله مسؤول سوري لـ «السفير» تعليقاً على تسوية داريا، فإن العمل جار على تسوية مشابهة إلى حد ما في المعضمية، لكن العين هي على دوما فعلياً، والتي يشرف الروس على محورها منذ زمن، باعتبارها تشكل شكلاً من أشكال الامتداد الاقليمي للحرب السورية وللتسوية التي قد تأتي.

ويجري حالياً اختبار التفاوض مع المجلسين العسكري والمحلي لدوما، عبر وفودٍ، من بينها وفود وزارة المصالحة الوطنية، لإغلاق ملف المخطوفين، الذين يُقدّر عددهم بالآلاف حين غزا «جيش الإسلام» السعودي التمويل مدينة عدرا وخطف سكانها فجراً بشرائحهم العمرية المختلفة.

ومنذ أيام، أفرج سجن «التوبة» التابع لـ «جيش الإسلام» عن ثلاثة اطفال بينهم شقيقان، استلمهم الوفد المفاوض، فهمه المراقبون باعتباره إجراء «بناء ثقة» يمكن البناء عليه في قضية المخطوفين عموماً، والتي سيقابلها إفراج عن معتقلين، إلا أن مصادر أهلية أشرفت على العملية قالت لـ «السفير» إن «الاختراق» الأخير «فردي، وخضع لاعتبارات إنسانية خاصة». لكن السلطات، ومن خلفها موسكو، تطمح لأن تغري هذه المفاوضات، بسياق الهدنة القائمة منذ عام على التدخل الروسي، الجانبين للمضي قدماً في تحقيق تسوية عامة شبيهة بتسوية داريا.

وتعتبر داريا رمزيةً من هذه الناحية، كون «جيش الإسلام» اشترط سابقاً ضمّها للهدنة الحالية، وهو ما قوبل برفض الجيش السوري، نظراً للحصار الذي كان قد أطبق على المدينة، وقربها الشديد من مطار المزة، أهم مطارات قطاع دمشق العسكرية.

وقال مصدر مسؤول لـ «السفير» إن «قضية دوما معقدة ولا يمكن صهرها في حمى المصالحات الحالية من دون مراعاة الاعتبارات الاقليمية والدولية، ولا سيما أن جيش الإسلام يعتبر طرفاً بارزاً في مفاوضات التسوية»، التي تمثل المعارضة فيها «الهيئة العليا للمفاوضات» ومقرها الرياض.

من جهته، قال مسؤول في وزارة المصالحة الوطنية لـ «السفير» إن الأولوية حالياً هي لمدينة المعضمية المحاذية لدمشق من الجنوب، والتي تخضع لحالات جذب وصد ميداني منذ بدايات الأزمة السورية، علماً أن اجتماعاً حدد ليوم الثلاثاء (أمس) للوصول الى اتفاق.

ويقود الجيش عملية التفاوض، نظراً لحساسية المنطقة عسكرياً، حيث يجري الحديث الرئيسي عن حوالي 200 مسلح، مع أسرهم، جلهم كان في داريا، على ان يكون بين الخيارات ترحيلهم خارج القطر إلى وجهة يعتقد أنها تركيا.

وكان محافظ ريف دمشق علاء إبراهيم قد أكد في تصريحات اذاعية أمس الاول أن «ما يجري حالياً هو حوار لإجلاء المسلحين والدعوة لتسليم السلاح والاستفادة من مرسوم العفو في المعضمية».

ووفقا لإبراهيم، فإن «اتفاق المعضمية مختلف عن داريا، بحيث يبقى مدنيو المعضمية هناك من دون مغادرتها، كون وضع المدينة مقبولا بعكس ما حدث في داريا التي ليس فيها بنى تحتية، ومعظم الأبنية مدمرة».

وأضاف «في اتفاق المعضمية، سيسمح لمن يريد تسليم سلاحه الاختيار بين البقاء أو الخروج منها»، داعياً المسلحين إلى تسليم أنفسهم والاستفادة من مرسوم العفو لتسوية أوضاعهم والبقاء في منازلهم.

وتنقسم المدينة، منذ ثلاث سنوات حين تم إقرار الهدنة، الى أحياء فيها الجيش وأخرى فيها المسلحون، لكنها تخضع جميعها لإدارة الحكومة السورية، وتفصل بينها حواجز شبه مشتركة.

ووفقاً لمحافظ ريف دمشق، فإن «لجان المصالحة تجري حوارات في دوما وحرستا وقدسيا لتسليم السلاح وتسوية أوضاع المسلحين» أيضاً.

  • فريق ماسة
  • 2016-08-30
  • 11113
  • من الأرشيف

المعضمية أولوية الهدنة.. والعين على دوما

كان مسؤولٌ كبير في وزارة الخارجية السورية كثيراً ما يشير من نافذة مكتبه إلى داريا حين يتحدث عن البطء الذي يتحتم على الجيش التقدم به في مناطق تضم مدنيين تختلط مصائرهم بمصائر المسلحين. المسافة التي لا تتجاوز أمتاراً عدة على طريق المتحلق الجنوبي بين داريا ودمشق، شبيهة بالمسافة التي كانت قوات الجيش تتقدم بها في تلك المنطقة على مدى أربع سنوات من القتال. والآن، وقد شقت تسوية داريا طريقها، تسير المعضمية على الطريق ذاتها، فيما تنتظر دوما مصيراً مشابهاً، وإن كان سيستغرق وقتاً أطول. ووفقاً لما قاله مسؤول سوري لـ «السفير» تعليقاً على تسوية داريا، فإن العمل جار على تسوية مشابهة إلى حد ما في المعضمية، لكن العين هي على دوما فعلياً، والتي يشرف الروس على محورها منذ زمن، باعتبارها تشكل شكلاً من أشكال الامتداد الاقليمي للحرب السورية وللتسوية التي قد تأتي. ويجري حالياً اختبار التفاوض مع المجلسين العسكري والمحلي لدوما، عبر وفودٍ، من بينها وفود وزارة المصالحة الوطنية، لإغلاق ملف المخطوفين، الذين يُقدّر عددهم بالآلاف حين غزا «جيش الإسلام» السعودي التمويل مدينة عدرا وخطف سكانها فجراً بشرائحهم العمرية المختلفة. ومنذ أيام، أفرج سجن «التوبة» التابع لـ «جيش الإسلام» عن ثلاثة اطفال بينهم شقيقان، استلمهم الوفد المفاوض، فهمه المراقبون باعتباره إجراء «بناء ثقة» يمكن البناء عليه في قضية المخطوفين عموماً، والتي سيقابلها إفراج عن معتقلين، إلا أن مصادر أهلية أشرفت على العملية قالت لـ «السفير» إن «الاختراق» الأخير «فردي، وخضع لاعتبارات إنسانية خاصة». لكن السلطات، ومن خلفها موسكو، تطمح لأن تغري هذه المفاوضات، بسياق الهدنة القائمة منذ عام على التدخل الروسي، الجانبين للمضي قدماً في تحقيق تسوية عامة شبيهة بتسوية داريا. وتعتبر داريا رمزيةً من هذه الناحية، كون «جيش الإسلام» اشترط سابقاً ضمّها للهدنة الحالية، وهو ما قوبل برفض الجيش السوري، نظراً للحصار الذي كان قد أطبق على المدينة، وقربها الشديد من مطار المزة، أهم مطارات قطاع دمشق العسكرية. وقال مصدر مسؤول لـ «السفير» إن «قضية دوما معقدة ولا يمكن صهرها في حمى المصالحات الحالية من دون مراعاة الاعتبارات الاقليمية والدولية، ولا سيما أن جيش الإسلام يعتبر طرفاً بارزاً في مفاوضات التسوية»، التي تمثل المعارضة فيها «الهيئة العليا للمفاوضات» ومقرها الرياض. من جهته، قال مسؤول في وزارة المصالحة الوطنية لـ «السفير» إن الأولوية حالياً هي لمدينة المعضمية المحاذية لدمشق من الجنوب، والتي تخضع لحالات جذب وصد ميداني منذ بدايات الأزمة السورية، علماً أن اجتماعاً حدد ليوم الثلاثاء (أمس) للوصول الى اتفاق. ويقود الجيش عملية التفاوض، نظراً لحساسية المنطقة عسكرياً، حيث يجري الحديث الرئيسي عن حوالي 200 مسلح، مع أسرهم، جلهم كان في داريا، على ان يكون بين الخيارات ترحيلهم خارج القطر إلى وجهة يعتقد أنها تركيا. وكان محافظ ريف دمشق علاء إبراهيم قد أكد في تصريحات اذاعية أمس الاول أن «ما يجري حالياً هو حوار لإجلاء المسلحين والدعوة لتسليم السلاح والاستفادة من مرسوم العفو في المعضمية». ووفقا لإبراهيم، فإن «اتفاق المعضمية مختلف عن داريا، بحيث يبقى مدنيو المعضمية هناك من دون مغادرتها، كون وضع المدينة مقبولا بعكس ما حدث في داريا التي ليس فيها بنى تحتية، ومعظم الأبنية مدمرة». وأضاف «في اتفاق المعضمية، سيسمح لمن يريد تسليم سلاحه الاختيار بين البقاء أو الخروج منها»، داعياً المسلحين إلى تسليم أنفسهم والاستفادة من مرسوم العفو لتسوية أوضاعهم والبقاء في منازلهم. وتنقسم المدينة، منذ ثلاث سنوات حين تم إقرار الهدنة، الى أحياء فيها الجيش وأخرى فيها المسلحون، لكنها تخضع جميعها لإدارة الحكومة السورية، وتفصل بينها حواجز شبه مشتركة. ووفقاً لمحافظ ريف دمشق، فإن «لجان المصالحة تجري حوارات في دوما وحرستا وقدسيا لتسليم السلاح وتسوية أوضاع المسلحين» أيضاً.

المصدر : زياد حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة