دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
حلب بانتظار سان بطرسبورغ، وقد تنتظر العمليات العسكرية اللقاء الرئاسي التركي الروسي، قبل ان تحتدم من جديد، او تتضح وجهة العمليات، والصفقة السياسية.
العودة الى ما قبل محاصرة الجيش السوري حلب الشرقية قد تكون الورقة التي حاول الهجوم التركي، عبر المجموعات المسلحة في حلب الحصول عليها، قبل ان يضع الرئيسان التركي رجب طيب اردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، غدا في سان بطرسبورغ، نقطة النهاية على مصالحة تنتظر مصافحة، وربما قبلات الختام. ولكي لا يلتقي الرئيس التركي بنظيره الرئيس الروسي، مهزوما استمات الاتراك، والحزب الاسلامي التركستاني، بالمعنى الحرفي للكلمة، وليس مجازا، بل وانتحروا بالعشرات عند اسوار كلية المدفعية والتسليح والفنية الجوية جنوب غرب حلب من اجل ممر، غير آمن، يبلغ عرضه ٩٠٠ متر، بطول كيلومترين، ويمتد من اطراف العامرية شرق حلب مخترقا الراموسة حتى كلية التسليح، حيث التقت ارتال المهاجمين، بالخارجين من حلب الشرقية وحصارها.
تحسين شروط اللقاء بين المتصالحين، واتمام العرس التركي ـ الروسي، قد يكون فرض اعادة تصحيح ميزان القوى نسبيا، بعد ان اختل كليا لمصلحة الجيش السوري في حلب، مركز الصراع على سوريا. الحرب على حلب من اجل التوازن في سان بطرسبورغ اعلن عنه رجب طيب اردوغان، الذي قال امس الاول ان «النظام حاصر حلب لكن المعارضة اعادت التوازن».
وبالعكس مما كان منتظرا بعد الانقلاب التركي الفاشل، لا يملك الرئيس التركي في لحظة احتدام مواجهة حاسمة مع الجناح الاخر للاسلاموية التركية، وتصفية الاتاتوركية، رفاهية التخلي ايضا عن خمسة اعوام من التدخل في سوريا، او اسقاط ورقة حلب، التي قد تكون آخر اوراق المساومة التي لا يزال قادرا على استخدامها في مواجهة الجميع: الروس والاميركيين والايرانيين، من اجل اعادة صياغة علاقاته بالجميع على ضوئها، او استقبال الادارة الاميركية الجديدة ايا كان القادم الى البيت الابيض، من دون الامساك بمفاتيح الحرب المقبلة على الارهاب، التي ستظل لوقت طويل ورقة رابحة للتدخل في ما يتعدى جنوب الاناضول. وفي لحظة تراجع الجيش التركي وانهماكه لسنوات طويلة بعمليات اعادة هيكلة وتطهير مضنية، ستقلص من دوره الداخلي، والخارجي، لا بد من التعويض عن الخسارة الاستراتيجية العسكرية، ومواصلة استخدام الساحة السورية، ساحة تنافس مع القوى الدولية الاخرى، عبر ما تتيحه اجهزة المخابرات التي لا تزال مخلصة للرئيس التركي، والتي لا تحتاج الا للمجموعات الشيشانية والتركستانية، وتحالف عريض ومنظم من الاخوان المسلمين والسلفيين، لمواصلة التدخل في سوريا.
وليس مؤكدا باي حال، حتى ولو قرر الاتراك تكتيكيا اعتبار ثغرة حلب، وملحمتها الكبرى مجرد عملية تقتصر مفاعيلها على موازنة لقاء سان بطرسبورغ، الا انه من المستبعد ان تستدير السياسة التركية ١٨٠ درجة ، وتغير من تحالفاتها الاستراتيجية مع حلف الاطلسي والولايات المتحدة، لبناء تحالف تكتيكي مع ايران والروس. ان المصالحة الروسية التركية كانت لا تحتاج الى صفقة على سوريا الى ان بدأ الروس بالانخراط جويا عبر «عاصفة السوخوي»، ووضع قدم على الارض السورية.
كان الروس والاتراك والايرانيون ايضا، قد بنوا نموذجا فريدا من العلاقات البراغماتية التي نجحت، مع بعض التوتر، في ارساء فصل كامل بين الملف السوري والحرب بالوكالة بينهم في سوريا من جهة، وبين الوصول الى اتفاقات اقتصادية وتجارية كبيرة من جهة ثانية. وهكذا سارت اتفاقية السيل الجنوبي الروسية التركية، وانشاء مفاعلات نووية روسية في تركيا التي عقدها الرئيسان بوتين واردوغان، على وقع المواجهة في سوريا، وتعايش الروس والايرانيون مع دور تركي كبير في الحرب على سوريا. اردوغان سيذهب في لحظة التوازن الجديدة كما يعتقد الى استنباط حل مشترك او صفقة اقليمية بقوله انه «سيدعو الى مؤتمر اقليمي من اجل الحل في سوريا».
ان استمرار هذا النموذج من العلاقات البراغماتية، قد لا يكون ممكنا اليوم بعد انخراط الروس مباشرة في سوريا والذين اصبحت حدودهم المباشرة مع حلف شمال الاطلسي وتركيا، كما ان هزيمتهم في سوريا، لو كانت ممنوعة فعلا، قد لا تسمح بهذا النوع من العلاقات مع تركيا، التي تشكل رأس الحربة في القتال ضد مصالحهم ومصالح حلفائهم في سوريا، وهو ما ينبغي ان يجيب عليه لقاء سان بطرسبورغ. ورسميا لا تقع سوريا على اجندة اللقاء الذي سيقتصر رسميا، على تفعيل الاتفاقات التجارية، واحياء مشروع السيل الجنوبي، لنقل الغاز الروسي الى اوروبا عبر تركيا.
وجلي اليوم ان الثغرة التي احدثت في الراموسة، ليست وليدة رد الفعل من فصائل حلب على محاصرتها في شرق المدينة، كما روجت لذلك عناوين الحملة الاعلامية، والطرق الاعلامي السعودي والقطري الذي رافق الهجوم على المدينة، بل هي عملية عسكرية، خاض فيها الجيش السوري معارك مع جيش كلاسيكي، يملك اسلحة دبابات ومدرعات، وراجمات صواريخ، وطائرات استطلاع، واجهزة استخبارات ومعلومات وفرتها طلعات طائرة «اواكس» تركية لم تتوقف عن التحليق في المنطقة منذ شهر ونصف الشهر. وتقول المعلومات ان ٣٠٠ آلية، من بينها ٥٠ دبابة هاجمت مواقع الجيش السوري على جبهة تنقص عن ٨ كيلومترات، بالاضافة الى عشرات الانتحاريين.
فمنذ ان بدأت العملية الروسية في حلب نهاية ايار الماضي، وانطلاق التمهيد الناري لها حتى العاشر من حزيران، قبل ان تتقدم الوحدات السورية نحو مزارع الملاح، وتبدأ باقفال طريق الكاستيلو، كان الاتراك يعدون على الفور، غرفة عمليات اضافية في انطاليا، خصصت بعد انطاكيا، لمراقبة تقدم العملية الروسية في حلب. وفي مطلع تموز بدا الاتراك نقل مدرعات، نحو كفر حمرة شمال حلب، تم تعديل ابراجها في مشاغل الجيش التركي، لتسليح «فرقة الحمزة»، و «احرار الشام». وعندما اكتمل الطوق على حلب، في السابع والعشرين من تموز الماضي، فور احتدام المعارك حول حلب، وفي اطار الاعداد لاختراق جنوب المدينة، عبرت الحدود التركية من باب الهوى، الى اعزاز ارتال مؤلفة من مئة شاحنة متوسطة وسريعة، جاءت من ادلب الى تركيا عبر باب السلامة، وحملت ألف رجل من دون اسلحتهم، وعبرت حواجز وحدات حماية الشعب التركية، في منطقة عفرين، واتجهت الى دار عزة قرب حلب، حيث تلقت اسلحتها. وفي مطلع الشهر، نقل الاتراك مجموعات ضمت اكثر من ٨٠٠ مقاتل من «احرار الشام»، كانت تتمركز في اعزاز منذ ثلاثة اشهر، وتشكل جزءا من رتل جاء به الاتراك من ادلب، لتدعيم خطوط المجموعات المعارضة، ومنع تقدم القوات الكردية نحو منطقة باب السلامة انطلاقا من تل رفعت.
وبعد ٢٤ ساعة من القتال المتواصل يومي الخميس والجمعة، وموجتين من الهجمات، لم تكن هناك مؤشرات على احتمال احداث اي ثغرة في الحصار المفروض على حلب الشرقية. وكانت الموجة الاولى من المهاجمين قد انطلقت من قرية المشرفة غرب المدينة، نحو اسوار كلية التسليح ومدرسة المدفعية والفنية الجوية. ودارت المعارك من الساعة الثالثة والنصف من بعد الظهر، حتى الواحدة والنصف ليلا من دون ان ينجح جيش من ستة الاف مقاتل على امتداد الجبهة من اختراق مواقع الجيش السوري. وانتهى الهجوم الثاني مساء الجمعة، بعد انطلاقه منتصف الليل، باسترجاع كافة المواقع التي انسحب منها الجيش السوري، وصد الهجمات عند الراموسة.
وبدأ الخرق في الراموسة، وفي كلية التسليح بحسب غرف العمليات السورية، عند التاسعة من ليل الجمعة، دون ان تكون له مبررات عسكرية او ميدانية، حيث كان الجيش السوري في الكليات العسكرية، وحلفاؤه من مقاتلي حزب الله والايرانيين في العامرية، وجنوب الراموسة في معمل الاسمنت، قد ثبتوا خطوط الاسناد، واوقفوا الموجة الثانية من هجمات يوم الجمعة. واتبع المهاجمون نمط انهاك القوى المدافعة عن المدينة بارسال موجات من المهاجمين والدبابات والانتحاريين، مع ميزة القدرة على ارسال قوات جديدة، بعد كل انتكاسة، لتجديد الهجوم، بالابقاء على ارتال جاهزة في الخطوط الخلفية لمتابعة وتيرة العمليات، فيما لم يستطع الجيش السوري وحلفاؤه تعويض الخسائر، او ارسال تعزيرات الا بعد الموجة الثانية من الهجمات، حيث وصل لواء القدس، من حندرات، ووحدات من الحرس الجمهوري كانت ترابط في الليرمون شمال المدينة، وقوات خاصة تابعة للعقيد النمر سهيل الحسن. وكانت القوات المدافعة قد اوقعت اكثر من ٧٠٠ قتيل ومئات الجرحى في القوات المهاجمة، بفعل كثافة الغارات الجوية، والقصف المدفعي، وشجاعة المقاتلين الذين كانوا يتقدمون لضرب المفخخات المهاجمة الى مسافات قريبة بالصواريخ، ومنع وصولها الى اسوار الكليات العسكرية، واستشهد العديد منهم جراء عصف الانفجارات القريبة. وساد الاعتقاد في غرف العمليات ان استنزاف العدو، سيؤدي الى اجباره على التراجع، وهو ما لم يحصل، فضلا عن عدم اتضاح الاوامر بعد صد الهجمات.
ومن اجل ثغرة دبلوماسية لفلاديمير ورجب، ارسلت القيادة التركية افضل وحداتها. وتقول معلومات التنصت السوري، ان الوحدات التي شاركت في الموجة الثانية من الهجوم تلقت اوامر لمغادرة ساحة العمليات، مع فريقها الاعلامي، والتمركز في شمال حلب. وعند التاسعة وصلت قوات تركستانية صينية الى مسرح العمليات، ضمت عشرات الانتحاريين، الذين تدفقوا من الغرب في وقت واحد مع المدرعات التي تقدمت من الشرق. وامام كثافة الهجوم، صدرت عند الواحدة والنصف فجر الجمعة اوامر بالانسحاب من الكليات والابتعاد عنها، كي يتسنى للطيران قصف المهاجمين. وخلال الليل كان الطيران السوري، وحده دون الروسي، يقاتل المهاجمين، قبل ان يعاود الروس طلعات كثيفة صباح امس.
واذ استطاعت المجموعات المسلحة الحصول على ممر ضيق، الا ان الممر يبقى تحت نيران الجيش السوري. اذ ان عرض الممر لا يتجاوز الـ٩٠٠ متر وطبيعة المواقع التي يتحكم بها شمال الممر «حزب الله» والايرانيون، وجنوبا وحدات العقيد النمر والحرس الجمهوري، لا تسمح بالقول ان الحصار على حلب الشرقية قد سقط. اذ ان الممر لن يكون قادرا على تامين حركة عبور المدنيين، او ضمان سيطرة المسلحين عليه من هجمات الجيش. ومن دون التوسع جنوبا وشمالا، وهو ما سيكون صعبا، من غير المتوقع ان تستمر ثغرة الراموسة لوقت طويل، حيث تستمر عمليات القصف الجوي والمدفعي، لعمليات جديدة، فيما تقول معلومات ان قائد فيلق القدس، قاسم سليماني الذي وصل حلب منذ ستة ايام، للاعداد لهجوم نحو ادلب، سيكون هو ايضا، في عداد الحملة الجديدة، خصوصا ان الايرانيين والعراقيين، استكملوا الاستعدادات لعمليات اوسع.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة