عندما انتصرت المقاومة اللبنانية بزعامة “حزب الله” على العدوان الاسرائيلي، وصمدت لمدة 33 يوما، واطلقت آلاف الصواريخ في العمق الفلسطيني المحتل قبل عشر سنوات بالتمام والكمال، تغيرت موازين القوى، وسقطت اسطورة التفوق الاسرائيلي، وقدرة سلاح الجو على حسم الحروب، وخسرت اسرائيل قوة الردع، وباتت لا تخيف الا الخائفين اصلا، ومنذ ذلك التاريخ المجيد في تاريخ هذه الامة، بدأت “الغرف السوداء” في الغرب تعقد اجتماعات،  وتضع الدراسات والابحاث الاستراتيجية للوصول الى خطة لمحاصرة هذه الظاهرة، وامتصاص هذا الانتصار، والقضاء على الجيوش العربية، وتفتيت دول معسكر الممانعة بإغراقها في فوضى دموية، واجتثاث عقيدة المقاومة بصورها كافة.

***

لنعود الى الوراء قليلا، وبالتحديد الى تقرير لجنة “فينوغراد” التي تأسست لمعرفة اسباب هذه الهزيمة التي مني بها الجيش الاسرائيلي، بشقيها العسكري والنفسي، والاعترافات المفاجئة التي وردت على السنة الجنرالات والمسؤولين الاسرائيلين الكبار، وتقويماتهم لهذه الحرب، ونستخلص منها النقاط التالية للتذكير واعطاء الفضل لاصحابه، وسط حملات التضليل والتزوير السائدة:

اولا: اقر شمعون بيريس رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بأنه لو كان الامر يعود اليه لما ذهب الى هذه الحرب، لان استعدادات الطرف الآخر كانت متكاملة، والجيش الاسرائيلي لم يكن جاهزا.

ثانيا: دان حالوس رئيس هيئة اركان الجيش الاسرائيلي في حينها اقر بسببين رئيسيين لخسارة قواته هذه الحرب:

    أ: عدم القدرة على وقف هطول صواريخ الكاتيوشا مثل المطر على مستوطنات الجليل ومناطق الشمال عموما (المقاومة اطلقت اكثر من خمسة آلاف صاروخ).

    ب: اطالة امد الحرب لاكثر من ثلاثة وثلاثين يوما (بسبب صمود المقاومة)، وعدم قدرة الطيران الاسرائيلي على حسمها في ايام معدودة، مثلما جرت العادة في كل الحروب السابقة.

    ثالثا: دفاع ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينها عن الانتقادات التي جرى توجيهها اليه وحكومته، وابرزها عدم اصدار قرار بتوغل الجيش الاسرائيلي بريا في جنوب لبنان بقوله “لو دخل جيشنا الى لبنان لما عرف كيف يخرج”، وبذلك تصبح الهزيمة اكثر ضخامة، وكان محقا في ذلك.

    رابعا: توصل العديد من الجنرالات والمسوولين الاسرائيليين، بما فيهم الجنرال حالوتس بأنه لا يمكن هزيمة العقيدة، في اشارة الى المقاومة اللبنانية، والاقرار بأن الجيش الاسرائيلي تحول في هذه الحرب الى “كيس ملاكمة”.

تفتيت العقيدة الاسلامية، من خلال بث “الفتنة الطائفية” وتقسيم المنطقة وشعوبها على اسس مذهبية، من خلال تحريض اعلامي مدروس ومدعوم من “خبراء”، ودعاة متخصصين في هذا المجال، كان هو الرد السريع لعدم تكرار الهزيمة الاسرائيلية، واجهاض الانتصار العربي الاسلامي، واول خطوة في هذا الاطار قرار الجامعة العربية بوضع “المقاومة اللبنانية” على قائمة الارهاب، وفرض حصار تجويعي ظالم على مثيلاتها في قطاع غزة، وبالتحديد كل من حركة “حماس″، وشقيقتها “الجهاد الاسلامي”، ودعم مبطن للعدوانين الاسرائيليين الاخيرين على القطاع على امل استئصال ثقافة المقاومة من جذورها، وتدمير حاضنتها الشعبية والعقائدية، وتنفيرهم منها.

الصورة تبدو قاتمة، ولا يضيرنا الاعتراف بذلك، ولكنها قتامة لن تستمر لفترة طويلة، فحال الانكسار العربي التي نعيشها حاليا، لن تكون اسوأ من مثيلاتها في تاريخنا العربي والاسلامية، وآخرها  هزيمة حزيران عام 1967، وقد يكون الاسرائيليون يرقصون طربا وهم يشاهدون الصراعات الدموية بين ابناء الامة الواحدة والعقيدة الواحدة، ولكنه رقص لن يدوم، علاوة على كونه قناعا زائفا يخفي وجوها قلقة مرتجفة.

حرتسي هاليفي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، قال في مداخلته في مؤتمر هرتزيليا “للمناعة القومية الامنية الاسرائيلية”، الذي انعقد قبل شهر، وضم نخبة من الجنرالات ورؤساء الوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين،  “الحرب المقبلة لن تكون سهلة كون حزب الله حصل على كمية هائلة من الصواريخ من مختلف الابعاد والاحجام، (هناك من يقدرها بستين الف صاروخ)، واكتسب خبرة قتالية جديدة من جراء حربه في سورية، ونحن نعيش في شرق اوسط فقير يشكل حاضنة جديدة للتطرف الديني وزيادة احتمال تسلل مسلحين الى داخل اسرائيل” بالتالي.

***

قبل عامين زرت الجنوب اللبناني، وبلدة مليتا، حيث متحف حرب تموز عام 2006 الذي اقامته المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله، وشاهدت الانفاق التي صنعت النصر، مثلما شاهدت دبابات الميركافا، فخر الصناعة الاسرائيلية مكسورة الهيبة والجناح بفعل ضربات المقاومين الاشداء، واعترف انني شعرت بالفخر، وازدت ايمانا بان هذه الامة، وهذه العقيدة، لن تهزم ابدا.

لن نتحدث في هذا اليوم التاريخي عن المطبعين مع الاسرائيليين، ولا عن المتآمرين على هذه الامة، ومخططاتهم لاجهاض ظاهرة المقاومة الاشرف للاحتلال والغطرسة الاسرائيليين، لاننا لا نريد تعكير صفو الاحتفال بهذا النصر الكبير في ذكراه العاشرة.

هذه الامة.. وهذه العقيدة.. ستنهض من كبوتها الحالية حتما، مثلما نهضت من كبوات اكبر واخطر في الماضي، والمسألة مسألة وقت وتوقيت، وصبر وايمان، وكلها عناصر مدفونة تحت رماد جمر ملتهب.. والايام بيننا.

  • فريق ماسة
  • 2016-08-13
  • 12552
  • من الأرشيف

في الذكرى العاشرة لانتصار “تموز″: اسرائيل اكثر قلقا رغم تمزق العرب والفتنة الطائفية..

عندما انتصرت المقاومة اللبنانية بزعامة “حزب الله” على العدوان الاسرائيلي، وصمدت لمدة 33 يوما، واطلقت آلاف الصواريخ في العمق الفلسطيني المحتل قبل عشر سنوات بالتمام والكمال، تغيرت موازين القوى، وسقطت اسطورة التفوق الاسرائيلي، وقدرة سلاح الجو على حسم الحروب، وخسرت اسرائيل قوة الردع، وباتت لا تخيف الا الخائفين اصلا، ومنذ ذلك التاريخ المجيد في تاريخ هذه الامة، بدأت “الغرف السوداء” في الغرب تعقد اجتماعات،  وتضع الدراسات والابحاث الاستراتيجية للوصول الى خطة لمحاصرة هذه الظاهرة، وامتصاص هذا الانتصار، والقضاء على الجيوش العربية، وتفتيت دول معسكر الممانعة بإغراقها في فوضى دموية، واجتثاث عقيدة المقاومة بصورها كافة. *** لنعود الى الوراء قليلا، وبالتحديد الى تقرير لجنة “فينوغراد” التي تأسست لمعرفة اسباب هذه الهزيمة التي مني بها الجيش الاسرائيلي، بشقيها العسكري والنفسي، والاعترافات المفاجئة التي وردت على السنة الجنرالات والمسؤولين الاسرائيلين الكبار، وتقويماتهم لهذه الحرب، ونستخلص منها النقاط التالية للتذكير واعطاء الفضل لاصحابه، وسط حملات التضليل والتزوير السائدة: اولا: اقر شمعون بيريس رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بأنه لو كان الامر يعود اليه لما ذهب الى هذه الحرب، لان استعدادات الطرف الآخر كانت متكاملة، والجيش الاسرائيلي لم يكن جاهزا. ثانيا: دان حالوس رئيس هيئة اركان الجيش الاسرائيلي في حينها اقر بسببين رئيسيين لخسارة قواته هذه الحرب:     أ: عدم القدرة على وقف هطول صواريخ الكاتيوشا مثل المطر على مستوطنات الجليل ومناطق الشمال عموما (المقاومة اطلقت اكثر من خمسة آلاف صاروخ).     ب: اطالة امد الحرب لاكثر من ثلاثة وثلاثين يوما (بسبب صمود المقاومة)، وعدم قدرة الطيران الاسرائيلي على حسمها في ايام معدودة، مثلما جرت العادة في كل الحروب السابقة.     ثالثا: دفاع ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينها عن الانتقادات التي جرى توجيهها اليه وحكومته، وابرزها عدم اصدار قرار بتوغل الجيش الاسرائيلي بريا في جنوب لبنان بقوله “لو دخل جيشنا الى لبنان لما عرف كيف يخرج”، وبذلك تصبح الهزيمة اكثر ضخامة، وكان محقا في ذلك.     رابعا: توصل العديد من الجنرالات والمسوولين الاسرائيليين، بما فيهم الجنرال حالوتس بأنه لا يمكن هزيمة العقيدة، في اشارة الى المقاومة اللبنانية، والاقرار بأن الجيش الاسرائيلي تحول في هذه الحرب الى “كيس ملاكمة”. تفتيت العقيدة الاسلامية، من خلال بث “الفتنة الطائفية” وتقسيم المنطقة وشعوبها على اسس مذهبية، من خلال تحريض اعلامي مدروس ومدعوم من “خبراء”، ودعاة متخصصين في هذا المجال، كان هو الرد السريع لعدم تكرار الهزيمة الاسرائيلية، واجهاض الانتصار العربي الاسلامي، واول خطوة في هذا الاطار قرار الجامعة العربية بوضع “المقاومة اللبنانية” على قائمة الارهاب، وفرض حصار تجويعي ظالم على مثيلاتها في قطاع غزة، وبالتحديد كل من حركة “حماس″، وشقيقتها “الجهاد الاسلامي”، ودعم مبطن للعدوانين الاسرائيليين الاخيرين على القطاع على امل استئصال ثقافة المقاومة من جذورها، وتدمير حاضنتها الشعبية والعقائدية، وتنفيرهم منها. الصورة تبدو قاتمة، ولا يضيرنا الاعتراف بذلك، ولكنها قتامة لن تستمر لفترة طويلة، فحال الانكسار العربي التي نعيشها حاليا، لن تكون اسوأ من مثيلاتها في تاريخنا العربي والاسلامية، وآخرها  هزيمة حزيران عام 1967، وقد يكون الاسرائيليون يرقصون طربا وهم يشاهدون الصراعات الدموية بين ابناء الامة الواحدة والعقيدة الواحدة، ولكنه رقص لن يدوم، علاوة على كونه قناعا زائفا يخفي وجوها قلقة مرتجفة. حرتسي هاليفي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، قال في مداخلته في مؤتمر هرتزيليا “للمناعة القومية الامنية الاسرائيلية”، الذي انعقد قبل شهر، وضم نخبة من الجنرالات ورؤساء الوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين،  “الحرب المقبلة لن تكون سهلة كون حزب الله حصل على كمية هائلة من الصواريخ من مختلف الابعاد والاحجام، (هناك من يقدرها بستين الف صاروخ)، واكتسب خبرة قتالية جديدة من جراء حربه في سورية، ونحن نعيش في شرق اوسط فقير يشكل حاضنة جديدة للتطرف الديني وزيادة احتمال تسلل مسلحين الى داخل اسرائيل” بالتالي. *** قبل عامين زرت الجنوب اللبناني، وبلدة مليتا، حيث متحف حرب تموز عام 2006 الذي اقامته المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله، وشاهدت الانفاق التي صنعت النصر، مثلما شاهدت دبابات الميركافا، فخر الصناعة الاسرائيلية مكسورة الهيبة والجناح بفعل ضربات المقاومين الاشداء، واعترف انني شعرت بالفخر، وازدت ايمانا بان هذه الامة، وهذه العقيدة، لن تهزم ابدا. لن نتحدث في هذا اليوم التاريخي عن المطبعين مع الاسرائيليين، ولا عن المتآمرين على هذه الامة، ومخططاتهم لاجهاض ظاهرة المقاومة الاشرف للاحتلال والغطرسة الاسرائيليين، لاننا لا نريد تعكير صفو الاحتفال بهذا النصر الكبير في ذكراه العاشرة. هذه الامة.. وهذه العقيدة.. ستنهض من كبوتها الحالية حتما، مثلما نهضت من كبوات اكبر واخطر في الماضي، والمسألة مسألة وقت وتوقيت، وصبر وايمان، وكلها عناصر مدفونة تحت رماد جمر ملتهب.. والايام بيننا.

المصدر : راي اليوم / عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة